«لفراش».. صناع المشهدية الركحية الجدد بالمشهد المسرحي بالمغرب

«لفراش»..  صناع المشهدية الركحية الجدد بالمشهد المسرحي بالمغرب

العدد 904 صدر بتاريخ 23ديسمبر2024

قدمت فرقة مسرح أوكاليبتوس بمدينة سيدي يحيى الغرب بالمغرب عرضها الفراش أو المنزل الأحمر تأليف وإخراج: أحمد برارهي، وتشخيص: مراد فيداوش، لبنى بوطيب سينوغرافيا: بدر تايكي، إنارة ومؤثرات صوتية: تهامي خلوك ملابس نادية المجاهد بقاعة المركز الثقافي بمدينة الفنيدق في إطار  أيام الفنيدق المسرحية الرابعة على الساعة السابعة مساء.وهو عرض لطلبة الإجازة المهنية لمهن المسرح وفنون العرض بكلية ابن طفيل بمدينة القنيطرة،والتي يهدف التكوين في فصولها الأربعة الأولى إلى تزويد الطلبة بالمواد الأولية في تقنيات المسرح وفنون العرض، وإعدادهم تدريجيا لمستوى التكوين المتخصص في الفصلين الخامس والسادس لاستكمال ما تبقى من برامج التكوين وتعميقها بالدروس والتداريب العملية والتطبيقية.ويهدف التكوين إلى تحقيق ما يلي :اعتماد تكوين يزاوج بين الدروس النظرية، والأشغال التطبيقيـة، لاكتساب المردودية والاحترافية، والرفع من قيمة وكفاءة الطلاب مسرحيا، وإعدادهم لحياة مهنية.ومواكبة الجديد والمستحدث في المناهج، والمدارس، والاتجاهات المسرحية. وتزويد الطلبة بالمهارات التقنية المسرحية اللازمة لتنمية قدراتهم الإبداعية، وتأهيلهم لإنتاج أعمال مسرحية سليمة. وامتلاك آليات لنقد المسرح، وصيغ قراءة النصوص والعروض المسرحية. واستثمار المواد التكميلية ذات الصلة بمجال التكوين، وخصوصا تقنيات التواصل والكتابة الإبداعية. وتعزيز التحكم في تقنية المعلوميات، واللغات الأجنبية. والإلمام بفن المسرح، وقيمه الأدبية والدرامية والجمالية. وتوفير الفرصة للطلاب للقيام بالأنشطة الثقافية والمسرحية والفنية، والمشاركة بها في المهرجانات المسرحية الوطنية والدولية. وامتلاك آليات البحث العلمي.
دلالة العنوان: ثنائية الاختيار
بوضع اختيارين للعرض نؤكد على حضور الثنائيات بدء من الممثلان وما سندرجه لاحقا. فالعنوان الأول يمكن وسمه بالشعبي لعموم الجمهور وهو لفراش. »لفراشْ» يحيل إلى الكلمة العربية الفراش، وهو مشبع بالدلالات الرمزية والمباشرة.هو من أثاث المنزل الضروري لو شرح بشكل لغوي، ولكن اللفظة تعني في المفهوم الشعبي معنى أخرى يشير بشكل ضمني أو رمزي تواطىء إلى فراش سرير الزوجية،بمعنى أنها لفظة محملة بالايحاء الجنسي في الموروث الشعبي الذي يحافظ على الرمزية غالبا في إشاراته إلى علاقة الزوجين.إشارة العنوان دلاليا تعني أنها بموضوع له علاقة بالعلاقات الزوجية بمعنى فقد شرط التشويق ودخل إلى المباشرة كإمعان في إعداد المتلقي المحتمل لشغب مسرحي تجريبي جديد،ليسأل عن أي فراش يتحدث العرض،وهل هو فراش عادي لبيت ما أو فراش حميمي يدعو إلى الانتباه. أما العنوان الثاني فهو مكتوب بملصق العرض باللغة الإنجليزية:المنزل الأحمر كإشارة لمجال الأوكار المتخصصة في الدعارة وما يليها.وهو عنوان قد يصنفه البعض نخبويا بشكل ما لهذا لا يتم توظيفه بشكل مكرر كلفراش.
