«الصـــــــالـــون».. دراما اجتماعية نسوية تكشف المسكوت عنه

«الصـــــــالـــون»..  دراما اجتماعية نسوية تكشف المسكوت عنه

العدد 904 صدر بتاريخ 23ديسمبر2024

ظهر مؤخراً مفهوم “الدراما النسوية” فى الأواسط الإبداعية والفنية، کإفراز طبيعى للحرکة النسوية، التى بدأت فى أوروبا، فى أواخر الستينيات من القرن العشرين، والتى اهتمت بنقد القهر، الذى يقع على کل من الرجل والمرأة على حد سواء، لکنه يقع على المرأة بشکل مضاعف، مرة من المجتمع، وأخرى من الرجل، وذلک بوصفها أدنى الهرم الاجتماعى، والدراما النسوية هى انعکاس لوضع المرأة فى المجتمع، بوصفها أدنى من الرجل، ذلک الوضع الناشىء عن تصوراتنا للعالم على أنه مجموعة من الثنائيات المتناقضة .
تظل أهداف المسرح النسوي متطرفة، بما في ذلك استكشاف الظلم الاجتماعي وعدم المساواة من أجل تحديد الاحتمالات والحلول التحويلية، واليوم ..لا تزال امتيازات النوع الاجتماعي والتحيز الجنسي تشكل موضوعا وتحديا للمسرح النسوي .
و فى مسرحيتنا موضوع النقد ( الصالون ) على مسرح الفلكى من انتاج قسم المسرح بالجامعة الأمريكية، ومن بطولة مواهب واعدة من طلابها وخريجيها، ومن اخراج رئيس قسم التمثيل بالجامعة الدكتورة دينا أمين، المتفردة دوما فى إنتقاء موضوعات عروضها المسرحية التى تنتمى لطبقة المهمشين عموما من الرجال والنساء، ممن يعانون من القهر والظلم المجتمعى الذى يتعايشون معه، انهت دينا أمين مسرحيتها (الصالون) بنفس نهاية “هنريك ابسن” الكاتب النرويجى فى مسرحيته “بيت الدمية” التي سمع صوت صفع بابها في مختلف أنحاء العالم، ليصنفها الكثيرين من بعد ذلك بإنها بمثابة أول مسرحية نسوية فى التاريخ، وبداية الأدب النسوي الحديث، حيث أن نورا “فى بيت الدمية” تقرر مغادرة المنزل والحياة الزوجية بلا رجعة بعدما خذلها زوجها، وعبرت عن ذلك بصفعها للباب من ورائها عند خروجها من المنزل بنهاية المسرحية، بينما “إبتهال” فى الصالون قررت مغادرة صالون التجميل أيضا بلا رجعة، لتنتهى المسرحية على وقوفها لبرهة لتأمل الصالون من الزجاج الخارجى له، بنظرة تأمل أخيرة ذات معانى كثيرة، تعبر من خلالها عن معاناتها الطويلة مع القهر المجتمعى من حولها، فى كل زمان ومكان تتواجد فيه كونها انثى ضعيفة لا حيلة لها .
بالتأكيد تختلف الدراما تماما عند “هنريك ابسن” ككاتب فى “بيت الدمية”، عن الدراما عند “نور قبطان “ ككاتبة فى “الصالون”، لكنهم توحدوا فقط معا فى قرار النهاية الذى اتخذته كلا من بطلات العرض المسرحى “نورا” و“ابتهال” فى مغادرة كلا من “المنزل” و“الصالون” بلا رجعة فى نهاية العرض المسرحى .
تدور أحداث العرض المسرحى “الصالون” حول ثلاثة فتيات “ابتهال”، “سمية”، “هند” تجمعهم المصادفة فى العمل بصالون تجميل واحد، ومع ظروفهم المتشابهة التى جمعتهم حيث الفقر المدقع وقوتهم الداخلية المشتركة فى تحدى ظروفهم الإجتماعية والإقتصادية الكبرى، وأحلامهم البسيطة المتفائلة فى حياة هادئة وكريمة، تنشأ بينهم صداقة قوية تتكشف من خلالها للمتلقى طوال احداث العرض المسرحى، انهم هاربات من قهر المجتمع، ووراء كل منهن قصة مع المعاناة والإستغلال المتدنى للمرأة كمخلوق ضعيف .
