ملاحظات حول.. فلسفة المسرح(3)

ملاحظات حول.. فلسفة المسرح(3)

العدد 904 صدر بتاريخ 23ديسمبر2024

 والأمر الأكثر اشكالية هو الطرق التي شجع بها تطبيق هذا التمييز بين النوع والرمز على التركيز على الأداء من حيث «الإخلاص» أو الأصالة، مع وضع فلسفة المسرح نفسها أو نماذجها في دور حارس البوابة فيما يتعلق بالمعايير (أو «معايير الإخلاص”) لأداء حقيقي ل «س» من العروض . وهذا يعني أن هناك سمة أخرى مميزة للنموذج الكلاسيكي تتمثل في اهتمامه بمسألة ما الذي يعد «حقيقة للعمل» عندما يتعلق الأمر بأداء مقطوعات موسيقية معينة أو مسرحيات وما إلى ذلك. أو لكي ننقل نفس السؤال إلى مفردات التمييز بين النوع والرمز: غالبًا ما سعى علم جمال الفلسفة التحليلية إلى تحديد ما يسمح لأداء معين بأن يكون «صحيحًا» أو «أصيلًا» أو «رمزًا مُشكَّلًا بشكل صحيح» لعمل معين؛ ما الذي يجعل تفسيرًا واحدًا أكثر صدقًا للعمل من تفسير آخر؟ وعلى نحو تقليدي، كانت أصالة الأداء تعادل مدى ما يُنظر إليه على أنه يتوافق مع قصد المؤلف؛ وفي المقابل، كان هناك بعض الفلاسفة التحليليين - مثل جودمان (1976) فيما يتعلق بسياق الموسيقى الكلاسيكية - الذين يتبنون وجهة نظر مطلقة مفادها أن الأداء لا يكون صادقًا إلا للعمل الذي يؤديه - مجرد رمز «صحيح» لنوعه - إذا اتبع الوصفات الصريحة الواردة في السيناريو أو النوتة الموسيقية، حرفيًا. وفي المقابل، فإن تطبيق متطلبات جودمان على عروض هاملت - حتى لو قبلنا إمكانية وجود حقيقة خالصة لنص مسرحي - من شأنها أن تجعل جميع العروض التي تختصر أو تعدل نص شكسبير بأي شكل من الأشكال، غير صحيحة (وهو ما ينطبق على جميعها تقريبًا، كما يلاحظ ديفيز). وهذا قبل أن نثير قضية عن أي نسخة لنص المسرحية نتحدث .
 بطبيعة الحال، فإن موقف جودمان متطرف بشكل خاص. وقد انتقد كل من هاميلتون وسولتز فشل البدائل المفترضة لهذا «النموذج الكلاسيكي» للعلاقة بين النص والأداء - مثل «نموذج النصين» المرتبط في المقام الأول بالمنهج السيميوطيقي في المسرح - في الإفلات من الفكرة الإلزامية «لمعايير الإخلاص». وعلى نحو مماثل، لا أنكر أن الفلاسفة التحليليين يختلفون في تعريفاتهم وفهمهم للأنواع (حيث أن المجموعات، والأنواع، والفئات، والقوانين، أو الكليات هي مجرد بعض التسميات الأكثر تأثيرًا)، وهناك أيضًا من يتساءل عما إذا كان مفهوم النوع له أي قيمة تفسيرية على الإطلاق. ولكن سواء كانوا يفكرون بمصطلحات أفلاطونية أم لا - في الفلسفة باعتبارها قادرة على الرؤية وراء المظهر المادي للرموز (العروض) إلى الأنواع المثالية (الأعمال) التي تجسدها - فإن ما يبقى دون تغيير، من منظور لارويل، هو التموضع الذاتي للفيلسوف كسلطة متعالية. وفي هذا الصدد، وفيما يلي، فإنني أقل اهتمامًا بالتسلسل الهرمي بين النص والأداء الذي سعت الفلسفة التحليلية للمسرح بلا هوادة إلى معالجته (على سبيل المثال، من وجهة نظر «معايير الإخلاص» ونقدها)، وأكثر اهتمامًا بالتسلسل الهرمي بين الفلسفة والمسرح: بين أسلوب الفكر والمعرفة الذي تفترضه فلسفة المسرح لنفسها وما تنسب إليه (مع كون فعل التعيين نفسه نقطة خلافية). وهذا يعني أنه في حين طورت الفلسفة التحليلية للمسرح نقدها الشامل الخاص لفكرة أن الأداء هو بالضرورة «أداء لعمل معين» (لعمل مستقل، مثل نص مسرحي، وجميع قضايا التسلسل الهرمي والتحديد التي يميل مثل هذا النموذج إلى تضمينها من حيث العلاقة بين النص والعرض)، فمن الممكن القول إنها كانت غير نقدية بشكل ملحوظ لموقفها الخاص كـ”فلسفة لعرض معين». أو مرة أخرى، على الرغم من أن علم الجمال التحليلي يوفر المصادر اللازمة لنقد أنواع التسلسل الهرمي لـ «التكوين» على «التنفيذ» التي ينطوي عليها تطبيق نماذج «المستويين» على الأداء، فمن الممكن القول إن الاهتمام بأشكال القوة والتقويم المتضمنة في التعريف الفلسفي لهوية المسرح نفسه لا تزال محدودًة.
