العدد 903 صدر بتاريخ 16ديسمبر2024
تتجلى أهمية المهرجانات الفنية بوصفها مساحة للإبداع والتنوع الثقافي، حيث تجمع بين عروض من مختلف دول العالم لتبادل الأفكار والرؤى الفنية. وفي هذه التظاهرات، تلعب لجان المشاهدة دوراً محورياً في اختيار العروض التي تحمل قيمة فنية وتستحق أن تُعرض ضمن فعاليات المهرجان.
في هذا الحوار، نلتقي بالفنان مفيد عاشور ليحدثنا عن تجربته في لجنة المشاهدة في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، والمعايير التي تم بناء عليها اختيار الأعمال المشاركة. كما يسلط الضوء على دور المهرجان في تعزيز السياحة الثقافية في مصر، وغيرها من الموضوعات الأخرى.
في البداية، حدثنا عن مشاركتك في لجنة المشاهدة والمعايير التي تم الاختيار بناء عليها.
تكونت لجنة المشاهدة من الفنانة عزة لبيب والدكتورة سامية حبيب. سعدت كثيراً بالمشاركة في لجنة المشاهدة بعد أن اقترح عليّ صديقي المخرج مازن الغرباوي ذلك، خاصة وأن المهرجان بلغ دورته التاسعة، وهو ما يؤكد نجاحه واستمراريته فليس هناك مايستمر كل هذه السنوات إلا إذا كان حقق نجاحا.
قمنا بمشاهدة ما يقرب عن 150 عرضاً مسرحياً من مختلف أنحاء العالم والدول العربية، وأكثر ما أسعدني أن العروض المقدمة من الشباب المصري جيدة وأظهرت مستوى فنياً جيدا. أما المعايير التي أتبعناها في الاختيار، فقد حرصنا على الالتزام بالمعايير المسرحية التي درسناها في أكاديمية الفنون والمعروفة بيننا كمسرحيين مصريين.
وما الذي حاز على إعجابك بشكل شخصي من عروض خلال المهرجان وكيف تقيم تنظيمه؟
كعضو في لجنة المشاهدة، أتيحت لي فرصة مشاهدة عروض مسرح الشارع مباشرة، فهذا النوع من المسرح مهم جداً، وأتمنى أن يتم تفعيله بشكل أكبر في مصر، بحيث تُقام عروض في الشوارع والأحياء والمدن المختلفة. فقد شاهدت عروضاً مميزة للغاية، فهو مسرح يمكن تقديمه بلا ديكور؛ فقط مكان بسيط مثل مكان مرتفع أو شجرة أو أي موقع مفتوح يمكن أن يتحول إلى مسرح. أتمنى أن ينتشر هذا النوع من المسرح بكثافة في مصر، وأن يُنظم مهرجان خاص به. فمسرح الشارع يُعد وسيلة مهمة لتقديم عروض بسيطة حيث يوفر الديكور ومكان العرض وقريب من الجمهور، كما أنه متنفس للشباب، وعروض المسرح الفقير بشكل عام.
بعد اختيار العروض التي ترقى لمستوى التصعيد، وبعد التوجه إلى شرم الشيخ في الحقيقة، أود أن أثني على فريق العمل هناك، حيث كان التنظيم على درجة عالية جدًا من الدقة والكفاءة. كل شيء كان محسوبًا بدقة، من مواعيد الوصول إلى أماكن العروض، إلى توقيت العروض نفسها، وحتى التنقل بين مواقع العروض المختلفة.
وأود أن أشيد بصديقي المخرج مازن الغرباوي، والدكتورة إنجي البستاوي، بالإضافة إلى مجموعة الشباب الذين بذلوا جهودا كبيرة هناك. أنا سعيد جدا بمشاركتي في هذا الحدث، وأتمنى للمهرجان المزيد من الازدهار والرقي والاستمرارية، فهو بلا شك إضافة قيّمة للمسرح.
برأيك، هل عكست العروض العربية التي شاهدتها واقع الشباب العربي وتطلعاته؟
العروض العربية التي شاهدتها كانت تعبيراً حقيقياً عن الشباب العربي وتطلعاتهم. لقد تابعت عروضاً من المسرح العماني والإماراتي، وكانت هذه العروض ذات مستوى جيد وتعكس إبداعاً واهتماماً كبيراً من قبل المبدعين الشباب في هذه الدول.
