العدد 921 صدر بتاريخ 21أبريل2025
ملخص مسرحية «أحلى من السكر» الذى لم نفهمه، لأن مؤلفه «فلان الفلاني» هو الذى كتبه! وجدنا ملخصاً آخر مفهوماً كتبه الرقيب «سمير رشدى عطا» فى تقريره، قال فيه: «تحكى المسرحية قصة شابين تخرجا فى الجامعة وبعد التخرج ظلوا يبحثوا عن عمل يتيح لهم حياة كريمة والزواج والاستقرار، والتقيا فى محل كان يرثه أحدهم وأتفقا على عمل مكتب لحل الإشكالات النفسية والاستفادة بخبرتهم الدراسية ويتم استعراض مشكلتين على امتداد الرواية الأولى شخص غير مثقف ثرى يتزوج بغير مثقفة لتستغله استغلال سيئ مدمرة للقيم الزوجية ولا يستطيع إيقافها عند حدها فيتزوج بغيرها ويعرفان ويتواعدانه بالانتقام والذبح فيشكو لصاحب المكتب ويبدأ الأخصائى فى استدعاء الزوجات والزوج وكلما حل إشكال ظهر آخر فيقوم بعدة طرق لاستيقاف الشر والأذى وترويد [ترويض] الأسود إلى رحمة ملائكة وتم استقاف الشر لهذا الثرى..
كما تمت الاستفادة لثرائه وعمل مشروع سكن ذى 24 شقة للمتزوجين حديثاً لحل أزمة الإسكان وتحولت إلى أسرة وديعة تملك كل مقاومات الحياة الأسرية الكريمة كما تقدم شخص آخر مكتئب ومفتتن بصيادة رجال أمكن علاجه بالمكتب أيضاً وجعله يسلك الطريق الصحيح. ويعطون درساً قاسياً لمدمنة صيد الرجال فجعلوا منها عبرة لكل خارج عن القيم والمبادئ”. واختتم الرقيب تقريره قائلا: “يسمح بعرضها بعد اطلاع الإدارة وإعطاء الرأى النهائى، ولا يوجد أى ملاحظات خارجة”.
أما الرقيبة «راضية سيد» فقد وافقت على النص، واختتمت تقريرها، قائلة: “لا ما نع من الترخيص بالنص الكوميدى الاجتماعى مع مراعاة الآداب العامة والقوانين”. والرقيب «أدهم القلعي» أنهى تقريره عن المسرحية بقوله: “إنها غير مخالفة للموانع الرقابية، ولا مانع من العرض العام لها”. وبذلك نال النص الترخيص بتمثيله باسم المؤلف تحت رقم «141» بتاريخ 26/6/1986. ووجدت ضمن الوثائق ورقة عنوانها «إيصال استلام مسرحية»، كتبها المؤلف قائلا: “استلمت أنا السيد «فلان الفلاني» مسرحيتى «أحلى من السكر»، وأصبحت مسئولا عنها، وهذا لمن يهمه الأمر [توقيع] المؤلف”. وبذلك تكون هذه المسرحية هى الثانية التى وافقت الرقابة عليها دون رفضها من قبل أى رقيب كما حدث فى المسرحية السابقة، وكأن الكاتب أصبح مؤلفاً مسرحياً معتمداً ومتمرساً وقادراً على التأليف دون تدخل الرقابة أو الجلوس مع الرقباء ليوضحوا له كيف يكتب المسرحية، كما حدث من قبل!
وللأسف الشديد انتكس المؤلف انتكاسة كبرى بعد أربعة أشهر، عندما تقدم إلى الرقابة بنصه السادس والأخير فى أكتوبر 1986، وعنوانه «الجوازة الثانية» والمحفوظ تحت رقم «208». وكعادة المؤلف كتب «المستخلص العلمى للمسرحية»، قال فيه بأسلوبه وأخطائه وركاكته: “الزواج من ضروريات الحياة، وليس كمالياً حتى نضع فى طريقه كل هذه العراقيل، ولكونه كوجبة غذائية ضرورية يحتاج إليها الجسم، فلا يمكن الحصول عليه إلا بعدة تنازلات، وعدة تضحيات ويجب أن توجد أكاديمية تأهيلية لإخراج العروسين المناسبين لتنقرض من المجتمع الزوابع، التى تحول السعادة الزوجية إلى تعاسة وشجار مستديم، إن الزوجين خريجان جدد لحياة جديدة، فلذا يجب أن يكون لكل حى شركة أو معهد أو منفذ دراسى يبحث الشخصيتين جيداً حتى يتم إعدادهم بالطريقة الصحيحة. إن الزواج هو إذدواج الشخصية لثقلها واتزانها فمن أعرض عنه فلا يزيد إلا ضعفاً وكلما استعد له الشخص مبكراً كلما سبت نجاحه حتى يرى ثمرة شخصيته تنتج مبكراً، وكلما أن الطبيعة تمنح الراجل حق البحث عن العروسة المناسبة فيجب أن تأخذ المرأة هيا الثانية حرية البحث عن الرجل المناسب وحتى تتزن كلش التناسب الزوجى عن طريق أحدث طريقة للدراسة فى ذلك المجال حتى يتم منح العروسين شهادة تفيد الموافقة النهائية حتى يعلن بعدها المأذون تمام الزواج الصحيح بعد عقد القران”.
