«في يوم وليلة» عرض يناقش أزمة منتصف العمر لدى النساء دون مبالغة أو بكاء

«في يوم وليلة» عرض يناقش أزمة منتصف العمر لدى النساء دون مبالغة أو بكاء

العدد 905 صدر بتاريخ 30ديسمبر2024

يعتبر الmenopause أو سن اليأس لدى المرأة من المراحل الفارقة في حياة النساء، ذلك لارتباطه بعدة أشياء أهمها انقطاع الطمث وما يصاحبه من أعراض كالهبات الليلة الساخنة وهشاشة العظام التدريجية وخشونة الصوت وجفاف المهبل وما إلى ذلك، لكن أن تبدأ المرأة في الخوف مقدما من ذلك السن منذ منتصف الثلاثينات فهذا ما يستحق الوقوف عنده قليلا بالبحث والتأمل.
مكتوب في المنشور الدعائي أنه عرض مسرحي راقص عن أربع سيدات تجاوزن سن الخامسة والثلاثين، يناقشن في قالب ساخر رؤية هذا الجيل للتحول الاجتماعي الذي نعيشه هذه الأيام، كما يطرحن الأفكار التى تشغل المجتمع حول جسد المرأة ووضعها الاجتماعي وعمرها. يسىترجعن أيام الطفولة، ويحكين بجسدهن قصصا عن الذاكرة تحاول الحفاظ على بعض من ملامحها.، حدث ذلك كله في غفلة من الزمن أو في يوم وليلة.

في يوم وليلة
أغنية للفنانة وردة الجزائرية من تأليف: حسين السيد  وألحان: محمد عبد الوهاب صدرت على شريط كاسيت في أواخر السبعينات وأذكر أنها ظلت تنتج على شرائط وتغني في الحفلات طوال فترة الثمانينات في وقت كانت الأشياء تأخذ وقتها من النجاح والاستمرار ليس كترند اليوم الذي يموت غدا واختبار الزمن يفرم الكثيرين. 
وقتها كانت مدة الأغنية لاتزال تزيد عن الساعة وتعبئ بها الشرائط ذات الوجهين،”تعبير لن يفهمه جيل الآي فون”. 
بداية موفقة واسم جميل يعبر بأكثر من معنى عن العرض، فأولا: استخدام عنوان أغنية شهيرة جدا في أواخر السبعينات ثانيا: جملة في يوم وليلة تعبر بشكل مختزل عن مشكلة جيل بأكمله وجد نفسه في يوم وليلة جيل من العجائز المسنين؟!
ومن يشاهد العرض لا يقف بل لا يتوقع أن هؤلاء السيدات قد تجاوزن فقط الخامسة والثلاثين بل يجزم أنهن في أواخر الأربعينات وما فوق، والسن شئ جوهري وفارق في حياة الأنثى، فهي دائما مربوطة “بتايمر” ولكل شئ عندها أوان وإلا فاتها القطار ليس قطارا واحدا بل عدة قطارات في الحقيقة، واهمها الزواج والإنجاب فمقابل عدد مليارات الحيوانات المنوية لدى الذكر هناك عدد محدود جدا من البويضات لدى الأنثى. 
لذا اجتمع هؤلاء الأربعة في ديكور بسيط غير مكلف ويصلح للانتقال به من مكان لآخر ومن مسرح لآخر بسهولة بل يمكن الاستعاضة عنه في كل مرة حسب إمكانيات المكان، اجتمع أربعة نساء بأشكال وألوان وأوزان مختلفة فيما يشبه أريكة صالون إحداهن حول “حلة محشي” يأكلنها بنهم ويتبادلن الثرثرة والتي نعرف تدريجيا وعلى مدار العرض منها، من هن؟ وملامح عن تاريخهن؟ وما حاضرهن ومستقبلهن أيضا؟ يتخلل ذللك الرقص ثم وضع كريمات مسكنه كالفولتارين واللجنوكاين فاللسن أحكامه.