رابعا فلسفة التعريف
 ولكن كما لاحظنا، هناك مجموعة واسعة من الفهم للعمل الفلسفي المشارك في فعل التعريف - ليس كلها معنية بالجوهر والوجود. وبهذا المعنى، كانت التعريفات نفسها أيضًا «موضوعات» للتأمل الفلسفي في الجماليات التحليلية أيضًا - مع إيلاء اهتمام شبه نحتي لخصائصها المادية (باعتبارها «جامدة» أو «مرنة» إلى حد ما)واهتمام خاص بحدودها. وعلى الرغم من أن العديد من هذه الحجج المادية قد يعد «استعارات»، فربما نعتبرها أيضًا أكثر حرفية من حيث كيفية تحرك مادية الفلسفات المسرحية المختلفة وسلوكها وتصرفها فيما يتعلق بأشكال مادية أخرى من الفكر. وبشكل تقليدي، نفهم أن التعريفات تمكن من التمييز؛ ومن المفترض أنها تخدم في وصف وتمييز وتصنيف أنواع مختلفة من الظواهر - على سبيل المثال، أنواع مختلفة من العمليات الإبداعية أو الأشكال المسرحية. ولكي تخدم هذه الوظيفة، فلابد أن تكون قوية بما فيه الكفاية، باستخدام مصطلح تبناه هاملتون؛ وإذا كانت التعريفات فضفاضة أو مفتوحة للغاية فإنها تفشل في خدمة هذه الوظيفة التمييزية ــ السماح لأي شيء وكل شيء بأن يقع ضمن نطاقها. ومع ذلك، فإن التعريف القوي أو الثابت أو المقيد للغاية قد يستبعد أمثلة مضادة جديرة بالاهتمام، حاليا ومستقبلا؛ أو في الواقع «يمارس تأثيرًا خانقًا على الإبداع الفني»، وإن كان بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، يصف وودروف تعريفه الخاص للمسرح بأنه يتمتع «بحدود ناعمة» تسمح لظواهر معينة بالعمل على الحدود بين المسرح وأشياء أخرى، والواقع أن العديد من الفلاسفة في المجال الأوسع لعلم جمال الفلسفة التحليلية اقترحوا أن يتم تقويم التعريفات على أساس اعترافها بمثل هذه «الحالات الحدودية» باعتبارها سمة من سمات الممارسة الإبداعية .
 ومع ذلك، هناك دائرة جدلية هنا، فبقدر «الوضوح» المتصور أو الطبيعة غير المثيرة للجدال لأي «مثال» للمسرح، أو الجدارة الواضحة لأي «مثال مضاد»، فانه لن يكون أبدًا بديهيًا أو مُعطى ببساطة، ولكنه يعتمد على الاعتراف به على هذا النحو وفقًا لتعريف محدد للمسرح. وبالتالي، فإن الحكم على فائدة تعريف معين - مدى نجاحه أو «صموده» - لا يمكن إصداره إلا على أساس تطبيق فكرة موجودة حول ماهية المسرح، والتي تظل غير قابلة للشك. فعند ديفيز، على سبيل المثال، يتم تقييم التعريف - كمجموعة من الشروط التي يجب أن يتوافق معها المثال بالضرورة حتى يتم تعريفه على هذا النحو - على أساس قدرته على تحمل الأمثلة المضادة؛ «ويسقط إذا كان بوسعنا أن نجد «مثالاً لا يقبل الجدل» لما يحدده ويفشل في تلبية أحد الشروط المحددة. على نحو مماثل، يبدو أن صياغة وودروف لمشروعه تشير إلى الطرق التي تنطوي بها فلسفة المسرح غالبًا على «بحث» يحدده قرار مسبق بشأن ما سنجده، بدلاً من فعل اكتشاف أو اختراع حقيقي: «أطروحتي القائلة بأن المسرح ضروري تعني أنه عالمي ثقافيًا - وأنه يمكن العثور عليه في كل ثقافة. وإذا كان «الشيء» الذي أبحث عنه عالميًا ثقافيًا، فيجب أن يكون من الصعب تحديده بمصطلحات خاصة بثقافة أو أخرى». وللزعم بأن المسرح هو شيء تحتاجه كل الثقافات البشرية، لم يستطع وودروف أن يتبنى تعريفًا مقيدًا للمسرح بناءً على ما يسميه «المسرح الفني في التقليد الأوروبي». ولكن أي من هذه السمات في فلسفة وودروف تأتي أولاً: الانفتاح على تعريف موسع للمسرح (وهو ما تتطلبه الحجة)، أم الرغبة في تقديم الحجة لصالح عالمية المسرح (وهو ما يستلزم التعريف الموسع)؟ .
