ورشة الكتابة لعلاء الجابر بمهرجان «آفاق» .. أكدَّتْ أن الجميع يمكنهم الكتابة

ورشة الكتابة لعلاء الجابر بمهرجان «آفاق» ..   أكدَّتْ أن الجميع يمكنهم الكتابة

العدد 900 صدر بتاريخ 25نوفمبر2024

بإمكان الجميع أن يكتب؛  حتى وإن لم يسبق له الكتابة، كانت هذه الكلمات هي نظرية الكاتب والناقد «علاء الجابر»، في ورشة الكتابة باستخدام الحواس، وتحديداً الكتابة المسرحية، التي أقيمت ضمن ورش مهرجان «آفاق مسرحية» في دورته العاشرة 2024، والذي أقيم تحت إدارة رجل المسرح النشط «هشام السنباطي» ، وانتهت أنشطته قبل أيام قليلة.

ما قبل الورشة
 قبل الورشة كنت أشاهد انقساماً بخصوص الكتابة، فالمخلصون للكتابة الذاتية، ومن يقدِّمون كورسات وفيديوهات حولها، وحول التدوين، وكيف نعالج أنفسنا بالكتابة، يرون أن بإمكان أي شخص الكتابة ، وأما من يكتبون أعمالاً فنية، روايات /قصصاً /سيناريوهات/ نصوصاً، أياً كان المنتج النهائي، فهم غالباً بالتأكيد يرون أن الشخصيات من خيالهم وإبداعهم الخاص، و بالتالي فالكتابة بالنسبة لهم  ليست متاحة للجميع.

الكل كتب!
اِنضممتُ لورشة الكتابة باستخدام الحواس، وبالصدفة كنت  الوحيدة التي سبق لها أن  درست المسرح أكاديمياً ، أما باقي الزملاء،  فقد كانت مجالات عملهم مختلفة، وعلاقة أغلبهم  بالمسرح لاتتعدى مشاهدته فقط.
 تابعت ما كتبناه على مدار أيام الورشة، التي امتدت لأسبوع ،وتأكدت من مقولة الجابر لنا،  بل وأكدَّها أكثر، حين تحدَّث لنا عن ورشة سابقة قدَّمها في مركز الإبداع  بالإسكندرية، سارداً أسماء الشباب، ووظائفهم المختلفة، والبعيدة تماماً عن الكتابة، والنتيجة أن كلاً منهم؛ حتى من دخل الورشة مصادفة، كتب «نص مونودراما»، وتم نشر هذه  النصوص مجتمعة في كتاب «نحن نكتب مونودراما»  الذي صدر عام 2017 عن مهرجان الكويت الدولي للمونودراما  .

آه من الفضول !
عن نفسي أستطيع القول إنني فضولية جداً، بل حتى أنني حاولت في السنوات الأخيرة تعليم نفسي ألا يأخذني الفضول للتدخل فيما لا يعنيني، فجميعنا يعرف كَمَّ المصائب التي  يجلبها الفضول وحده، ولكن حين  بيَّنَ  الجابر في الورشة على أن الفضول الخلاق، أو الفني  من أهم صفات الكاتب المتميز، مُفرِّقاً بين الفضول (حشر الأنف، ومضايقة الآخرين) والفضول (كثرة الأسئلة في الرأس لخلق إجابات/اِحتمالات عليها)، و عليه نجده يطرح علينا  بشكل مفاجئ مثالاً بسيطاً، ونحن  في دقائق الاستراحة مابين الورشة ، وبما أن الورشة كانت مقامة بإحدى القاعات في وسط البلد، والأرض عبارة عن باركيه خشب قديم، واضح أن  لون الباركيه كان ممسوحاً جزء منه، مما أثار فضوله،  وهنا طرح علينا هذا السؤال : تُرى ماذا حدث هنا  تحديداً في هذه البقعة الممسوحة ؟
 هل مَرَّ هذا المنزل بجريمة قتل، ولدى مسح آثار الدم بمواد كيماوية بَهَتَ لون الباركيه؟ أم أن المنزل نَعِمَ بالركود والهدوء لسنوات، وعدمِ تحريك الأثاث بالتالي؛ اِحتفظتْ أماكن باللون، وأماكن أخرى بَهَتَتْ إثر عوامل التعرية، والزمن، ومرور الأقدام عليها ؟  ذلك هو الفضول الذي زرعه في رؤوسنا ..أسئلة وإجابات، يمكن خلق قصص عديدة منها لأي كاتب.

