العدد 921 صدر بتاريخ 21أبريل2025
«زي ما يكون شوفته قبل كدا .. زي ما يكون شبهي ..زي ما يكون أنا»
العبارة السابقة التي تتكرر على مدار عرض «جسور» هي المفتاح لفهم جزء من سيرياليته والتعبيرية والمجاز التي يلتف بهم العرض كقشرة البطيخة الخارجية، في حين أن ما نتذوقه من داخل البطيخ يذوب وملئ بالماء، ربما تشبيه ما شاهدته فى العرض بالبطيخ يكون غير دقيق أو تشبيه مجازي وسيريالي أو حتى تشبيه متأثر بالمياه الكثيرة (البحر) وهو مكان الأحداث في النص، نراه على الشاشة التي كان يُعرض عليها المادة الفيلمية.
عرض جسور هو نتاج ورشة الكتابة الجماعية بالدفعة التاسعة من ورشة الفنون الأدائية بشركة سودوكو للفنون، وهو مشروع ممول من الإتحاد الأوروبي بالتعاون مع اتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية-يونيك، أشرف على الكتابة الجماعية وأخرجه أحمد رجائي.
يبدأ العرض بصفين من الممثلين في مقدمة خشبة المسرح يجلسون بنفس طريقة الجلوس في القوارب الصغيرة، كل واحد منهم بيده عصا التجديف مرتديا سترة الإنقاذ الصفراء، ولكن على مدار العرض كان الإنطباع والأفعال من وقوف الممثلين في مشهد كمن ينظر للمياه من فوق سفينة، أو إنشغالهم بالحبال، كلها أشياء تخبرنا أن الممثلين على متن مركب أو سفينة أكبر من فكرة القارب سواء التي هي بالصورة العامة للعرض أو بصورة البوستر (الملصق الدعائي) كلاهما واحد، ربما لو كان العرض ينتمي للمدرسة الواقعية ملتزماً ببداية ووسط ونهاية للأحداث، كانت المناقشة اختلفت وربما كنت أنوه للمخرج بخصوص هذا وأنه يوجد فارق بين القارب والمركب ذو الشراع والسفينة، لكل منهم خصائصه وبالتالي ستختلف طريقة التفاعل، ولكن بما أن العرض يمكن إدراجه و ضمه لمدارس أخرى كالرمزية والسيريالية والتعبيرية، بل أن كل الأشياء بالعرض ليست سوى مجاز للمعاني الكبرى فالبحر مجاز للحياة نفسها، الأحلام والكوابيس التي كانوا يرونها ليست سوى مجاز للموت والإنتقال الروحي، وفي تأويل آخر يمكن أن تكون محاكاة للواقع، العرض بأكمله يمكن اعتباره محاكاة وحلم، لم نكن بالعالم الواقعي، ولا عالم افتراضي بالمعنى الدارج والمفهوم لهذا العصر.
المرأة والحرب
في حين أن العرض يمكن أن تدس به عدد لا حصر له من الموضوعات لمناقشتها، إلا أن الشباب والمخرج اهتموا بقصص وموضوعات بعينها للمرور عليها والتنفيس عما يشعرون به، بما أن الفن في العموم وفي هذه الحالة المسرح المتضمن الغناء والاستعراضات أصبح مساحة للتعبير بحرية عما تختلج به النفس، من القصص والموضوعات التي طُرحت قصة الإبنة والأخت التي اخطأت لأنها أحبت وأصبحت تحمل بداخلها ثمرة حبها، تدافع عن جنينها لدرجة قبولها الموت ولكن بعد الولادة ، ولم تكن القصة الوحيدة، ولكن نرى فتاة أخرى تنازع الأب الغائب وتأثير عدم وجوده عليها وهشاشتها.
أما الحرب فهو عرض لا يصح أن أزعم أنه الوحيد لأن هذا يتطلب أن أكون قد شاهدت جميع العروض بمصر والوطن العربي بأكمله، ولكنه من العروض النادرة التي ذكرت أزمة السودان والتهجير من الوطن إثر الحرب فيها، في حين إنشغال باقي العروض المسرحية والسينما وكل مبدع بالتعبير عن القضية الفلسطينية وأحداث غزة، «ربما لا يوجد مجال لذكر أزمة بلدان أخرى في توقيت يمر فيه وطني بأزمة» هذا ما يجول بتفكيري إذا بدلت موضعي مع بعض الممثلين بالعرض وهم سودانيين.
أما الموضوع الأعم للعرض هو موضوع البحث عن الذات، الصراع الداخلي داخل الأحلام، فالعرض بأكمله عبارة عن حلم أو كابوس يحلمه شخصاً ما، وهو ما يفسر لماذا جميع الممثلين بلا أسماء وجميعهم يرددون ويقسمون عليهم عبارة «زي ما ي/تكون شوفته قبل كدا..زي ما ي/تكون شبهي..زي ما ي/تكون أنا»، فالكل واحد مهما اختلفت الوجوه والهموم الداخلية والقضايا والأزمات، الجميع مشترك في نفس الكابوس، وكما لو كانت حالة الصرع التي تحدث لكل واحد منهم على فترات هي التعبير عما يحدث للإنسان من تعذيب وشقاء.
الاقتصاد بعناصر العرض المسرحي
الألوان بالعرض كانت زرقاء، عبر الشاشة التي تمثل مصدر تغيير الإضاءة في بعض المشاهد، ولكن أغلب المشاهد كانت على الشاشة البحر والقمر بدر مكتمل، ولن نأخذ على المخرج عدم تغيير هذه الصورة المعبرة عن الزمن الليلي بما أننا لم نكن في زمن واقعي، إلى جانب أنه في بعض المشاهد تم الاستغناء عن وجود البحر على الشاشة لنرى مشاهد تهجير شعب كامل وتركه لبلده، والخراب والتدمير الواقع، أو تصوير للممثلين الواقفين على الخشبة قد تم إعداده قبل العرض، ولكن في الحقيقة هي حركة متكلفة، فإذا تم اللعب بالإضاءة وعدم توحيدها في أغلب المشاهد بسبب أن ما على الشاشة طغى على الإضاءة ووجودها كعنصر هام يعبر عن الحالة الشعورية، حينها كان من الممكن رؤية الممثلين بصورة أوضح دون الحاجة لتصوير لم يُضيف أو يعبرعن زاوية مختلفة من المشاعر.
ومثلما أتت الإضاءة مقتصدة ومختزلة معتمدة على شاشة عرض، كذلك باقي عناصر العرض المسرحي كالملابس التي اعتمدت على وجود جاكت الإنقاذ الأصفر ولكن أسفله ملابس الممثلين لا تعبر عن شخصياتهم، ملابس مريحة كالتي يتم ارتدائها أثناء البروفة دون التفكير في تاريخ الشخصيات، وهو ما يدلل على ما ذكرته سابقاً أنهم يقدمون أنفسهم والمشاكل التي تشكل ضغط بعقولهم، مستخدمين الجانب التنفيسي للفن والمسرح.
ختاماً جسور هي تجربة مشحونة بالأفكار والمشاعر ولكن يلزمها المراجعة والتدقيق كي يتفاعل معها المتلقي ويكون على نفس المستوى من ذروة المشاعر التي وصل لها الشباب.