 بالطبع، قد نحتج على ذلك بأن الفلسفة ا التحليلية للمسرح تهرب من هذه القضايا من خلال «النقاش» المشهور الذي تدعي أنها ترعاه داخل مجتمعاتها. وهذا يعني أن علم الفلسفي - مثله كمثل فروع أخرى من الفلسفة الأنجلو أمريكية - غالبًا ما تبدو فخورة وتضع قيمة كبيرة على قيمة الحجج بين الفلاسفة لتطوير فهمنا لظواهر مثل الأداء المسرحي. ومن المؤكد أن تعريف المسرح الذي قدمه أحد فلاسفتنا هنا يمكن تحديه بالفعل من خلال «الأمثلة» أو «الأمثلة المضادة» المأخوذة من آخر. فعلى سبيل المثال، يزعم وودروف أننا «لا نحتاج إلا إلى أنفسنا في المسرح. فالمسرح هو فعل بشري نشاهده «. وعلى النقيض من ذلك، يتعامل كل من شتيرن وهاملتون مع ما قد يُعد سوابق تاريخية، ففي حالة شتيرن، هناك احتمالات مستقبلية لشيء مثل «مسرح بدون بشر» أو على الأقل بدون مؤدين بشر. وبهذا المعنى، في حين تُقدَّم تعريفات المسرح غالبًا كنقطة انطلاق ضرورية يمكن من خلالها «المضي قدمًا» في الحجة، فإن المصطلحات التي يتم بها صياغة التعريفات نفسها تتطلب التعريف، وما إلى ذلك، في عملية لا نهاية لها على ما يبدو. على سبيل المثال، يجب على وودروف أن يشرح ما يعنيه بـ «الفعل» و”المراقبة» و”الإنسان» بطرق يمكن الطعن فيها جميعًا على أساس مفاهيم مختلفة لمثل هذه المصطلحات أو من خلال إدخال تمايزات داخل المصطلحات وفقًا لـ «أنواع» مختلفة من المراقبة .
 من جانبه، يقترح جون أومويلاركا مفهومًا للتعريفات المتغيرة باستمرار: تلك التي تعمل «كتعريفات بنعنى ما» وتمثل مقاومة مادية للتعريف الإيجابي والتحديد المفاهيمي والانفتاح على ما هو غير متوقع أو لا يمكن التنبؤ به. ويقترح أن ما نحتاج إليه هو «تعريف للفلسفة والفكر قابل للتغيير بما يكفي لاستيعاب أشكال جديدة جذرية من التفكير من مصادر غير فلسفية» والتي تشمل المسرح والأداء. وقد يقترح زملاء في الفلسفة التحليلية أن هناك بالفعل أوجه تشابه (حتى سوابق طويلة الأمد) لمثل هذا التفكير داخل الجماليات الفلسفية - على سبيل المثال، في «حجة المفهوم المفتوح» . ولكن هناك اختلافات، كما أظن، سواء من حيث كيفية فهم حركة التوسع أو الانفتاح المفاهيمي في كل من هذه الحالات، أو فيما «يحفز» مثل هذا التوسع. ففي تصور أو ماويلاركا، وفي تصورنا الخاص، يمكن فهم التوسع المفاهيمي أو التعريفي من خلال هنري برجسون وكذلك لارويل ــ ليس باعتباره توسعاً كمياً فحسب حيث يشمل المفهوم المزيد من الحالات داخل نفسه دون أن يتغير ظاهرياً، بل كنتيجة لتوسع أو «انقطاع» نوعي يحول أو يحور هوية المفهوم تماماً. ومثل هذا التوسع ليس مسألة «قرار» واعي من جانب المفكر، بل هو أكثر من مجرد تأثير لموقف أكثر تجسيداً أو «موقف» عملي. إن الخطر الكامن في طريقة التفكير السابقة هو أن الجديد ـ نوع جديد من المسرح، على سبيل المثال، يفرض ضغوطاً على مفهومنا للمسرح ـ يتم ببساطة دمجه أو استيعابه في تعريف ـ وفقاً لبادرة من التجانس أو التملك. لقد سُمِح للمسرح الجديد بالدخول، ولكن فقط على أساس قمع ما جعله ـ على ما يبدو ـ مستبعداً أو جديداً في المقام الأول. أو مرة أخرى، فإن المبالغة في تقدير «القرار» القرار بأن هذه الظاهرة الجديدة أو هذا التغيير الجديد في ممارسة المسرح يتطلب توسيع مفهومنا للمسرح (في حين لم يتطلبه غيره أو السابقون) ـ يخاطر بترك المعايير التي ـ التي ـ من شأنها ـ تمكيننا من اتخاذ مثل هذا القرار في المقام الأول ـ دون مساءلة. فما الذي يسمح للفيلسوف المسرحي بأن ينظر إلى ممارسة ما باعتبارها تتطلب توسيعاً تعريفياً، باعتبارها تتطلب الإدماج؟ يبدو لي أن العمليات غير المحسوسة التي تولد قراراتنا - حول ما يجب تضمينه في مفاهيمنا للمسرح والفلسفة - تتطلب طريقة مختلفة للتفكير في ممارسة الشمولية، إذا كان هذا هو هدفنا المشترك بالفعل. بطبيعة الحال، قد يتساءل المرء بشكل معقول لماذا تكون المناهج الفلسفية للتعريف مهمة من وجهة نظر ممارسة المسرح. ما الغرض النهائي من التعريفات؟ ما هي التأثيرات المادية التي قد تخلفها على المسرح، إن وجدت؟ كما ناقشت أنا وآنا باكيس مؤخرًا، يبدو من غير المرجح أن يكون لما يعرفه الفلاسفة بأنه «مسرح» (باعتباره مختلفًا عن «الرقص» أو أشكال العمل «غير الفنية”) أي تأثير مباشر على أنواع ممارسات المسرح التي تتلقى تمويلًا عامًا أو يتم برمجتها من قبل المؤسسات الكبرى. فهل كان مجرد الغطرسة أو الأهمية الذاتية المبالغ فيها، إذن، هو الذي سمح لريتشارد شيشنر، عندما كان يطور روايته الواسعة النطاق للأداء، بالقول: «أريد أن أعمل على توسيع تعريف المسرح حتى يمكن توسيع ممارسة المسرح والعكس صحيح”؟ ومع ذلك، فمن الواضح أن ما قيل وكُتب عن المسرح - بما في ذلك في شكل فلسفة المسرح - كان له تاريخيًا تأثيرات مادية كبيرة على ممارسته وكذلك العكس. يوضح كتاب ديفيد كورنهابر (2016) الممتاز الأخير حول المعاملة بالمثل (بشكل أكثر أو أقل مباشرة) بين نيتشه وتطور الدراما الحديثة ذلك. ما يهم، كما ناقش باوي (2007) فيما يتعلق بالموسيقى والفلسفة، هو أن نفكر من حيث «علاقة ثنائية الاتجاه معقدة» بدلاً من علاقة أحادية الجانب حيث يكون دور الفلسفة هو تحديد وتعريف (سواء كان مقنعًا باسم «الوصف» أو «البصيرة» الوجودية المتميزة) طبيعة ممارسة المسرح دون وجود مثل هذا التحديد الذي يعمل في الاتجاه الآخر: الفلسفة من خلال المسرح.
 اذا كانت هذه الفلسفة قد وضعت نفسها في بعض الأحيان في وضع فريد يسمح لها بإنتاج معرفة موثوقة بعلم الوجود المسرحي، فقد ألقت بنفسها أيضًا في دور منقذ المسرح ووضعت فعل التعريف كجانب أساسي من هذه المهمة البطولية. في حالة وودروف، يتم تقديم هذا على أنه مواجهة درامية بين المسرح والسينما، حيث يتم تصوير الفيلم على أنه « نقل الجمهور من المسارح إلى المجمعات السينمائية». يقترح وودروف أن الفلاسفة «بحاجة إلى الدفاع عن المسرح ضد فكرة أنه غير ذي صلة، وأنه فن نخبوي يحتضر [...] في ثقافة منسجمة فقط مع السينما والتلفزيون». ويمكنهم القيام بذلك من خلال تحديد خصائصه الأساسية، من خلال شكل «ما هيته ...» من التساؤل: «ما هو المسرح، بصرف النظر عن السيناريو أو شيء يمكن القيام به في الفيلم؟ ولماذا كان مهمًا بالنسبة لنا؟ «إذا عرفنا الإجابات، فسنعرف ما إذا كان علينا أن نناشد ببقاء المسرح». وعلى أساس هذا الموقف، من الواضح أن وودروف لا يستطيع الانخراط في المسرح الوسائطي الجديد واستخدام التقنيات السينمائية في المسرح من قبل فرق مثل المجموعة البريطانية 1927 التي قد يثبت أنها بذلت الكثير لجلب جمهور جديد وأكبر إلى المسارح (وحتى من خلال المجمعات السينمائية نظرًا لشعبية ظواهر مثل NTLive). وربما يكون وودروف أيضًا الأكثر صخبًا بشأن الحاجة إلى التعريف الفلسفي للمسرح في هذا الصدد من أجل الحماية من النسبية: كابوس ما بعد الحداثة حيث «كل شيء مباح» وحيث يمكن تسمية أي شيء وكل شيء بأنه المسرح أو الفلسفة أو الفكر. وفقًا لوودروف، على سبيل المثال، نحتاج إلى «معايير واضحة» تمكننا من تحديد ما إذا كان الأداء الذي نشاهده «هو هاملت أم لا» - على الرغم من أنه يعترف بإمكانية وجود حالات حدودية ليست هاملت، ولكنها أيضا هاملت .