أنتقت دينا امين ممثلى وممثلات العرض بعناية شديدة، وبالأخص الثلاث ممثلات الذين يدور حولهم محور العرض المسرحى، فجاءت مريم أشرف زكى فى دور “ ابتهال “ موفقة للغاية من حيث عنصرى الشكل والآداء، ووضح مدى التطور الفنى الكبير لمريم زكى كلما ازدادت خبراتها فى المسرح، من خلال عروضها ودراستها بقسم المسرح بالجامعة الأمريكية، والتى بدورها تعود عليها بنتائج ايجابية على مستوى الدراما التليفزيونية، فالمسرح هو أبو الفنون كما هو متعارف عليه منذ القدم، ومريم أشرف زكى فى “الصالون” غيرها فى “بنك القلق” حيث عرضها السابق بنفس الجامعة، حيث استطاعت دينا أمين أن تكتشف الجانب الكوميدى لديها لأول مرة من خلال ذاك العرض المسرحى “الصالون”، والأصعب من هنا أن تقوم كممثل بالإضحاك من خلال دور تراجيدى صرف من بدايته لنهايته، والأشد صعوبة هو أن تضحك المتلقى من خلال طريقة آدائك التى لا تعتمد على عنصر الكاركتر ايا كان بدينا أو قصيرا أو نحيفا أو قبيح الشكل، فمريم زكى هى فنانة حسنة الوجه رقيقة الملامح يوحى وجهها بالطفولة والشقاوة، ولكنها وبتمكن جيد من ادواتها الحرفية كممثلة وبمعاونة المخرجة دينا أمين، استطاعت أن تفجر ضحكات جمهور المتلقى فى الصالة من خلال الآداء الحركى فقط بكثرة الحركة باليدين عند التعصب مع الضغط على العينين والتحدث بنبرة سريعة ومتعصبة على الرغم من أن الحوار تراجيدى بعيدا عن الكوميديا، وذلك من خلال دور “ابتهال”، تلك الفتاة الساذجة والفضولية ضحية الإبتزاز الالكترونى، التى تعرضت له فى الماضى قبل قدومها إلى الصالون خوفا من اهلها، لتعلن مريم زكى لكل من بالوسط الفنى عن قدراتها المتنوعة كممثلة ومولد كوميديانة جديدة سوف يكون لها شأن كبير فى المستقبل القريب، لتؤكد أيضا دينا أمين للجميع كمخرجة ذات رؤية وخصوصية بأن الكوميديا الحقيقية هى حرفية وتكنيك اضافى بداخل الممثل أكثر منها كاركتر يعتمد على الشكل الخارجى .
اما ملك الليثى فى شخصية “سمية” فقد كان اختيارها ملائما للشخصية تماما من حيث الشكل، وملامح الطيبة التى تبدو على وجهها، فهى شخصية بسيطة تدخل فى صراعات مع نفسها ومظهرها وثقتها بنفسها، مما يسبب لها العديد من الأزمات، وهى سمات تعبر من خلالها عن قتيات كثيرة فى المجتمع، وملك الليثى ممثلة لديها من الذكاء الفنى والحضور على المسرح إضافة إلى جودة الآداء التمثيلى والقدرة على التوحد مع الشخصية التى تلعبها، ما يضعها فى مصاف الممثلة المتفردة والمبشرة بمستقبل واعد بمجال الفن والدراما .
وأخيرا حنين الدمرداش فى دور “هند”، استطاعت أن تسيطر على الشخصية وتتمكن منها وتتوحد معها، وهى شخصية مركبة لها العديد من الأبعاد النفسيىة، تعبر عن الإنسان الذى ليس له جانب وحيد بشخصيته، فالإنسان عموما به العديد من التناقضات فى حياته، ما بين الخير والشر، فهى فى البيت الأخت الكبيرة والأم وربة المنزل، وهى الفتاة الطموحة التى تحاول أن تدافع عن نفسها وتضحى بقصة حبها الوحيدة حتى تستطيع أن تعيش وتستكمل تعليم أخيها بالمرحلة الثانوية، لذا تتزوج من صاحب المحل بعقد عرفى من وراء زوجته، وهو شخصية تكبرها بالعديد من السنوات، حتى تستطيع انتشال نفسها من الفقر وحياتها الصعبة، دون ادنى تفكير فى مصير الزوجة الأولى، ولكنها تخسر كل شئ فى النهاية، وقد تفوقت حنين على نفسها فى اتقان الشخصية واقناع المتلقى بها وإثارة تعاطفه معها، نتيجة حبها للشخصية والإندماج معها .