لمحة موجزة عن «لفراش»:
يبدأ العرض بإظلام يطول لدرجة أكثر من اللازم، لكن صناع العرض أصروا على تأكيد هذا الظلام والسواد لإعداد المتلقي لدخول عوالم العرض. وتخرج الزوجة التي تعد شربة نعرف لاحقا أنها لوضع التمائم والطلاسم السحرية للتحكم في زوجها بشكل مَرضي.تكرر اللازمة:ينقصها الليمون الحامض لكي تكون شربة جيدة.العرض إذن ثنائي بوجود ممثل وممثلة على طول الخط. فما هو المسرح الثنائي؟
المسرح الثنائي:
“ديودراما” من الفنون الدارمية التي تعتمد على ممثلين اثنين،يرويان الحوار عن طريق الحوار التشخيصي باعتماد مختلف المهارات والتقنيات،سواء عبر الالقاء أو التقمص أو المحاكاة أو لعب الأدوار لشخصيات متعددة في مشهد مطول لنص مسرحي يتضمن رسالة أو رسائل معينة، من خلال التحكم في آليات الكلام، تنويعات صوتية، الإيماءة، الإشارة، حركة الجسد، الصمت، الانفعال الداخلي مع توظيف مختلف التقنيات المسرحية المعروفة لتقديم عملهما في قالب فرجوي هادف. ويؤكد بعض النقاد أن هناك اصرار على المسرح الثنائي لانخفاض التكلفة، والبحث عن ثقة المتلقي.
وبالنظر إلى بداياته عربيا،نرى أنه نوع انتشر لإبقاء جذوة المسرح قائمة، ففي 2012 نظم مهرجان خاص به في أبها السعودية، وفي نفس العام نظمت جامعة عين شمس مهرجانا مماثلا. هو مسرح يعتمد على المواجهة الأدائية القائمة بين ممثلين فقط،يبنى على تناقض بين شخصتين والصراع بينهما.تُختبر قدرة التمثيل على الخشبة، من خلال بطلين يدخلان في حوار متواصل عبر مشاهد العرض، ويمكن القول أن نجاح العرض يعتمد على أداء هذين الممثلين، وقدرتهما على توصيل فكرة النص، أي أن حبكة العرض ومحمولاته النفسية والدرامية. ترتبط بقدرة هاتين الشخصيتين على التواصل فيما بينهما، أي في إطار تناغم نفسي، في ضوء ما تمتلكانه من قوة الأداء التعبيري والحركي، وأيضا اللفظي أو الصوتي.
تقع عروض الديودراما ما بين الدراما العادية والمونودراما،أو تحاكي الدراما العادية إذ فيها ممثلان يلعبان الدور ويجري بينهما حوار متصاعد، ويدخلان في صراع خارجي لكي يكون كل واحد فيه فائزا. وهي من جهة أخرى تحاكي المونودراما لأنها تعتمد في جانب منها على البوح والتداعي الحر للأفكار الشخصية، حيث تؤدي المواجهة في أغلب الأحوال إلى استبطان ذاتي تستذكر فيه الشخصية ماضيها أو تظهر به أفعالها، ومواقفها من الشخصية الأخرى، كما يفعل فنان المونودراما الذي يطور صراعا ذاتيا عن طريق الاستبطان العميق لخبايا ذاته، واستشارة لا شعوره فيتحرك  الصراع نحو الأمام،وهذه الميزة الوسطية هي التي تعطي للمسرح الثنائي خصوصيته وتجعله جديرا بالاهتمام.
التجريب الطلابي في الميزونسين:
مخرج عرض لفراش طالب في الإجازة المهنية لمهن المسرح وفنون العرض، الذي راكم تجارب مسرحية وفنية لا بأس بها.حاول بعرضه تشكيل تصورات ميزونسينية تميزت أحيانا بالجرأة والتجريب. ولعل المفهوم السطحي للميزانسين والذي يختزله بمجرد حركة الممثل من نقطة محددة على الخشبة إلى نقطة أخرى، أو إلى مجموعة من الأمكنة أو الفضاءات.
