إشكالية النص المسرحى بين الأزمة والحضور

إشكالية النص المسرحى بين الأزمة والحضور

العدد 921 صدر بتاريخ 21أبريل2025

المسرح كلمة
يشتمل العرض المسرحى على عدة عناصر فنية.. أهمها النص الذى ينطوى على فكرة تقدم رسالة، ودون النص لا وجود للعرض المسرحى، حتى إن بعض العروض التجريبية التى يحاول صناعها الابتعاد عن النص المسرحى التقليدى، نراها تستند إلى سيناريو مكتوب يكون عوضا عن النص بشكله التقليدى.. فى كل الأحوال المسرح كلمة.
وفى السنوات القليلة الماضية وحتى اليوم نسمع أن هناك أزمة فى النص المسرحى، ويقرر البعض أن السبب يعود إلى ندرة وجود الكاتب المسرحى، وندرة النص الجيد المتماسك المعبر عن قضايانا والملتصق بواقعنا، ولهذا السبب - كما يقول بعض النقاد - يلجأ معظم المخرجين للنصوص الأجنبية يلتمسون منها استكمال النقص الموجود.
وحول هذه القضية يدور هذا التحقيق الذى أجرته مسرحنا.. ووجهت السؤال إلى عدد من المهتمين لوضع إجابة تتعلق بأحوال النص الدرامى الآن ومشاكل النصوص المسرحية من حيث الكتابة.. متسائلة هل نعانى فى مصر من أزمة كتابة مسرحية؟ أم أن لدينا كتابا جيدين ولكن لا يتم تسليط الضوء عليهم وعلى أعمالهم فيكون الغياب؟
هنا مجموعة من الآراء التى قدمها عدد من النقاد والكتاب والمخرجين يعلنون فيها موقفهم فيما يتعلق بإشكالية النص المسرحى..ويقدمون رؤاهم التى من الممكن بها تصويب المسار.. الذى سيترك أثرا بالتأكيد على نهضة مسرحنا.

ما يقال عن عدم وجود كُتاب جدد أكذوبة
قال دكتور أسامة أبوطالب (أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون):
ما يشاع من أن النص المسرحى وتحديدا المصرى يواجه مشكلة غير صحيح، وأذكر أننى حين كنت رئيسا للبيت الفنى للمسرح تساءلت: هل نفتقد الكاتب المسرحى الجديد؟ ألم يأت جيل آخر يكمل حلقات الأجيال السابقة التى مثلها صلاح عبد الصبور وألفريد فرج ومحمود دياب على سبيل المثال.. وظهر بعدهم أبو العلا السلامونى ويسرى الجندى ويمثلون الجيل الثالث بعد جيل الرواد وجيل الستينيات.
وهنا قررت البحث عن الكُتاب الجدد على أرض الواقع، وأقمت المهرجان المسرحى الذى يحتفى بالكاتب الجديد وقدمته تحت عنوان (الدورة الأولى للكاتب المسرحى المصرى)، وكان أهم شرط من شروط المشاركة ألا يكون الكاتب قد سبق له تقديم عمل على خشبة مسرح الدولة.. وتقدم للمهرجان عدد كبير من الكتاب.. والحقيقة أننى لم أفاجأ لأننى كممارس للنقد المسرحى وكأستاذ للدراما والنقد كنت أعلم بوجودهم.. هذا بالإضافة إلى وجود كتاب كبار لا يزالون فى الظل ومنهم السيد حافظ ومهدى بندق الذى كان زميلا فى الدراسة الأولية مع وزير الثقافة أيامها فاروق حسنى، ومع ذلك لم يكن قد تم تقديم أى عمل له حتى عام 2005، وكانت هناك أسماء أخرى منها المرحوم أسامة نور الدين ومحمد عبد الحافظ ناصف وعبده الزراع ككاتب للأطفال.. ومن هذا العدد الكبير بدأ مهرجان الكاتب المسرحى المصرى بما تيسر لنا من ميزانيات ضئيلة أنتجنا بها 18 عرضا مسرحيا قدمت فوق 15 منصة بمبلغ 280 ألف جنيه، وتحملت تكاليف النشرة اليومية من جيبى متطوعا.
وأيضا عمل نقاد الندوات مجانا وعندما امتنع أكثرهم قررت أن تكون الندوات مفتوحة، ونجح المهرجان وتم اكتشاف المغمورين من الكتاب والكتاب الجدد.
إذا يتضح أن ما يقال عن عدم وجود كتاب جدد أكذوبة.. وكأن من يقول ذلك يقرر أن الأرض المصرية أصيبت بالجفاف، والعناصر الموهوبة أصابها أيضا الانطواء.. وهذه كذبة شديدة فما نعانى منه حقيقة ليس هو وجود الكاتب المسرحى أو غيابه؛ ولكن المسألة تتطلب الكشف عنهم وتقديمهم.. كما نكتشف العلماء الواعدين، وتلك مهمة الإعلام بما يتيحه للحركة النقدية لتظهر وتستطيع مواجهة الخطر الذى نواجهه الآن، والذى يقف فى وجه الإبداع حقيقة هو غياب الناقد الحقيقى وليس الهاوى أو الصحفى على الإطلاق.. لأن الناقد الصحفى تنحصر وظيفته الأساسية فى الإعلام كما تعلم فى كلية الإعلام.. أى أنه يقوم بالإعلام عن المسرحيات الجيدة والكتابة عنها كى يعرفها الجمهور ويذهب لمشاهدتها.
أما الناقد الحقيقى فهو الدارس المتعلم والمتخصص الذى وصل إلى درجة عليا من المعرفة تمكنه من أن يصبح قاضيا.. فهو بجرة قلم يستطيع أن يقتل موهبة جميلة واعدة..وبجرة قلم من ناقد منافق أو كاذب يستطيع أن يرفع كاتبا لا يستحق..فيضلل الجمهور ويشوه الذائقة الجمعية للشعب المصرى أو العربى.
وهناك ظاهرة سرقة الأعمال المسرحية الأخرى، وهذا ما تم ضبطه عندما كنت رئيسا للجنة تحكيم المسرح منذ أربع سنوات.. هناك كتاب مصريون يسرقون أعمالا عالمية ثم يمصرونها ويسمونها بأسماء محلية وبعدها تطفو الكائنات المسرحية الخفيفة على السطح.. وكل هذا يحدث بسبب غياب الحركة النقدية، بالإضافة إلى اختفاء صفحات النقد المسرحى من المجلات.
فى الستينيات كان يوجد لكل مجلة ناقد مسرحى عظيم مثل لويس عوض ورجاء النقاش.. وغيرهما، ووظيفة هذا الناقد أن يتابع الكاتب المسرحى حتى لا تجف موهبته، والمواهب موجودة وواعدة ومبشرة..تنتظر مستقبلا عظيما.

