العدد 903 صدر بتاريخ 16ديسمبر2024
احتفت شعبة الدراما التابعة لاتحاد كتاب مصر، بصدور مؤلف جديد للكاتب والمخرج المسرحي مجدي مرعي، ويضم مسرحيتين
حكاوي السمسمية وبلد الغريب، وذلك يوم الأحد 8 ديسمبر الجاري، في تمام الساعة السابعة مساءً، بمقر الاتحاد.
وشهدت الندوة حضور نخبة من كبار النقاد والكتاب على المنصة، وهم: الدكتور جمال الفيشاوي، الدكتور أحمد صلاح هاشم، صالح شرف الدين، رجاء محمود، وإدارتها الدكتورة صفاء البيلي.
افتتح الجلسة الكاتب «سعيد شحاته» رئيس شعبة الدراما بالاتحاد، والذي توجه بالتحية للحاضرين، وتهنئة الكاتب على صدور عمل مسرحي يلقي الضوء على وقائع وأحداث سياسية وقعت في بورسعيد وخلدت في وجدان أهل بورسعيد.
مجدي مرعي يوثق حكاوي السمسمية ببلد الغريب
بدأت الدكتورة صفاء البيلي الجلسة النقاشية، بإلقاء الضوء على الكاتب مجدي مرعي، مشيرة إلى أنه نموذج للمثقف العضوي، المهتم بالعيش في بيئته لا يخرج منها بل ينمي هذه البيئة، فهو لم يخرج من بيئته منذ نشأته، بل حاول أن يقدم مسرحا حقيقيا، حتى أن هذا المسرح تعدى حدود بيئته واتسعت آفاقه فتناولت أعماله خارج مصر، واوضحت أن أهم ما يميز مجدي مرعي، هو الكتابة المسرحية لفئة ذوي الهمم من فئة الأطفال، إذ أهتم بالكتابة عن ذوي الاحتياجات ولهم، بشكل فني وأدبي حقيقي بعيدا عن جو الصعبنيات، إنما بهدف دمجهم بشكل حقيقي وواقعي مع الأشخاص الطبيعيين في المجتمع.
ثم انتقل النقاش لأول المتحدثين، الدكتور أحمد صلاح هاشم، والذي أكد أن حكاوي السمسمية وبلد الغريب هما نصين مسرحيين منفصلين، بينهما شيء من الاختلاف الكبير، فالأولى تحتفي بعبورية الزمن للتاريخ المسكوت عنه، ذلك التاريخ الذي دائما ما أن وصفناه نصفه بأن فلان قتل فلان، أو أن فلان استولى على كذا، أو أن بغداد سقطت عام كذا، وكأن تاريخنا الإسلامي والعربي لا نقتفي منه بأي وضع لإنسان تزوج، أو أي إنسان عاش حياة عادية، لا نجد هذا في طيات التاريخ، بل كل ما نجده هو صراعات الحكام وسقوط الدول و الامبراطوريات، التاريخ المسكوت عنه أصبح أمانة وعبءً ينبغي على الكاتب أن يحرر هذه المساحة، أن يبحث عن هذه الفجوة ليملأها بقصص قد تكون حدثت وقد لا تكون حدثت، لكن من الإبداع حين تسمعها تقول حتى لو لم تحدث فلا مانع أن تكون حدثت أو أن تحدث يوما ما، من شدة صدقية الكاتب في النص، فالمسائلة تتعلق بالصدق الفني لا الصدق الأخلاقي، ليس مطالب بأن يكون باحثا عن التاريخ، ينفض عن فلان وفلان التراب ثم يعيد وصفه وإن كان هذا مطلوبا في مرحلة من المراحل، لكن الكاتب الحقيقي لا يبحث عن هذا إنما ما يجده أمامه يحسن وصفه للدرجة التي يتماس فيها معنا، ونشعر أننا تقاطعنا معه في مستوى من المستويات، فتصدقه.
وتابع أنه وجد هذا الصدق بإبداعية في المسرحية الأولى من مسرحيات مجدي مرعي «حكاوي السمسمية»، فالمسرحية تسلط الضوء على التاريخ المسكوت عنهوأعادت بلورة التاريخ من زاويه لم ينظر إليها الكثيرون، لكنه يطعمها بحقائق من التاريخ طوال الوقت وأسماء تاريخية ويكسر الوهم متعمدا، حتى نشك في لحظة من اللحظات، إن كانت أحداث المسرحية وقعت بالفعل أم أنها من نسج خيال الكاتب، فهو يعزز فكرة الخيالية أو العجائبية أو الغرائبية.