خامسا : التعريف والوصف والتقويم
 ولكن من الواضح أن البعض قد يعترض بأن التعريفات الفلسفية للمسرح، لا تُفهم كلها في اطار مفهوم الجوهر عتيق الطراز . والواقع أن سولتز يصر على أن الفلاسفة التحليليين المعاصرين لم يعودوا يسعون إلى «تعريف جوهر الفن أو التجربة الجمالية الخالدة». ويدرك فلاسفة المسرح أن المسرح متنوع ومتغير باستمرار، وبالتالي يتجنبون محاولة وضع تعريفات للمسرح قد تنطبق على الجميع وفي كل الأوقات. على سبيل المثال، يلفت ستيرن الانتباه إلى التحديات التي يفرضها المسرح على «الوصف”: ويشير إلى عدم احتمالية تقديم «تعريف وصفي مرضٍ يلتقط بالضبط ما يجعل شيئًا ما «مسرحًا» نظرًا للتعقيد التاريخي «المتعدد الأوجه» للظاهرة (ومع ذلك قد نلاحظ أنه لا يزال هناك «شيء» هنا: شيء ما يجعل المسرح مسرحًا حتى لو تم تقديمه على أنه غير قابل إلى الوصف الفلسفي المباشر). وعلى نحو مماثل، يذهب هاملتون إلى حد اقتراح عدم إمكانية وضع تعريف لممارسة المسرح: «المشكلة التقنية هي أنه بالنسبة لأي تعريف معقول لـ”المسرح»، كما هو الحال بالنسبة لـ”الأداء»، فإن الأمثلة المضادة المعقولة ممكنة بنفس القدر، بل وربما مرجحة». وعلى سبيل المثال، يقترح هاملتون أن أي تعريف يميز المسرح من خلال تقديمه لمؤدين أحياء «يستبعد بوضوح العرائس، وهو شكل مسرحي قياسي إلى حد ما في أوروبا وآسيا». وحتى إذا قمنا بتوسيع التعريف ليشمل «المؤدين أو الأشياء المصنوعة لتتصرف مثلهم»، كما يلاحظ، فإننا نستبعد بالضرورة حالات مهمة من المسرح المستقبلي. ولكن في هذا الصدد، فإن مقاومتي للتعريف مختلفة إلى حد ما: أفكر بشكل أقل من حيث العطية المفترضة لـ «الأمثلة المضادة المعقولة»، وأكثر من حيث الدائرية الظاهرية للمنطق حيث يتم إثبات قيمة التعريف على أساس الأمثلة المضادة، والتي تتطلب هي نفسها تعريفًا من أجل الاعتراف بها على هذا النحو. ولكن ما هي المعايير التي يمكن استخدامها لتحديد المثال المضاد: المسرح المستقبلي بدون ممثلين كمسرح (وليس أي نوع آخر من الأحداث)؛ والعرائس ليست فقط كمسرح ولكن كمسرح «حقيقي» ( مسرح ملائم لا يقل عن أي شكل آخر)؟ .
 وعلى نحو مماثل، يزعم سالتز أنه على الرغم من أن «الثورة ما بعد البنيوية» كان لها تأثير أكبر وأكثر مباشرة على العلماء الأنجلو أميركيين في الأدب والفنون، إلا أنه بحلول أوائل التسعينيات كان النفور المماثل من النظريات الشاملة والسرديات الكبرى قد ترسخت في الجماليات الفلسفية التحليلية أيضًا. على سبيل المثال، يستشهد بالخطاب الرئاسي الذي ألقاه بيتر كيفي أمام الجمعية الأميركية لعلم الجمال في عام 1993 كدليل على استعداد هذا المجال للتخلي عن «النهج من أعلى إلى أسفل» في التعامل مع الفنون:
إن التقدم في فلسفة الفن في المستقبل القريب لن يتحقق من خلال التنظير على نحو واسع النطاق، بل من خلال الفحص الفلسفي الدقيق والمبتكر للفنون الفردية ومشاكلها الفردية. لم يعد بوسعنا أن نحوم فوق موضوعنا مثل الآلهة من الآلات، فنمنح الممارسة النظرية في جهل سامٍ وأحيانًا حتى متبجح بما يحدث في الأوساخ والفوضى في الورشة.
ومع ذلك، قد يُنظر إلى هذا الإعلان ذاته على أنه يحافظ على سلطة متجاوزة للفلسفة بقدر ما يقرر، منذ البداية، أن ما يوجد هو «فنون فردية» مع «مشاكل فردية» (بدلاً من، على سبيل المثال، الممارسات الهجينة أو متعددة الوسائط، أو الفنون متعددة التخصصات، أو الأعمال التي قد تضع نفسها في سياقات فنية ولكنها تستعير أشكالاً من المجتمع بدلاً من افتراض وجود خط فاصل واضح بين التخصصات الإبداعية القياسية والحياة اليومية). وبينما يؤيد كيفي Kivey المعرفة الأساسية للممارسة، فإن المنطق الذي يعبر من خلاله عن هذه المعرفة يبدو أنه يشير إلى أنها ستتولد بطريقة متكررة أو دائرية، حيث «تجد» فلسفة الفن فردية الفنون التي تسعى إليها. وعلى نحو مماثل، ورغم الدعوة إلى عودة فلاسفة الفن إلى الأرض من أجل خلق نظرية على أساس علاقة أوثق بالممارسة، فإن هذه الدعوة لا تزال تُعبَّر عنها بعبارات تبدو وكأنها تفترض أن «التدقيق الفلسفي» أو التنظير لا يجري بالفعل، بشكل متأصل، في «قذارة وفوضى الورشة» المزعومة. ولكن من المؤكد أن «نزول» أو هبوط الفيلسوف الحقيقي (دون أي ارتباط مهين بحركة الهبوط) لا يتعلق بتلويث يديه، بل بالتشكيك في افتراضه ذاته لفوضى الممارسة (والفصل بين هذه الفوضى والوضوح المفترض أن توفره الفلسفة).