المشكلة ليست فى الكم لكنها فى الكيف
كيف نكتب نصا جيدا؟!
فى حين شارك الكاتب والناقد أحمد عبدالرازق أبوالعلا بكلمته بوصفه أحد أعضاء لجنة قراءة النصوص المسرحية بالبيت الفنى للمسرح قائلا:
 منذ سنوات بعيدة كنت مديرا لإدارة النصوص بالإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وبعدها أصبحت مديرا عاما لها، وقبلها كنت مديرا عاما لإدارة النشر بالهيئة نفسها، والآن تم اختيارى عضوا ضمن أعضاء لجنة قراءة النصوص المسرحية بالبيت الفنى للمسرح، هذا فضلا عن قيامى بقراءة نصوص قبل نشرها فى جهات أهلية وحكومية، من بينها وزارة الثقافة، بالإضافة إلى مشاركتى فى تحكيم بعض مسابقات النص المسرحى، وكل هذه الأعمال تدعونى الآن، وأنا أتحدث عن ظروف النص المسرحى حاليا، وما يحيط به من مشكلات، أن أكون موضوعيا معتمدا على الخبرات التى اكتسبتها من خلال تعاملى المُتعدد مع النص المسرحى على مدار سنوات طويلة من العمل، وأستطيع أن أقول: إن النص المسرحى - فى مصر- يواجه مشكلة بالفعل، لكنها لا تتعلق بالكم أو عدد الكُتاب بقدر ما تتعلق بالكيف.
 نعم لدينا أعداد كبيرة من كُتاب المسرح - أذكر أننى فى آخر مسابقة شاركت فى تحكيم نصوصها قرأت لستة وثلاثين كاتبا تقدموا بنصوصهم، ومعظمهم من الكُتاب الجدد – المشكلة أن معظم كتابنا حتى الذين قدموا نصوصا تم إنتاج بعضها، ينقصهم معرفة الكثير من العناصر الفنية التى تسهم فى تقديم كتابة جيدة من ناحية البناء الفنى، ربما لأنهم يعتمدون على موهبتهم فقط بعيدا عن القراءة التى تصقل الموهبة وتدعمها، وهذا ما ساعد كثير من الكتاب الكبار ليصبحوا كبارا بالفعل بما قدموه من أعمال، سواء فى مصر أو الغرب، وهذا ما يدفعنا حتى الآن للإعجاب بالنص الأجنبى، والذهاب إليه.
وتابع: القضية ببساطة ليست قضية كم، ولكنها قضية كيف، كيف نقدم أعمالا تُعبر عن واقعنا، وتعالج قضايانا التى تمس حياتنا على كل المستويات، ودون خوف من الرقيب الداخلى الذى يكمن فى نفوس معظم الكتاب؟ معظم الكتاب الجدد ليست لديهم معرفة بكواليس المسرح وطبيعة الخشبة، وهذا ما نلاحظه عند معظمهم عندما نقوم بالتحكيم أو القراءة، وأعترف بأن هناك مواهب جيدة، ولكن أصحابها فى حاجة إلى المُشاركة فى ورش حقيقية لتعلم طريقة الكتابة اعتمادا على المناهج العلمية التى وفرها أساتذة المسرح فى الخارج، ووضعوا خبرتهم فى كتب مهمة مثل كتاب «ولتر كير» (عيوب التأليف المسرحى) أو كتاب (فن كتابة المسرحية) الذى كتبه “ لايوس إيجري» وغيرها من الكتب المهمة فى هذا المجال، لأن الكتابة دون قراءة واعية للتعرف على طبيعة الدراما وخصائصها وطبيعة البناء الدرامى نفسه، لن تقدم سوى أفكار جيدة تحتاج إلى كتابة أخرى غير التى جاءت عليها.
 وأضاف: وعلى الرغم من ذلك أقر بأن هناك نصوصا جيدة لعدد غير قليل من الكتاب، ولكنها لا تجد طريقها إلى خشبة المسرح ليراها الجمهور، والمسرح فى الأساس فن جماهيرى، ولمواجهة الأزمة، نعتمد على نشر النص بين دفتى كتاب، الأمر الذى ساهم – بشكل غير مباشر – ليكون النص أدبيا أكثر منه مسرحيا ودراميا.
  والتشدق من قبل جهات الانتاج المعنية بتقديم هذه النصوص، بأن الرقابة هى السبب، أراه حجة ليست صحيحة فى مجملها - مع الاعتراف بأن الرقابة تتدخل بشكل سافر أحيانا - وينبغى التصدى لها إذا كنا حريصين على نهضة مسرحنا بالفعل، ولكننى أقول إن هناك طرق للتفاهمات بين جهات الإنتاج وبين الرقابة، كنا نعمل بها طوال السنوات الماضية، لكننا الآن نخلينا عنها، وتركنا الرقابة تفعل بنا ما شاء لها أن تفعل، باستسهال الأمر من قبل البعض حين يقومون بإعداد نصوص أجنبية أو مصرية أو عربية، ظنا منهم بأنهم بتلك الطريقة يواجهون تعنتها ويقدمون مسرحا، فى حين أن هذا السلوك قضى تماما على المؤلف المسرحى الحقيقى الذى لا يجد نصه مكانا لائقا به على خشبة المسرح، الإعداد نفسه تحول مع مرور السنوات إلى تأليف - فى غيبة المتابعة والرقابة من قبل جهة الإنتاج - ويُعد هذا سرقة بالمعنى الحرفى للكلمة، وتتضح تلك المشكلة فى مسرح الثقافة الجماهيرية على وجه الخصوص.
ونصيحة لتصحيح المسار قال أبو العلا: ومن أجل الخروج من هذا المأزق - وأنا أتحدث بشكل سريع احتراما لطبيعة التحقيق الذى لا يستوعب وجهة نظرى كاملة - أقول إنه على جهات الإنتاج المختلفة تبنى نصوص الكتاب الجُدد طالما أنها حققت معيار الجودة الفنية، بالإضافة إلى عودة التفاهمات بينها وبين جهاز الرقابة على المصنفات، لكى لا تكون عائقا أمام تحقيق هذا الهدف، فضلا عن تنظيم دورات تدريبية حقيقية تتعلق بكيفية كتابة النص المسرحى بعيدا عن الدورات التى نقرأ ونسمع عنها، وتعمل بدون برنامج حقيقى، ومعظمها يتم عشوائيا، وبعناصر ينقصها الكثير من العلم والدراية.