اما بالنسبة لباقى شخصيات المسرحية العديدة والمتنوعة، فكان ابرزهم عمر جمعة فى شخصية حمدى صاحب الصالون، وهى الشخصية المستبدة بالعرض المسرحى الذى يضحى بأى عامل عنده لم يعد فى حاجة اليه، دون ادنى اعتبار بمدى سنوات العطاء التى منحها للصالون، فى رمزية واضحة عن عدم الأمان والتقدير الملائم الذى يفتقده الشباب المكافح فى مؤسسات القطاع الخاص، بما يتلائم مع شهاداتهم أو فترات خدمتهم لتلك المؤسسات، وقد قام جمعة بآداء تلك الشخصية بمنتهى التوحد والحرفية والتمكن من أدواته التمثيلية على مستوى الشكل أو الصوت والحركة، والجمع ما بين شخصيته الرجولية ذات الصوت الخشن والأجش، وما بين مظهره الخارجى الذى يوحى بطبيعة مهنته فى التعامل مع الفتيات، من خلال كثرة ارتدائه للخواتم والسلاسل الذهبية العريضة والثقيلة الوزن، مما يبدو للمتلقى مدى اجتهاده ودراسته للشخصية .
وكان هناك أيضا مريم توموم فى شخصية “وفاء” مديرة الصالون، التى تسعى دوما إلى مضايقة اى عاملة ترى أن وجودها وتمكنها فى عملها قد يهدد وجودها هى شخصيا، فى رمزية واضحة إلى المصالح المشتركة التى تربط الكيانات ببعضها البعض، وجاء آداء مريم للشخصية فى منتهى البراعة والفهم لأبعاد الشخصية .
وهناك أيضا محمد الليثى فى دور “مهند” وهو ابن الاعلامى الكبير عمرو الليثى، وهو اكتشاف جديد للساحة الفنية لما يتمتع به من موهبة خفيفة الظل وحضور كبير على المسرح، وقد قام بآداء دور مركب وصعب به تحولات كثيرة، فهو شخصية لأحد العاملين بالصالون والذي يدعي الجنسية اللبنانية، هارباً من أهله في صعيد مصر نظراً لشذوذه الجنسى، ومن ثم ينتقل فجأة بعد أن يتكشف أمره من اللهجة اللبنانية إلى اللهجة الصعيدية – وشتان الفارق بينهما – فى سلاسة ويسر واتقان بارع للغاية مما يوحى بمدى تركيزه وحرفيته .
و هكذا تأتى باقى شخصيات العرض المسرحى سواء فى ادوار الزبائن أو العاملين بالصالون، كل شخصية ولها من السمات التى تكشف ما ورائها من جوانب خفية ورغبات ومصالح، فهناك من تحمل بطريقة غير شرعية، وهناك من تتزوج عرفيا، وجميعهم أدوا أدوارهم بمنتهى الإتقان والحرفية، حيث كانت دينا أمين موفقة فى اختياراتها إلى حد كبير فى تسكين كل ممثلة وممثل فى مكانه الصحيح من حيث الشكل والآداء .
تصميم الديكور لجون هوى وهو مصمم امريكى الجنسية، وسبق له التعاون مع المخرجة دينا أمين فى أكثر من عرض، لذا يوجد بينهم دوما رؤية مشتركة وموحدة، وله سيرة ذاتية مشرفة حول العالم كمصمم ديكور واضاءة، وفى العرض المسرحى موضوع النقد ( الصالون ) جاء تصميم الديكور واقعيا، عبارة عن تصميم دائرى تحوطه عدة مرايات خاصة بزبائن الصالون، وعلى يسار المسرح دولاب لكل المنتجات الخاصة بشعر السيدات، وقد حرص هوى على أن تكون محتوياته واقعية أيضا وليس مجرد دولاب فارغ، وهناك أيضا فى مقدمة اليسار نجد ركن صغير لمربع متساوى الأركان بداخله اريكة ومجموعة من المقاعد عبارة عن غرفة معيشة البنات الثلاثة بالصالون، وعلى يمين المسرح وجدنا تصميم لرصيف شارع جانبى وبجواره عمود انارة ذو اضاءة حالمة ورومانسية كما هو الحال بالافلام السينمائية الاستعراضية العالمية، حيث مكان لقاء عاملة الصالون مع حبيبها حيث تنشأ بينهم علاقة غير شرعية، ومن اعلى السوفيتا هناك شاشة سينمائية فخمة تصعد وتهبط وقت الحاجة لتعرض المادة الفيلمية، واختار هوى أن يكون اللون الأبيض الناصع هو اللون المتسيد بالصالون بأكمله، حيث أن ذاك اللون يتفاعل مع كل تأثيرات الإضاءة ويعطى احساس بسعة المكان، كما انه يرمز إلى الأمل المنشود لدى الفتيات الثلاثة فى حياة كريمة، لذا لجأ هوى إلى الديكور المتعدد المناظر والاستخدامات، دون اللجوء إلى تغيير المناظر بين اللوحات واستقطاع وقت هام من العرض، بل أن تكون الاضاءة هى القائم بتلك الوظيفة من خلال تسليط الضوء على الحدث القائم على المسرح، وذاك هو مسرح ما بعد الحداثة فى العالم أجمع الآن، الذى يعتمد على عنصر الإضاءة فى تغيير لوحات العرض توفيرا للوقت والمجهود، لذا كان كلا من الديكور والاضاءة لجون هوى يكمل بعضهما الآخر، ويتدخلان فى وظيفة واحدة هدفها اقتناص الوقت لأجل سرعة الإيقاع، وكذا إضفاء عنصر الواقعية للعرض المسرحى .