 وفيما يتصل بهذا، قد يعترض البعض أيضًا بأن الفلاسفة يدركون بشكل متزايد أن التعريفات تتسم بطبيعة معيارية حتمية وليست وصفية بحتة. ورغم أن مثل هذه النظرة تعيدنا إلى مسألة القيم المضمنة في اختياره الخاص لـ «الأمثلة»، فإن ستيرن محق في ملاحظته أن: «المناقشات حول تعريفات المسرح غالبًا ما تكون في الواقع مناقشات حول ما يهم وما يجب أن يكون مهمًا». وهذا يعني، كما يقترح ستيرن: أن «أولئك الذين يقدمون تعريفًا للمسرح غالبًا ما لا يحاولون حقًا تضمين كل ما يمكن اعتباره مسرحًا؛ وغالبًا ما يكون لديهم هدف جمالي أو فلسفي معين في ذهنهم - وجهة نظر معينة لما يجب أن يكون عليه المسرح، بدلاً من سرد وصفي لما هو عليه». وكما أن تاريخ المسرح ليس وصفًا محايدًا لممارسة ثقافية، فلا يمكن اعتبار فلسفة المسرح غير سياسية أو خالية من علاقات القوة والاتفاقيات التي تقاومها وتعززها (وهذا لا يعني ادعاء أي سلطة سياسية مباشرة للفلسفة الأكاديمية أو سلطة مباشرة أو فورية على ممارسة المسرح للفلسفة التحليلية للمسرح). إن لفت الانتباه إلى المدى الذي تصل إليه «كيف تصبح الأشياء»، أو كيف يتم اعتبارها كما تدعي، هو مسألة اتفاقية، والتوزيع غير المتكافئ للسلطة هو شيء قيم في حد ذاته هنا، ربما - بحيث قد يرحب المرء بإشارة سالتز إلى الاتفاقيات المتعددة والمتغيرة التي قد تسمح بأداء معين بأن يُحسب على أنه أداء لهاملت لجمهور واحد ولكن ليس لجمهور آخر.
 والواقع أن بعض الفلاسفة على استعداد للوضوح وعدم الاعتذار عن هذه الأجندة المعيارية. على سبيل المثال، لا يخفي وودروف حقيقة مفادها أن تعريفه للمسرح يهدف إلى دعم هدفه «توفير نظرية خلفية منهجية لأحكام القيمة» وفي النهاية، الادعاء بأن «الأداء الجيد لمسرحية أنتيجون أفضل كمسرح من مباراة كرة قدم نموذجية» على الرغم من استعداده لتعريف كليهما كمسرح. والواقع أن عدم الفصل بين التعريف والتقييم واضح بشكل خاص في عمل وودروف ـ ويرجع هذا جزئياً إلى أنه يتناول هذا الموضوع بوعي، ولكن أيضاً بسبب الآثار المزعجة للقيم المضمنة في تعريفه للمسرح والمسرح الجيد. وبالاستعانة بنموذج علمي للتصنيف، يقترح وودروف أن «العينة الجيدة هي العينة التي يمكنك من خلالها التعرف على طبيعة النوع. ويحدد التعريف طبيعة نوع معين من الأشياء. [...] ويترتب على ذلك أن العينة الجيدة تشكل توضيحاً جيداً للتعريف». بالتالي، يؤكد وودروف أن مشروع التعريف هو أيضًا مشروع تقييم؛ «إن تعريف الأشياء ليس بريئًا»، فهو يتضمن حكمًا على ما يميز العينة «الجيدة» عن «السيئة» أو على الأقل «الأفضل» أو «الأسوأ» (على سبيل المثال، من النوع البشري)، وتمييز الأمثلة التي يجب أن نتعلم منها والتي يجب أن نرفضها باعتبارها شذوذًا مضللًا. وتطفو الطبيعة المزعجة لهذه البادرة على السطح عندما يتضح أن حكم وودروف على الشخصيات المسرحية الأفضل والأسوأ يرقى أيضًا إلى تقييم الأشخاص الأفضل والأسوأ (أو ربما حتى عينات أكثر أو أقل صحة من الإنسانية) - حيث يتم تقييم العقل و”العقل السليم» على الجنون؛ والتماسك والاتساق (وإن لم يكن القدرة على التنبؤ) على عدم التماسك والعشوائية؛ «الأحرار» على أولئك الذين يحكم على حياتهم بأنها محددة بقوى داخلية أو خارجية . البشر الصالحون هم أولئك الذين يتخذون خيارات «تنبع من عقل في حالة عمل»، ومثل الشخصيات الصالحة، فهم أولئك الذين يحبون ويُحَبُّون. لذا يبدو أن الضمير يشير إلى أن المجانين والمضطهدين وغير المحبوبين يشكلون شخصيات أقل جودة وأمثلة أسوأ للإنسانية (وإن كان هذا بالنسبة لوودروف مسألة «رؤية». أي أن ما يهم هو ما إذا كنا قادرين على رؤية أو تخيل الشخصية أو الشخص على أنه يتمتع بهذه الصفات سواء كان يتمتع بها «حقيقة» أم لا .
