العدد 905 صدر بتاريخ 30ديسمبر2024
«ذات يوم ستكون اعمى مثلى ستجلس هناك تتحدث في الفراغ في الظلام الى الابد وذلك لأنك انسان»
من حوارات مسرحية لعبة النهاية للمؤلف الايرلندى صامويل بيكيت والمُقدمة على مسرح الطليعة اعداد وإخراج السعيد قابيل وهى اعادة احياء واحتفالية بنفس المسرحية التى اخرجها الفنان سعد اردش منذ ستين عاما .مسرحية لعبة النهاية او نهاية اللعبة كما كتبت فى اغلب المترجمات هي واحدة من أشهر الأعمال المسرحية لصامويل بيكيت، وتعتبر من أعمدة المسرح العبثي الذي يعكس أفكاراً فلسفية عميقة حول العزلة والعبثية وفقدان الأمل، كتبت المسرحية في عام 1957 ، وهى مسرحية من فصل واحد تدور أحداثها في غرفة مغلقة وشبه معتمة، مما يعكس عزلتها عن العالم الخارجي، وتحتوي المسرحية على أربع شخصيات: هام: رجل أعمى يجلس على كرسي متحرك ويبدو عاجزًا وكلوف: خادمه الذي يستطيع الحركة، لكنه غير قادر على الجلوس ويعتمد على “هام” للبقاء و ناج ونيل: والدا “هام” اللذان يعيشان داخل صندوقين ويعانيان من الشلل. ويتميز نص المسرحية بحواراته المتقطعة وأحداثه التي تفتقر إلى تسلسل واضح، حيث يعكس حياة شخصيات تعيش في حالة من السكون والعجز، بينما يعيدون نفس الأفعال والكلمات، وهذا يعكس طابع المسرح العبثي الذي يؤكد على غياب المعنى وعبثية الوجود.
تنير اضاءة المكان في البداية لاستعراضه فنجد على اليمين صندوقين وعلى اليسار باب مطبخ وشباك وفى الخلفية شباك اخر والشبابيك عالية صغيرة يصعب الوصول اليها سوى بسلم والمكان شبه خالى يحتوى على كرسى متحرك ينام عليه ( هام ) الشخصية الأساسية المحورية التي تعتبر مركز الاحداث وموسيقى مكررة توحى بتأكيد الحدث الثابت مع ضحك ( كلوف ) الخادم الوحيد المتحرك وهو الذى يكشف لنا المكان ويكشف شخصياته حيث يفتح صناديق القمامة للاب والام ( ناج ونيل ) وعندما يكشف الغطاء عن ( هام ) يطلب تحريكه لكى يأخذ نزهة في المكان واعادته مرة أخرى الى مكانه هذا العالم المتمثل في الغرفة الضيقة (عالمهم الخاص الثابت الذى لا يتغير) والتي تبعدهم عن العالم الخارجي ولا تمثل شيء سوى العزلة وتستعرض من خلال الحوارات الغير كاملة والكلمات المقتضبة البسيطة التي لا تعنى شيء ولا تحدث تواصل بين الشخصيات سوى لتكرار ما يحدث يوميا ..عالم محدود لا يوجد داخله أي معنى سوى هؤلاء الأشخاص الأربعة وكأن العالم لا يوجد به سواهم فالكل موتى خارج هذا العالم ..وعندما يرى ( كلوف ) من الشباك طفلا خارج هذا العالم يأمره ( هام ) بقتله لكى لا يكون هناك حيا غيرهم فى هذا العالم الميت الناتج الحتمى لهذه الاحداث.. فالموت يحاصر كل الشخصيات حتى يقرر ( كلوف ) الوحيد القادر على الحركة والغير قادر على الاعتراض والراضى عما يفعله كل يوم الرحيل في النهاية وترك هام للموت للبحث عن حياة افضل خارج هذا الاطار المتكرر ليبقى ( هام ) وحيدا ليواجه الموت.. وتنتهى المسرحية بفتحه للباب.. استطاع المخرج المعد للنص ان يخفف اللغة الفصحى ليكون تفاعل الجمهور بشكل اسهل مع منصة العرض.. وعن الناحية التمثيلية قام الدكتور ( محمود ذكى ) في دور ( هام ) بشكل به من الاحاسيس المتناقضة المدروسة والتنقل بين انفعالات مختلفة بها من اليأس والملل والرغبة والطفولية واستطاع ان يقيم جسرا من التفاعلات الإنسانية بينه وبين جمهور العرض لأنه يمثل جزءا كبيرا نفسيا بينه وبين كل فرد من الجمهور ..