جاءت الملابس لنرمين سعيد واقعية معبرة بدقة شديدة عن المستوى الإجتماعى للفتيات الثلاثة، وما يعانون من فقر وحرمان والبيئة الشعبية التى كانت منها نشأتهم، فجاءت ملابسهم بسيطة غير متكلفة ذات الوان هادئة تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم، وتبدوا من خلالها حرصهن على الحفاظ على تلك العادات بإرتدائهم الحجاب وملابس واسعة تستر اجسادهم بالكامل، على الرغم من عملهم فى صالون تجميل رواده وزبائنه من بيئة مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة، كما جاءت ملابس العمل الخاصة بكل العاملين بالصالون عبارة عن طاقم أسود بالكامل، دلالة على سوداوية المكان والأشخاص العاملين به، بإستثناء ملابس كلا من مهند الذى يدعى الجنسية اللبنانية وحمدى صاحب الصالون، فكلاهما كانت له ملابس تميز شخصيته، الأول ملابس مهندمة عبارة عن قميص ابيض وكوفية لبنانى عند الرقبة مع بنطلون أسود دلالة على ميوله الجنسية، والثانى ملابس غير مهندمة تكسوها العديد من الاكسسوارات من السلاسل والجنازير دلالة على عشوائيته وهمجيته وعدم رقيه فى التعامل مع من حوله من النساء والرجال، لذا جاءت الملابس ملائمة تماما للحالة المسرحية .
الإخراج الموسيقى للعرض المسرحى كان من الحان محمد الليثى، فهو من وضع موسيقى العرض بجانب مشاركته كممثل فيه، وقد تميزت موسيقاه بالتنوع فى العرض المسرحى ما بين الموسيقى المعبرة عن الرومانسية، وموسيقى الإنكسار حسب الحالة والمشهد المسرحى القائم أمام المتلقى وملائمة له .
كما ساعد يوسف مصطفى كعازف للكمان فى إضفاء روح الموسيقى الحالمة على العرض والطابع الحزين والمآساوى له، إضافة إلى ثراء التنوع التمثيلى بالعرض كونه يؤدى تلك الشخصية أيضا على خشبة المسرح .
استعانت دينا أمين بعنصر السينما فى افتتاحية العرض ونهايته، كعامل داعم ومساعد لرؤيتها الإخراجية على المسرح، فوضح من خلال المادة الفيلمية التى أعدها سيف عبد النبى لبداية العرض ونهايته، مدى انحياز المخرجة للطبقة الفقيرة والمهمشة فى مجتمعنا المصرى، وذلك من خلال رؤية سينمائية مبدعة من عبد النبى بدأت من الفضاء الخارجى لكوكب الأرض، والذى بدا يقترب من الكوكب وكأنه ملاك هابط إلى الأرض بأقصى سرعته، حيث يرى المتلقى أن تلك السرعة الرهيبة تقترب بشدة من جمهورية مصر العربية، إلى أن تستقر تلك الروح الهابطة فى منطقة وسط البلد بالقاهرة، ومن حولها البسطاء والمهمشين وابتسامات الرضا والقناعة تكسو وجوهم إلى جوار ملامحهم التى يبدو عليها الشقى والتعب والحمل الثقيل، وكان أول ما وقعت عليه عين المتلقى من هؤلاء المهمشين، لعامل نظافة مسن يبتسم للكاميرا بحب وسعادة على الرغم من كل أوجاعه، وتشابهت المادة الفيلمية للنهاية أيضا مع المقدمة ولم تختلف عنها كثيرا ولكنها فقط كانت فى حالة مغادرة للكوكب على عكس الافتتاحية، تماما كما غادر الفتيات الثلاثة الصالون فى نهاية العرض المسرحى، حيث كشفت لنا المادة الفيلمية المصاحبة لغنوة متفائلة وبدون كلمة واحدة، مدى الرضا والقناعة التى يحيا فيها المصريين بإبتسامة ترحيب لا تفارق وجوهم، على الرغم من مشقة العيش والحياة وصعوباتها ومعاناتهم معها، كل ذلك عبر عنه عبد النبى بالتعاون مع المخرجة فى فيديو لا يتعدى بضعة دقائق، وبحرفية ومهارة شديدة وضحت دراما العرض المسرحى وفكرته القائمة على أحلام الفقراء والمهمشين، فكما رأينا جمال مصر من أعلى وعندما اقتربنا لمسنا مدى معاناة شعبها، هكذا أيضا كان حال “ابتهال” بطلة العرض المسرحى، حينما انتابها جمال الصالون وفخامته عندما نظرت له من الزجاج الخارجى، ولكنها عندما اقتربت وأصبحت تعمل بداخله، أدركت كم ما فيه من آلام ومعاناة تتناقض مع ذاك الجمال الخارجى .
على الرغم من أن النص المسرحى لعرض “الصالون” متعدد الشخصيات ويصل إلى 18 شخصية، إلا أن نور قبطان الكاتبة بالتعاون مع رؤية المخرجة دينا امين، قدمت لنا حبكة درامية منضبطة لم يشعر معها المتلقى بأى ملل أو أن هناك شخصية مقحمة على الأحداث، سواء كانت من العاملين بالصالون أو زبائنه، بل كانت كل شخصية لها وظيفة ودور هام فى تصاعد الحدث الدرامى بالعرض المسرحى، وبالتالى جاءت فكرة “الصالون” هنا موفقة فى إيصال الرسالة المطلوبة من العرض وتستوعب كل الشخصيات والأحداث .
فى النهاية نستخلص من تحليل العرض المسرحى “الصالون”، بأن أمين دائما ما تهتم بقضايا المرأة وخاصة المهمشين منهم، كما انها تتميز بالواقعية والجرأة فى طرح قضاياها وموضوعاتها المسرحية، ذات الأبعاد الاجتماعية التى تلمس معاناة الناس بمجتمعنا المصرى، إلى حد استعانتها ببعض الألفاظ القبيحة لغويا والتى يتداولها بعض الشباب فيما بينهم كنوع من الإعتراض على سوء المعيشة، أرى من وجهة نظرى النقدية بأن العرض لم يكن بحاجة اليها ولم تضيف له على المستوى الفنى، وذاك ما يسمى بالمحاكاة أو الواقعية المفرطة، إضافة إلى اعتمادها على الرموز غير المباشرة فى طرحها لتلك القضايا، وما أكثرها بالعرض المسرحى على مستوى كل عناصره، وتعد ابرزها هى رمزية “الصالون” نفسه وفكرته المتناقضة القائمة على الفخامة والمظهر الخارجى الأنيق الذى يوحى بالثراء، بينما قد يكون العاملين فيه أو بعض زبائنه من الفقراء والمهمشين والمقهورين، فى دلالة صريحة وواضحة عن الوطن ومعاناة مواطنيه مع مشاكله الإقتصادية، لو قمنا بربطها بخريطة مصر التى تظهر فى بداية المادة الفيلمية، لتكشف لنا المخرجة المخضرمة دينا أمين من خلال صالونها المسرحى كل المسكوت عنه، لتوجه معه جرس انذار لكل المعنيين بعدم تجاهل تلك القضايا والأمور، التى قد تبدو بسيطة فى ظاهرها لكنها خطيرة فى باطنها، والنظر لها بعين الضمير والإهتمام قبل أن تتحول مع الوقت لقنابل موقوتة تنفجر بوجه مجتمعنا المصرى، وتؤدى إلى التفكك الأسرى وضعف الانتماء بكل مستوياته، وكراهية الماضى والتمرد على الحاضر وعدم الثقة فى المستقبل .

 


أشرف فؤاد