ميزانسين لغة فنية تكشف عن الخطة الفكرية والفنية للمخرج وعمله مع الممثلان. للميزانسين ثلاث أبعاد حية: الحجم النحتي، والرليف (الجرافيكي)، والبناء المنظوري للفضاء الحقيقي المرتبط بالبعد الثلاثي  للركح، الذي يقوم على اساسه الاخراج بأبعاده الثلاث، وهو يتخطى  السطح الواحد الذي يتشكل من(الرامب) أو إطار فتحة المسرح، ويكسر الخط المستقيم، بل ينفتح على صالة المتلقي بحضور الممثل بأبعاده البشرية، من دون الاضلال بمنظر المشهد العام الشاخصي على خشبة الركح، وبذلك يضفي على الصورة المسرحية لمسات حيوية،لتصبح أكثر تناغما ومرونة، وأكثر تعبيرا.
والعرض تضمن وجهة المخرج، وجبهويته الميزانسينية، وإن أخفق في اعتماده على التكوين الفضائي أحيانا وفي معالجته الفضائية.مركز الرؤية في التكوين بإنارة فنية أحيانا لخلق توازن في التكوين البصري، بطلها اللون الأحمر عموما. وتلاقى أفق المخرج مع أفق المتلقي الجمالي من خلال تقريب معنى المشهد، بعد أن تشتت علاماته، كما تبدت لديه لأول مرة وبتنظيم وحداته المؤشرية والبنائية كأساسيات يتعلمها المتلقي بعد أن اجتهد المخرج بتأطيرها وصياغتها، على وفق هيأتها وأشكالها المقترحة للمشاهدة. فوجود ممثلين فقط على الخشبة سيف دو حدين، بمعنى قد يبدو التحكم في تعاملهما مع مساحات الفراغ يسيرا، ولكن هو أقرب منه إلى العروض الفردية التي تحتاج لكل الآليات الفنية والمسرحية والركحية لشد انتباه المتلقي.
فهل يمكن أن تتحقق المصالحة بين الخطة الاخراجية ومكونات العرض؟ وأن يلتقيا في أفق ابداعي واحد؟ وهو طموح كل مخرج جاد. ان استنطاق رموز النص الدرامي وآلية تحويل علاماته إلى عرض مرئي ومسموع لا يعني استقلال العرض عن الخطة الاخراجية التي انطلقت من النص الدرامي نفسه،حتى وإن اختلفت اللغة الفنية (كمؤلف ثاني).
حضرت بالعرض ثنائيات بنيوية تدفع لتوظيف المنهج السيميائي في قراءة علاماته ودلالاته المشهدية.
فالدراسة السيميائية، كما نعرف تسعى لتحويل الفن من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة.وذلك عند التوصل إلى مستوى من التجرد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها.ويمكنها التجرد المذكور استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة. تبحث السيميائية عن المعنى من خلال بنية الاختلاف ولغة الشكل والبنى الدالة. فلا تهتم بالنص والعرض، ولا بمن قاله أو قدمه، بل تحاول أن تجيب على سؤال وحيد هو كيف قال النص ما قاله وكيف قدم العرض ما قدمه.
الثنائيات الضدية:
وبتطبيق مفهوم الثنائيات الضدية على عرضنا والذي ابتدأه فلاديمير بروب وامتد لكلود ليفي شتراوس والذي استخدم ثنائيات متعارضة نراها تحضر بالعرض:
ذكر/أنثى، ليل/نهار، حب/كره، ولادة/عقم، رغبة/صد...
هي ثنائيات ذات بعد دلالي انساني : حب/كره
هي ثنائيات ذات بعد اجتماعي: زواج/لا زواج
ثنائيات ذات بعد دلالي فلسفي أو فكري: موت/حياة
وهذا تطبيق يهتم بالسياق والمحتوى وأهمية المعنى والمضمون في دراسة الخطاب المسرحي. وهي ثنائيات شكلت البناء المسرحي في أبعادها الدلالية التي لا تخرج عن كونها اجتماعية، انسانية، ثقافية، نفسية، وفكرية. هي مهما اختلفت تهدف إلى ميولات بنية عميقة هدفها صاحب العمل لكي يبلغها وبحسب قراءة المتلقي بشكل عام.
