العدد 901 صدر بتاريخ 2ديسمبر2024
مقدمة :
ــ تتجه المدرسة الحديثة في التربية صوب إعداد الطفل عقلياً وشخصياً أكثر مما تتجه نحو تزويده بالمعلومات ، فهي تؤهله إلى اكتشاف العالم المحيط به والتفاعل معه، ولأن التعليم بالخبرة المباشرة له أفضلية على الطريقة التلقينية، وحيث أن المسرح بشكل عام يتيح التفاعل المباشر بين المؤدي والمتلقي، لذلك تعتبر مسرحة المناهج من أنجح الوسائط التربوية لتحقيق الخبرة المباشرة سواء للمؤدي والمتلقي معاً، ذلك الأمر الذي يخرج بالعملية التربوية من كونها معلومات تملأ عقل الطفل ، إلى خبرات يكتسبها الطفل المتعلم لكي يتفاعل مع حياته بشكل أفضل، علاوة على إنها خبرات باقية الأثر، والمسرح هنا يستخدم كوسيلة تعليمية هامة لشرح الدروس وتبسيطها وتجسيدها في صورة سمعية بصرية تعمل على إعمال العقل، وإثارة انتباه المتعلم، والمسرح هنا يصبح وسيلة وليس هدفاً في حد ذاته، فهو يتم استخدامه واستثماره لصالح المواد الدراسية ... ومن ثم يصبح أسلوباً تعليمياً ناجحاً، بل ووسيلة إيضاح أيضاً (1)
الدراما المبتكرة والإطار التعليمي :
تعد «الدراما المبتكرة» Creative Drama إحدى طرائق مسرحة المناهج في التنفيذ، وجدير بالذكر أن مسرحة المناهج تحقق أغراضاً تربوية منها:
ــ علاج المظاهر الانطوائية عند الطفل، واكتساب الأطفال مهارات الحديث وتنمية خيالهم وأفكارهم وقاموسهم اللغوي المفاهيم،وتنمية القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، والكشف عن الميول الحقيقية لدى الأطفال.
ــ تنمية الحس اللغوي بالاهتمام بالعروض التي تصاغ باللغة العربية السليمة،وتفسير و تيسير بعض المقررات الدراسية و المفاهيم العلمية المتنوعة من خلال الإعداد الدرامي لها في عروض قصيرة تقدم داخل الفصل الدراسي،وتنمية الانتماء و حب الوطن من خلال الموضوعات المسرحية التي يتم اختيارها متضمنة بعض الأحداث التاريخية الهامة في تاريخ الوطن أو التي تقدم بعض النماذج الإيجابية من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الوطن، والتدريب على التعاون و العمل الجماعي المشترك وإتاحة الفرصة لنمو القدرات الفردية و الجماعية .
وفي ضوء ما سبق تحقق مسرحة المناهج عدة أبعاد منها:
ــــ البعد الفني: وهو يتمثل في تنمية الوعي المسرحي بالالتزام بأخلاقيات المسرح، وتنمية التذوق الفني في مجال المسرح، إضافة إلى الكشف عن المواهب المسرحية ورعايتها فنيا و العمل على تنميتها، و يأتي ذلك عن طريق زيادة رقعة النشاط المسرحي داخل المدرسة أثناء العام الدراسي .
ـــ البعد التعليمي: وهو يتمثل في نشر الفكر والثقافة، وخدمة المنهج الدراسية عن طريق مسرحة بعض الموضوعات الدراسية، والتعود على النطق الصحيح و الالتزام بقواعد اللغة العربية الفصحى،والاستفادة من مسرح العرائس وتشغيله لخدمة المادة التعليمية حيث انه من الوسائل المحببة لدى الأطفال و خاصة في المراحل الأولى من التعليم. من خلال المسرحيات التعليمية التي تعتمد على مسرحة المناهج أو المسرحيات الموسمية التي تقدم من خلال الأنشطة المسرحية .
ــ ومن خلال مسرحة المناهج يمكن للطفل اكتساب العديد من القدرات مثل: الربط بين المفاهيم و التعميمات، وتقويم الحقائق والبراهين بصورة نقدية وابتكار طرق و أفكار جديدة في تعامله مع المحتوى .
ــ والكثير من المربين قد أخذوا يفكرون جدياً في استخدام الدراما كوسيلة من وسائل الإيضاح في تدريس الكثير من المواد الدراسية، وقد تكونت هذه الفكرة بعد أن لاحظوا مدى تأثير البرامج التعليمية التي يقدمها التليفزيون، فالدراما في المدارس تساعد الأطفال وسائر المتعلمين في كافة أعمارهم السنية بطرق كثيرة، فهي وسيلة تحقق المتعة والتمرين الجيد ، وهي وسيلة أيضاً لتطوير ثقتهم بأنفسهم، وإثارة خيالهم، وزيادة تقارب الروح الجماعية.
ــ وبناء على ما سبق فإن استخدام المسرح في مجال التعليم بأسلوب مسرحة المناهج يعني وضع المادة العلمية في إطار مسرحي.
ــ ومن مميزات هذه الطريقة هي إنها تعمل على أن يندمج الطفل إيجابياً مع العلوم التي يتلقاها، بدلاً من أن يكون موقفه منها سلبياً، مما يؤدي إلى تيسير الفهم وتعميق الأثر، وسهولة التذكر في قالب محبب إلى قلوبهم وأذهانهم، فيمتزج التحصيل بمتعة اللهو، وذلك لأن المادة الدراسية أصبحت مرتبطة بخبرة معاشة في إطار مسرحي، ولا يشترط أن تؤدى هذه العروض على خشبة المسرح، وإنما الفصل الدراسي يعد أنسب الأمكنة لها، كما يجب أن يراعي المعلم أن يجعل جميع الأطفال مشتركين في تقديم المسرحية، حتى يحفظوا كل الأدوار الموجودة والتي هي في حقيقة الأمر تعبر عن مضمون المحتوى الدراسي.
الدراما المبتكرة و الإطار الفني:
وللدراما المبتكرة عدة مستلزمات هي : مجموعة أطفال، وقائد أو معلم مؤهل ، ومكان يتسع لحركة الأطفال بحرية وسهولة وهو ليس محدد فيمكن أن يكون في الفصل أو في الهواء الطلق، أو أي مكان مفتوح، وفي أي وقت أثناء أو بعد ساعات الدراسة، فهي ليست محددة بوقت أو بأمد محدد، ( 2) إضافة إلى فكرة يدور الإبداع حولها.
ــ وتهدف الدراما المبتكرة من خلال عمل الجماعة وتفاعلها إلى تطوير حرية التعبير الجسدي، والأحاسيس والمهارات اللغوية، وتزيد الثقة بالنفس، والوعي والفهم الذاتي، وهي تطلق العنان للإبداع الكامن في كل طفل وتمده بالسعادة ، ولذلك فهي تصلح أن تكون أسلوباً تربوياً متكاملاً وطريقة يفاد منها في جميع جوانب تربية الطفل سواء في مجال التثقيف والعلاج النفسي (3)
ــ والدراما المبتكرة في المجال الدراسي عبارة عن فكرة يحاول أن يستخرجها المعلم من الأطفال ، أو هي فكرة يطرحها عليهم، ثم يبدأ الجميع من خلال ذواتهم ابتكار مواقف وشخصيات وحوار في إطار هذه الفكرة ـــموضوع الدرس المقرر ــ بصورة مرتجلة في الحوار والحركة ويمكن في ضوء ذلك أن تتحول إلى نص مسرحي.
ــ ومن هنا يتضح، عدم وجود نص، فالفكرة والموقف تبتكر من جانب الأطفال أنفسهم، كما أن الاعتماد على الوسائل الفنية ( الملابس، المناظر الملحقات...) في ذلك النوع يعتمد على ما هو متاح داخل الفصل مع استخدام الأدوات البسيطة التكلفة، والتي يمكن أن يصنعها الأطفال من خامات غير مستعملة، كما يمكن استخدام الموسيقى في خلق جو وجداني خاص بنفس الموضوع ، لأنها تحث على الرغبة في التعبير، وتدخل الأطفال في جو من المعايشة لما يقدم .
ــ يمثل مجموعة الأطفال المقدم إليهم تلك الدراما الجمهور نفسه ، فلا يوجد جمهور بالمعنى المتعارف عليه، ومن ثم يستطيع المعلم أن يقسم الأطفال إلى مجموعات، بحيث تكون كل مجموعة يتراوح عددها ما بين خمسة عشر إلى ثلاثين طفلاً أو خمسة وثلاثين طفلاً، وتؤدي كل مجموعة العمل المقترح مع التناوب مع المجموعات الأخرى.
ــ ولكي يصبح دور الدراما المبتكرة إيجابياً وفعالاً، يجب على المعلم أن يشيع روح الود والطمأنينة لدى الأطفال حتى لا يشعرون بالخجل ولكي يعبر كلاً منهم عن مكنون نفسه بحرية وتلقائية .
