العدد 904 صدر بتاريخ 23ديسمبر2024
رحل عن عالمنا - يوم الأحد الخامس عشر من ديسمبر - واحدا من أبرز الفنانين خلال النصف قرن الماضي، وهو الممثل القدير نبيل الحلفاوي ، عن عمر ناهز 77 سنة.
درس في كلية التجارة، ولشدة حبه للتمثيل قرر الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. عرف الحلفاوي بتفرده في أدائه التمثيلي وثقافته الواسعة، وحرصه على اختيار أدوار جادة ذات طابع خاص.
بدأ مسيرته الفنية في المسرح ، وشارك في عدد من المسرحيات أبرزها « الزير سالم - طقوس الإشارات والتحولات – عفريت لكل مواطن – رجل في القلعة - أنطونيو و كليوبترا - بيت في الهوا ...» .
ونظرا لملامح وجهه الصارمة وثقافته الواسعة اختير في عدة أعمال اكسبته شهرة واسعة و من أشهر أعماله في السينما والتليفزيون: دور ( المعلا قانون) في مسلسل «غوايش» ، ودوره في مسلسل «لا إله إلا الله» في شخصية حور محب، و دور العقيد محمود في فيلم « الطريق إلى إيلات» وفيلم «الهروب إلى القمة»، و دور الشهاب زكريا بن راضي قائد الشرطة في مسلسل «الزيني بركات»، ودور رفاعي في مسلسل «زيزينيا»، دور ياقوت في مسلسل «ونوس»، ومسلسلات «لأعلى سعر» و «القاهرة كابول»......وغيرها من الأدوار الهامة والتي ترك بها بصمة خاصة جدا ومتفردة.
رحم الله الفنان الإنسان النبيل والمتفرد، والذي تأثر لرحيله العالم المصري و العربي، نظرا لمكانته الفنية الكبيرة في قلوب جمهوره وأسرته وعدد كبير من المسرحيين والفنانين..
وكان لمسرحنا أن ترصد تلك الأجواء من الحزن والتأثر لرحيله، و التي سادت الوسط الفني والمسرحي بوجه خاص وكانت تلك بعض كلماتهم عنه:
ترك بصمات لا تنسى في عالمنا الفني
قال الدكتور عصام عبد العزيز ( أكاديمية الفنون ):
الفنان المحترم نبيل الحلفاوي من القلة القليلة التي تقدس وتدرك المعنى الحقيقي للفن السامي سواء في عالم المسرح أو في التلفزيون ، ولذلك كان حريصا كل الحرص على اختيار الدور المناسب له، والذى يستطيع من خلاله أن يبرز هوية و مضمون الدور الذى يجسده وعلاقته بالمضمون الكلى للعمل ، وهذا ما تؤكده الحقائق الثابتة مثل دوره في «رأفت الهجان» و» إيلات « فضلا عن كثير من الأدوار التي قام بها خلال مسيرته الفنية.
إن ذلك الفنان والذى أرى أنه - مثل الفنانين العظماء ـ قد استطاع أن يقهر الموت، ويظل معنا حيا بأدواره الهامة - رغم موته جسديا – فإن الارث الفني والتمثيلي للفنان الصادق لا يموت بموت صاحبه، بل ويخلد فنيا .
فضلا وذلك لمعرفتي به جيدا ؛ كان مثقفا كثير القراءة والاطلاع على كثير من المعلومات سواء في مجال الفن أو الفلسفة أو السياسة، وخاصة - كما يعرف الجميع - أنه كان وطنيا عاشقا لمصر، ومؤمنا بأن دولتنا دولة رائعة منذ فجر التاريخ، وأن التطور التكنولوجي العلمي والفني، يدفعنا إلى الأمام ، ولابد ان نتمسك بوطنيتنا ، وإلى أقصى درجة بالعمل والحب والعطاء... رحم الله هذا الفنان الجميل الخلوق والذى ترك وبلا شك بصمات لا تنسى في عالمنا الفني، نطلب من المولى عز وجل أن يشمله برحمته .
ترى كم مرة يموت فيها من كان مثل نبيل الحلفاوي !!