الرقص الشرقي “بتاعنا وماحناش سالفينه”
لسنوات عديدة خرجت من مصر الراقصة الشرقية الأولى في الوطن العربي، حتى قبل عصر السينما حين تميزت   The little Egypt  أو الراقصة فريدة مظهر في أمريكا وحققت نجاحا واسعا حتى أن بعض الأمريكيات إنتحلن شخصيتها وقبض عليهن ليس بسبب الانتحال ولكن لممارستهن للدعارة بجانب الرقص، حدث ذلك في أواخر القرن التاسع عشر. 
تقول الباحثة: شذى يحيى  في كتابها: الإمبرياليه والهشك بشك.، أنه حدث الالتقاء بين الشرق والغرب بداية من القرن التاسع عشر تحديدا منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر والشام، ثم بدء عصر محمد علي ووجود عدد كبير من الجاليات الأجنبية في مصر، حدث للرقص الشرقي غزو ككل شئ مٌربح في مصر، كالتجارة والصناعة وكانت الراقصات الأجنبيات يرقصن بجوار المصريات، و منها بدأت فكرة ارتباط الرقص بالفسوق ذلك لأن الرقص صار يرتبط بالبغاء.   
وهذا مايحدث حتى الأن كلما مارس المصرين هذا الفن جاء الغرب ليربطه بالغواية ممارسة البغاء، وهذا ما يحدث حتى الأن بموجة جديدة من الراقصات الأجنبيات ودخول حركات جديدة على الرقص الشرقي وأثواب جديدة لبدل الرقص جعلته مرتبط في الأذهان بالفسق والفجور.
آخر ما أنتجت مصر من راقصات نجمات كانت الراقصة دينا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وظلت الريادة لمصر في هذا المجال لسنوات طويلة حتى إنهيار الاتحاد السوفيتي ثم حرب البوسنة والانتباه أن هذا الفن مربح جدا في منطقة الشرق الأوسط فدخل المنهج العلمي في التنفيذ والتدريب لتتخرج مجموعة من الراقصات يملأن السوق العربي حاليا.

الرقص الشرقي كأسلوب للتعبير 
اعتمد العرض على هذا النوع من الرقص للتعبير عن مشكلات المرأة في هذه السن وهذا الزمن وما يواجهها من تحديات جديدة نسبيا، فمطلوب منها أن تكون أما رائعة وزوجة مخلصة وحنون وسيدة منزل مرتبة ومقتصدة وناجحة في مجال العمل وراضية بمصيرها أي كان ومتوخية الحيطة في علاقاتها حفاظا على سمعتها، وهي في الحقيقة مجرد إنسان فان وضعيف، فضلا عن ذلك هي في منافسة مع جميع نساء الكوكب اللاتي يخرجن على شريكها من كل حدب وصوب “ممكن أن يفتح كيس شيبسي فتخرج منه راقصة” وإن خان فهي الملومة لإنها لم تملئ عينه وإن تأخر سن زواجها هي الملومة لإنها لم “تشد حيلها” وإن خرج ابنها قليل التربية هي الملومة لإنها لم تعتني بتربيته وكأن مشكلة التربية هي مشكلة المرأة والمرأة فقط وليس الأب وليس المجتمع ككل. 
يلتزم العرض بالحديث عن تلك الأشياء وأكثر ويعرضها بطريقة ساخرة_ كعادة المصريين في مناقشة الأزمات_ بالرقص والحوار والميكروفون الذي تستخدمه إحداهن للحديث المباشر للجمهور عن ما تواجهه وتعانية ببساطة ويسر ودون تعقيد ودون استدرار للعطف حتى في المشهد الذي بدأ بالرقص وانتهى بالبكاء.

الرقص فن ولعب وهندسة
انتشرت مؤخرا وظائف جديدة في المجتمع لم نسمع عنها من قبل لتسد فراغ تركه الأهل والأصدقاء والعلاقات الصحية بشكل عام، تلك الوظائف هي مستشار العلاقات الزوجية و Life coach أو مدرب الحياة ومدرب الجيم ومدرب الرقص أيضا، ولأن الرقص أرخصهن وأكثرهن يسرا في التداول فهو لا يحتاج سوى إلى وشاح يستخدم للوسط وموسيقى وحركات يمكن تعلمها على موقع اليويتوب أو التمايل على الإيقاع والسلام، هذا ماجعل هؤلاء السيدات الأربع ليست مستهجنات السلوك ولم يثرن الغرابة أبدا داخل عقول وقلوب المشاهد، ذلك أن هذا المشاهد نفسه_ بشكل عفوي جدا_ مارس أو رأى أمه أو أخته أو زوجته تغلق باب حجرتها وتنزل رقص ثم تعود فتواجه ضغوط وتحديات الحياة من جديد. وقد أثبت العلم أن هرمونات الدوبامين المسؤولة عن السعادة والسرتونين تفرز حين يبذل المرء مجهود لدرجة التعرق وهذا يحدث إما بممارسة الجنس أو الرياضة أو الرقص، لذا أثبت الرقص فاعليته في تحسين المزاج العام. 