المعرفة الفلسفية للمسرح مقابل المسرح كمعرفة
 إذا كان لمفهوم اللا فلسفة non-philosophy عند لارويل فرضية تأسيسية، فهي التخلي عن التأسيس نفسه لصالح «تعدد المعرفة». وبينما افترضت الفلسفة غالبًا مكانة خاصة لنفسها فيما يتعلق بتحديد وترتيب المعارف الأخرى - وهي سلطة مميزة للتمييز بين المعارف وتسلسلها الهرمي والتي تثبت في حد ذاتها افتراضًا لموقف تسلسلي - تزعم اللا فلسفة أن «المعرفة - بما في ذلك الفلسفة - يجب أن تصبح جميعها متساوية في النوع العام، مع الحفاظ على اختلافها في التقنية التأديبية والمادية». وفي هذا الصدد، لا تُعَد اللا فلسفة لفتة متجانسة. فهناك خصوصية للعمليات المادية للمسرح والأداء، على سبيل المثال؛ ولكن جعل هذه الأمور مساوية للفلسفة هو على وجه التحديد يعني حرمان الأخيرة من سلطة اتخاذ القرار بشأن طبيعة وأساس الاختلافات بين التخصصات مسبقًا.
 وعلى النقيض من ذلك، لا تزال فلسفة المسرح المعاصرة تنسب لنفسها نوعًا خاصًا من البصيرة في المسرح - في طبيعته الأساسية - والتي غالبًا ما يتم تأطيرها على أنها متميزة عن ممارسة المسرح نفسها أو أشكال أخرى من دراسات المسرح أو غير متاحة لها. يتم التعبير عن ذلك باستخدام مجموعة متنوعة من الاستعارات البصرية المكانية - حيث يُفهم أن الفلسفة «تنير» أو «تلقي الضوء» على المسرح، لتوضيح وتحديد «المفاهيم العميقة» أو «الهندسة المعمارية المفاهيمية» التي يُقال إنها تسبق ممارسة المسرح وتجعلها ممكنة. في بعض الأحيان، يكون هذا إشكاليًا بقدر ما يبدو أنه ينكر أي سلطات مكافئة لممارسة المسرح نفسها - غالبًا ما يعزز التناقضات بين الاستقصاء والفعل، والتفكير والفعل، وكذلك في حالة زامير، الخبرة أو الوجود والمعرفة. على سبيل المثال، على الرغم من استعداده لوصف أشياء مثل الرياضيات أو التاريخ بأنها «ممارسات استقصائية»، يصر كارول على محاذاة المسرح مع الرياضة، مدعيًا أن كلاهما «في المقام الأول مسألة صنع وفعل، وليس مسألة استقصاء محض». تتناقض مثل هذه الحجج بشكل صارخ مع الفرضية الأساسية لمبادرة «الممارسة كبحث”: أن الصنع والفعل يمكن أن يشكلا أشكالًا من الاستقصاء في حد ذاتهما. وبالمثل، يخلص ديفيز - على الرغم من دعمه لانخراط الفلاسفة في الأمثلة التجريبية للممارسة - في النهاية إلى أن: «مبدأنا المنهجي العام ينصحنا بالنظر إلى الممارسة الفنية للحصول على التوجيه، مع تحميل هذه الممارسة المسؤولية عن التأمل العقلاني» على افتراض أن الممارسة الفنية لا تشمل التأمل العقلاني في حد ذاتها .
 إن ولادة الممارسة باعتبارها بحثاً تشكل أهمية بالغة هنا. ومن الممكن أن نضع هذا التطور بدوره في سياق الحجج القائمة منذ فترة طويلة داخل الفلسفة فيما يتصل بالعلاقة بين الفن والمعرفة ـ أو في سياق المناقشات حول ما إذا كانت قيمة الفنون، بما في ذلك المسرح، تكمن في المشاعر والمتع التي قد يُنظَر إليها على أنها تنتجها أو في المعرفة التي قد يُنظَر إليها على أنها توفرها لكل من المبدعين والجمهور. ولكن الاقتراح الجذري المحتمل للممارسة باعتبارها بحثاً ـ أو المسرح باعتباره إنتاجاً للمعرفة (الذي يتطلب بكل تأكيد فكرة المشاعر والمتع باعتبارها أشكالاً من أشكال المعرفة) ـ لا يبدو أنه ترك انطباعاً حتى الآن داخل فلسفة المسرح.