ــ وعلى المعلم أن يستخرج الأفكار من الأطفال أنفسهم وذلك بإثارة أفكارهم بأسئلة مجردة مفتوحة تحلق بهم إلى عالم الخيال، على أن تكون مستمدة من واقع الموضوع الممسرح، أو أنه يطرح عليهم أفكاره ويجعلهم يطورونها، وعلى المعلم أن يختار شكل حجرة الدراسة بما يتلاءم مع الموضوع المطروح معالجته مسرحياً.
ــ ويكون أيضاً من المستحسن بعد انتهاء كل وحدة من وحدات التجربة المبتكرة، أن يطرح المعلم ما تم تنفيذه للمناقشة وتبادل الرأي بين الأطفال بعضهم البعض، وبينهم وبين المعلم ذاته .
ــ إن استخدام هذا الأسلوب من شأنه أن يقوي الحاسة النقدية والتذوق الفني والجمالي، والقدرة على اكتشاف السلبيات والإيجابيات من خلال الروح الاجتماعية لدى الأطفال.
أمثلة تطبيقية للدراما المبتكرة:
فيمكن عن طريق الدراما المبتكرة أن :
ــ تتحول المقطوعات الشعرية إلى حياة مسرحية فمثلاً في قصيدة الطائر(4) والتي تناسب المرحلة الابتدائية من التعليم:
الطائر الصغير مسكنه في العش
وأمه تطير تأتي له بالقش
تخاله الطيور إذا بدا في الفرش
كأنه أمير يجلس فوق العرش
يا طائراً ما أجملك يا زهرة في الشجر
أنت على الغصن ملك مكلل بالزهر
سر في هواء حملك وطر بغير حظر
لولا جهاد الأم لك يا طائراً لم تطر
فيمكن للمعلم بعد القيام بشرح الأبيات والكلمات شرحاَ وافياً، والتحدث عن الطيور وعالمها الجميل الذي يعطف ويحنو فيه الكبير على الصغير.
ثم إثارة خيال الأطفال لتصور المكان، وتفهم الشخصيات، وتوزيع الأدوار، فيطلب من أحدهم أداء دور الطائر الصغير، ويطلب من طفلة أخرى القيام بدور الأم، ثم اختيار مجموعة تقوم بدور كورس يغني الأشعار ، ومجموعة أخرى تقوم بدور الأشجار، ثم يقوم الطائر الصغير بأداء حركات عصفورية صامتة، متنقلاً بين الأشجار، وكذلك الأم، بحيث يتناسب الكلام مع توقيت الحركة حسب معنى الأبيات، فإذا كان المعنى أن يأتي بأعواد قش لبناء البيت، فالحركة تؤدي هذا المعنى، وهكذا تتبادل المجموعة القيام بالأدوار داخل الفصل، وبذلك تكون القصيدة محببة إلى الأطفال.
ــ يتم تناول إحدى القصص المدرجة في كتب القراءة والتاريخ، بطريقة مبسطة يمكن للمعلم أن يتبعها مع أطفاله ، لتتحول القصة من شكلها السردي الوصفي إلى شكلها المكثف الحواري في إطار مسرحي، من خلال الدراما المبتكرة باتباع تلك الخطوات :
حكاية القصة ثم قراءتها ومناقشة المعلم لأطفاله في مجريات القصة وتطور أحداثها وهدفها، ومناقشة الأطفال في طبيعة الشخصيات، ثم يطلب منهم أن يحكوا القصة بأسلوبهم الخاص، وإعادة إلقاء القصة عليهم مع التركيز على النقاط التي تعتبر هامة بالنسبة للتمثيل، ثم وضع خطة لتنفيذ تلك المسرحية بفرض أسئلة هامة مثل:
كيف تبدأ المسرحية ؟ وما هو مركز الاهتمام الرئيسي في المسرحية ؟ وهل نحتاج لمشاهد أخرى تؤكد الهدف منها ؟ وكيف ننهي المسرحية ؟
وفي هذه الحالة ينبغي على المعلم أن يجعل الفصل كله يمثل المواقف الرئيسية مع إبراز الحوار الضروري، وإجراء كل مشهد على حدة وإعادة تمثيل الرواية كلها كاملة ، واختيار الملابس المناسبة للشخصيات وطبيعة المكان الذي تدور فيه الأحداث.
علماً بأن هذه الطريقة يمكن اتباعها في كل المراحل الدراسية المختلفة مع مراعاة المراحل السنية فكلما تقدمت الأعمار كان الحديث أكثر تفصيلاً.
