الشخصية القبطية المصرية في المسرح المصري رسالة دكتوراه للباحثة إيمان الطباخ

الشخصية القبطية المصرية في المسرح المصري  رسالة دكتوراه للباحثة إيمان الطباخ

العدد 901 صدر بتاريخ 2ديسمبر2024

في رحاب كلية التربية النوعية - جامعة المنوفية - وفي يوم الخميس الموافق 14نوفمبر منحت الباحثة إيمان الطباخ درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز، عن رسالتها التي عنونت ب « الشخصية القبطية المصرية في المسرح المصري »، وتكونت لجنة الإشراف والمناقشة من: أ.د فرج عمر فرج (أستاذ النقد والدراما ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب جامعة بني سويف) مشرفا ورئيسا، أ.د منى حبرك (أستاذ المسرح التربوي المساعد بكلية التربية النوعية جامعة المنوفية) مشرفا وعضوا، أ.د أسماء عبد المنعم أبو الفتوح (أستاذ المسرح والدراما المساعد بجامعة المنصورة) مناقشا خارجيا،، أ.د منى أبو شنب (أستاذ مساعد المسرح التربوي بكلية التربية النوعية ج المنوفية) مناقشا داخليا.
وأوصت اللجنة بمنح الباحثة إيمان عبد الفتاح عبد السلام الطباخ درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع والتبادل.
 وفي مقدمة الرسالة أشارت الباحثة إلى تناول الكثير من كتاب الأدب المصري بشكل عام وكتاب المسرح المصري بشكل خاص، الشخصية القبطية في إبداعاتهم الأدبية. ونظرًا لأن هذه الشخصية لها طبيعتها الخاصة في المجتمع المصري، وتتعامل ويتعامل معها المسلمون من المجتمع المصري بشكل عام، والأدباء بشكل خاص، بنوع من الحذر والحساسية، وخاصة في ظل شعور بعض الأقباط بأنهم أقلية وأنهم مضطهدون، ولا يحصلون على حقوقهم الكاملة في مجتمعهم المصري؛ مما قد يُعد إشكالية للكاتب المسرحي الذي يتناول هذه الشخصية في مسرحه، وخاصة أنه يتخوف من يُحدث فتنة طائفية في المجتمع إذا أظهر هذه الشخصية بشكل يراه بعضهم أنها صورة سيئة، كما أن الكاتب يخشى كذلك من الصدام مع الرقابة على المصنفات الفنية، وعدم التصريح لنصه المسرحي للعرض على خشبة المسرح؛ لذلك، فإن الباحثة ارتأت أن تدرس وترصد خصائص هذه الشخصية كما عكسها كتاب المسرح المصري حتى تقف على كيفية تصوير كتاب المسرح لهذه الشخصية من حيث الكم والكيف. فقامت الباحثة برصد شكل الشخصية ومضمونها ومقدار وجودها في النص المسرحي مقارنة بكم ظهور الشخصيات ذات الديانات الأخرى (خاصة المسلمين)، وهل كانت نسبة تمثيلهم في الشخصيات الدرامية المسرحية مناسبة لعددهم الطبيعي في المجتمع والذي يمثلون فيه حوالي 10% من المجتمع المصري.
وفي تحديدها لمشكلة الدراسة رأت الباحثة أنه يجب أن تقف على مدى تناول كتاب المسرح للشخصية القبطية في مسرحهم من حيث الكم أولًا، وكيفية تصوير هذه الشخصية من حيث الشكل والمضمون ثانيًا. ومن هنا تبلورت مشكلة هذه الدراسة فى التساؤل الرئيس التالي: ما خصائص الشخصية القبطية كما جاءت في المسرح المصري، عينة الدراسة؟
وهنا تتركز أهمية الدراسة في أنها تتناول إشكالية كبيرة لدى المسرح المصري وهي تناوله للشخصية القبطية في نظرًا لحساسية هذه الشخصية في التناول الدرامي، كما أنها تلقي الضوء على إشكالية مسكوت عنها ويتجاهلها الكثيرون من كتاب المسرح ربما خوفًا من تعنت الرقابة أو خوفًا من هجوم بعض أفراد المجتمع عليهم، كما ان الدراسة تعكس خصائص الشخصية القبطية كما صورها المسرح المصري، و تتناول طبيعة العلاقة بين أقباط مصر ومسلميها كما عكستها المسرحيات المصرية عينة الدراسة، كما اشارت الباحثة إلى أن هذه الدراسة تعد الأولى من نوعها في المسرح المصري (في حدود علم الباحثة؛ حيث لم تتوصل الباحثة إلى أي دراسة تناولت هذا الموضوع في مجال المسرح المصري).