مفهوم التضاد في اللغة والاصطلاح:
تتعدد معاني مفهوم (التضاد) وفق مادته اللغوية، فمن معانيه (المخالفة)، وهو الذي ينطبق مع المفهوم الاصطلاحي الذي يتبناه البحث من حيث الدلالة ف: ”الضد ضد الشيء، والمتضادان: هما الشيئان لا يجوز اجتماعهما في وقت واحد، كالليل والنهار” وهناك أنواع تتدرج تحت هذا النوع من التضاد منها: الأول: التضاد الحاد أو التضاد غير المتدرج (التقابل-التعاكس) مثل: ميت/حي، متزوج/غير متزوج، ذكر/أنثى..
التضاد المتبادل(العكس) وهو علاقة بين أزواج من الكلمات: خان/وفى، أحب/كره.
التضاد الاتجاهي ومثاله العلاقة بين كلمات مثل:أعلى/أسفل، يصل/يغادر، يأتي/يذهب، فكما يجمعها حركة في أحد اتجاهين متضادين بالنسبة لمكان ما.
تعد الثنائيات مرتكزا أساسيا من مرتكزات التحليل البنائي النقدي المعاصر يؤدي الكشف عنها الوصول إلى البنية المتحكمة في الأعمال الفنية بشكل عام. مشتغلا على ثنائيات متنوعة: ثنائيات متقابلة بالتوافق كثنائية: الزواج/الصيف، الثورة/الربيع، فعلاقتهما أساسها المشابهة في حين تظهر ثنائيات متقابلة بالتضاد كثنائية (يصون/يدنس، تماسكت/تزعزعت...
ثنائية المغلق/المفتوح:
انغلاق المكان اكسب العرض ألفة وتكدس وعدم انفراد بالنفس بمعنى تقوقع الزوجين للتعايش في هذا الحيز الضيق الذي أغلق عليهما، مع احتفاظهما بخصوصيتهما وتفردهما في عالمهما الخاص الذي يعرف تشابكا عارما.
الانغلاق سمة بارزة بالعرض، انغلاق ببيت الزوجية، انغلاق بالماخور، انغلاق على شكل حصار بجبهة القتال وان بدأت منفحتة وهي منطقة لم تكن مهيمنة على أحداث العرض.
ثنائية الساكن والمتحرك:
تشكل هذه الثنائية امتدادا طبيعيا لثناية المغلق/المفتوح، لأنها تناقش أثر المكان على الشخصية. تصوير السلوك والسلوك المتمثل في الفعل ورد الفعل.
الزوج: السكير، العقيم، الساكن، الحالم بالإنجاب، الغير واثق بزوجته بسبب ماضيها المظلم..
الزوجة: البشعة، المنهكة من مهنة مهينة(دعارة)، العقيمة، الساحرة (مشعوذة، أو صوت الشيطان بمعنى ما)، تشاركه شربه...
في موضوع الصراع شكل ثنائية رئيسية في بناء العرض، لأنها شكلت النواة التي تركز حولها البيانات الصغرى المشكلة للغة العرض الدرامية.
ثنائية الايجاب/السلب:
إن عالم العرض يحمل في طياته القمية وضدها في عالم واحد،أي الموجب والسالب في المفهوم الكهربائي وفي صوره صراع داعم من ناحية المستوى الأخلاقي.ولا يمكن للناقد الانحياز لأية منظومة قيم لأي من الشخصيات وترك تقرير مصيرها للمتلقي الذي يحدد ما يحلو له فيحدد الشر والخير والجزاء والعقوبة والفضيلة والرذيلة والاستقامة والانحراف.إن البنية الضدية في الثنائيات تعمل على شحن العرض بالحركة التي تستوعب في صلبها مفارقات الحياة وكل ما يؤدي إلى الايحاء بحركة الجدل في الواقع.فالوقوف على هذه الثنائية قد شكل جانبا مهما في المشهدية للعرض وساهم في إبراز الجدل بصوره الفنية،فهيم قائمة على أساس التقابل بين الشيء وضده.