ــ يتم توضيح بعض الظواهر العلمية للأطفال من سن ( 6 ــ9) في مادة العلوم لبيان كيفية سريان التيار الكهربي، بأن يطلب من الأطفال أن يتحلقوا في دائرة ، ويمسك كل واحد بالآخر على طول خط الدائرة، وهذا يعني أن الدائرة مستمرة، ويمكن أيضا توضيح طاقة قوة الجذب المغناطيسي فيتم تقسيم الأطفال إلى مجموعتين واحدة جاذبة والأخرى مجذوبة، وكذلك أن يتقمص الأطفال شخصيات ترمز إلى مختلف أعضاء جسم الإنسان كالعينين والأذنين واللب والرئتين، وبنفس الأسلوب يمكن تطبيقه مع الأمراض والحشرات والحيوانات المختلفة .
ــ تؤدى مادة الجغرافيا بأسلوب الدراما المبتكرة حيث يطلب من الأطفال أن يجسدوا شخصيات ترمز معالم تلك المادة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يقوم طفل بدور الليل، وآخر يقوم بدور النهار،وآخر يقوم بدور الشمس وآخر يقوم بدور القمر وآخر يقوم بدور الشروق وآخر بدور الغروب.
وجدير بالذكر أن الدراما المبتكرة تستخدم في تصوير الكلمات، سواء في مادة اللغة العربية أو الإنجليزية على حدٍ سواء، فيمكن للمعلم أن يكتب على البطاقات كلمات، ويقوم كل فريق من الأطفال بأداء مشهد تمثيلي صامت يعبر عن مقطع من الكلمة ، أو الكلمة كلها، ثم يحاول الفريق الآخر استنتاج الكلمة وشرح معناها، بل ويدخلها في جملة مفيدة، وهكذا يتبادل الفريقان المواقع.
ــ ويمكن استخدام هذه الطريقة في حصص اللغة الإنجليزية بدلاً من يقتصر تعليم المفردات على القواميس، فنضع كل كلمة في مشهد تمثيلي حيث يقسم الفصل إلى مجموعات، وتأخذ كل مجموعة بطاقة مكتوبة عليها الكلمة التي سوف تستنجها المجموعة الأخرى، ثم يطلب من أحدهم هجاء الكلمة المذكورة سواء كانت اسماً أو صفة أو فعلاً أو الكلمة وعكسها، كما أن يطلب المعلم القيام بتمثيل كلمة واحدة بأكثر من معنى ويقوم الفريق الآخر باكتشاف الكلمة، والمعاني المختلفة لها حسب المواقف المختلفة، وفي كل مرة يقوم الأطفال بهجاء الكلمات، وإذا أخطأ الفريق في معرفة معنى الكلمة، يعاد التمثيل مرة أخرى، وعليه يجب على المعلم ألا يبعد عن الهدف التربوي وينحو نحو التسلية ومضيعة الوقت.
الخاتمة:
إن استخدام هذا الشكل المسرحي يبعث الحياة في المادة الدراسية، ويبعث الماضي واقعاً حياً، فتنساب الحقائق إلى نفوس الأطفال بسهولة وترسخ في ذواتهم دون جهد، وبخاصة إذا قدمت هذه المسرحية من قبل الأطفال إعدادً وتمثيلاً تحت قيادة المعلم، وبذلك تفوق قيمة المادة التعليمية الممثلة بهذه الخبرة المباشرة، ويفضل استخدام أسلوب الدراما المبتكرة في المدارس الابتدائية، لأن الأطفال في هذه المرحلة ليسوا بحاجة إلى التعقيدات الفنية للشكل المسرحي التقليدي فالمسرح في هذا الوقت بالنسبة إليهم يثير حساسيتهم بسبب وجود متفرجين، كما إنه يتلف صدقهم ويعلمهم الادعاء والمظهرية ( 5 )، وأخيراً فإن الدراما المبتكرة يمكن أن تفجر الطاقات الإبداعية للأطفال
المراجع :
المسرح المدرسي رؤية مستقبلية ...د / محمد أبو الخير.. الهيئة العربية للمسرح 2015
مقال الدراما الإبداعية عند الأطفال، عفاف عويس، مجلة المسرح، العدد الثامن، السنة الثانية، سبتمبر 1981
نفس المرجع السابق
ديوان الهراوي للأطفال ... عبد التواب يوسف، الهيئة العامة للكتاب 1985
سيليد، بيتر: مقدمة في دراما الطفل، منشأة المعارف بالإسكندرية 1981