العدد 925 صدر بتاريخ 28أبريل2025
يواصل المسرح المصرى سعيه للحفاظ على جوهره، وذلك من خلال جيل جديد من المخرجين الشباب الذين يسعون إلى إعادة إحياء روح المسرح، بلغة الزمن الحالى، ومن بينهم المخرج الشاب يوسف مراد منير الذى ينتمى إلى عائلة فنية عريقة، ويحمل فى أعماله مزيجًا فريدًا من الوفاء للماضى والانفتاح على المستقبل.
فى هذا الحوار، نتعرف على رؤيته الإخراجية، وكيف أعاد تقديم نص “سجن النسا”، وهو نص مسرحى من التسعينيات والذى قدمه بلغة معاصرة، وتحدثنا معه عن التحديات التى واجهته، ورأيه فى حال المسرح المصرى اليوم، وأحلامه الفنية القادمة.
يذكر أن “سجن النسا” رائعة الكاتبة الكبيرة فتحية العسال، من بطولة هايدى عبد الخالق، هنادى عبد الخالق، شريهان الشاذلى، نشوى حسن، آية أبو زيد، راندا جمال، صافى فهمى، ليلة مجدى، دعاء الزيدى، ليلى مراد، جنى عطوة، ايرينى مجدى، ولاء الجندى، تمثيل وغناء هبة سليمان، أشعار أحمد الشريف، ألحان محمد عزت، أزياء سارة شكرى، ديكور محمود صلاح، إضاءة محمود الحسينى، استعراضات محمد بيلا، وإخراج يوسف مراد منير.
كيف تعاملت مع النص المسرحى المكتوب فى التسعينيات، خاصة فى ظل وجود نسخة درامية تليفزيونية شهيرة عُرضت عام 2014؟
تعاملنا مع النص المسرحى من خلال إعداد مختلف تمامًا، فالمسلسل تناول موضوعات واتجاهات مغايرة عن تلك الموجودة فى نص الأستاذة فتحية العسال، وأى شخص قرأ النص الأصلى وشاهد المسلسل سيلاحظ هذا الفرق بوضوح. وأظن أن الأستاذة فتحية نفسها لو كانت معنا اليوم، لكان هذا سيكون رأيها أيضًا. نحن كنا أقرب للنص المسرحى، رغم أننا أعدّناه بشكل يتناسب مع قضايا النساء فى عام 2025، لكن دون أن نفقد روح النص الأصلية أو جوهره.
ما أبرز التحديات التى واجهتك خلال تحويل هذا النص إلى عرض مسرحى حى؟
التحدى لم يكن فى العقبات بقدر ما كان فى تنفيذ رؤية فنية خاصة حرصت على تحقيقها منذ البداية، وتقوم هذه الرؤية على تقديم كل مشهد من مشاهد العرض بأسلوب ينتمى إلى مدرسة مسرحية مختلفة، بحيث يبدو وكأن كل مشهد هو عرض مستقل بذاته. فمثلاً، تم تقديم مشهد “ليلى” بأسلوب المدرسة الواقعية، بينما جاء مشهد “عدلات” بروح المدرسة الرمزية. هذا التنوع الفنى، ساعد فى كسر الرتابة ومنح كل مشهد طابعه الخاص، مما ساهم فى الحفاظ على تركيز الجمهور ومنع شعوره بالملل داخل فضاء العرض المغلق.
العمل قائم على قصص واقعية، كيف حافظت على حسها الإنسانى دون الوقوع فى فخ الميلودراما؟
اعتماد العرض على قصص واقعية كان له تأثير كبير فى تفاعل الجمهور، كون الحكايات مستندة إلى وقائع حقيقية جعل المتفرج يشعر بصدق التجربة، بعيدًا عن أى مبالغة درامية أو افتعال، فالقصص حقيقية جدًا، وكتبت داخل السجن فعلًا، وده اللى خلى الناس تتجاوب معاها وتحس بيها بعمق، لأنها طالعة من وجع حقيقى ومشاعر صادقة.