لا توجد أزمة فى الكتابة المسرحية
فيما اتفقت الكاتبة والمخرجة الإذاعية دكتورة ناهد الطحان – من وجهة نظرها – على عدم وجود أزمة موضحة: لا توجد أزمة على الإطلاق لدينا فى الكتابة المسرحية، فهى نصوص مسرحية تعالج مشاكل الواقع النفسى والاجتماعى فى إطار انسانى عميق، ولكن يلجأ أغلب المخرجين المسرحيين للأعمال العالمية حيث يقومون بعمل دراماتورج لها وتقديمها، ورغم المجهود الكبير الذى يبذلونه فإن المشاهد يشعر بخوائه إزاء واقعه الذى يعيشه، فكثيرا ما قدمت الدراما حلولا للواقع على المستوى الشخصى والاجتماعى، وهو ما يجعلنا إلى الأن نقرأ ونشاهد العديد من الأعمال المسرحية والدرامية المتنوعة دون أن نشعر بالفارق الزمني؛ لأنها عبرت عن واقعنا وخصوصية الإنسان المصرى إلى الأن.
ودعونا نناقش الأمر بشكل موضوعى، فرغم أن عدد سكان القاهرة الآن ضعف أو أضعاف عدد سكان مصر عام 1964، فإنه فى ذلك العام تم تقديم أضعاف عدد المسرحيات التى قدمت عام 2024 بل تم تقديم أسماء كُتاب مسرحيين لأول مرة مثل نجيب سرور ونعمان عاشور وميخائيل رومان وغيرهم من المسرحيين الذين تفخر بهم مصر الآن، وكذلك تم تقديم وجوه جديدة فى الإخراج والتمثيل.
إضافة إلى النهضة المسرحية فى ذلك الوقت فى ظل وجود مسرح مدرسى وإصدار النصوص المسرحية ومجلات المسرح وحركة التأليف والنقد المسرحى، وقدمت العروض رغم الضغوط السياسية فى تلك الفترة التى تعرضت لها مصر.
كما تم تقديم أنواع مختلفة من الأنواع والأشكال الدرامية مختلفة الأذواق لتمثل نهضة مسرحية كبرى وقتها، فى حين يلجأ المخرجون الآن إلى تقديم مسرحيات عالمية كلاسيكية بعيدة عن مناخنا الاجتماعى ومشكلاتنا المختلفة، ولهذا أؤكد أنه ليس لدينا مشكلة فى كتابة النصوص لكن المشكلة فى الإنتاج، بل هيمنة الإنتاج على اختيار ما يقدم للمشاهد المصرى، وهو ما حدث لى ولغيرى من الكتاب، نحتاج إلى تقديم نصوص مصرية تلمس وجدان المشاهد فكريا وجماليا بعيدا عن الاغتراب الذى تضعنا فيه النصوص العالمية أو ما يتم اختياره من قبل جهات الإنتاج بعيدا عن الذوق المصرى، بحجة أن ذلك هو المتاح وما يطلبه المشاهد أو أننا قدمنا تمصيرا أو تعريبا، إذ تظل هناك مساحة بين العرض والمشاهد لأنه ليس نابعا من أزماتنا أو تساؤلاتنا أو مستجدات الواقع المصرى والعربى.