وتهدف الدراسة إلى: التعرف على طبيعة وسمات الشخصية القبطية كما عكستها المسرحيات المصرية عينة الدراسة، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على اشكالية طالما عانى ويعان منها المسرح المصري وهي اشكالية تناول للشخصية القبطية في المسرح المصري، ودراسة طبيعة العلاقة بين الأقباط وبين المسلمين داخل المجتمع المصري كما جاءت في بعض المسرحيات عينة الدراسة و التعرف على تاريخ الأقباط في مصر من خلال الجزء النظري من هذه الدراسة.
أربعة نصوص للشخصية القبطية
و اختارت الباحثة أربعة نصوص مسرحية من بين النصوص التي تناولت الشخصية القبطية بشكل واضح وصريح وقامت برصد صورة الشخصية القبطية كما صورتها هذه النصوص. وهذه النصوص هي: « الراهب « تأليف لويس عوض، «راسبوتين» تأليف يوسف وهبي، «ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر» تأليف يسري الجندي، ومسرحية «عقول عطلانة» تأليف عمر فرج.
نتائج الدراسة
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها:
« الراهب »
أن فكرة مسرحية « الراهب» تدور حول صورة الشخصية القبطية في عصر الشهداء وذلك من خلال شخصية الراهب أبانوفر، وقد رصدت الباحثة اضطهاد المسيحيين في مصر في فترة أحداث النص المسرحي، وهي فترة نهاية القرن الثالث من الميلاد، ووانه كان يوجد اختلاف شديد بين رجال الكنيسة حول أحقية زواج المسيحيين من غير المسيحيين، واوضحت أن الزواج المختلط كان مباح حتى نهاية القرن الثالث الميلادي. كما أن الديانة المسيحية كانت مازالت في مهدها، وكانت تُعبد في السر، وكانت الإمبراطورية الرومانية تعتبر الأقباط المسيحيين خونة، ويجب تطهير البلاد منهم. والمسيحيون كانوا يعانون اضطهادًا وقهرًا شديدين من السلطة الحاكمة، كما أن الديانة المسيحية كانت تنتشر انتشارًا كبيرًا هدد الامبراطورية الرومانية نفسها في ذلك الوقت.
في زمن وقوع أحداث مسرحية الراهب كان المسيحيون يختلفون في موضوع صلب المسيح، ورجال الكنيسة في اختلفوا حول طبيعة تعامل المسيحيين مع الأعداء. كما كان المسيحي يخفي ديانته خوفًا من الانتقام منه، في فترة أحداث مسرحية الراهب لـ لويس عوض كانت مصر ممزقة، وتنقسم إلى عشرات الطوائف والشيع، وكانت كل الطوائف رغم اختلافها تتفق على شيء واحد فقط، هو كُره الرومان وكُره المسيحيين.
وأوضحت مسرحية الراهب أن الإمبراطور الروماني دقيانوس كان له دور مهم في نشر الديانة المسيحية في الإمبراطورية الرومانية كلها، صورة الراهب “أبانوفر” متذبذبة بين التشدد الديني الكبير، وبين ملذاته وشهواته الدنيوية، وكان يتسم بالذكاء الشديد، كما يتمتع بخلق ومباديء رائعين، بالإضافة إلى “الطيبة الشديدة”.
« راسبوتين »
وفي المسرحية الثانية « راسبوتين » عينة الدراسة ارتكز يوسف وهبي في رؤيته الفكرية ومعالجته الفنية على إظهار الراهب المنافق المتآمر السكير صاحب البدع والهرطقات الخارج عن التعاليم والوصايا الكتابية المسيحية، وأنه لم يحرص على إثارة عاطفتي الشفقة والخوف على بطل مسرحيته «راسبوتين» بالمعنى الأرسطي؛ لأنه لم يتمسك بالأخلاقيات الحميدة وميثاق الشرف الخاص بالراهب والخصائص التي يجب أن يتمسك بها الراهب عندما يلتحق بالدير وأثناء ممارسة خدمته الرعوية، كما أسقط يوسف وهبي تفاصيل ما حدث في دير «نوفو ديفيتشي « الذي يعج بفضائح الراهب الجنسية المجرمة والمحرمة، و أظهر مدى تأثير الدين على سلام واستقرار المجتمعات الإنسانية. ولم يتطرق يوسف وهبي في مسرحيته إلى إدانة من جانب الكنيسة الروسية للراهب الدجال وتفنيد أقواله والرد على آرائه وبدعه المضلة.
« اليهودي التائه »
وتتلخص شخصية سرحان بشارة سرحان في مسرحية «اليهودي التائه» في أنه كان مسيحي مخلص لبلده وقضيته، وكان طريد وشريد منذ أن احتل اليهود أرض فلسطين، كما أن سرحان كان، ومازال، مُعذب فى الأرض، وقد أُجبر على مغادرة أرضه ووطنه بالقوة، وأصبح بلا وطن وبلا عنوان.