وبتأثر شديد قال الكاتب والناقد والمخرج المسرحي الدكتور أبو الحسن سلام:
ترى كم مرة يموت فيها من كان مثل نبيل الحلفاوي !! ومثله لا يموت دفعة واحدة، مثله يموت على مراحل ، يموت جزءا جزءا. يموت عندما يموت صديق له ، ويموت ميتة أخرى عندما يصاب الوطن بنكبة، ويموت عندما لا يتحقق ما يطمح إليه ،ويموت منه جزء عندما يحزن على عزيز افتقده ، ويموت منه جزء عندما يرى من ارتقى منصة المسرح التي تربع سنوات عليها، قد جاء إليها أطفال الأنابيب المسرحية، ويموت عندما يرى الدراما المصرية تحتفي بصور اللصوص والمغيبين وتجار السموم والرقيق والأعضاء البشرية.
ترى كم مرة يموت فيها من كان على شاكلة هذا الفنان القدير الملتزم بكل ما هو راقي إنساني .. مات نبيل الحلفاوي موتة المصري الوطني الملتزم الشريف، مات موتته الأخيرة، ميتة الحيرة والحزن على كل ما افتقده في حياة المسرح المصري وفي مراحل شموخ مصر.
شخصية صعب تكرارها
وقالت الفنانة إلهام شاهين:
الله يرحم الأستاذ الفنان الكبير المحترم نبيل الحلفاوي و يسكنه فسيح جناته .. إنسان صادق و منتهى النبل، عُرف بعقله الراجح و فكره الراقي، فهو شخصية صعب تكرارها.
كنت محظوظة بالعمل معه في أعمال أعتز بهم جدا، منهم مسلسل «أحلام لا تنام»، و فيلم «الهروب إلى القمة” ، سنفتقد وجوده جدا في الحياه الفنية، و آرائه الثاقبة، و مواقفه المحترمة.. ربنا يصبر كل محبيه على فراقه .. و خالص عزائي للسيدة زوجته و أبنائه وليد و خالد.. ربنا معكم .
أدواره تحمل الخصوصية والتفرد
وعلقت الفنانة منال سلامة:
من خلال تجربتي مع الفنان الرائع نبيل الحلفاوي، في مسرحية «الزير سالم»، وكانت أول مسرحية احترافية بالنسبة لي وكنت في أولى معهد فنون مسرحية . وجدته رجلا بمعنى الكلمة، انسان خلوق، محترم، مهذب، مثقف، يحتوي من حوله، هادئ الطباع جدا، لم يمارس في عمره الفن للمال، فإن لم يكن مقتنعا بالدور الذي سيؤديه، فإنه من المستحيل أن يقوم به، لذلك كان مُقلا في أعماله ، فممكن يؤدي دورا، ونظل سنتين أو ثلاثة لم نره.
تجربتي معه الشخصية والفنية والإنسانية تجربة ثرية جدا، فكنت في أولى معهد وكنت أبلغ حوالي 18 أو 19 عاما، وكان سعيدا بي، وعرفت بعدها أنه كان يتحدث عني بأني موهوبة ومؤدبة ، لدرجة أنه استضافني في بيته هو وزوجته الجميلة الأستاذة نادية، بيت مصري أصيل، محب، كريم .
الأستاذ نبيل فنيا ذو طابع خاص جدا وله من الأدوار التي تحمل الخصوصية والتفرد مثل الزيني بركات والمعلا القانون..... وغيرها من الأعمال المتفردة ، كما اشتهر بحضوره الجبار والمميز على خشبة المسرح...رحمه الله، وحِسه بالدنيا بأولاده وفنه الراقي وسيرته الطيبة العطرة.
المتفرد ... كان يعمل بقانونه
وقالت الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول:
نبيل الحلفاوي ممثل وانسان من طراز فريد، لم يكن له مثيل، فكان الأول في المعهد ، وعندما أرادوا تعينه معيدا قال تعلمت في المعهد ليكون مكاني المسرح القومي، وبالفعل أدى أدوارا عظيمة على خشبة المسرح القومي، والمفارقة أن آخر عمل قدمه على المسرح كان “ اضحك لما تموت” وكان لصديق عمره لينين الرملي.
فكان دفعتنا في المعهد العالي للفنون المسرحية كنت أنا ولينين الرملي في قسم نقد وهو كان قسم تمثيل، وكان الأول بامتياز على قسم التمثيل، ورفض تعيينه كمعيد في المعهد.
الحلفاوي وصل إلى ما أراده وقدم ما أراده ، وكان يوائم حياته بطريقة يصعب أن ترى أحد يوائمها مثله، فعندما يوعد أولاده بخروجة ما ، قد يرفض أعمالا في المقابل، وحب التمثيل ، ولم يقدم تنازلات يوما ما منذ كان صغيرا، لم يقدم غير قناعاته، ولم يكن ليقدم عملا للحصول على المال، فكان دائما يعمل بقانونه هو ..