هل اعتمدت على معالجة جديدة أو إضافة رؤى إخراجية خاصة بك فى العرض؟
بالتأكيد أضفت رؤى جديدة خاصة بى فى هذا العرض، إلى جانب معالجة معاصرة تتماشى مع عام 202، وكان من أهم أحد الجوانب التى تم التركيز عليها هو واقع الفتيات فى الوقت الراهن، الذين يجدون أنفسهن فى مواقف مدمرة بسبب تطبيقات مثل “لاي? إت” و”تيك توك” وغيرها من المنصات التى تحمل محتويات مريبة وخطيرة.
«فيه بنات لسه فى بداية حياتهم، لكن ممكن يدخلوا على أبلكيشن معين، ومن غير ما يعرفوا خطورته، يتحول لمصيدة تسلبهم عمرهم ومستقبلهم.. وده نوع من السجن برضه، حتى لو مش ورا القضبان.
كيف تعاملت مع الأداء الجماعى للبطلات، خاصة أنهن جميعًا نساء ولكل شخصية خلفية مأساوية مختلفة؟
الأداء الجماعى فى العرض كان من أبرز عناصر القوة، حيث أن البطلات يتمتعن بموهبة حقيقية وحضور قوى، فبينهن دكتورات وأستاذات بمعهد الفنون المسرحية، وطالبات بالمعهد والجامعة، وجميعهن حاصلات على جوائز فى مجالات مختلفة.فكنت حريص على توجيه كل ممثلة لتجسيد شخصيتها بشكل فريد، بحيث لا تتشابه أى شخصية مع الأخرى، وفى نفس الوقت لا يشعر الجمهور بأنه يشاهد أداءً مكررًا سبق له رؤيته من نفس الفنانة.”فمثلا اللى يشوف دكتورة هنادى عبد الخالق فى العرض، هيشوفها فى ثوب مختلف تمامًا، وكأنها شخصية جديدة تمامًا، والأمر نفسه ينطبق على شريهان، آية، وليلى.. كل واحدة قدمت بصمة خاصة ومميزة.
كيف ترى حال المسرح المصرى اليوم، خاصة بين جيل الشباب؟
المسرح المصرى لا يزال قائمًا، يرفض أن يموت”، ما دام لدينا طاقة كبيرة فى الأجيال الشابة الموهوبة التى تقدم عروضًا لا تقل فى مستواها عن المسرح الأوروبى أو العالمى. فالرهان الحقيقى يكمن فى منح هؤلاء الشباب الفرصة المناسبة، وتوفير بيئة احترافية تساعدهم على التطور. ولو قدرنا نخلق رابط حقيقى بين أفكار الشباب واحتياجات الجمهور المتعطش لمسرح جاد، راقٍ، ومحترم، فأنا مؤمن إننا نقدر نرجّع أمجاد المسرح المصرى من جديد.
هل تعتقد أن المسرح لا يزال قادرًا على التأثير فى القضايا الاجتماعية والسياسية؟
أؤمن إيمان عميق جدا بأن لمسرح لا يزال قادرًا على التأثير، رغم التغيرات الهائلة التى يشهدها العالم، فالبشرية مرّت بتجارب كثيرة، وقرابة 95 أو 96% منها اختفت، وحلت محلها بدائل جديدة، ولم يعد هناك وقت لبعض الأشيا، تخيلوا إننا فى زمن الـTikTok، والمحتوى السريع، والموبايل والسوشيال ميديا، ومع ذلك، لسه فى ناس بتتمسك بتجربة المسرح الحى، فهذه الظاهرة تشبه تمامًا استمرار حضور الحفلات الغنائية، رغم وجود منصات مثل “Spotify” و”أنغامي” و”يوتيوب”، الإنسان بطبيعته لا يستطيع التخلى عن التواصل المباشر والتجربة الحية التى يقدمها المسرح.