طبخة مضمونة النجاح
وقال الكاتب والمؤلف الشاب أحمد سمير:
فى رأيى أن أزمة النص المسرحى العربى وإن اعتبرناها كذلك (أزمة) فهى لها عدة جوانب أولها: انحصار القراءات المسرحية على عدة توجهات دون غيرها، ولو تم رصد الحركة المسرحية خلال العشر سنوات الأخيرة، لوجدنا نصوص بعينها تكررت عشرات المرات، وفى ظنى أن هذا يسببه استسهال البحث عن النص المسرحى من جهة المخرج، فبعض المخرجين يبحثون بشكل دائم عن النص المتحقق بالفعل والمضمون نجاحه إما بتجربة النص عدة مرات حتى بات (طبخة مضمونة النجاح)، أو بالتعامل مع نصوص أجنبية شهيرة حتى وإن لم تعد تصلح للتقديم نظرا لاختلاف التطور الزمنى وتراجع قضية النص، أو حتى عدم ملامسة قضيته للواقع المعاش زمنيا واجتماعيا، ولكن البعض يظن أنه لمجرد أن النص أجنبيا فهو طبخة مضمونة النجاح، وهذا مع كامل احترامى خطأ كبير فى آليات اختيار النص، وأما السبب الثانى فى وجهة نظري: فهو يعود للكاتب نفسه حيث إنه فى عصرنا هذا ومع وجود عدد من الكُتاب الجيدين جدا بات من المهم لكل كاتب أن يكون له معرفة بكيفية إدارة موهبته وأعماله، كيف يعلن عنها ويقدمها بل ويسوقها لجهات الإنتاج والمخرجين إن لزم الأمر، فالعصر مختلف عن الماضى وأشكال التواجد فيه من الواجب دراستها ومعرفة كيفية إدارة تلك الموهبة لضمان التواجد القوى، فالأمر ليس فقط موهبة فحسب.. بل هو صناعة مكتملة، وعلى كل منا ككتاب أن يضع لنفسه خطة تضمن تواجده على الساحة بأعمال تحقق توقع المهتمين بالعملية الإنتاجية وتعبر بصدق عن قضايانا المعاصرة، وبعض هذه الأشكال ربما تكون المسابقات الأدبية والتى تكشف دورة بعد الأخرى عن نصوص جديدة جميعها تصلح بل وتعبر عن الواقع المعاش، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل هذا هو ما يبحث عنه المخرج أو جهة الإنتاج أم أنهم جميعا غارقون فى كلاسيكيات الماضى التى عفى عليها الزمان، وجودة النص فى ظنهم يحسمها كون مؤلفه يحمل اسما غربيًا.

دعم الشباب والبحث عن الجديد
واتفق المخرج السعيد منسى مع سابقيه، قائلا:
لا أعتقد أن هناك أزمة فى الكتابة المسرحية بدليل وجود مؤلفين كثر من جيل الشباب يكتبون بشكل متطور ولديهم أفكارهم الخاصة، ولكن الموضوع يحتاج الى الدعم... يجب الدعم والايمان بهؤلاء الشباب والبحث عن الجديد.
موضوع التأليف وإظهار المؤلف يحتاج إلى أكثر من عامل، فيحتاج المؤلف إلى مخرج يستطيع أن يبرز أفكاره ويضيف رؤية بما لا يخل برؤية المؤلف، كما يحتاج لجهة إنتاج تستطيع أن تدعم الشباب وتدفع بيهم. كما أن المؤلف عنصر من عناصر العملية الإبداعية، فيجب عليه أن يقوم بتطوير أدواته باستمرار والبحث عن الجديد وصقل موهبته بشكل مستمر مثله مثل جميع عناصر العملية الإبداعية.