كتب الرقيب «كمال سعد طه» ملخصاً للمسرحية فى تقريره، قال فيه: “تدور أحداث المسرحية حول جمعة وخميس، ولديهما محل بيع الزهور ولكن عملية البيع كانت قليلة جداً وأثناء ذلك البيع يتم الحوار حول الزواج الناجح والزواج الفاشل والعوامل المؤدية إلى هذا الزواج بشقيه. وعندما أراد خميس الإقدام على الزواج بدأ يختار الزوجة التى تتفق معه فى كل المجالات فكرياً وعلمياً ومادياً فيصبح الزواج بينهما متوافق وهذا أدى فى النهاية إلى نجاح هذا النوع من الزواج بينما جمعة لم يعد نفسه من أجل الزواج ومتطلباته وبالتالى أصبح لا يملك متطلبات الزواج لكنه فى نفس الوقت يريد الزواج فقبل أول عرض للزواج من فتاة تقدمت له لتطلب يده وظهرت على أنها قمة الإخلاق والمبادئ وقد خدع جمعة فيها وبعد إتمام الزواج بأيام ظهرت الزوجة على حقيقتها فقد كانت مريضة عقلياً وتزوجت العديد من الزواجات ولكنها تفشل ولكن جمعة يحاول علاجها فلا يستطيع ويطلب الانفصال عنها لكنها ترفض الطلاق ويتوصل جمعة لحل من أجل أن يتخلص منها فيقبل على الزوجة الثانية فتحدث الغيرة بين الزوجتين وبالتالى يتم علاجها عن طريق هذه الغيرة الزوجية وتتحول الزوجتين إلى أصدقاء وأحباء، وبالتالى تحل مشكلة جمعة، ويقوم جمعة بفتح قسم جديد بالمعرض الذى يبيع فيه الزهور فيبيع فيه فساتين وأحذية وكل ما هو خاص بالعروسين وتحويل ذلك القسم إلى شركة تأهيل العروسين المناسبين وانتقاض بعض المخالفات الموجودة فى الحياة الزوجية فهناك الزواج السياحى الذى تحول إلى بيع وشراء كزوج مسن بفتاة صغيرة وما يؤدى هذا النوع من الزواج إلى الفشل، وأيضاً زواج الأمهات اللاتى توفين أزواجهن فى سن مبكرة فتقدم منها إلى هذا المركز للتأهيل العروسين حتى لا تمضى فى طريق الاستقامة وأيضاً الحماوات حتى تحد من مشكلة الخلافات الموجودة بينهما وبين زوجة الابن وما إلى ذلك من هذه الأنواع التى تتقدم لمركز تأهيل العروسين حتى يتم من خلاله الزواج السليم”.
واختتم الرقيب تقريره برأى قال فيه: المسرحية تتحدث عن الزواج وكيف يصبح زواج ناجح وأيضاً كيف يصبح زواجا فاشلا والعوامل المؤدية إلى ذلك ولا بد من الاختيار السليم المتكافئ بين العروسين حتى يصبح زواجاً موفقاً واضعين الرجل فى الزواجة الثانية عندما يجد كثرة المشاكل فى الزواجة الأولانية وبالتالى تحدث الغيرة وتحل مشكلته الأولى. لذلك أرى عدم التصريح بتأدية هذه المسرحية لأن الفكرة غير مجدية وكثرة الأحداث. وإن هذا العمل الفنى هابط ولا يليق بتقديم مسرح جاد يناقش مشكلة مهمة مثل هذه المشكلة. والعرض غير متناسق وغير ممهد للفهم الجيد، وهذا العمل ما هو إلا حكايات مرصوصة بجانب الأخرى لإخراج عمل مسرحى دون هدف أو تنسيق وبالتالى أرفض هذا العمل”. وقالت الرقيبة «صفاء عبدالحميد» فى نهاية تقريرها: هذه المسرحية مستواها هابط بجانب أنها تتنافى مع الآداب العامة، وبها الفاظ جارحة وتخدش الحياء، ولهذه الأسباب أرفض هذه المسرحية. أما الرقيبة الثالثة «فادية بغدادي» فاختتمت تقريرها، قائلة: مسرحية هابطة المستوى بها أفكار ضد القيم والتقاليد، ومليئة بالإسفاف والأفكار الهابطة، لهذا أرى عدم التصريح بتأدية هذا النص. وأكدت مديرة المسرحيات «شكرية السيد» على الرفض، أما المدير العام السيدة «نعيمة» فاعتمدت المنع وكتبت تأشيرة ساخرة، قالت فيها: يعتمد المنع، وبودى أن أعرف مين أتجوز مين”! وهكذا اجتمع الرقباء على المنع، فكان هذا الرفض نهاية لقلم الكاتب «فلان الفلاني» بوصفه مؤلفاً مسرحياً كتب ست مسرحيات فى عام واحد «فقط»!