وطوال أحداث المسرحية يبحث الشاب المسيحي: سرحان بشارة عن الحق والعدل ولم يجدهما حتى نهاية المسرحية.
وشخصية المسيح الأمريكي، هي شخصية ترمز للولايات المتحدة الأمريكية، وهى سيدة هذا العالم في مسرحية اليهودي التائه، كما أنها هي القاضي والجلاد ولا يعنيها شيء سوى منفعتها الذاتية فقط، وقد استطاعت بذكائها السيطرة على العالم بدعوى الحرية والعدل التي تريد أن تنشرهما في العالم. وسرحان فى مسرحية اليهودى التائه انتظر كثيراً لكى يحصل على حقه حتى أصابه اليأس والإحباط فى تحقيقه، بل عندما أبصر العالم على حقيقته وأدرك كم الظلم الذى فيه لفظ هذا العالم تماماً، وأصبح غير راغب فى أن يعيش فيه. ويصور النص شخصية سرحان بالشخصية الساذجة البلهاء، فهو يعيش وسط هذا العالم بشكل ساذج أبله، لا يعرف كيف يتعامل أو يتكيف معه، لا يمتلك الذكاء، ولا يمتلك القوة، لذلك فهو لا يعرف كيف يسترد حقوقه المغتصبة.
« عقول عطلانة »
تدور مسرحية «عقول عطلانة» للمؤلف عمر فرج داخل منزل قس مسيحي. وفي النص أربعة شخصيات قبطية من بين عشرة شخصيات رئيسة في المسرحية.
مرقص هو قسيس متدين تدينًا وسطيًا، منفتح على كل الأديان، عرف بالتسامح وتقبل الآخر، ومرقص شخص حكيم وشجاع وهادئ الطباع ومثقف ومستنير وواثق من نفسه، ويتمتع بذكاء كبير. وبالرغم من أن مرقص رجل دين مسيحي إلا أنه يحفظ آيات كثيرة من القرآن، ويحفظ بعض أحاديث السنة النبوية المطهرة، بل يفسر بعض آيات القرآن بشكل دقيق، وكذلك يعرف تفاسير يعض أحاديث الرسول محمد (ص)، بل قام بتأليف كتاب عن مقارنة الأديان، وهو يدرك تمامًا أن المتطرفين الدينيين الذين ظهروا في النص المسرحي «عقول عطلانة» لا يمثلون الإسلام الحقيقي، بل هم تجار دين، والإسلام منهم بريء.
ومرقص يعي ويحترم أئمة الإسلام الذين يمثلون الأزهر الشريف، ويعي أن هؤلاء الإرهابيين بعيدين كل البعد عن الدين الإسلامي الصحيح، وأنهم يستغلون الدين الإسلامي ويستغلون جهل بعض المسلمين بدينهم الصحيح في تحقيق أهدافهم ومصالحهم الشخصية.
وهو مؤمنا إيمانًا راسخًا بعقيدته المسيحية ويدافع عنها دفاعًا مستميتًا، كما يدرك أن المسلمين مؤمنين إيمانًا راسخًا بدينهم الإسلامي. ولم يبال مرقص بتهديدات الإرهابيين بقتله هو وأسرته.
وبالمسرحية شخصيات كريستينا ومينا وماري أفراد أسرة القس مرقص وكل منهم له شخصيته وصفاته، ما بين التسامح والتدين والذكاء والتضحية.
وفي المسرحية نجح المؤلف مسرحية في بناء حبكة درامية مقنعة ومنطقية. وجميع شخصيات المسرحية التقوا في مكان وزمان واحد، ولكنهم ظهروا كقوتين متضادتين فكريا ودينيا يظهر التناقض والجدل الديني حول مفهوم الحق والقيم الإنسانية المغلوطة، والذي لا يلبث أن يتحول إلى صراع ظاهري عندما تنكشف حقيقة القس مرقص، ويبدأ الصراع في المواقف الفكرية ذات الأبعاد السياسية والدينية المرتبطة بالإرهاب العالمي، وما يتضمنه من تقيحات وترهلات بفعل تسرب الأفكار التكفيرية والإرهابية إليه.
توصيات الدراسة
 أوصت الدراسة بضرورة محاربة الكنيسة المصرية البدع والهرطقات التي يقوم بها بعض من الرهبان والقساوسة.
 ضرورة تجديد الخطاب الديني المسيحي، أسوة بتجديد الخطاب الديني الإسلامي، لمواجهة الإلحاد والبدع والهرطقات والانحرافات الفكرية في المجتمع المصري.
 كما أوصت الدراسة بعدم إقحام رجال الدين في الشئون السياسية للبلاد.
 


سامية سيد