فى الذكرى الأولى لرحيله فى أجواء يغمرها الحنين والتقدير، شهدت إحدى الندوات الثقافية احتفاءً خاصاً بالمبدع الراحل الدكتور عصام الشماع، المفكر والمؤلف والمخرج الذى ترك بصمة بارزة فى المشهد الثقافى والمسرحى المصرى، وذلك بمناسبة مرور عام على وفاته، واحتفاءً بإصدار آخر أعماله المسرحية “يوم قام سقراط».د. عصام الشماع ((1955 – (2024) كاتب ومخرج مصرى، تخرج فى كلية الطب بجامعة عين شمس، واشتغل بالطب النفسى لفترة، قبل أن يتفرغ للإبداع الفنى. كتب وأخرج العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية، من أبرزها أفلام كابوريا، توت توت، الأراجوز، ومسلسلات الكبريت الأحمر ورجل فى زمن العولمة. كتب عددًا من المسرحيات أبرزها شيبوب، وتُعد يوم قام سقراط آخر ما أبدعه قبل رحيله، وهى عملٌ يجمع بين الفلسفة، الشعر، والفكر التقدمى المتحرر.هذا الحدث الثقافى لم يكن مجرد تكريم لذكرى، بل شهادة على فكرٍ لا يموت، وصوت ما زال يحثّنا على مراجعة أنفسنا، والانحياز للحق، والارتقاء بالذوق والفكر الجمعى حضر الندوة رفيق رحلة كفاحه الفنان ياسر على ماهر، ونجله أحمد الشماع، الناقد والمؤرخ الكبير د. عمرو دوارة، الفنانة داليا مصطفى، الفنانة إنجى شرف والشاعر مصطفى عباس والكاتب الصحفى أيمن الحكيم ومجموعة من المثقفين والإعلاميين.افتتحت الندوة الكاتبة الصحفية عائشة نصار بكلمات مؤثرة عبّرت فيها عن عظمة هذا اللقاء، قائلة: “نجتمع اليوم لنتأمل فى إرث مفكر ومبدع آمن بأن الإبداع لا يموت، وأن السيرة الحقيقية للفنان أطول من عمره”، وأضافت أن المسرحية التى أخرجها الشماع بنفسه قبل وفاته، تنتمى إلى نوع المحاورة الفلسفية، حيث يُستحضر سقراط فى مواجهة قضايا معاصرة، فى نص يتجاوز الزمان والمكان، ويُجسد رؤية الشماع العميقة للفكر والفن والحياة.شارك فى النقاش الفنان ياسر على ماهر، الذى استعاد ذكرياته الطويلة مع الشماع منذ فترة الدراسة الجامعية، حين نشأت بينهما علاقة فنية وفكرية متينة. وأشار ماهر إلى أحد أبرز دروسه المستفادة من الشماع، قائلا: «تعلمت منه ألا أكون عبداً لثوابت ذهنى، فقد كان قادراً على التخلى عن أفكاره فور أن يجد رؤية أعمق أو أوضح.وتحدث ماهر عن مسرحية “شيبوب” كنموذج متكامل للمونودراما، وهى عمل قدم فيه الشماع تحليلا فلسفياً درامياً عميقاً، كشف من خلاله عن رؤيته للدراما كمساحة لـ”التداعي”، وفتح أمام شريكه الفنى آفاقاً جديدة للتفكير والتحليل.وأكد ماهر أن مشروع الشماع الأخير كان ثورة فكرية حقيقية، حاول فيها أن يخرج الفلسفة من أبراجها العاجية إلى الشارع، لتصبح جزءاً من الوعى اليومى، مشيراً إلى أن الراحل كان يرى الفن والحياة شيئاً واحداً لا ينفصل.