ئنائية العقم/الخصوبة:
شكل موضوع الإنجاب الذروة التي اتكأ عليها العرض ليتفرع عنه مواضيع أخرى كالسحر والوفاء والدعارة وغيرها.هنا نشارك صناع العرض عن الجهة المتهمة الأولى في هذه الحالة هل بسبب المرأة أم الرجل أم هما معا.فالعسكري الذي يصبو للخلود بذرية طال انتظارها يعيش حالة إكتئاب بسبب ذلك،وكما لو أن الأمر يشير إلى سبب هذا العقم هو نتيجة حتمية لمهنة الزوجة في مجال الدعارة وبالتالي استحالة تمكن الرحم من بث بعض خصوبة في حلم الزوج المسكين الذي هرب نحو الخمر لعله ينسى.لنتابع ما تواجهه به الزوجة من أفعال شيطانية كالسحر.
تيمة السحر بالعرض:
هل يمكننا الحديث عن ثنائية المسرح والسحر كمحور بالعرض أو المسرح المغربي؟
أنه موضوع يشكل نسق ثقافي متحرك ومنفتح على أزمة العقل البشري وتطوره متوافق مع تفكيره الأسطوري:
السحر:لغة:سحرٌ والجمع أسْحَارٌ وسحورٌ ويَسْحِرَهُ سَحْراً وسِحْراً،وسَحرَهُ ورجل سَاحِرٌ من قوم سَحَرَهُ وسُحَّار وسَحَّار من قوم سَحَّارين.السّحرُ كل أمر لا يدرك سببه ولا يعرف على حقيقته بل يحمل على محمل الخداع.
السحر:الصرف:تقول:سحره عن كذا،أي صرفه وأبعده.ويطلق على ما لطفمأخذه وعلى إخراج الباطل في صورة الحق وعلى ما يفعل الانسان من الحيل وعلى ما يستعان به بالقرب من الشيطان.
اصطلاحا:فن يزعم إحداث أثار مضادة لقوانين الطبيعة بوساطة طقوس وأعمال خاصة كالإرشادات والرقي وتعول الطقوس السحرية على قدرة الساحر. هو مجموعة طقوس ترى للتأثير في الناس والحيوانات والأرواح المتخيلة بهدف الحصول على نتائج معينة ويقوم السحر على ايمان بعلاقة خارقة للطبيعة بين الإنسان والعالم المحيط به.هو طقس مدفوع بالرغبة في الحصول على تأثير معين.وينظر إلى السحر كمحاولة لتسخير قوى روحية أو فوق الطبيعة باستخدام الوسائل الطقوسية.
تعريف إجرائي:منظومة باراسايكولوجية تمارس أساليب خفية وسرية ناتجة عن تراكمات نفسية وإجتماعية وفق مؤثرات خارجية عن نطاق العقل البشري هدفها الحصول على تأثير معين من خلال استخدام الوسائل الطقوسية.وهو تفكير بدائي  معتمد على الخرافة لا يؤمن بالعلم والتطور والنظريات.الغاية منه السيطرة والتحكم بإرادة الانسان وسلوكياته وأقداره وحياته عبر خداعه واستغفاله وتخويفه وترويض عقله لتصديق مظاهر الخداع وانزياح عقلانيته باللاواقع الغيبي عبر تمائم وطلاسم وطقوسيات خاصة.
وارتبط السحر ميتولوجيا بالأسطورة والدين وسلب العقل والروح نحو عالم الغيبيات الممزوج بالسايكولوجيا والمتاسايكولوجيا وللإيمان بالروح وموتها وإعادة إحيائها وتسيير أقدراها والوعي واللاوعي لدلالات ومدلولات رموز وطلاسم طقوس السحر وأنساقها الممتزجة ما بين القيم الديني المقدس والمحرم والممنوع.ولم يقتصرالسحر على الحضارات البدائية بل امتدت وتطورت طرقها وأساليبها وطقوسها وأسرارها وأنساقها وفق ثقافة مجتمعات الحضارات وأسسها الفكرية والفلسفية والإجتماعية والاقتصادية.