مصطلح “المسرح الشبابي” والذي يحمل اسم المهرجان فهل هناك مسرح شبابي وغير شبابي؟ وهل تتفق مع هذا المصطلح؟
مصطلح “المسرح الشبابي” فهناك عروض يصلح محتواها الدرامي مع الشباب، ولكن بشكل عام يُطلق مصطلح “مسرح الشباب” لأنه يعكس دائماً دور الشباب كوقود للمستقبل. إذا كانت حركة الشباب في المسرح بخير، فإن المسرح في المستقبل سيكون مزدهراً، لأن شباب اليوم هم الذين سيصبحون المبدعين الكبار في المسرح، سواء على المستوى العربي أو المصري.
هناك مسرحيات تجمع بين الشباب والشيوخ أو الكبار إذا توافرت الشخصيات المناسبة لذلك. ولكن “المسرح الشبابي” يعني بشكل عام أن القائمين عليه جميعهم من الشباب، وأن العروض تصلح دراميا لهذه الفئة. وكل القائمين على العملية الفنية من الشباب مهندس الديكور، ومهندس الإضاءة، وغيرهم. ليس عيبا أن يكون هناك مسرح للشباب فقط، لأن الشباب يمتلكون طاقة وحبا للفن، فعروض مثل المسرح التجريبي، معظمها يكون من يقدمه الشباب، لأنهم يتمتعون بالقدرة على التجريب وبذل الجهد. الهواة غالباً ما يكونون أكثر حماسة وتضحية وحبا للفن، وهو دائماً مخلصاً قبل أن يلوث بالاحترف. عندما يكون الممثل المحترف قد بدأ كهاوٍ وبداخله هاو، يظل طيلة الوقت مخلصاً للعملية الفنية. أما المحترف الذي يبدأ مسيرته بلا هواية، فلن يكون مخلصا لأن الهواية تعني طاقة الحب إذن، مصطلح “المسرح الشبابي” وارد تماما ولا ليس عيبا.
هل ترى أن المهرجان يعزز من دوره السياحي في شرم الشيخ؟
المهرجان يعزز الدور السياحي بشكل كبير، حيث تحضر الوفود من مختلف الدول للعرض في شرم الشيخ، ويشاهد الأجانب المتواجدين في المدينة هذه العروض، فقد شاهدت العديد منهم وهم يستمتعون بعروض مسرح الشارع، مما يسهم في خلق رواج سياحي لاسم المهرجان ولمدينة شرم الشيخ. فالمدينة تتمتع بمستوى سياحي عال، ويُضيف المهرجان لها بُعداً جديداً.
الفنان مفيد عاشور على الرغم من حبك للمسرح إلا أنك مقل في تقديم الإعمال المسرحية؟
لست مقلاً؛ فآخر مسرحية قدمتها كانت منذ عامين تقريبا مع المخرج الكبير سمير العصفوري على المسرح القومي بعنوان “في انتظار بابا”، وهناك بالطبع أعمالا تعرض عليّ فعلى سبيل المثال عرض عليّ العام الماضي ثلاث مسرحيات على مسرح البالون، لكن تغيير القيادات حال دون تنفيذها، واعتذرت لأنني حاليا ممثل من الخارج، فقد كنت موظفاً في المسرح القومي حتى تقاعدت، فيتم التعاقد من الخارج وعادة ما يعرضون في بعض الأماكن أجوراً متدنية للغاية وبالتالي اعتذر عنها ، لأن المسرح يتطلب جهداً كبيراً في البروفات والعروض.
وإذا أتيحت لك فرصة إعادة تقديم مسرحية كلاسيكية، فما المسرحية التي ستختارها؟ وما الدور الذي ترغب في لعبه؟
إذا أتيحت لي الفرصة لإعادة تقديم مسرحية، سأختار مسرحية “رسائل العشاق”، تأليف وإخراج محمد إبراهيم، والتي عُرضت على مسرح ميامي ومن إنتاج المسرح الكوميدي. هذه المسرحية تحمل قيمة عظيمة، حيث تناقش العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال شخصية جلال الدين الرومي. السؤال الذي طرحناه في المسرحية كان: ماذا لو بعث جلال الدين الرومي مرة أخرى، ماذا سيقول عن العلاقة بين الرجل والمرأة في مراحلهم العمرية المختلفة!!سواء كانوا شبابا أو شيوخا أو بين الرجل والمرأة بشكل عام. المسرحية تناولت هذه العلاقة بشكل عميق، وعرضت على خشبة المسرح كيف يتدخل جلال الدين الرومي لحل هذه المشكلات. وقد حقق العرض نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
أتمنى إعادة تقديم هذه المسرحية من الريبورتوار، لأنها تجربة مميزة بالنسبة لي. استمتعت كثيراً بتجسيد شخصية جلال الدين الرومي في هذا العرض، وأتمنى تقديم شخصيته مرة أخرى، لأنه مهم جدا في هذه الفترة الزمنية التي نعيش فيها تقديم مثل هذه الشخصية الصوفية التي تدعو إلى الحب والتسامح، سواء بين الرجل والمرأة أو بين الناس بشكل عام.