فأم صابر عاشت دهورا وعصورا تبحث عن ابنها صابر المفقود، ما يؤكد لما أن المساءلة خيال في خيال، فليس من المعقول أن تعيش من عصر حفر قناة السويس وحتى الانتصار في أكتوبر 1973، لكن كل شيء آخر يحيلنا إلى الواقع، وكأن أم صابر هي امتداد لكل أم فقدت ابنها في حادثة من الحوادث وما أكثرها في مصر، وكأنها في مرحلة من المراحل اختارت أن تكون مكان كل أم، ثم نشعر بهذا التقاطع مع الشعور الإنساني عند هذه المرأة، فلا نجده مؤتلفا.
فنجد أن الكاتب في مرحلة من مراحل الكتابة يكسر متعمدا الوهم الجندري بين الكتابة الأنثوية والكتابة الذكورية، بين الحديث كامرأة والحديث كذكر.
لذلك أقول دائماً ما يقوله (فلسفيوس) إن ما يميز الطغاة على امتداد الزمان أنهم لا يتمتعون بالحس الأدبي، ذلك الذي يمكنهم أن يخلعوا عباءتهم ويلبسون عباءة من يحكمونهم أو يقودونهم في أماكن العمل، لكن الكاتب المبدع يخلع عباءته فيتصور نفسة مرة امرأة، ومرة طفل، ويبدع في الوصف إلى درجة أن يتماس أو يذوب ويتماهى في الشخصية حتى لو كانت شخصية شاذة عن المألوف، فسيجد لها مبرراتها حتى وإن لم يكن موافقا عليها في وعيه.
قال بريخت اعطني خبزا ومسرحا، أعطيك شعبا مثقفا، هذه هي المساءلة، إذ اختار المسرح لأنه أبو الفنون، فهو يضم الشعر، الكتابة، الخاطرة، الديكور والنحت والتمثيل في مساحة ضيقة وأسلوب حواري ومع ذلك ينبغي على الكاتب أن يبدع، وهذا ما نجده في نصي المسرحيتين عند مجدي مرعي.
ومن مميزات المسرحيات عنده، أن الشخصيات حاضرة وكأنها من لحم ودم ثلاثية الأبعاد وليست ثنائية الأبعاد كما رآها الناقد صلاح معاطي في مقدمة الإصدار.
وتابع أنه يختلف تماما مع رأي معاطي والذي قال فيه أن الشخصيات لم تتطور في المسرحيتين وهذه نقطة إيجابية، بل على العكس رأى أحمد صلاح هاشم أن الشخصيات تطورت، فحزن أم صابر في البداية يختلف عن حزنها في النهاية، وحامد الذي كان يسقط ويمثل بشكل مبالغ فيه يختلف عن حامد في نهاية المسرحية، حتى المخرج نفسه بعد أن كان رافضا لكل هذه المنظومة، شارك فيها وهذا معناه أنه في مرحلة من اللحظات الفارقة تغيرت قناعاته وتبدلت، حتى أننا سنجد الشخصيات الفدائية هكذا حتى وإن كان قصر المسرحية الثانية في الفترة الزمنية، جعل الشخصيات في حالة ثبوت أو جمود، لكن سنجد المسرحية الأولى ثرية بتعدد الشخصيات وأيضا نموها.
أيضا اختيار ثيمة الاراجوز مهمة، لأنه بصرف النظر عن معناه أنه ذو العين السوداء والعين السوداء دائما ما تكون دلالة على الحزن والاكتئاب وفي الوقت نفسه يكون دلالة على قصر الانتصاف للنفس وقلة الدفاع عن الذات، وأنه من الشخصيات التي يمكن وصفها بالبساطة، إلا أنه في حواره مع الاراجوزة كان دائما ما يتخلل هذا الحوار نوع من السخرية والضحك.
كما كان مبدعا في الاهتمام بالمكان، بالاهتمام بالاماكن يحيلنا إلى الذاكرة المصرية التي دائما ما تلتف حولها سواء كانت هذه الأماكن أسماء شوارع أو بيوت أو كانت القهوة الممثلة في المسرحيتين إذ كان لها حضور ووجود كبير.