تنوع النساء الأربع من النحافة للوزن الزائد
من الرائع أنهن يشبهن أغلب النساء ولابد أن ترى إحدانا نفسها فيهن، فمن السمراء عميقة السمرة، إلى النحيفة نحافة الغزال، ممن تبدو أكبر من عمرها وتحب الحياة، إلى أوروبية الملامح إلى حد ما، وكلهن لهن مشكلات عابرة للأجيال وعابرة للنوع أيضا، فلم يكن يبكين على حظهن السيئ مع الرجل _كما هو الاهتمام الأول  والشائع_ لكن على العكس شغل الرجل حيزا في المعاناة والتفكير يشبه حجمه بالنسبة لمعظم النساء حاليا في الحاضر، فهناك مثل شعبي يقول “كثرة الحزن تعلم البكاء” وكثرة الخزلان من رجال مروا علينا في حياتنا بدء من الأب  جعلنا لم نعد نعتمد إلا على أنفسنا، ولم نعد نتوقع الكثير من الرجل لذا وٌضع في هذا العرض في مساحة مستحقة وحقيقية وهو مشهد واحد في المسرحية.

متى كبرنا إلى هذا الحد؟!
 سؤال ألح على جيل الثمانينات والتسعينات هذا الجيل الذي فوجئ بكم التغيرات التي ركنته على الرف سريعا جدا أسرع من الأجيال السابقة، فقد كانت كلمة جيل في السابق تعني عشرين عاما، أما الأن فعشر سنوات لم تعد تكافئ حجم التغيرات التي تجعل جيلا مختلفا عن الآخر، فحين يسألني أبني عن شريط الكاسيت “ما هذا يا أمي” فأنا لا أدري بماذا أجيب، وحين يتحول جيل “التليفون أبو أنتنا” إلى جيل من العجائزالمسنين، فهذا شئ من وراء العقل، لذا اعتمد العرض في الموسيقى المستخدمة على أغاني الثمانينات مثل “السح إندح امبو” حتى لا يعتقد جيل المهرجانات أننا نقل عنه إسفافا، وعلى أجزاء من مسلسلات كحكاية ميزو والنقد الرائع المعجز للراحل سمير غانم عن فن السيمفونية “وإنعكاس الإرهاصات وما ينتج عنها من دفس في المضمون”.
 يشبه ذلك ما دعت إليه Trauma  هذا الجيل_ حين كبر قبل الأوان_ فعالج الصدمة بإنشاء مجموعات على موقع فيسبوك تحت مسميات عدة منها: ما لن يفهمه جيل الآيفون أو بابا جاب موز وغيرها ليعرضوا فيها صورا ومظاهر الحياة في الثمانينات والتسعينات وقت أن كانت لاتزل الطبقات قريبة  نسبيا من بعضها البعض.
لطالما كان الفن يعكس الحياة في المجتمع النابع عنه وقال البعض إن أردت أن تعرف المجتمع الذي تحيا فيه شاهد مسرحه، وأقول_بعد كل تلك السنوات_ أن تلك المقولات  لاتزال صالحة للاستخدام.

العرض المسرحي في يوم وليلة
البطولة: نغم صلاح – ميريت ميشيل – شيرين حجازي – نرمين حبيب
تصميم وإخراج: نيرمين حبيب
مساعد مخرج: ماريو سها
مؤلف موسيقي: محمد بونجا
مصمم إضاءة: صابر السيد
التصوير والوسائط: بسام الزغبي
عرض في الإسكندرية في المركز الثقافي الألماني تبعا لمشروع شباك الفن وهوبرنامج يتيح للفنانين والفنانات الشباب والشابات في الإسكندرية الفرصة لتقديم أعمالهم الفنية.
ويستخدم الفضاءات المتنوعة في مقر المعهد بشكل مُبدع. 


نسرين نور