المخرج محمود مصطفى: التحضير لعرض «أحمس» تطلب توازناً دقيقاً بين الحركة والتمثيل

المخرج محمود مصطفى: التحضير لعرض «أحمس» تطلب توازناً دقيقاً بين الحركة والتمثيل

العدد 901 صدر بتاريخ 2ديسمبر2024

قدمت فرقة الرقص المسرحى الحديث ضمن احتفالات دار الاوبرا المصرية بذكرى انتصارات أكتوبر. عرض «أحمس»، على مسرح الجمهورية والعرض تصميم وإخراج محمود مصطفى. المخرج أحد المخرجين الشباب، الذي حقق نجاحات ملحوظة، استطاع أن يجذب الأنظار بأعماله المميزة، حيث نجح في تقديم عروض تدمج بين الدراما والرقص بطريقة مختلفة. أحدث أعماله هو «أحمس». العرض بطولة النجوم يحيي أحمد، د.كمال عطية، حمزة العيلي، د.عبدالله سعد، سميرة عبد العزيز. الديكور أحمد زايد، وملابس هالة محمود، والإضاءة ياسر شعلان والإعداد الموسيقي خالد درويش، دراماتورج د.مصطفى سليم. والعرض تصميم وإخراج محمود مصطفى. والذي التقينا معه ليكشف لنا عن كواليس تحضير هذا العرض، رؤيته الفنية، والتحديات التي واجهها.
حدثنا عن بداياتك ؟
درست في معهد الباليه بأكاديمية الفنون، قسم تصميم وإخراج، وانضممت إلى فرقة الرقص الحديث كراقص في عام 2006. في عام 2011 بدأت مشواري في الإخراج، وكان عرض «كاليجولا» أول أعمالي مع الفرقة، من بطولة يحيى أحمد، وعرض« لحظة » وقدمت العديد من العروض الأخرى . خلال تلك الفترة، شاركت في العديد من الورش التدريبية داخل الفرقة وخارج مصر، كما عملت في ورش تدريبية في ألمانيا وغيرها حيث أحرص على المشاركة بشكل دوري في ورش العمل لتطوير مهاراتي. أما عرض «أحمس»، فقد تم تقديمه ثلاث مواسم حتى الآن، حيث يُعرض داخل الأوبرا لمدة ثلاثة أيام ضمن الموسم الذي يضم العديد من العروض لأنه يعرض ضمن أعمال الريبرتوار إلى جانب العروض الجديدة. وقد عرض «أحمس» لأول مرة في عام 2018، ونستمر دائما في تحديث العرض باستمرار على مستوى الملابس، الصورة، الديكور، والإضاءة.
حدثنا عن فكرة عرض «أحمس» ؟ وما الذي جذبك لاختيار هذا العمل؟
عرض «أحمس» قمت بتجهيزه مع د. مصطفى سليم، رحمه الله، واستند إلى الفكرة التي كنت أرغب في العمل عليها، وقام بدور الدراماتورج للنص. كنت أريد أن يشارك ممثلون في العرض، وهو ما لا يُعد تقليدياً في عروض الرقص الحديث التي عادة لا تضم ممثلين إلى جانب الراقصين. كان الأمر صعباً لأن عدد الممثلين هذه المرة كان أكبر بكثير من عرض «كاليجولا»، الذي ضم ممثلا واحداً فقط، بينما في «أحمس» شارك خمسة ممثلين، حينما بدأت التحضير مع د. مصطفى سليم، وكتب النص بطريقة أقرب إلى المسرح، مما جعل الموضوع أكثر درامية. لهذا السبب، قمنا بحذف العديد من المشاهد وحولنا بعضها إلى رقص وبعضها إلى صورة حتى يكون الأمر مختلف عن كونه عرضا مسرحيا.
 العرض يعبر عن دراما المقاومة والانتصار، واستعادة الأمن، وطرد فساد وإرهاب أتباع إله الشر وقاتل أوزوريس، رمز الخصوبة والنماء. حيث شكل شعب مصر وجيشها وجهين لعملة واحدة؛ ولذلك، ومنذ فجر التاريخ، أُطلق عليها «مقبرة الغزاة».
كيف كانت عملية التحضير للعرض؟ وما التحديات التي واجهتك خلال التجهيز له ؟
كانت عملية التحضير للعرض معقدة للغاية، حيث تطلبت تنسيقاً كبيراً بين الراقصين والممثلين. من أكبر التحديات التي واجهتها كانت كيفية إقناع الراقصين بوجود ممثلين بجانبهم كان من الضروري أن يفهم كل منهم دوره وكيف يمكن أن يتكامل مع الآخر، حيث يؤدي الراقص حركاته بينما يعبر الممثل عن الدراما وأحيانا يلتقوا سويا. تطلب الأمر عملاً كبيراً لإيجاد توازن بين الحركة والدراما، حيث كان كل منهم مهماً في منطقته الخاصة. كنت محظوظاً لأنني تعاونت مع بعض من أفضل الممثلين والراقصين في مصر، لكن ذلك أيضاً زاد من التحدي. فبينما تعتمد عروض الرقص بشكل رئيسي على الراقصين، فإن إدخال ممثلين يجعل الأمور أكثر تعقيداً، خاصةً عندما يتعين على الراقصين الأداء أثناء وجود حوار. لكن العمل الجماعي والتواصل المستمر ساعدنا في تجاوز هذه التحديات.
ما هي الرسالة الرئيسية التي أردت أن تصل إلى الجمهور من خلال هذه المسرحية؟
العمل درامي راقص (dance theatre)، حيث إن هذا النوع يتميز بأشكاله المتنوعة، ومنها هذا الشكل أو الشكل الفرنسي، وهو مختلف تماماً عن العروض المسرحية التقليدية. ورسالتي هي رغبتي في التأكيد على أهمية تاريخنا وضرورة العودة إليه باستمرار، لنفخر به، لأن التاريخ يعيد نفسه. بالنسبة لعرض “أحمس”، نحن في وقت نواجه فيه تحديات مع الإرهاب، تماماً كما كان أحمس يطرد الغزاة والهكسوس في الماضي.
الموضوع متشابه، ويهمني معرفة الأجيال الجديدة بتاريخنا، حيث إن القليل من الناس يقرؤون أو يطلعون عليه. لذلك، نحاول تقديم تاريخنا وتراثنا في شكل درامي راقص، مما يجعل الأمر أكثر سهولة للمتلقي، وخاصة للشباب والجيل الجديد. فكل زمان يحمل أعداءه ومعتدين يحاولون اغتصاب البلاد من خلال الأطماع وما يُفرض علينا. فدائما هناك أيضا من يتصدى لذلك، بدءا من محاولة طرد الهكسوس وصولا إلى محاربة الإرهاب في الوقت الحالي.
وتكمن أهمية تلك العروض في أن هذا التحدي المستمر يعكس الروح القتالية للشعوب، ويظهر كيف أن النضال من أجل الحرية والاستقلال هو جزء أساسي من تاريخنا. من خلال عرض “أحمس”، أردت أن أُبرز هذا السياق التاريخي والدرامي، لنعيد التذكير بأهمية الوقوف ضد الظلم والاعتداء، سواء في الماضي أو الحاضر.
هل كان لديك مرجع تاريخي محدد أو مصادر معينة استندت إليها ؟
كان من المهم جداً الاعتماد على مراجع والاطلاع على كتب ودراسات دكتور سليم حسن ونجيب محفوظ، حيث إن الأخير مؤلف«كفاح شعب طيبة». رغم اختلاف الموضوع، إلا أن المراجع التاريخية كانت ضرورية جداً، نظراً لأننا نتناول فترة محددة تتطلب دقة في تصويرها. فهناك أشياء لم نستطع تغييرها مثل أشكال التيجان، الملابس، السيوف، الدروع، والديكورات والنقوش الفرعونية، وكذلك البرديات. لذلك، حاولت تقديم أقرب صورة ممكنة لما كان موجوداً في تلك الحقبة.
كيف عملت عناصر العرض على تحقيق رؤيتك ؟
بالنسبة للديكور، نفخر أنه لدينا أهم المهندسين والحرفيين المتواجدين داخل الأوبرا. فقد عقدت جلسات مع مهندس الديكور أشرف زايد، ورسمنا الخطوط الأساسية للتصميم. بدأنا التطوير حيث قمنا باستخدام الإسقاط الضوئي، المابينج، بشكل أكبر بالتعاون مع المهندس رضا صلاح لإضفاء بعد جديد على العرض، مما ساعد على خلق تجربة بصرية غنية تتماشى مع الرؤية الدرامية التي أريد تقديمها. وبدأنا نتشاور حول شكل القبة، ودرسنا النقوش التاريخية والمخطوطات والسيوف، وكيفية تصوير الحقبة الهكسوسية. فيما يتعلق بالإضاءة، فكان المصمم حسين شعلان هو المسؤول عنها، وملابس العرض كانت من تصميم هالة محمود. والحقيقة أنني كنت أناقش كل عنصر على حدة للوصول إلى أفضل صورة ممكنة.