وايضا الزمن منضبط بشدة، رغم أن مساءلة الزمن في المسرحية الأولى كانت دائرية وقفزة، لكنه في كل الأحوال قابضا على حبال السرد، ودراسة التاريخ كانت مكثفة، فضلا عن أن تقنيات كسر الايهام كانت مبدعة، فالقصة الأولى كسرت الايهام على مستويات متعددة، لكن تركيزه على التفاصيل هو الذي كسر الايهام بحق مثل أسماء الشوارع وأسماء الرفاق.
أيضا كان هناك خلط متعمد ما بين طريقة سرد المسرحية وطريقة السيناريو في الكتابة، ففي بعض المواضع يتخلى عن الكتابة المسرحية بذكاء شديد وهذا يحيلنا إلى قراءة ثالثة تمكننا من استخراج المناطق التي تخلى فيها عن الكتابة المسرحية واستبدلها بالسيناريو، لأنه أراد أن تكون النظرة مشهدية أكثر من كونها سردا أو تتابعا، فهو يمل من فكرة الاعتيادية وطوال الوقت مسكون بفكرة ألا يكون عاديا في السرد، فما بين حين وآخر يغير في طريقة السرد بخفة وبطريقة لا ينظر لها في البداية بل تحتاج إلى إجادة النظر، أيضا هناك مسحة كوميديا وسخرية موجودة دائما والتي في أحلك اللحظات تجدها حاضرة فترسم الابتسامة وليست الكوميديا المسرحية المعتادة.
وأشار إلى أن الحديث في مسرحية بلد الغريب مباشر وواضح في قالب تقليدي (بداية ووسط ونهاية) بينما في حكاوي السمسمية كان أكثر انسيابية.
بينما تحدثت الكاتبة رجاء محمود عن دقة الكاتب مجدي مرعي في تقديم التاريخ، إذ أنه يستغل خيال وقريحة المخرج المسرحي بداخله، خاصة أنه أخرج العديد من العروض المسرحية، ووظف ذلك ذلك في كتابة مسرحيتي حكاوي السمسمية وبلد الغريب، بما يتناسب مع تكنيك الإخراج على خشبة المسرح، ولم تغفل الحديث عن براعته في استخدام ثيمة الأراجوز وخيال الظل وتوظيفهما بشكل جيد في إلقاء الضوء على أحداث تاريخية وسياسية هامة وقعت في السويس.
مسرحية واحدة من فصلين
وتماس الناقد صالح شرف الدين مع تعليق الدكتور أحمد صلاح هاشم، إذ اختلف معه في الرأي في كون المسرحيتين منفصلتين، بل على العكس رأى أنهما مسرحية واحدة مكونة من فصلين، مشيرا إلى أن مجدي مرعي كان لديه نظرة استشرافية للأحداث التاريخية، فضلا عن أنه سلط الضوء على شخصيات لها تأثير في أهل السويس ولم يذكروا، وأشاد بحوار الكومبارس داخل النصوص، مؤكدا أن هذا الكومبارس في المسرحية ما هو إلا الشعب.
تابع الحديث الناقد الدكتور جمال الفيشاوي، عن النصين معتبرهما نصوص تصلح لجميع الفئات، خاصة وأن الكاتب مجدي مرعي لديه القدرة والخبرة المسرحية التي مكنته من التخلل لعقول الكبار والصغار ايضا،
وأشار الفيشاوي مسرحة التاريخ تساهم في حفظ التاريخ ، مؤكدا على أن الكاتب ابدع في اختيار أسماء الشخصيات والتي حملت الدلالة مباشرة وواضحة مثل
« أم صابر «.
بلد الغريب أم ملحمة السويس
وعاب على الكاتب في عدم وجود إرشادات المسرحية، لأن الكاتب يكتب بعين إخراجية، في الوقت الذي تدخلت فيه الدكتورة صفاء البيلي لتؤكد له أن النصين بهما إرشادات مسرحية بالفعل.
واضاف الفيشاوي مطالبا الكاتب مجدي مرعي بالفصل بين مجدي الكاتب ومجدي المخرج حتى يعرف نقاط القوة في نصه ونقاط الضعف،
كما طلب منه تغيير اسم مسرحية بلد الغريب، باسم آخر مثل ملحمة السويس من أجل الأجيال القادمة، واختتم الحديث عن براعة الكاتب في اقتناص شخصيات من الواقع التاريخي وإبرازها في النصين.
ثم فتح باب المداخلات وكان هناك عدة قراءات لبعض الحضور، ثم قام الكاتب مجدي مرعي بالإجابة عن عدد كبير من الاستفسارات والأسئلة التي طرحها ضيوف اللقاء، وفي الختام تم تقديم شهادة تقدير له باسم النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر..