العدد 907 صدر بتاريخ 13يناير2025
رغم أن برودواى عاصمة المسرح الأمريكى إلا أن تقديم العمل المسرحى عليها لا يضمن له النجاح...حتى لو كان قد حقق النجاح خارج برودواى فى نيويورك نفسها أو فى اى ولاية أخرى. وحتى لو كانت السينما قد قدمت هذا العمل وحقق النجاح.
وهناك امثلة عديدة على ذلك أحدثها المسرحية الغنائية «اجتاحته» وهى أقرب ترجمة إلى العربية لاسم المسرحية بالإنجليزية SWEPT AWAY .
المسرحية مأخوذة عن قصة للسيناريست والكاتب المسرحى الأمريكى جون لوجان الذى استوحاها أو اقتبسها عن فيلم إيطالى بنفس الاسم من انتاج 1974. وكتب أغانيها ووضع ألحانها الأخوان أفيت وهما شقيقان يملكان فرقة لموسيقى الروك تتمتع بشعبية كبيرة فى الولايات المتحدة بأسرها.
عرضت المسرحية لأول مرة فى بيركلى بكاليفورنيا فى 2022 وحققت نجاحا كبيرا. وتكرر هذا النجاح فى واشنطن فى 2023 عندما عرضت على مسرح أرينا أحد أشهر مسارح العاصمة. وشجع ذلك الفرقة المنتجة للمسرحية على عرضها فى برودواى.
استمرت البروفات لمدة شهر اعتبارا من 29 أكتوبر. وبدأ العرض فى 19 نوفمبر وتم وقفه فى 15 ديسمبر بسبب ضعف الإقبال بشكل جعل إيرادات العرض لا تغطى نفقاته التى يقدرها مدير الفرقة بحوالى 14 مليون دولار. وجاء ذلك رغم أن الأبطال هم أنفسهم الذين نجحت بهم المسرحية فى واشنطن وكاليفورنيا. وأحدهم وهو جون كالاشير حاصل على جائزة تونى المسرحية المرموقة أكثر من مرة. وتم العرض الأخير أو عرض الوداع فى 29 ديسمبر.
أربعة فقط
والمسرحية يشارك فيها أربعة ممثلين فقط كلهم من الرجال وتعرض فى 90 دقيقة متواصلة دون استراحة. وتدور أحداثها فى عام 1888 حول حادثة حقيقية وهى تحطم سفينة تحطمت قبالة سواحل نيوبراد فورد بولاية ماساسوشيتس الأمريكية. وهى كما يقول النقاد تصور صراع البشر من أجل البقاء بين بعضهم البعض وبين أنفسهم.
وتدور الأحداث حول أربعة من البحارة وهم قبطان السفينة وبحار وشقيقه الأكبر وشقيقه الأصغر. هبت عاصفة شديدة وكتبت لهم النجاة واستقلوا قاربا وحاولوا الوصول إلى الشاطئ حيث يدور صراع مع أمواج البحر العاتية وصراعات فيما بينهم.
وتبدا احداث المسرحية فى مطلع القرن العشرين عندما كان االقبطان ماتى فى ايامه الاخيرة بعد ان تمكن منه مرض السل. وبينما كان راقدا فى فراشه بدأ يستعيد ذكريات الحدث المؤلم الذى تعرضت له سفينته قبل 22 سنة وأدت إلى غرق عدد كبير من بحارتها. وشعر بنداء من داخله ان يروى حقيقة ماجرى وقتها ليريح ضميره المتعب.
ويذكر كيف قرر الأخ الأكبر احتراف العمل فى صيد الحيتان وتعرض لرفض حاد من أسرته ومارست الضغوط عليه ليعمل فى مزرعة الأسرة. لكنه تمسك برأيه وانتهى الأمر بانضمام شقيقيه الأصغر والأكبر إليه فى عمل صيد الحيتان.
وبعد بدء الرحلة والوصول إلى المحيط يندم شقيقاه على احتراف هذه المهنة عندما لا ينفع الندم ولا يمكن العودة إلى الشاطئ وهو مايثير ضيق الأخ الأكبر. ويحاول الاخ الأكبر اقناعهما بانه عمل جيد وممتع ويصلى من اجلهما بلاجدوى.