وبدأت الأسئلة بعدها!
التحفيز صفة هي بالأساس لدَيّ، ولكنها صفة كانت  خاملة إلى حد ما،  لكنني بعد أيام من الورشة،  أصبحت أسير وأنا دائماً متسائلة عن أسباب محتملة؛ لإنحناء سيدة رأيتها بوسط البلد، وعن أسباب وشكل البيت الذي ترَّبى فيه ولد وبنت كثيرو الشتائم بالمترو،  عن متزوجَيْن في سن صغيرة، الزوجة أقوى من الشاب المنفلت أخلاقياً، لا أعلم مصدر قوتها وسلطتها عليه، ولكنه سؤال آخر يجلب إجابات/اِحتمالات مختلفة، تأملتها وتوجّست من حدوث مشكلة معي لمجرد رفضي جلوس الشاب بجانبي، وبجانب زوجته حين فرغ المكان بجانبي! وتساؤلات عديدة صرت أطرحها، أو أفكر بها أمام أي مشهد متحرك، أو ثابت يحدُث أمامي.

الكتابة بالحواس
ماذا يعني تحفيز حاسّة بعينها لنكتب؟ ماذا يعني أن نغمض أعيننا؛ لنركز على حاسة التذوق، أو اللمس، أو الشم، أو السمع؟ هل الأمر ذو فائدة أم هي تجربة تَمُرّ ؟ 
خلال الورشة كتبنا وارتجلنا بناء على تحفيز حواسنا، بالنسبة لي، وعبر إغلاق عينَيَّ، والغوص بداخلي، والنبش في ذكرياتي، أو تحفيز الخيال نحو أشياء مررتُ بها، أو  لم أَمُرَّ بها  قطُّ من قبل،  وكمثال على ذلك، فأنا في حياتي كلها لم أركب ليلاً مع سائق تاكسي ثرثار ، ومع ذلك تخيَّلتْ، وكتبت بناءً على تحفيز الجابر ، وهذا  هو الأمر السارّ الذي ذهبت لحضور الورشة من أجله، فأنا  أريد أن أكتب نصوصاً، ولا أعرف في البدء أين ستأخذني البوصلة، إلى أن اتضح أن البوصلة بداخلي، بل  يكفي (الرج) ليشير السهم.

نبش المخزون..
ما ذكرته من تمارين وتطبيقات حدثت بورشة الكتابة باستخدام الحواس ، لم يكن إلا  جزءاً قليلاً  مما مررنا به من خبرة عملية، بل إنها  خبرات تتجدَّد، وتتغَيَّر وفقاً للأشخاص الملتحقين، وثقافاتهم وعادات وتقاليد بلادهم، فالاستجابة لمحتوى الورشة، وتنوع الكتابات أيضاً يعتمد على اختلاف الشخصيات، واختلاف المخزون بذاكرة كل شخص.
لهذا السبب، وبعد انتهاء ورشة الكتابة باستخدام الحواس للمدرب علاء الجابر ، خرجت بيقين بأنه ليس فقط بإمكان الجميع الكتابة كما كان يؤكد لنا ، بل يجب على الجميع أن يكتبوا، ويسردوا لنا أحداثاً مرّت في حياتهم، أو حتى غرائب صادفتهم أو حصلت لغيرهم ، حتى وإن لم تكن الصياغة في أحسن صورة، لكننا  يجب ألا نترك قلمنا يبرد وينام، مثلما كان  الجابر يوصي  متدربيه.
 


سارة أشرف