لذلك أراه شديد التفرد، فلم يكن ممثلا عظيما فقط وإنما كان أيضا إنسانا عظيما، وكان لي الشرف وزوجي بأننا كنا أصدقائه كأسرتين متقاربتين متحابتين ، وكانت زوجته الصحفية الكبيرة الاستاذة نادية كمال رئيسة قسم المرأة بالجريدة الكويتية، وعندما أحبوا بعض تركت كل شيء وراءها وظلت معه 40 سنة، هي في الظل تخدم على هذا الإنسان الفريد المحترم المتفرد.
لم يكن يفكر في النجومية والأدوار اللامعة ، فكان يعمل ما يرضيه، وكان يضع على مكتبه مقولة المسيح “ ماذا ستكسب لو كسبت العالم وخسرت نفسك” ..كان يهتم بأولاده كاهتمامه بعمله وفنه.
كنا نسهر يوميا كأسرتين في النادي ونذهب للمصيف معا.
عاش حياة رائعة كما أرادها، بقناعاته هو...رحمة الله على المتفرد الرائع نبيل الحلفاوي.
احترم فنه فاحترمه جمهوره
وقال المخرج الفنان محمد أبو داوود متأثرا:
المرحوم نبيل الحلفاوي صديق منذ أكثر من أربعين عاما، منذ تعاملنا معا عن قرب عندما أخرجت له مسرحية “ عفريت لكل مواطن “ سنة 1988، والحقيقة اقتربنا كثيرا من بعضنا، ووجدته فنانا رائعا ، ودقيق جدا، لا يقبل عملا إلا إذا كان مقتنعا به، وعندما يقبل عملا يدرسه من كل النواحي، ولو له وجهة نظر يطرحها على المخرج والمؤلف ، وكان له أشياء جميلة في هذا العرض، فالمسرحية كانت باسم « حاسب من أخوك “ كما كتبها المؤلف الأستاذ لينين الرملي ، وبعد فترة من البروفات، عرض اسما وجد أنه الأفضل من خلال سياق الرواية وهو « عفريت لكل مواطن «، وبالفعل اقتنع المؤلف واقتنعت ايضا، وحققت الرواية نجاحا كبيرا ، وأصبحنا أصدقاء ، حتى وأنا في ايطاليا وكانوا يصورون مسلسل رأفت الهجان.. فعندما وصلوا هناك كلموني وعزمتهم عندي في الأكاديمية المصرية هناك، وكانت فترة جميلة.
ونبيل الإنسان على سبيل المثال، حين عودته من ايطاليا للقاهرة أعطيته خطابا يوصله لزوجتي، ولما وصل المطار الساعة 12 ليلا قرر إيصال الخطاب أولا لزوجتي قبل أن يصل بيته، فكان أمينا عظيما، والتقينا بعدها كثيرا وصرنا أصدقاء ، وكان لي الشرف في التمثيل معه في مسلسل « أوراق مصرية “، وكان يؤدي دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، وكنت أؤدي شخصية عبد الحكيم عامر، و اشتركنا أيضا في الزيني بركات..
كنت دائما أسعد بصداقته ومعرفته...فكان فنانا متميزا وانسانا عظيما في تعاملاته مع الجميع، لم يكن ليهين أحدا، ووقف بجانب الكثيرين، وبعيدا عن العمل الفني، كان له خدمات للعديد من الناس، وبحكم تألقه في دراسة السوشيال ميديا، فكان يقدم التوعية للناس، كما في 25 يناير...
وكان رجلا محترما ورب أسرة رائع، استطاع أن يربي أبناءه أحسن تربية، ونجح أبناؤه فأصبح خالد من المخرجين الكبار، ولم يكن ليتدخل في عمله، فكان فنانا وانسانا عظيما رقيق الأحاسيس والمشاعر ، دمث الخلق، كان محترما احترم فنه فاحترمه جمهوره.
حزين لفقدانه، فأنا فقدت شيئا كبيرا بداخلي، وسند، عندما كنت أحتاج للمشورة كنت ألجأ له...رحمه الله.