المشكلة ثقافية وليست إبداعية
فيما قال الكاتب والمؤلف سامح عثمان:
بداية لا أؤمن بوجود مشكلة إبداعية فى عالم التأليف المسرحى فى مصر.. لكن قد أتفق على أنه هناك مشكلة ثقافية وليست إبداعية، وهى مشكلة تتفاقم من جيل إلى آخر حتى سن النضج الفنى كتابيا وهو أربعين فما فوق...لماذا؟!..ذلك أن المؤلف ليس حصيلة موهبته فقط، وإنما هو حصيلة ثقافته من ناحية وتجارب حياته من ناحية أخرى، فالموهبة الإبداعية تبقى الجذر الثابت، لكن شجرته المقدسة لا تكتمل إلا بثقافته (ساقه) وتجاربه (أوراقه) لتكن وجهة نظره ورؤيته فى النهاية ( الثمرة )، لذلك فإن تخليق المؤلف نفسه عمل صعب وشاق بعكس تخليق النص المسرحى نفسه.. لذلك فإن كتابة بعض النصوص لا تعنى أبدا تكوين مؤلف راسخ، كثيرين يكتبون لكن القليل مؤلف يمتلك رؤية وقضية ووجهة نظر، هذا تراكم سنوات طوال، لكن رغم هذا لا نستطيع أن نقول أننا فى مصر نعانى أزمة كتابة حقيقية، لكن ربما نعانى أزمة شكلانية فى تناول الموضوعات، اتجاه للاهتمام بتجنيد التقنيات التنفيذية – التى لا نمتلكها بشكل كاف – على حساب المضامين التى نمتلكها بحكم الميراث الإبداعى الكبير، أيضا هناك بعض جهات تصر على إعلاء قدر النص العالمى على النص المصرى، ومنهم أشخاص ومبدعين يعدمون النص المصرى إذا كانوا محكمين أمام النص العالمى ببرودة القناعة المطلقة.
مع مرور السنين ظهر نتاجا لذلك بعض من يكتبون بقلم مستعار، فيستعير لغة الترجمة ليؤلف نصا يبدو مماثلا للتركيبة التى تعجب مثل هؤلاء المحكمين المبدعين الذى يملك بعضهم مفاصلا مهمة فى المطبخ المسرحى، ومثل هذه النصوص ذات الروح المستعارة أصبحت مقلقة لأنها تلقى هوى لدى البعض الغير قليل على الرغم من عدم صدقها الواضح، ليبدو مسرحنا مع الوقت (شبه) (كن مش نفسه أبدا) متناسين تماما أن باب العالمية محلى وليس بالتقليد والاستعارة.
أما عن وجود كتاب جيدين فبالتأكيد مصر بها العديد من الكتاب الجيدين جدا، وتسليط الضوء يأتى بإثبات الذات، والمعنيون بالأمر يبحثون عن نصوصك متى كانت سمعتك الفنية جيدة، الأمر يشبه أى عنصر آخر من عناصر اللعبة.
 طبيعى إذا كنت أنا مخرجا، سأحتاج الممثل الجيد - ومؤسسات الدولة والمستقلين الجميع يقوم بدوره فى التنوير على عناصر من خلال مهرجانات ومسابقات وأعمال، لكن بعد التنوير يبقى منك لموهبتك، الحقيقة أنه لا نصائح...فقط لنكن أنفسنا...الصدق مفتاح الإبداع.. أؤمن أنى يجب أن أبدع وفقط.. أبدع وأنتظر، يمكن لأنى كنت مؤلفا محظوظا بمخرجين جيلى.

هناك بصيص من نور
فيما تساءل الكاتب والمؤلف ممدوح فهمي:
سؤال ذو شجون! هل نحن نعانى فى مصر من أزمة كتابة مسرحية جيدة لكتاب جيدين؟
كم آلمتنى كلمة كتاب (جيدين) لأن ما يحدث ومنذ فترة ليست بالقليلة حولهم ولشده الأسف إلى كتاب (مغمورين) لا يعرفهم المتلقى على خشبة المسرح أو القارئ بين دفتى كتاب إلا من رحم ربى وناضل فى سبيل الوصول إليه فى طابور ضخم على أبواب المسارح المغلقة أو على أبواب الناشرين المقلقة.
ويبدو أننى سأستخدم كلمة (للأسف) كثيرا، فللأسف هناك مقاطعة شبه تامة للنص المصرى من قبل إدارات المسارح، وهذا ما عانيته فى تجربة خاصة لى حين تقدمت فى يوم ما لمدير مسرح ما بعمل ما وكان الرد بعد إلحاح لمعرفة رأيه صدمت من قوله للأسف عملك رائع يا أستاذ لكن للأسف لا يتناسب مع رؤيتنا!
أى رؤيا هذه والعرض الذى كان يقدمه وقتها ناله من النقد السلبى ما ناله (للأسف). أعرف أن لدينا الكثير من الكتاب المتحققين ونشرت أعمالهم فى السلاسل المسرحية سواء فى هيئة الكتاب أو الثقافة الجماهيرية، أو تكبدوا تكاليف باهظة للنشر مضطرين بغية الوصل إلى القارئ بعد أن حجبوا عن المشاهد للنظر و(للأسف) كم من هؤلاء قد لاقى ربه دون أن يصل إنتاجه إلى خشبة المسرح، وبعدهم من سيلحق بهم لتنتهى قصة الكتاب المسرحى المصرى.
المسألة لا تبشر بخير فأى كاتب شاب واعد اليوم فى الكتابة المسرحية سيعيد النظر عن المضى فى هذا الطريق المسدود أمام ما يشاهده من نهايات تعسة لمن سبقوه وسيحجم عن الاستمرار فيه.
أخيرا.. ورغم تلك القتامة فهناك بصيص من نور، وهو ما قام به الأستاذ خالد جلال حين دعا جميع الكتاب لتقديم أعمالهم لاختيار المناسب منها بمعرفة نقاد أجلاء، لتوضع فى خطه البيت الفنى للعام قبل الماضى و(للأسف) لسبب أو لآخر لم تظهر نتائج تلك المبادرة حتى الآن وها نحن ننتظر.