ولحظة أحسسنا كما لو أننا في داخل  نص العاصفة لشكسبير:’بروسيبرو’ الدوق النبيل تحول إلى ساحر في الجزيرة المسحورة،  ومحاوره جمع قواه السحرية للعروج إلى السماء وشخصية ‘كاليبان’ الغرائبية المولود من الجنية الشريرة والمشعوذة ‘سليكوراكس’ وكأنه شخصية مسخ نتيجة لبشاعة وجهه وتشوهه وهو أخرق وشخص أخرق وحقير بمعنى الكلمة...
الأكيد أن موضوع السحر من مرتكزات الثقافية الشعبية للعديد من الحضارات والمغرب لازال حاضرا كما في أغلب الشعوب.حتى وإن كانت صورة المغربي بالعالم العربي مشوهة أو هي أحكام مسبقة فتطلق على كل مغربي أو مغربية يمارس ويتقن السحر/ بشكل معمم فج.هو اشكال درامي يتضمن بنياته محاكاة درامية ذات نسيج معرفي وروحي وتشريعي داخل الذات لتفجر مكنوناتها وتحرير النفس من معاناتها وتجيب عن التساؤلات العقلانية القلقة.شكل مصدرا للتثوير الدرامي عبر ما شكله البناء الدرامي بالعرض.
بنية الحدث:
العرض يدور حول قصة عسكري وزوجته العقيم وهما يصارعان من أجل الحفاظ على عشهما الهش وعلاقة أهش حكمها الماضي الأسود للزوجة وبالحاضر العقيم الممزوج بالخديعة والمكيدة وطقوس السحر.تشكلت البنية الكلية بالعرض من موضوع الخداع/الحقيقة وفق ثنائية متناقضة بين خديعة الزوجة واكتشاف الزوج للحقيقة ورغبته في الانجاب تتحدد الأبنية الصغرى:وفق تسلسل منطقي يوضحه الخط المتسلسل:الخديعة –عواقب الخديعة-الحقيقة-تداعيات الحقيقة
عواقب الحقيقة:الثقة/الغيرة، الهجوم/الدفاع، التهور/التعقل.
بنية الحقيقة: الغفلة/اليقظة، الظلام/النور.
ثنائيات الهنا المستقر/الهناك المضطرب:
المكان الأساس هو بيت الزوجية، الهنا.و الهناك مقسم إلى البيت الأحمر أي الماخور المضطرب كليا بكل تفاصيله اليومية.والهناك هو مكان عمل الجندي أي جبهة الحرب.وهي مضطربة حتى في حالة سلام وانتظار للمجهول.
المنزل/الماخور (هو مكان مستقر):به الاحتواء، الخصوصية، الخديعة، الحجز، الحصار(كمكان المغلق)
الجبهة(مضطربة)بها حماية، خوف، حرب، تهديد، عدو، قتل
بنية الشخصيات:
تطبع العرض بطابع خاص ومتميز، بما له من قدرة على بناء الحدث وتطوره من خلال تكامل أبعادها النفسية والبيولوجية والإجتماعية التي تؤطر ردود أفعالها اتجاه المواقف والأحداث.
مستويات تركيبية للشخصيتين:
مستوى تركيبي:              بنية اجتماعية              بنية نفسية
شخصية الزوجة: بنية مادية: سوداء البشرة، بشعة، نحيفة، قصيرة زوجة.
بنية إجتماعية: عسكري، مسرفة في المشاعر، هشة، معقدة من قعم أصابها
بنية نفسية: مومس سابقة، مشعوذة
شخصية الزوج: بنية مادية: وسيم، ذو شعر مهدل، مكتنز أسمر طويل نسبيا.
بنية إجتماعية: عسكري مقاتل. بنية نفسية: حالم بالإنجاب، سكير، طيب، أبله.