من هم المخرجون أو الكتّاب الذين تعتبرهم قدوة أو مصدر إلهام؟
هناك عدد من الكُتّاب والمخرجين الذين اعتبرهم قدوة فى مسيرتى الفنية،فمن أكثر الأسماء تأثيرًا فى تكوين رؤيتى المسرحية هم: المخرج مراد منير، والمخرج جلال الشرقاوى، والشاعر الكبير نجيب سرور، والكاتب صلاح عبد الصبور، والكاتب سعد الله ونوس، إلى جانب عدد آخر من الرموز الذين ساهموا فى تشكيل وعى الفنى.
ما الذى تحاول تقديمه كمخرج شاب يحمل إرث فنى من والديه، وكيف تفصل بين تجربتك وتجربة والديك؟
أسعى من خلال أعمالى إلى إثبات أن الجمهور المصرى ما زال متعطشًا للأعمال الجادة، و”الجدية” لا تعنى بالضرورة الأعمال التراجيدية الثقيلة، بل تعنى احترام عقل وذوق المشاهد.فالعمل الجاد ممكن أن يكون كوميدى أو تراجيدى أو مزيج بين الاثنين، لكن الأهم إنه يحترم عقل المتلقى، وهذا ما شاهدناه فى نماذج ناجحة كتير.” لكن تتمثل أزمة المسرح المصرى فى فترات معينة، خاصة بعد الثورة، تمثلت فى فقدان هذا الاحترام، حيث قدمت بعض العروض محتوى سطحيًا لا يحمل معنى، مما أدى إلى ابتعاد الجمهور.
وعن تجربتى الشخصية، وانتمائى لأسرة فنية لم يكن عامل ضغط على أو سببًا مباشرًا فى اتجاهى للمسرح، فلم يفرض عليّ أى حاجة، أنا اللى انجذبت للفن بإرادتى، وتجربتى مختلفة تمامًا عنهم لأنهم جاءوامن زمن وأنا بشتغل فى زمن مختلف. لكنى أسعى للسير على خطى أفراد أسرتى فى تقديم فن محترم يليق بالجمهور، فأحاول أكون زيهم فى احترامهم للناس، وإن الناس تفضل تفتكرنا بكلمة طيبة وتقول: الله يرحمه أو الله يمسيه بالخير، كان بيقدّم حاجة محترمة.
ما رأيك فى دمج عناصر مثل الفيديو، الوسائط المتعددة، أو الذكاء الاصطناعى فى العروض المسرحية اليوم؟
أمر ضرورى ومهم دمج العناصر الجديدة فى العروض المسرحية، وهذا شئ عظيم جدا، نظرًا لما يتيحه من فرصة لتجديد دماء هذا الفن العريق.فالمسرح فى جوهره يظل فنًا كلاسيكيًا، نشأ منذ العصور الإغريقية والرومانية وحتى عند العرب الجوالة، وهو يحمل تاريخًا طويلًا وعريقًا.” وإدخال تقنيات وعناصر جديدة لا يُفقد المسرح أصالته، بل يجعله أكثر جذبًا للأجيال الجديدة التى قد لا تكون على دراية كافية بهذا الفن، فهذه الخطوة تسهم فى تعريف الشباب بقيمة المسرح ودوره الإنسانى العميق.
ما حلمك المسرحى الأكبر الذى تطمح لتحقيقه؟
حلمى المسرحى الأكبر، تقديم نص كتبه والدى المخرج والمؤلف مراد منير، خلال حياته، فأنا أراه من أروع ما قدم. والنص لا أرغب فى ذكر اسمه حاليًا، لكنه عمل أؤمن بأنه قادر على قلب موازين المسرح المصرى إذا أُتيحَت لنا فرصة إنتاجه. واتمنى أن يتحمس له أحد مديرى المسارح الكبرى لتبنى المشروع، لأن هذا العمل يمتلك من القوة والأصالة ما يجعله علامة فارقة فى تاريخ المسرح المصرى المعاصر.