 ومن منظور لارويل، في الواقع، قد نلاحظ الطرق التي سعى بها المسرح نفسه إلى العمل كـ «فلسفة» - أي كسلطة متعالية. وفي هذا الصدد، ليست الفلسفة (الانضباط) وحدها، بل والمسرح أيضًا هو الذي افترض لنفسه القدرة على نوع مميز من «الرؤية» الميتافيزيقية أو غير ذلك، فيما يتعلق بالواقع. على سبيل المثال، في عام 2000، قدم الفيلسوف ألدو تاسي ورقة أشار فيها إلى المفارقة المتمثلة في أنه: «في نفس اللحظة التي تركز فيها الفلسفة جهودها على جلب الميتافيزيقيا إلى «غايتها»، تجد الميتافيزيقيا نفسها مزدهرة في المسرح، الذي يتحدث عن نفسه باعتباره «ميتافيزيقيا في العمل» وينشر أطروحات تحمل عناوين مثل «فعل الوجود: نحو نظرية التمثيل» (تاسي 2000: صفحة رقم). في سلسلة نسب تمتد من كتاب أرتو «المسرح ونظيره» إلى نص المخرج والكاتب المسرحي الأمريكي تشارلز مارويتز عام 1978، و يلاحظ تاسي أن:
لقد أعاد المسرح تعريف نفسه في المائة عام الأخيرة. فقد رفض بحزم كل الاتفاقيات التي سعت إلى التحكم في أدائه مسبقًا، متجاوزًا بذلك استعارة الكتاب. لقد اكتسب المسرح مرة أخرى ثقلًا ميتافيزيقيًا [...] معلنًا أن هدفه هو «التوفيق بيننا فلسفيًا والوجود».
في حالة أرتو ــ حتى لو قبلنا أن هدف مسرح القسوة الميتافيزيقي كان شكلاً من أشكال «الحضور التفاضلي»، وليس مجرد حضور قابل للتفكيك ــ فإنه لا يزال يفترض في حد ذاته قوة استثنائية للمس الواقع وإظهار طبيعته الحقيقية. وبهذا المعنى، كما يقترح لارويل (2011) فيما يتصل بالتصوير الفوتوغرافي، فإن فلسفة المسرح غير القياسية لن تكون ببساطة مسألة عكس وضع المسرح والفلسفة فيما يتصل بالوجود أو إعادة تأكيدهما كمتنافسين من حيث قوتهما النسبية لالتقاط الواقع في شكله الأكثر جوهرية. ما يهم على الجانبين هو التخلي ــ مرة أخرى، في كل سياق جديد ــ عن ادعاءات تحقيق «الواقع الأصدق» إما من خلال المسرح أو الفلسفة، ورفض أنواع الهيمنة التي تمارسها مثل هذه الادعاءات.
 وعلى نحو مماثل، فإن لا فلسفة لارويل ليست مجرد تكرار للنقد الكانطي للميتافيزيقا، ولا حتى «النقد الفلسفي الداخلي» للفلسفة باعتبارها مرآة للواقع - سواء من خلال فيشته، أو هوسرل، أو فيتجنشتاين، أو هايدجر، أو ليفيناس. وهذا يعني، تمامًا كما يحتوي المسرح بوضوح على نقد داخلي طويل الأمد لفكرة قدرته على حمل مرآة غير مشوهة أو «غير منكسرة» للطبيعة، فإن لارويل لا ينازع في أن تاريخ الفلسفة يحتوي على عدد لا يحصى من الاستكشافات لحدود تمثيلاتها الخاصة للواقع. ومع ذلك، يقترح أوماويلاركا وسميث أن أهمية مشروع لارويل تكمن في مدى توسيعه لمثل هذا النقد إلى ما هو أبعد من الميتافيزيقا، ليشمل «كل ما يسمى بالفكر الفلسفي، الميتافيزيقي وغير الميتافيزيقي». وعلى نفس المنوال، ليس الأمر أن المشكلة التي تسعى الفلسفة غير الفلسفية إلى معالجتها قد «حُلت» بالفعل من قبل ما يسمى فلسفات الاختلاف بقدر ما تميل هذه الفلسفات أيضًا إلى وضع تعريفها الخاص للفكر الفلسفي الحقيقي (مهما كان عاطفيًا أو داخليًا) باعتباره تفسيرًا مميزًا للواقع. حتى موقف باديو المتعلق المساواة ظاهريًا تجاه المسرح كشكل من أشكال التفكير الذي يحدد الفلسفة، على سبيل المثال، يخفي الطريقة التي يحتفظ بها لفلسفته بالوظيفة العليا لـ «فكر الفكر» ومثاله الأعلى.
..........................................................................................
• نشرت هذه المقالة ضمن مطبوعات DE GRUYTER 2018
    • لورا كول اوموليركا تعمل حاليا محاضرة ورئيس قسم العلوم التربوية بأكاديمية المسرح والرقص في أمستردام بهولندا .


ترجمة أحمد عبد الفتاح