هي إذن، شخصيتان قد يصورها المتلقي على أنها غريبة وتحركها قوى خفية لاستكشف إلا حين تفاجئهم الأزمات  والمخرج هنا قد كشفهم من خلال طرحه لأزمة الأخلاق والشرف، فهناك بمعذب بين الرغبة في الشرف والحب والخبث والذرية.أما على المستوى الجمالي فهما بعلاقات متشابكة وفق العديد من الثنائيات المتضادة والتي ساهمت في تطور بنية الشخصية وتحولاتها غير مبررة العرض فتتحرك شخصية الزوجة في علاقاتها بالزوج بثنائية المظهر/الجوهر. فالزوجة لها زوجان وتخفي بأفعالها ما يضمره قلبها وسيلتها السحر والاغراء.وتشكلت علاقة الزوج بالزوجة وفق ثنائية الأعلى/الأدنى. فالزوج يتوق إلى طفل من صلبه ويعتز ببندقيته.
هي علاقة تتحرك في إطار ثنائية الأحمر/الأبيض، الأحمر/الأسود، الأبيض/الأسود. فالظلام رمز السواد بفعل الخديعة والأبيض نور الحقيقة وحضور الأحمر رمز الليالي الملاح والسهرات الماجنة والمحيل لأجواء علب الليل والماخور والسكر وغيره.
لا غرو أن البنية الدرامية اعتمدت على سرد وإقرار بواقع وحقيقة مؤكدة لا جدال فيها، بتوظيف جملة تتكرر تدعو لزيارة الدار الحمراء(ماخور). مما يتوافق مع صيرورة التحول في مشاعر الزوجة اتجاه الزوج وثبوت وقوعها في حبه بسبب بسالته وبطولاته.وقد تجسدت مراحل التحول من خلال الحركة الترددية بين ضميري المتكلم والغائب. وتأرجح السرد دراميا بين الفعل الماضي والمضارع: ماضي أقدم مهنة للزوجة وتردد زوجها على ماخور، ومضارع يشهد رغبة الزوج بالإنجاب وهو يصارع طرق سحر زوجته التي تخشى الهجران.من خلال التداخل المستمر بين الزمنين تشكلت البنية الدائرية للمقطوعة الدرامية السردية، حيث كثرت الانحرافات الزمنية، التي لعبت دورا كبيرا في تدفق ايقاع الحكي/الحدث/البوح.
العرض مليء الاستعارات التصريحية والمكنية بلغة المسرح لتؤكد ذات المعنى، الزوجة الملتهبة والزوج الفاشل في الانجاب والسكر المادي والملموس والمعنوي للهروب من الأسى والألم لدر العطف والإشفاق بصور مجازية أثرت التصور الذهني لدى المتلقي وخصوصا الراشدين(كانت العلامات بالعرض أكبر من الجمهور الحاضر بمعرفين بثقافة مكان إعداد العرض مدينة سيدي يحيى ومكان العرض مدينة الفنيدق).
أما الديالوج فقد شغل مساحة كبيرة من الحوار في محاولات ايقاع بالإثارة والسحر معا وعبر زجاجة النبيذ الرمزية لمحتويات اخرى، وإن كان في المعتقد الغيبي أن الخمر تزيل كل أثار السحر.
تحركت بنية حوارية وفق ثنائية: الشك/اليقين لإبراز المفارقة بينهما فبدايات كلمات الزوج توحي بعدم تأكده من صدق مزاعم زوجية.ولكن دهاءه هذه الأخيرة جعله يعتبر الواقعة محل الشك يقينية.الزوج استخدم أسلوب الاستفهام لكي يعرف امكانيات الحمل.والزوجة أسلوب شرط  يتحقق أحداثا على نحو ما أرادت. هي بنية حوارية في أغلبها جمل تلغرافية قصيرة، تعكس حالة احتدام الصدام بين الطرفين، ويساهم في تدفق ايقاع الصراع وحيويته.بأساليب الاستفهام التي تعكس حيرة الزوجان أمام اتهامات وانتظارات وملل ما.