توجد أزمات عند البعض فيما يخص الوعى الثقافي
 وقالت الناقدة الفنية والمسرحية دكتورة لمياء أنور:
إن بداية فكرة الحديث عن مشاكل النصوص المسرحية أو مشاكل الكتابة بشكل خاص هو موضوع متعدد محاور النقاش حوله، نبدأ من مسألة هل هناك مؤلفون جدد، بالفعل يوجد مؤلفين جدد وشباب حققوا نجاحات على مستوى الكتابة الدرامية، وتناول موضوعات قد لا تكون جديدة لكن كتبت بأسلوب جيد يصل للمشاهد العادى وهذا المهم، وبالطبع توجد أزمات عند البعض فيما يخص الوعى الثقافى الذى يستطيع المؤلف من خلاله صياغة أفكاره وقضاياه، للأسف هناك الكثيرون لا يمتلكون هذا الوعى بشكل يجعل من كتاباتهم عبارة عن جمل منثورة لا هدف منها ولا جماليات للغة، ومن هنا سأنطلق لأزمة نصوص الـ Ai وهى تقنية يلجأ العديد من المؤلفين إليها، والحقيقة أن نصوصهم تكون جسد بلا روح، ولا إبداع، الأزمة الأخرى والهامة التى جعلتنا الآن نتكلم عن أزمة ومشاكل النصوص الدرامية وهى واحدة من أهم الأزمات، هى أزمة الورثة كتير جدا من النصوص الهامة والجادة، والتى تعتبر المادة الخام للدراما تقتل فى مكانها بأسباب تتعلق بالورثة والإنتاج، ولذلك أرى أن البحث فى تلك الأزمة هى الأجدى والأجدر والأهم اليوم فى مصر، لأننا نملك كتابا نحتاج أن تتعرف عليهم الأجيال الجديدة ولا تظل حبيسة الأدراج والملفات، وهذا الموضوع مثله مثل أى متناقضات فى العالم من أن خلق الإنسان، أعنى أنه مثلما نملك كتابا ومؤلفين، لدينا أيضا المفلسون، فليست هناك مشاكل فى الكتابة بقدر مشاكل الإنتاج.