السؤال الذى يدور فى ذهن القارئ الآن: ما فائدة هذا الموضوع لنشره، وهل يستحق! الإجابة: نعم يستحق النشر ويستحق أن أثيره كى يهتم به أحد الباحثين ويكتب عنه، ويجيب عن الأسئلة المثارة حوله، ومنها: محاولة معرفة الظروف المحيطة بالمؤلف «فلان الفلاني» بعد أن يطلع على النصوص ويعرف اسمه كاملا، بعد أن أخفيته حفاظاً على صاحبه، ربما يكون ما زال حياً – ولا أظن ذلك كونه كان مديراً زراعياً منذ أربعين سنة - ولا يريد تذكر هذه الفترة! وربما العكس صحيحاً، ويدلى المؤلف بأسرار تبين لنا حقيقة الأمر، وتجيب على استفسارنا: كيف كتب ست مسرحيات فى عام واحد؟! ولماذا لم تُمثل أية مسرحية منها؟! وربما مُثلت فى أماكن مهجورة أو مجهولة أو فى مناسبات خاصة، لأننى لم أسمع باسم مسرحية من الست مسرحيات ضمن العروض الموثقة؟! ولماذا تقدم بالنصوص المؤلف نفسه، ولم يقدمها المسرح الذى سيعرضها أو الفرقة التى ستقدمها؟! ولماذا كان يكتب المؤلف صفحة بها «المستخلص العلمي» وكأنه أحد علماء التنظير المسرحى، وهو – حسب أسلوبه – لا يجيد الكتابة أو الالتزام بقواعدها فى الحد الأدنى؟!
هل كان المؤلف له واسطة داخل أروقة الرقابة؟! فمن غير المعقول أن يعترف مدير الرقابة بأنه أجلس الرقباء مع المؤلف لتدريبه على الكتابة المسرحية وتعليمه قواعد التأليف المسرحي؟! لأن المعروف أن الرقباء يجلسون مع المؤلف «فقط» عندما يجمعون على رفض النص لو امتنع المؤلف عن القيام ببعض التعديلات المطلوبة، لذلك يجلسون معه! أما أن يجلسوا معه ليضبطوا له نصاً مسرحياً فهذا لم يحدث، لذلك ظننت أن للمؤلف واسطة! وما يؤكد ظنى أن الرقابة تحملت فوق طاقتها أمام كتابات هذا المؤلف!! فالنصوص الستة بها أخطاء كتابية وأسلوبية ونحوية وإملائية وغير مفهومة.. إلخ، ورغم ذلك كانت الرقابة تستقبل نصوصه طوال عام كامل! وهنا يبرز سؤال آخر: هل واسطة المؤلف داخل الرقابة كانت لصالحه أم لتوريطه؟! حيث إن النصوص الستة تقدم بها المؤلف بنفسه للتصريح بتمثيلها باسمه وليس باسم أى مسرح أو أية فرقة! فهل الرقابة – أو الواسطة بداخلها – أرادت توريط المؤلف بإقناعه بأنه مؤلف مسرحى فذ! وربما كانت الواسطة توهمه بذلك لدرجة أن المؤلف كان يتقدم كل شهرين بنص جديد! مع ملاحظة أن التقارير الرقابية وما فيها من آراء الرقباء أو المديرين لم يطلع عليها المؤلف حتى هذه اللحظة، ولم يقرأها سواى الآن! أى أن المؤلف كان يستلم التصريح بما فيه من عبارات رسمية دون أى تفاصيل، كون التقارير الرقابية سريّة، والرقباء لا يعلمهم أحد!
لم يبق إلا وجهة نظر مضادة لم نتطرق إليها، وهي: التفكير فى عكس ما ذهبنا إليه، وهو أن المؤلف «فلان الفلاني» هو مؤلف مسرحى عظيم وله قدرات خاصة وخارقة، لدرجة أنه يستطيع أن يكتب ست مسرحيات خلال عام واحد، وأن الرقابة تعنتت معه وأرادت إحباطه وإيقاف موهبته بإيعاز من آخرين، يشعرون بالغيرة منه! لماذا لم نفكر فى هذا الاحتمال، وأن الرقابة أوقفت هذه الموهبة برفضها النص الأخير؟!
إذن هذه النصوص الستة تحتاج إلى دراسة من قبل باحث مهتم بالكتابة المسرحية، أو بمن يعطى ورشاً فى الكتابة المسرحية، كونها نموذجاً حيّاً وعملياً يستوجب الدراسة سواء كان صاحبها دخيلا على التأليف المسرحى، أو كان موهبة فذة لا مثيل لها!