حيوية الحلفاوي في “اضحك لما تموت”
فيما قال الكاتب الروائي والمخرج الإذاعي رضا سُليمان:
في فبراير 2018 حينما ذهبتُ إلى المسرح القومي لمشاهدة عرض “اضحك لما تموت”، لم أكن أخطط للقاء خاص بالفنان الكبير نبيل الحلفاوي، لكن مع لقائي بالفنان القدير محمود الحديني مع دخولي المسرح، كان أن خرجنا بعد العرض لتهنئة الفنان نبيل الحلفاوي في غرفته الخاصة بالمسرح على نجاح العرض وهذا الأداء المتميز، وأذكر هذه الجزئية بالتحديد لأني لاحظت حضور كبير للفنان نبيل الحلفاوي على خشبة المسرح مع حركة وحيوية كبيرة لرجل في هذا التوقيت كان قد تخطى عمر السبعين بعدة شهور، مما زاد من إعجابي، ولكني لم أُدهش لأني أعلم أن خشبة تبث في الفنان الحقيقي روح أكثر رشاقة، تُنسيه سنوات عمره وأمراضه، وهذا ما رأيته واضحَا على الفنان نبيل الحلفاوي الذي كان في حيوية كبيرة على خشبة المسرح، فإذا به في حجرته يقابلنا في حفاوة لكنه يعتذر لأنه يشعر بتعب وإرهاق شديد، فضحكت وأنا أقول لو خرجت ثانية إلى خشبة المسرح لدبت بداخلك روح خشبة المسرح وتحركت بمنتهى الرشاقة. وحينها أخبرنا النجم نبيل الحلفاوي بأن عودته للمسرح بعد غياب 20 سنة ليست فقط مجرد عودة للأعمال المسرحية، بل هي عودة لبيته، وأنه بذل مجهود كبير في اتخاذ قرار العودة مرة أخرى للوقوف على خشبة المسرح الذي تعلم عليها كل تقاليد المسرح الراسخة منذ دراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
عرض “اضحك لما تموت” تأليف لينين الرملي وإخراج عصام السيد، والبطولة للنجم نبيل الحلفاوي ويشاركه الفنان محمود الجندي، سلوى عثمان، إيمان امام، تامر الكاشف، زكريا معروف. ويطرح العرض الذي أعاد لافتة “كامل العدد”، فكرة غياب الحوار بين الأجيال وانغلاق كل جيل على مشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال صديقين يلتقيان بعد سنوات ويكتشفان أنهما منفصلان عن الزمن الحالي. فالعلاقة بين جيل يتمثل في الأستاذ الجامعي وعلاقته بابنه وابنته، ومن خلالهم يظهر التباين والفارق الكبير بين فكر جيلين وقناعاتهما وطريقة تعاطيهما مع الحياة، إذن فالعلاقات بين الأجيال هي أساس النص الذي يحتوي على مستويات متعددة، وفقًا لتصريحات خاصة أدلى بها الفنان نبيل الحلفاوي، منها مستوى الحكاية، ومستوى الرمز، كما أن النص «تراجي كوميدي»، كعادة نصوص لينين، أي إنه يقول ما يريده في إطار كوميدي مضحك، حتى يجعل المتفرج يتحمل النص طوال مدة العرض، وفى الوقت نفسه يستطيع أن يوصل رسالته للمتلقي، وهو من نوعية النصوص الأكثر عمقاً وقيمة، بالإضافة إلى أن العرض شامل يتضمن أطروحات فكرية تتعلق بالسياسة، كما أنه لا يغفل الجانب الاجتماعي....رحم الله الفنان الكبير نبيل الحلفاوي.
يؤمن بدور الفن في الارتقاء بالناس والمجتمع
وقال الفنان خالد الذهبي:
الصديق العزيز الراحل نبيل الحلفاوي أستاذ كبير وفنان قدير وكبير من العيار الثقيل..
فنيا الحديث عنه يطول ويطول ، فهو شَخَّص جميع الأدوار، ويقدر قيمة الفن وخاصة في اتجاه المجتمع. تعرفت عليه في بداية مشواري الفني، فكانت أول مسرحية اشترك فيها في المسرح القومي مسرحية « باب الفتوح»، وكان بها سبعة شباب اسمهم المجموعة المعاصرة، وكنت أحدهم وكان ا. نبيل الحلفاوي ضمنهم ، فتعرفت عليه، وكنت أبلغ من العمر حوالي 19 عاما، وكانت المسرحية إخراج الأستاذ سعد أردش، ولمست فيه خلق رفيع وذوق رفيع وتقدير للآخرين ، قيمة عالية ، ثقافة عالية، محبا للفن ، محبا لما يقدمه ، محبا لأساتذته، فكما يقولون ( ابن ناس ومتربي )، تربى على الأخلاق وتقدير القيمة عموما في الحياة، وتقدير الناس، وتقدير قيمة الفن، اهتم بثقافته، وأحب الشعر ، وكان قارئا جيدا ومحبا لزملائه.