تتبع مصطلح تأثير الفراشة
وقال الناقد فادى نشأت:
دعينا فى البداية نعطى اسما مجازيا لنموذج المؤلف الذى نتحدث عنه وإذا سمحتى لى فلن أجد أفضل من “عبده” بطل مسرحية لينين الرملى (أنت حر)، ومن أجل الوصول إلى إجابة منصفة شافية لتساؤلات الموضوع فوجب فى البداية أن أوضح العلاقة بين “عبده” بواقعه ومجتمعه. مع افتراض أن عبده لديه النوايا الظاهرة ويحمل كل المعطيات كى يكون مؤلفا/كاتبا مهما، ويستطيع أن يصنع الفارق بأعماله الفنية.
فهذا العبده يستقى من المجتمع مشاكله ويعكسها إليه فى شكل عمل فنى نابع من أفكاره وتخيلاته مبنية على خلفياته وقناعاته، وفى نفس الوقت المجتمع هو المسئول عن تكوين عبده، لذا فهى علاقة جدلية دائرية ما بين المجتمع والمبدع، تبدأ منذ احتكاك عبده مع عالمه سواء فى الشارع الذى يعيش فيه مرورا بمدرسته وصولا إلى شاشة هاتفه المحمول الذى يستقى منها عالم اليوم. تترابط تلك العلاقات المتشابكة بخيوط من احتياجات مادية لعبده، تلك الخطوط هى مقاييس مجتمعية للنجاح والشهرة، ذوق عام ناتج عن بيئات مختلفة ذابت بينهم الفروق الاجتماعية نظرا لطبيعة واقع رأسمالى عنيف، نعيش بداخله ولم نختر الحياة خارج عنه، فعبده سيء الحظ ولد كى يكون إنسانا عاديا يريد أن يحصل على نصيبه فى الحياة من مأكل وملبس وحياة اجتماعية تلبى متطلباته المنطقية، ولكن اختياره بأن يكون مؤلفا/كاتبا هو اختيار سيجعله يعيش فى أزمة نفسية لباقى حياته، يقضى حياته ما بين الكتابة لعالم هو فى الغالب يضع مقاييس تفضيله لصاحب القوة - قانون الحياة الطبيعي- وما بين أحلامه هو الشخصية عن عالم مواز رومانتيكى يمجد الحق والخير والسلام.
فلمن يكتب ولماذا؟ يجب أن ندرك أن هذا هو السؤال الذى دائما يطرحه عبده على نفسه فور استيقاظه صباحا ودخوله إلى مطحنة الحياة اليومية وقبل أن يغيب عن الوعى ليلا ليستقبل يوم جديد.
فهل يعنى هذا أن المشكلة فى المجتمع الذى يعيش فيه عبده وليست فيه؟ إذا سلمنا بذلك فتلك لن تكون إلا مناورة فاشلة منى لا تحل ولا تربط، وجهة نظر رومانتيكية تصلح لأصحاب الأوهام أو الفشلة، إذا فالمشكلة فى عدم تكييف عبده مع المجتمع؟ إذا سلمنا بذلك أيضا فهى إجابة تعطى للمجتمع اليد العليا فى فرض واقع غير مرغوب فيه وقتل أى أمل فى التغيير. وقتل سر تمسك عبده بالحياة من الأساس لذا عليه ان يختار أن يعمل كموظف او تاجر او أى مهنة تناسب آفاقه.
ومن أجل الإجابة عن السؤال السابق دعونا نلقى الضوء سريعا على أشكال النصوص المسرحية الحالية، فهى إما نصوص غربية تم اقتباسها او تمصيرها او استلهامها من رواية/فيلم/مسرحية، وإما نصوص مصرية ولكن بطابع غربى يحاول فيها عبده أن يقول ما يخشى الآخرون قوله ويضع لنفسه بداخلها باب خلفى من أجل الهروب ممن يتربص له كى يوقعه فى المحظور، وهنا تظهر مشكلة المحاذير داخل الدراما وهى (الدين – الجنس – السياسة) مع رفضى التام لوضع تلك المحاذير لأن تلك المواضيع الثلاثة هى ما تخلق الجدل ما بين المبدع وعالمه، وتدور فى فلكها جميع القضايا الإنسانية الأخرى، ويكفى النظر إلى أهم النصوص العالمية والبحث عن المحاذير وسطها فنجدها متأصله. وأما نصوص ساذجة مباشرة فلا تحمل أى هم على الإطلاق.
أو نصوص جيدة الصنع تحمل أفكار عبده ولكن تبقى حبيسة أدراجه تنتظر المنتج/المخرج/الفنان المختلف والمغاير الذى يملك القدرة ويتحمس لها ويؤمن بها، وأيضا الذى لا يأتى أبدا، ذلك البطل الأسطورى من يعطى له الفرصة لطرح فلسفته ورؤيته عن العالم على المشاع دون اشتراطات أو تدخلات منه فى صلب دماغ عبده.
وهنا يقع عبده أمام اختيارين إما أن يستفاد من جهل مجتمع مثقف غير مطلع فيستولى على الحق الأدبى للموضوع، أو يستخدم حرفته فى الكتابة لصنع بدلة شيك من أجل مجتمع مهتم بالمظهر، وستكون تلك البدلة ذات مظهر غلاب ولكن لا تحمل أى جيوب بداخلها. وإما ان يعيش مع عبده الأخر بداخله ويخلق مجتمع خيالى لنفسه ينتظر فيه الصانع السوبر هيرو من سوف يظهر فى حياته فجأة ليعطيه ما يستحقه من امتنان وعرفان وحق. وهذا لن يأتى.. فما الحل إذا!؟
يؤسفنى فى النهاية أن أجاوب بأن ليس هناك حل على المدى القصير. فالمجتمع ينهض بمجملة وليس بفئة معينة عن الأخرى، وأحيانا ما تكون تلك النهضة بسبب أحداث جلل سبقها سعى حثيث نحو التغيير مثلما حدث فى ستينات القرن الماضى وما نعيش على أطلاله اليوم من كتاب ومؤلفين بلغوا ذروتهم الفنية فى تلك الحقبة وذلك ليس بسبب عبقريتهم الفذة وحدها وهذا ليس بتشكيك فى ذلك ولكن هل يحمل عظماء الماضى ذكاء وخيال أعظم من كتاب اليوم! ولكن النهضة كانت بسبب ظروف كثيرة مواتية ومتوازية فى نفس الوقت فنجد تعليم ملتزم، رؤية ثقافية واضحة، قوانين عديدة غيرت من شكل وواقع الحياة اليومية، هوية محددة برزت مع بزوغ عهد جديد فى عهد الدولة المصرية.
أما نصيحتى فى النهاية فتكمن فى تتبع مصطلح تأثير الفراشة، فكثير من التغييرات العظيمة تنبع من اختيارات بسيطة حدثت وتحدث يوميا، مع كل فرصة لديك يا عبده كمؤلف يمكنك ان تضع بصمتك للتغير، فلا تيأس، فالهداف لا يحرز هدفا كلما استحوذ على الكرة، ومن الممكن أن يخرج من المباراة خالى اليدين، بينما أضاع العديد من الفرص، لكنه على الجانب الآخر يبقى يوميا فى التمرين ويحسن من ذاته، يشاهد العديد من المباريات ويتبنى خططا جديدة.