قمنا بمشاهدة تلك العناصر عن كثب، وحرصنا على أن تعكس الملابس تلك التفاصيل التاريخية. لقد قمت بإعداد العرض في ثلاث سنوات مختلفة: 2018، 2021، و2024. وعلى الرغم من قلة ليالي العرض، كنت أعمل في كل مرة على تطوير الجوانب السينوغرافية والملابس. هذا العام، استخدمت تقنية المابينج
حدثنا عن الاختيارات الموسيقية والرقصات في العرض وكيف عملت عليها لتعزز من التجربة الدرامية؟
عملت على إعداد الموسيقى بعناية، عقدت جلسات مع المهندس خالد درويش، حيث كان من الصعب استخدام مقاطع موسيقية لم تُسمع من قبل، لأن التأليف الموسيقي يتطلب تكاليف مرتفعة. لذا، قمت بالتركيز على إعداد موسيقي يتناسب مع العرض.
بعد ذلك، بدأت العمل مع الممثلين على كيفية استخدام تقنية الفويس أوفر على الموسيقى. كان هذا الأمر أيضاً يمثل تحديا للراقصين، لأنهم لم يعتادوا على سماع الحوار مع الموسيقى في نفس الوقت. وجود كلا العنصرين معاً زاد من صعوبة تصميم الرقصات.
كيف تسهم الموسيقى والسينوغرافيا بشكل عام في بناء العرض الراقص وتكامل عناصره؟
الموسيقى تلعب دوراً أساسياً فلابد أن تعبر عن المشهد الدرامي، ونستطيع من خلالها طرح الأفكار وربط المشاهد معاً، حيث يتم اختيارها بعناية لتتناسب مع المشاهد الدرامية وتحويلها إلى مشاهد راقصة. أحب تقديم شكل فني يجمع بين الموسيقى، والاستعراض، والدراما، وذلك لضمان تكامل جميع العناصر المسرحية. لا أفضّل الاعتماد على نوع سواء الرقص أو المسرح، بل أسعى دائماً لتحقيق تناغم بين مختلف العناصر لتحقيق تجربة فنية شاملة.
ما هي المعايير التي تم بناء عليها اختيار عناصر العمل؟
أعتبر نفسي محظوظا لأنني استعنت بمجموعة من الممثلين المتميزين. كانت سميرة عبدالعزيز تجسد شخصية توتي شيري، وأضفى وجود الراوي، د. كمال عطية، عمقًا على العرض، كان دور أحمس من نصيب يحيى أحمد، بينما قام حمزة العيلي بدور ملك الهكسوس، بالإضافة لدكتور عبدالله سعد. وجميعهم ذوو تاريخ كبير، فهذه التشكيلة الموهوبة من الممثلين كانت أحد العوامل الأساسية في نجاح العرض.
حدثنا عن عملك مع فرقة الرقص الحديث والتعاون مع الفنان وليد عوني وما الذي استفدته من تجربتك معه؟
كنت أعمل كسيوليست راقص وأقوم بالأدوار الأساسية في العروض. كان لي الشرف العمل مع وليد عوني، حيث جمعنا الكثير من الأعمال معاً. وفي عام 2011، بدأت أعبّر عن رغبتي في الإخراج، وكنت محظوظاً بتقديمي أول عروضي «كاليجولا».طيلة الوقت هناك تغييرات مستمرة في الراقصين، حيث كان ينضم إليّ راقصون جدد، مما جعلني أتعامل مع كل جيل بشكل مختلف. بالطبع، استفدت كثيراً من وليد عوني، الذي يُعد من أفضل المتخصصين في السينوغرافيا في مصر. تعلمت منه كيف أقرأ المشهد وكيفية وصول ي للمتفرج من خلال الحركة.
تم الاستعانة بعرض لحظة في بوستر المهرجان التجريبي الدورة ال30 كلمني عن ذلك وأثره عليك ؟ وحدثني عن هذا العرض ورسالته ؟
عرض «لحظة» يُعتبر من أهم العروض في حياتي، لأنه يحمل طابعاً خاصاً وشكلاً مختلفاً عن الأعمال الأخرى. فهو يتناول أهم لحظات الإنسان من الولادة للممات، حيث أردت أن أعمل عليه بدون الاعتماد على الدراما التقليدية، فركزت بشكل أساسي على الصور السينوغرافية والمسرحية. وكان من الرائع أن يتم اختياره كبوستر رسمي للمهرجان، مما زاد من سعادتي وفخري بهذا الإنجاز.
شاركت في العديد من المحافل الدولية في ليبيا وغيرها حدثنا عن هذه التجارب وأهميتها بالنسبة لك؟
شاركت في العديد من المحافل والمهرجانات في دول مثل ليبيا، دبي، إيطاليا، البحرين، ومصر، وقد استفدت كثيرًا من كل هذه التجارب. كانت فرصة رائعة لي لمشاهدة عروض بشكل أكبر ومتميزة، حيث أحببت رؤية التنوع في الصور المسرحية والألوان المتباينة بجانب بعضها. كما كنت أراقب كيف استطاع المخرج أو المصمم إيصال رؤيته إلى المشاهد.مما أضاف لي الكثير.