وعن مسرحية “يوم قام سقراط”، أوضح أنها تتناول وداع الفلاسفة لسقراط بعد موته، مع اختلاف كل منهم فى تفسير الحدث وفقاً لفلسفته الخاصة. وأضاف أن العمل يجمع بين العمق الفلسفى والروح الإنسانية، إذ تتصارع الشخصيات لا كأفكار جامدة بل كبشر من لحم ودم، وهى سمة نادرة فى الكتابة المسرحية، حيث يمنح الشماع شخصياته حرية تشكيل مصائرها، بدلا من أن تكون مجرد أدوات فى يد الكاتب.من جانبه، تحدث الناقد والمؤرخ المسرحى د. عمرو دوارة عن أهمية نص “يوم قام سقراط”، معرباً عن حزنه لفقدان أحد أعمدة الكتابة المسرحية فى مصر، وواضعاً اسم الشماع فى مصاف كبار الكُتّاب أمثال محفوظ عبدالرحمن وأسامة أنور عكاشة.وأشار د. دوارة إلى أن تعاونه الأول مع الشماع جاء عام 1984 من خلال مونودراما “شيبوب”، والتى شارك بها فى المهرجان الأول لهذا النوع المسرحى، وحقق خلالها نجاحاً كبيراً بمشاركة الفنانة عبلة كامل، فى أولى تجاربها على خشبة المسرح.متمنياً أن ترى أعمال الشماع غير المنشورة النور، مؤكداً أن تراثه المسرحى جدير بالتوثيق والدراسة، لما يحمله من رؤى فلسفية وإنسانية نادرة، تلامس جوهر الحياة والوجود، كما ألقى د. دوارة كلمة مؤثرة تناولت كواليس أول مهرجان للمونودراما فى مصر، مشيراً إلى الدور البارز الذى لعبه المخرج والكاتب د. عصام الشماع فى تقديم عرض “يوم قام سقراط”، والذى يعد من أبرز أعمال المونودراما فى تاريخ المسرح المصرى. وأوضح د. دوارة أن العرض كان يشارك فيه النجم الراحل نور الشريف كمخرج، بينما قُدمت الفنانة عبلة كامل لأول مرة كممثلة على خشبة المونودراما، فى تجربة لاقت نجاحاً واسعاً. وأكد أن النص جذب انتباهه بقوة، ووافقه فى الرأى الفنان ياسر على ماهر، حيث رأى الاثنان أن نجاح المونودراما يتطلب ممثلا بارعاً ومخرجاً يفهم أبعاد النص وطاقات الممثل.وأضاف د. دوارة: “حينها كانت الإعلامية منى جبر تقدم برنامج تياترو، وأصرت على إعادة إنتاج العرض ضمن حلقات البرنامج، ليصبح جزءاً من إنتاج التليفزيون المصرى. ورغم تصويره بجودة عالية على مسرح سيد درويش، لم يُعثر لاحقاً على الشريط المسجل، وكان آخر عرض له على مسرح عبدالله غيث ضمن أنشطة المسرح المتجول، بحضور عدد من الفنانين والمخرجين مثل فردوس عبدالحميد، محمد فاضل، هانى لاشين ومنى جبر، وقد قوبل العرض باستحسان كبير.وسلط د. دوارة الضوء على الجهود الذاتية وروح التطوع التى ساهمت فى إنجاح التجربة، مشيداً بمجموعة من المبدعين الذين دعموا العرض مثل الراحلين أحمد شوقى، أحمد زنارى، والشاعر مصطفى عباس، قائلا: “كنا مجموعة اجتمعنا على حب النص، وكان د. عصام الشماع العقل المفكر خلف هذا المشروع، بفضل سماته المميزة كالتنوع، الجرأة، وغزارة الإنتاج، بالإضافة إلى قدرته الفائقة على الجمع بين الكتابة والإخراج.