و ( محمد صلاح ( في دور كلوف ) الخادم الوحيد القادر على الحركة في هذا العالم الثابت وهذا ما يميزه داخل هذا المكان وجعله في محنة لأنه المتحرك طوال هذا الوقت بالرغم من انه تابع لهام وينفذ كل ما يطلبه منه دون اى اعتراض بل بالرضا ودون مناقشة ..و ( محمد الريس ) في دور ( ناج ) بأداء شبه كاريكاتيرى للتأكيد على ان الحياة ليس لها قيمة ولابد وان نتعامل معها بطفولية وبلا معنى ولابد للكل ان يستمتع بهذه الحياة بأي شكل و ( لمياء جعفر ) في دور ( الام نيل ) التي تمثل الرومانسية بشكل غير متواجد في هذا العالم المغلق على الجميع.. فالكل يتكلم في واديه والكل يعيش كما يتخيل بعيدا عن الاخر والكل ذائل بلا معنى.. وبرع كل منهم في أداء دوره بفهم للمعنى المقصود داخل هذا الاطار العبثى النابع من النص شاركهم في ذلك الديكور لـ(احمد جمال ) بموتيفات بسيطة تؤكد المكان والحدث باشتراك الديكور باللون الرمادى الموحى بما هو قبل الموت ..هذا السواد .. بموتيفات تشرك صالة العرض في الحدث كوجود الكرسى المتحرك في جوانب صالة الجمهور وكأن كل فرد في الصالة مثله مثل ( هام ) الكفيف المشلول وكوالده وامه بدون ارجل فكل فرد قعيد لا يستطيع ان يتحرك وغير قادر على الفعل .. والاضاءة (لإبراهيم الفرن) التى كانت اضاءة تؤكد العتمة والظلام طوال العرض لتأكيد النظرة السلبية للحياة ..فالعرض يعتمد على نجفة فى اعلى القاعة وعلى المصباح الذى يشعله كلوف، وفى المشاهد التى يدور فيها كلوف داخل المسرح استطاع ان يبرزها ابراهيم الفرن بإضاءة بقع ضوئية فى الارض (عبارة عن دوائر دالة على عبثية الحياة واللا معنى)+ متماشية مع حركة كلوف الذى يتحرك فى دوائر ايضا، وهناك ايضا بقعة اضاءة على الحائط دالة على ظهور القمر واختفاءه مما يوحى ان ما يحدث مكرر كل يوم وشاركت مصممة الملابس ( مها عبد الرحمن ) بملابس الشخصيات ذات الألوان القاتمة لهام القعيد الكفيف والمختلفة لكلوف المتحرك والتي تجعله يتحرك بصعوبة تؤكد على ان الشخصية غير قادرة على اتخاذ القرار في الواقع ..والملابس البيضاء للام والأب وكأنهم في حياة اقرب للطهارة والنقاء بالرغم من انهم يعيشون في صندوق القمامة وحالة نفسية عميقة التأثير باختيار الموسيقى المناسبة والتي اعدها المخرج نفسه ليؤكد على انه يمتلك ادواته بشكل واضح ويعزف على المشاعر والاحاسيس بكل اقتدار ويحث على ضرورة ان يشارك الانسان فيما حوله ولا ينتظر النهاية كشخصيات العرض وعرض متناقضات اليأس والامل في الحياة بالبقاء أو الرحيل بحبكة عبثية دائرية تؤكد ان ما حدث يحدث وسوف يحدث دون ادنى تغيير فالكل يمضى الى لا شيء وهناك ظلال تعكس ما فى الواقع من لا جدوى للمعنى ولا جدوى للحياة .. وهناك تساؤل لماذا فتح كلوف الباب في النهاية متخذا لقرار الرحيل وفتحه للباب وثبات الصورة فهل سيرحل للعالم الذى لا يوجد به احد ام سيبقى لاستمرارية الحياة في هذا المكان كما هي بإعادة الحدث مرات ومرات فالشخصيات عاجزة عن الفعل وعن الهروب في هذا الحصار ومن هذا التكرار وتدور في فلك معلوم ليس به فرار من الواقع الخاص بهم ومن معاناتهم ومن العزلة المؤدية الى الموت الحتمى فالحياة ما هى الا موت بطىء .