ما السبب في شغفك بهذا النوع من العروض بعيدا عن العروض التقليدية؟
شغفي بعروض الرقص المسرحي الحديث ينبع من كونها تتسم بنوع معين من الرقص الذي يفتح آفاقاً أوسع للتعبير الفني. هذا النوع من الرقص يتسم بالتجديد المستمر والتحديث، مما يجعله بعيداً عن التقليدي. يمكنني رؤية كيف أن كل عرض يحمل تجربة جديدة، سواء في الأسلوب، أو في التوجهات الفنية، أو في الرسائل التي ينقلها. هذه الديناميكية تسمح لي كفنان أن أستكشف مختلف الأشكال والتقنيات، وأعبر عن نفسي بطرق جديدة ومبتكرة.
على الرغم من وجود الكثير من الشخصيات في تاريخنا إلا أنه يعاد ما تم إنتاجه ولا تنتج عروض مشابهة جديدة فلماذا؟
هذا النوع من العروض قد يكون باهظ التكلفة، لكن هناك دائمًا عروض جديدة تُنتج، وفي النهاية كل مخرج يعمل على ما يريده حسب رؤيته. بالنسبة لي، يعتبر عرض «أحمس» جزءا مهماً من عروض الريبورتوار، لذا من الضروري إعادة عرضه سنوياً إلى جانب الأعمال الجديدة.
إعادة عرض هذا العمل ليست فقط فرصة لجذب جمهور جديد، بل أيضاً لإعادة تقديم الرسالة والفكرة التي يحملها العرض. أرى أن هذا النوع من العروض يُعزز من مكانتنا الثقافية ويُذكر الجمهور بتاريخه الغني، مما يُسهم في الحفاظ على التراث الفني ويعطي فرصة للجيل الجديد للاستفادة من هذه التجارب القيمة.
كيف ترى دور فن المسرح في إحياء الذكريات التاريخية وتعزيز الهوية الثقافية؟
من المهم حقًا أن نعمل على تقديم بعض الروايات التي تركز على المقاومة والانتصار، خاصةً أن هناك أجيالاً جديدة لا تعرف الكثير عن تاريخها. قد يسمع البعض عن هذه القصص، لكن الأمر يختلف تماماً عندما تُعرض على المسرح من خلال الرقص أو الغناء أو التمثيل. فاستخدام الفنون المختلفة لتقديم هذه الروايات يجعلها أكثر حيوية وتأثيراً، مما يساعد الجمهور على التواصل بشكل أعمق مع المحتوى مما يسهم في تعزيز الهوية والانتماء.
كيف تختار الراقصين المشاركين في العروض؟ وهل تعتمد على تدريبات معينة لتطوير أدائهم؟
عند العمل مع فرقة الرقص، أعتمد على الفرقة الموجودة، التي لديها تدريبات يومية منتظمة، وهذا يساعد في الحفاظ على لياقة الراقصين وتطوير أدائهم بشكل مستمر. ثم أبدأ بتوزيع الأدوار بين أفراد الفرقة، بحيث يُمنح بعضهم أدواراً رئيسية، بينما يشارك الآخرون في أداء المجموعة، والمميز في عروضنا،أننا لا نعتمد على بطل واحد فقط، فكل عرض يكون البطل مختلف.
هل لديك رؤية أو أفكار رئيسية تتبناها وتسعى إلى إيصالها للجمهور من خلال أعمالك الفنية؟
أفكر كثيراً في العمل على التراث المصري والروايات التاريخية، وأطمح إلى إعادة تقديمها بشكل مختلف في جميع الأماكن السياحية. أرى أن إحياء تراثنا وتاريخنا في هذا الأماكن يمكن أن يحقق تأثيرا كبيراً، ويمنح الجمهور تجربة فنية غنية ترتبط بجذورهم. كما أنني أؤمن بأن مثل هذا المشروع يمكن أن يُحقق عائداً لوزارة الثقافة. حالياً، أعمل على تطوير هذا المشروع، واعتزم تقديمه لوزارة الثقافة وأتمنى أن يجد الدعم اللازم لتحقيقه، فأعتقد أن تقديم هذه القصص بطريقة مبتكرة يمكن أن يسهم في تعزيز الوعي الثقافي ويجذب المزيد من الزوار، حيث أطمح إلى استخدام الفنون المسرحية والرقص لتقديم تجربة غنية تعكس جمال تراثنا التاريخي وتساهم في نشره بطرق جديدة وجذابة وتساهم في تنمية السياحة الثقافية.


روفيدة خليفة