بجانب حبك لهذه الحالة وتلك الأدوار تحب تقديم أعمال الدراما الصعيدية على الرغم من صعوبتها بسبب اختلاف اللهجات من مكان لأخر..فما السبب ؟
الدراما الصعيدية لها مكانة خاصة لدي ولدى المشاهدين بشكل عام، لأنها شديدة الخصوصية والمصرية، بالإضافة لكونها تحمل عادات وتقاليد تجعل من يتابعها يجد نفسه فيها، أحب الدراما واللهجة الصعيدية بشكل خاص، وعلى الممثل أن يجيد جميع اللهجات بأن يكون لديه أذنا موسيقية تستطيع التفرقة بين اللهجات المختلفة فاللهجة الصعيدية تختلف عن الريفية وعن البدوية والسورية والسعودية..ألخ، فكل منها لها موسيقاها الخاصة وإن لم تملك أذنا موسيقية فلن تجيد أي منها، وأذكر ان من شدة إعجابي وإتقاني للهجة الصعيدية أخت صديقي الشاعر عزت الطيري قالت له: هذا صعيدي مثلنا.
بعد كل الشخصيات التي قدمتها وأثرت فيك لو تحدثنا عن التأثير الأكبر وهو الإسماعيلية فكيف أثرت في تكوينك الفني والإنساني؟
محافظة الإسماعيلية هي مسقط رأسي، وهناك بدأت رحلتي الفنية كهاوٍ في قصر ثقافة الإسماعيلية تحت إشراف المخرج الكبير الراحل علاء عبدالعزيز، الذي أعتبر نفسي مدينًا له بالفضل الكبير وبإيمانه الشديد بموهبتي.
أذكر بكل تقدير فرقة الإسماعيلية المسرحية التي كنت جزءا منها، حيث قدمنا العديد من المسرحيات المميزة، منها “الفخ “ و”البندقية” لشكسبير، وكنت سعيدا جداً بانتمائي إلى هذه الفرقة التي ضمت مجموعة من الأساتذة، أحمد حسن الشرقاوي، حسني حسين، أحمد الحداد، محمد حسن إبراهيم، سيد العربي، محمود الضمراني. كانت تلك الفترة مليئة بالشغف والحماس، وأنا أعتز بانتمائي إلى الحركة المسرحية في الإسماعيلية هاويا.
في نهاية حديثنا ما هي النصيحة التي وُجِّهت إليك وتعلمت منها خلال مسيرتك الفنية، وتود أن توجهها للجيل الجديد من الفنانين المسرحيين؟
أذكر بكل خير النجم الكبير محمود ياسين، عندما عملت معه لأول مرة في فيلم “ثلاثة على مائدة الدم”، حيث قدم لي مجموعة من النصائح القيمة، حيث أنه أكد على أهمية الإخلاص في العمل، والحرص على التواجد في بروفات المسرح أو قبل التصوير بوقت دون تأخير. كما نصحني بضرورة بناء علاقة إنسانية جيدة مع جميع الأشخاص داخل اللوكيشن، لأن طاقة الحب الموجودة بين العاملين في العمل الواحد. فالكواليس تنعكس على الصورة وتؤثر بشكل كبير على العمل، سواء كان في الفيديو أو على خشبة المسرح. لذا، يجب أن تكون هناك طاقة إنسانية إيجابية بين الفريق بأكمله، وأن أكون محباً للناس ومخلصاً للعمل الذي أشارك فيه. ونتيجة لهذا الإخلاص والحب والتفاني، تظهر ثمار هذا الجهد في العمل سواء كان فيلما أو مسلسلاً أو مسرحاً.