اقتراح بالقتل
وفجاة تتحطم السفينة وينجو مع شقيقيه واحد القبطان ويجدون أنفسهم فى قارب نجاة. وبعد عدة أيام ينفد الطعام.
وبعد 16 يوما يستبد بهم الجوع. ويفاجئهم القبطان ماتى بأن الشقيق الأصغر يعانى مرضا شديدا وسوف يقضى نحبه سريعا. وينصح ماتى شقيقيه بقتله خلال نومه حتى يستريح من مرضه ليأكلوا من جثته كى يجدوا شيئا من الطعام والشراب. ويرفض الأخ الأكبر هذا الاقتراح ويمنع القبطان من قتل شقيقه أثناء نومه فى أخر لحظة. هذا رغم أن الشقيق الاصغر نفسه لم يمانع فى أن يقتل ويضحى بنفسه من أجل شقيقيه.
وفجأة يعلن الشقيق الأكبر أنه مستعد للتضحية بنفسه ويذبح نفسه بالفعل بطعنة فى رقبته. ويفارق الحياة ويضطر شقيقاه إلى أكل جثته مع القبطان الذى مات بالفعل بعد 3 سنوات من الحادث ومات فى المسرحية بعد انتهائه من رواية القصة. كما مات الأخ الأصغر بعد عام.
نقاد
ولم يكن هذا العمل المسرحى محل اتفاق بين النقاد رغم نجاحه الكبير فى عرضيه الأولين. فقد أشاد معظمهم بأداء الممثلين وبالموسيقى والأغانى. ورأى بعضهم أن رسم الشخصيات لم يكن بالعمق الكافى ليعبر عن المواقف ذات الأبعاد النفسية المعقدة.
ولم يكن عرض برودواى الذى تم وقفه لضعف الإقبال محل اتفاق وإن كانت معظم التعليقات ايجابية بحيث لايمكن اعتبارها سببا لضعف الاقبال.
ومثال ذلك تعليق الناقد الفنى لصحيفة فلادلفيا انكوايرر حيث قال “إنه عمل غنائى موسيقي شعبي جديد جذاب ومثير للقلق في نفس الوقت، حيث يضم أغان رائعة لمجموعة الروك والأخوان أفيت وطاقم عمل لا تشوبه شائبة”.
وأشاد الناقد المسرحي لنيويورك تايمز، جيسي جرين، بالمسرحية «ووصفها بأنها» تتحدث حقًا عن أخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها البشر، وأعماق الأرواح التي هي أكثر قتامة من البحر”.
أسباب
ويحاول بعض النقاد الوصول إلى سبب فيرون أن المنتج راهن على شعبية الأخوان افيت فى الولايات المتحدة بأسرها. لكن يبدو ان الرهان كان خاسرا بسبب ازدحام مسارح برودواى بعروض كثيرة غنائية واستعراضية وعادية فكانت المنافسة حادة. وربما كان السبب ضعف الدعاية للمسرحية بعد أن التهمت تكاليف العرض الميزانية.
ولم تكن “اجتاحته“ المسرحية الغنائية الوحيدة التى انهت العرض مبكرا بل كانت هناك مسرحية “ميافيل” (وهو اسم الشخصية الرئيسية فى العمل) التى انتهت عروضها مبكرا لنفس السبب وهو ضعف الإقبال بما لايغطى التكاليف.
والطريف هنا أن الشقيقين وضعا أغانى المسرحية وألحانها فى 2014 حول هذا الحادث دون أن يخطر ببالهما أنها سوف تكون جزءا من مسرحية تعرض بعد 8 سنوات.
وكل ما حدث أن ناقدا مسرحيا أعجب بالأغانى والألحان فاقترح على المؤلف أن يحولها إلى نص مسرحى. اقترح أيضا على مدير الفرقة وهو المنتج المسرحى الشهير ماتيو ماتسين أن يقدمها كعرض مسرحى. واحتاج الأمر نحو ست سنوات حتى خرجت المسرحية إلى الحياة .