فكان رجلا حقيقيا في مواقفه ومواجهاته، شيك وراقي في حواره وفنه وفي جميع الأوجه، شرب من أسرته الأدب والتربية السليمة.
أحسست أنه يأخذ من كل أستاذ أعلى قيمة، وأعلى مبدأ، وأفضل ما يمكن أن يأخذه من أساتذته ، وشاركت معه بعد «باب الفتوح» بفترة طويلة في مسرحية «الزير سالم» إخراج الأستاذ حمدي غيث، وقدمت شخصية هجرس، فوجدته كما هو لم يتغير، ولكنه تغير فنيا كبر وصقل ورسخ ( استوى فنيا)، وارتقى أكثر على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، فوجدته إنسانا وطنيا يقدر قيمة وطنه، ويقدر الانتماء ، كما كان يقدر زملائه ويهتم بكل التفاصيل، والقيمة الفنية والمجتمعية للعمل، فكان مهتما بالإنسان ورقيه، وهو ما لمسه الناس فادركوا مواقفه النبيلة واهتمامه واعتزازه بنفسه وشخصيته ومبادئه... وغيرها.
وتقابلت معه في أعمال ومناسبات أخرى فهو كما هو لم يتغير راقي، صاحب مباديء وخلق، يعتز بنفسه، ويقدر قيمة الفن والناس، لم أرى منه عيبا ، لم أسمعه مرة يتكلم عن أحد.
في إحدى المرات رأيته وهو يعتذر عن بطولة أحد المسلسلات وعندما سألته لماذا؟ قال الدور كبير لكنه لا يقدم قيمة فنية، أو اجتماعية أو انسانية، فكان في رأيه أنه على الشخصية أن تحمل هما اجتماعيا ووطنيا ، عملا يستفيد منه الناس فنيا واجتماعيا، فكان يؤمن بدور الفن في الارتقاء بالناس والمجتمع، فالفن يرتقي بالحياة ، وهو كان يقدر الحياة بكل معانيها...
هو شخص الحديث عنه يطول ويطول ولكنه في مكان أفضل بإذن الله..رحمه الله وغفر له.
القبطان ...معلا قانون ..
وقال الكاتب مجدي محفوظ:
حين يمتلك الفنان القدرة على [ (خطف الكاميرا / سرقة الكاميرا ) لفظة متعارف عليها لدى الممثلين ] ومهما كان دوره فهو فنان يستطيع الاستحواذ على قلوب المشاهدين من خلال أدائه المتميز دوماً في أدواره ، وخاصة فيما يرتبط بالشارع المصري، وتميزه لكل ما يقدم من شخصيات يقوم بتأديتها، وتظل تلك الأدوار مرتبطة بالمشاهد سواء أكانت من الأعمال التلفزيونية، السينما، المسرح والذي بدأ منه مشواره الفني الطويل وظل أدائه كممثل يمتلك موهبة قوية وقادر على لعب أدوار مختلفة وتجسيد شخصيات مركبة واكثر تعقيداً، والانتقال عنها بشخصية جديدة تبعده دوماً عند الشخصية الأخرى والذي تظل مرتبطة بفكر المشاهد . وحين تجلس مع نفسك لمتابعة أدواره تظل في حيرة وأنت تحلل دورة في فيلم “مهمة في تلك أبيب» ، ثم إلى أقوي رجل مخابرات في مسلسل “رأفت الهجان “، والذي يعد كأشهر من قام بهذا الدور في الدراما العربية، وقدم العديد من الشخصيات الأخرى والتي تركت أثراً في نفوس المشاهدين في الوطن العربي، هذا بالإضافة إلى كونه رجلا استطاع أن يكون واضحا في مواقفه السياسية، وخاصة في وقت الأزمات التي تمر بقضايا الوطن ومقاومة الإرهاب .
وذكر كثيراً على أن بدايته في المسرح كانت هي البداية الصحيحة والتي تتناسب مع القدرات الهامة التي تؤهل الفنان للدخول إلى عالم الدراما والسينما ، وكانت بداية مشواره في التلفزيون المصري بمسلسل محمد رسول الله والذي بث في بداية الثمانينات، والتي انطلق منها نحو السينما، وحقق الكثير من الأعمال التي تظل راسخة في قلوب المشاهد العربي . رحم الله الفنان القدير نبيل الحلفاوي .