استمرارية الجمل التليغرافية القصيرة التي خلقت نوعا من التوتر الدرامي يتناسب مع الطبيعة النفسية للموقف والشخصيات، على عكس الديالوج الذي احتل مساحة كبيرة من بنية العرض، فلقد شغلت المناجاة موضعا (نادرا) من العرض في شكل صور فوتوغرافية تجمد فيها الحدث عند لحظة معينة وكانت عبارة على فلاش باك. وتركيبيا: أسلوب المناجاة بأسلوب النداء لعكس الوله والندم على زواج بمومس. أما جماليا: مناجاة كناية على ما يعتمد في نفس الثنائي من حسرة.وإحساس لفداحة العقم والسحر وعمق مأساتهما. كما تضمن العرض طاقة ايجابية بنية على الانزياح عن النسق اللغوي المألوف، وانتقال الكلام من صيغة إلى أخرى يدل على الذات المبعثرة وغير المترابطة.يساهم في إثراء التنوع اللغوي والدلالي وتنشيط دهن المتلقي وإثارة انتباهه.
عموما تضامنا الأنساق التركبيىة والجمالية لأنبية عرض الفراش وقدرتها على ايصال المعنى من خلال ثنائيات متناقضة خلفت صراعا مستمرا وتشكلت تشكيلا وظيفيا فأصبح العرض متناسقا بدلالاته ومتماسكا في بنيته. ويرى كمال عيد “أن العناصر الجمالية في فن المسرح تقع بين العمل المكتوب (النص المسرحي) وبين العرض الفني الذي يحتوي الأدب المسرحي وفنون أخرى مشاركة، ولا نستطيع اعتبار هذه الجماليات في المسرح قوانين ثابتة أو أحكام معروفة مسبقا بحيث يمكن التعرف على نتائجها، ولكننا نقر بأن هذه الجماليات تحمل في كل مسرحية من المشاكل الجمالية الكثير، نتيجة بتواجد فنون مساعدة تعمل على مد الشكل المسرحي والعرض الفني بجماليات تتناسب مع خصائصها فنونها (كمال عيد جماليات الفنون ص100، 1980 بغداد دار الجاحظ العراق. وحتى وإن كان قصور في جانب فني كالملابس والمؤثرات الصوتية وبعض أداء الممثلان الطلابي، يجب تخصيص قراءات أخرى لهؤلاء الفنانين الطلبة.
ختاما، يسجل عرض لفراش الكثير من المواضيع الآنية لشباب المغرب، ولكنه يطرح استشراف المستقبل لدارسي مهن المسرح ببعض الجامعات المغربية، إلى حين تحقق مبدأ شمولية الحق في التعلم لكل مناطقه الهامشية بالخصوص وعدم استحواذ العاصمة بمعهدها العالي للمسرح في تدريس علم المسرح مع تزايد الكفاءات والأطر العالية التي تؤطر هذا العلم بحرفية.فأي مسرح أو منجز ركحي لجيل هؤلاء الطلبة الحالمين بمسرح مغربي طليعي آخر؟
نبذة عن مخرج العرض:
أحمد برارحي 29 سنة ممثل ومخرج مسرحي،  طالب في السنة الثالثة من الإجازة المهنية لمهن المسرح وفنون العرض - شارك في العديد من المهرجانات المسرحية بمسرحية من تأليفه وإخراجه وكذلك مهرجانات سينمائية محلية ودولية،  آخر مشاركة كانت في أكتوبر بالولايات المتحدة الأمريكية بفيلم «ممثل للبيع» لمخرجه حمزة بومهراز،  بطولة أحمد برارحي،  لدي ما يقارب خبرة 10 سنوات في مجال التكوين والتأطير المسرحي.

بطاقة العرض:
اسم العرض: الفراش، أو المنزل الأحمر
تأليف وإخراج: أحمد برارحي
مسرح أوكاليبتوس بمدينة سيدي يحيى الغرب المغرب
تشخيص: لبنى بوطيب، مراد فدواش
الإدارة التقنية: تهامي خلوق
سينوغرافيا: بدر التايكة
الملابس: نادية مجاهد
الإدارة الفنية:حمزة بمهراز
التواصل: فاطمة بوحو


عزيز ريان