نمتلك مؤلفين شبابا لديهم موهبة حقيقية
وقالت الناقدة أسماء حجازى:
كثيرًا ما يتبادر إلى ذهنى عند مشاهدة أى عمل فنى ما سبب اختيار المخرج لهذا النص؟ ودائمًا ما تنسب الأعمال الفنية الجيدة إلى اختيار النص الجيد؛ لأن الدراما عليها عامل أساسى فى نجاح العمل من عدمه، ومن هنا توجد الإشكالية لأن بعض النصوص المسرحية يتم لى ذراع الدراما دون داعى لإحداث اشكاليات مفتعلة من قبل المؤلف، فلا نجد أزمة درامية حقيقية يتم من خلالها البناء الدرامى فتصبح أزمات يتم خلقها بافتعال من قبل بعض المؤلفين والأمثلة كثيرة لكن لن يسعنى المجال هنا لذكرها.
نحن نمتلك فى مصر مؤلفين شبابا لديهم موهبة حقيقية، لكنى أتمنى أن يكونوا أنفسهم بكل بساطة، يعبرون عن مشاكلهم ومشاكل جيلهم، ويتحدثون عن ما يؤرقهم دون السعى للتقليد، لأن كل ما هو حقيقى وصادق مستمر وباقى فى ذهن المتلقى، وأن يولوا اهتمامهم إلى القضية التى يودون طرحها دون اللجوء إلى تفريعات كثيرة تضيع المعنى وتشتت ذهن المتلقى وتصرفه عن المراد الأساسى الذى يراد طرحه.

المناخ العام فى المسرح فى مصر لا يؤهل لإفراز مؤلفين
وقال المخرج المسرحى إسلام إمام:
المناخ العام فى المسرح فى مصر لا يؤهل لإفراز مؤلفين..فقديما كانت الحركة المسرحية تظهر الممثلين أولا، وبعد ذلك يظهرون فى التليفزيون والسينما.
 ولكن القضية المهمة الآن أن المناخ العام فى مصر غير مؤهل لفكرة أن يعمل المبدعون فى المسرح من الأساس، وان يسعوا للمسرح للوصول للمرحلة الاحترافية، فالمؤلف فى المسرح لا يستطيع أن يتخذ من التأليف مهنة له، هذا غير موجود فى المسرح المصرى لأنه لا يوجد انتاج مسرحى حتى يستطيع الكاتب التفرغ للكتابة، فيبحث عن مهنة أخرى كى يواصل حياته ويأكل عيشا، أما فكرة أنه لا يوجد مؤلفين فكرة غير صحيحة، بدليل أنه يوجد مؤلفين كثيرين فى التليفزيون والسينما وبعضهم خريجو مسرح وممثلين مسرح، واتجاههم للسينما والتليفزيون، لأن لهم مردودا ماديا وإنتاجا كبيرا، فعندما نجد أن كل مسرح ينتج عرضا واحدا فى السنة هذا ليس إنتاجا مسرحيا. وبالتالى فالمناخ فى المسرح لا يؤهل لوجود مؤلفين، فيجب أن نوجد تربه خصبة ليكثر الإنتاج وتتعدد وجوه محبى المهنة وتتوالى أعمالهم وتظهر.
 فمؤخرا تجد المؤلف المصرى يفرض وجوده بقوة فى الإبداع العربى المسرحى فى مسابقات النصوص، وفى إحدى السنوات كانت الثلاث جوائز لمؤلفين مصريين، والسؤال هل هذه النصوص تم إنتاجها فى مصر؟ بالطبع لا، لأنه لا يوجد إنتاج، حتى إذا نلت أكبر جائزة فى المسرح العربى، فالنتيجة أنه لن يتم إنتاج نصك.
 إذا تجد مؤلفين المسرح يظهرون ويختفون بعدها، فلا يوجد مسرح بالمعنى الحقيقى فى مصر فى الأعوام الأخيرة، حيث وصل المسرح الى مرحلة صعبة جدا وبالتالى أصبح لا يوجد مؤلفين، فالقطاع الخاص ليس به انتاج نهائيا، والقطاع العام يعطى أجورا هزيلة ولا ينتج العدد المناسب للمسرحيات التى يجب أن يتم إنتاجها سنويا، وبالتالى فيذهب المبدعون والمؤلفون للأماكن التى بها إنتاج بعيدا عن مسرح الدولة.

الأزمة ترجع إلى ظروف الصناعة
وقال المؤلف والمخرج محمود جمال الحديني: ما زالت الكتابة بخير، وما زال يوجد العديد من المؤلفين المهمين جدا.. لكن الأزمة الحقيقية فى رأيى تعود إلى ظروف الصناعة عموما، خاصة الإنتاج وقلة المادة، وبالتالى فإن المؤلف المسرحى يحتاج لعمل إضافى بجانب عمله ككاتب ما يسهم فى التقليل من إنتاجه، بالإضافة إلى قلة طاقته وشغفه.


سامية سيد