الأستاذ في ذمة الله
وعلق الفنان مفيد عاشور في صفحته الشخصية قائلا: الأستاذ في ذمة الله . لا أجد من الكلمات ما أرثيه به ، فكل من اقترب منه وتعامل معه إنسانيا لا يملك إلا أن يحبه ، فقدنا قيمة فنية كبيرة، وفنانا كبيرا ورمزا من رموز مهنة التمثيل، أثرى حياتنا الفنية بالكثير من الأعمال الهامة وتعلمنا منه الكثير ، لا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون ، رحم الله النبيل نبيل الحلفاوي وغفر له واسكنه فسيح جناته .
فقدنا قامة كبيرة
وبتأثر قال الفنان الكبير فاروق فلوكس :
الأستاذ نبيل الحلفاوي الله يرحمه من أقرب الاصدقاء لي، كان ممتازا كممثل أولا..خلقا وطبعا، اشتهر بمساعدته لزملائه، فكان من الفنانين المحترمين والملتزمين، شاركت معه في” الزيني بركات” فكان خلوقا لطيفا محترما، محبا لزملائه، لم يقبل يوما أعمالا في مقابل المال، فكان له قانونه ومبادئه الخاصة والتي لم يكن ليحيد عنها في يوم من الأيام ، فقدنا قامة كبيرة، عزاؤنا أعماله التي ترسخت في وجداننا، رحمه الله وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
المسرح معبده وعشقه
وقال عنه الفنان أشرف شكري:
بالطبع أهم أعمالي في حياتي في المسرح مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» على مسرح الهناجر والمسرح القومي، إخراج حسن الوزير، وكنت أقوم بدور الخادم بطولة النجوم نبيل الحلفاوي وسوسن بدر وخالد صالح وخالد الصاوي وحمدي الوزير ووفاء الحكيم.
وكان الفنان نبيل الحلفاوي في منتهى الالتزام والاحترام، كان دائما أول الحاضرين في البروفة وقبل العرض بساعتين، وكان يتعامل معي بمنتهى الرقي والمحبة، وهو دائم الوقوف بجانبي كأخ أكبر وصديق يضحك ويهزر وينصح بمنتهى الاحترام، وكان دائما يقول للنجمة الرائعة سوسن بدر «الحقي أشرف بقى بطل العرض وهو من يقوم بفتح الرواية»، وأيضا ظهوري في فنال العرض، و كان دائم الدعابة بحب مع من قامت بدور الخادمة ، وكان يقول لها «حبيه على المسرح والواد بيحبك وباين على أدائه ، وبلاش كسوف» لأنها كانت ممثلة خجولة جدا في الحياة وهي الممثلة هايدي عبد الخالق المحترمة.
اذكر في إحدى المرات أن جرس تليفون شخص ما رن، وقام بوقف العرض حتى يخرج من المسرح صاحب التليفون، ولم يكمل العرض حتى خرج صاحب التليفون وكان صاحبه الكاتب الكبير سمير سرحان، وأصر على ذلك ، حتى بعد معرفته بالشخصية؛ لأنه كان يعشق الالتزام، وكان يعتبر المسرح معبده وعشقه، وأيضا لو حدث أي همس في الكواليس لا يتوانى في العتاب، كان شديد الاحترام، وانسان بما تحمله الكلمة من معاني، وكان صاحب الجميع، الصغير قبل الكبير، وقمة الإنسانية في التعامل مع الآخرين.
رحمة الله على أستاذنا العاشق للالتزام والاحترام والعاشق لفنه.
الفنان المثقف الوطني
وقالت الفنانة وفاء الحكيم:
الفنان الكبير نبيل الحلفاوي رحمه الله...شاركت معه في أكثر من عمل، ولكن المسرح دائما ما يكون له ذكريات عبر أيام وليالي عروض، ففي مسرحية « طقوس الإشارات والتحولات « وكان بطلها، لم أجد منه شيئا سيئا ، ولكن كان يضمنا تحت جناحه ، وعندما ينجح لنا مشهدا سواء أنا أو سوسن بدر أو خالد الصاوي ، كان يبدو عليه السعادة الغامرة، فهو الفنان المثقف الوطني، المستبشر دائما ، ولديه الأمل الدائم في الغد، الرجل النبيل الوطني، احترم نفسه، وحافظ على أصول المهنة لآخر لحظة...افتقدنا قيمة كبيرة جدا...رحمه اللّه.