وأشار إلى أن د. الشماع تميز فى رسم الشخصيات الدرامية بعمق، ما جعله يعمل مع كبار النجوم مثل محمود عبدالعزيز فى “الجينتل”، “دنيا عبدالجبار” و”النمس”، وصلاح السعدنى فى “يا طالع النخل” و”رجل فى زمن العولمة”، وقدم مع نبيلة عبيد فيلم “توت توت”، ومع فاروق الفيشاوى رجلVip ، و”كابوريا” مع النجم الراحل أحمد زكى، الذى وصفه بالشخصية الجديدة والمختلفة تماماً .وحول نص “يوم قام سقراط”، أوضح د. دوارة أن العنوان بحد ذاته يحمل دلالة عميقة، حيث لم يختَر عنواناً مباشراً عن الموت أو النهاية، بل أراد التأكيد على أن لحظة موت سقراط الجسدية هى لحظة انطلاق فكره الخالد، مشبهاً إياه بالرسل والأنبياء والزعماء. وأضاف: “النص مكون من فصلين وسبعة مشاهد، بينها ساحة المحكمة المستوحاة من لوحة جاك لوى دافيد عام 1778، وتضم مشاهد لغرفة الجلاد، زنزانة سقراط، والربوة الصخرية».وأثنى د. دوارة على دقة النص وتفاصيله المسرحية، من وصف الإضاءة، والموسيقى، إلى حركة الممثلين وتكوين المشهد، لافتاً إلى أن الشماع رغم عدم دراسته الأكاديمية للإخراج، أخرج عدداً من الأعمال المتميزة التى أثبتت موهبته الفطرية.واختتم كلمته بالإشارة إلى المسيرة الإبداعية الثرية للدكتور عصام الشماع، الذى تخرج فى كلية الطب عام 1981، وتولى رئاسة جمعية كتاب ونقاد السينما، وكتب أكثر من 15 فيلماً، أبرزها: “الأراجوز”، “كابوريا”، “الجنِتل”، “الفاجومي”، كما أخرج عدداً منها، بالإضافة إلى ستة مسلسلات مهمة، منها “عظمة يا ست”، “رجل فى زمن العولمة”، و”الكبريت الأحمر”. واعتبره مفكراً يسارياً مثقفاً، حمل فى كتاباته رؤية اجتماعية وانحيازاً واضحاً للبسطاء.وصرّح الكاتب مصطفى عباس، أحد أصدقاء الشماع فى فترة الجامعة: “عصام كان مايسترو فى الظل، يقود من الخلف، وكان الأكثر مثابرة بيننا، يعرف مشروعه ويخطط له بدقة”، مطالبًا بإعادة طباعة كل أعماله بما فى ذلك السيناريوهات لما تحمله من فكر مستنير ومنحاز للبسطاء.من جانبه، أكد الكاتب الصحفى أيمن الحكيم أن عصام الشماع كان له الفضل فى دعمه وتشجيعه على الكتابة الدرامية، مضيفًا: “علّمنى ولم يبخل عليّ. كان صديقًا وملجأً، ويستحق إعادة اكتشاف فنه ومشروعه بالكامل.داليا مصطفى: “سعدت بتجربتى فى الكبريت الأحمر.. والدكتور عصام الشماع يفهم روح الشخصيات بعمق» أعربت الفنانة داليا مصطفى عن سعادتها الكبيرة بالمشاركة فى مسلسل الكبريت الأحمر، مؤكدة أن التجربة كانت مميزة على جميع المستويات، خاصةً أنها جسّدت من خلالها شخصية جديدة ومختلفة عن أدوارها السابقة.وقالت الفنانة داليا مصطفى: «كانت تجربة ممتعة ومليئة بالتحديات، وسعدت كثيراً بالعمل مع الدكتور عصام الشماع، الذى يتميز بفهم عميق لروح الشخصيات، ويملك قدرة رائعة على التواصل مع الممثل، ما يسهم فى تقديم أداء صادق ومؤثر.وأضافت: هذا العمل أتاح لى فرصة استكشاف أبعاد جديدة فى أدائى، وأعتبره من المحطات المهمة فى مسيرتى الفنية.