كما فى جميع الفنون ففى المسرح تولد وتتنوع التسميات والمصطلحات والتوصيفات وهذا الأمر يتجلى أيضًا فى علاقة الشعر بالمسرح اللذين ولدا وترعرعا وتفاعلا كتوأم وبينهما (علاقة حب طويلة الأمد) منذ احتفالات دينسيوس المعتمدة على الشعر والاداء التمثيلى، فى معابد الألهة الذين يٌعتبر الشعر لغتهم مثلما قال الكاتب النرويجى هنريك ابسن فى رسالة إلى صديقه أيدموند جوس. فلدينا المسرح الشعرى ال ذى يتأسس عبر مرجعيات شعرية تكون القصيدة وسيلة للتعبيرعن الأفكار والمشاعر وايقاعاتها -القصيدة- تصبح جزءًا من سيمفونية العرض وكينونته كالاداء التمثيلى والمشهديات البصرية، أما الشعر المسرحى فيعتمد على كتابة النص شعريًا، فالقصيدة تكون لغة الشخصيات وطقوس الحدث، وهناك أيضًا مسرحة الشعر عبر إعداد قصائد تملك قدرًا من الابعاد الدرامية ويمكن الاعتماد على شاعر او مجموعة من الشعراء، وهناك ما يسمى بالمسرح الشاعرى الذى يتميّز بملامح شاعرية فى بناء الحدث والشخصيات والمشهديات البصرية، بعض تلك الملامح الشاعرية ربما تتمظهر فى مشاهد أو مشهد ما من العرض وهذا ما كان فى عرضى المسرحى (الوردة الحمراء) الذى قدم فى مهرجان أربيل الدولى للمسرح، ففى هذا العرض حاولت خلق فضاء خضراء شفاف وعذب رسمته وجسدته عبر الإضاءة الخضراء لفضاء العرض الذى يوحى كحديقة هادئة حيث يظهر الشاعر فيها مع الشابة إذ يبدأ الشاعر بإلقاء قصيدة رومانسية عن الفراشة ويدعو المرأة الشابة للسماع اليها والدخول إلى الفضاء الأخضر والركض خلف الفراشة ويبدأن بالرقص مع نقر الدفوف ويستمران بالرقص والغناء على إيقاعات الدفوف وسط هطول الأمطار ويرقصان بخفة وإنسيابية ويتبللان ودفيهما بالمطر المنهمر من سقف الخشبة.ومع تعدد حالات تلاقى القصيدة مع المسرح على الخشبة وفى فضاء العرض لا نجد إلا تميّزات جمالية وكتابية وفق انشغالات وفهم ومعرفية الفنان المسرحى الذى يستنطق القصيدة بصريًا وفكريًا فى مستويات طقوس العرض المتكونة من أجساد الممثلين وأصواتهم ومن الطاقات التى تبثها مشهديات الديكور والإكسسوار والملابس والإضاءة والمكياج.وهنا لا أريد إستحضار تاريخ تلاقى الثنائى الإبداعى - الشعر والمسرح- معًا فى فضاءات العرض المسرحى أمام الجمهور ولكن لا بأس القول ( أن (ثيسبيس) إبتكر ضربًا من الأدب لم يكن معروفًا قبله هو الشعر التراجيدى وانه انشأ مسرحياته فى عربات ليمثلها رجال مٌلوثة وجوههم بحثالة النبيذ «1» ) وأن أرسطو “2” أول من تناول العلاقة بين الشعر والمسرح حينما أعتبر الأول فن من فنون المحاكاة كالموسيقى والرسم، وكان البدء أيضًا عند الاغريق مع الجوقة التى كان مغنيها يلبسون الأقنعة ويرتلون القصائد ويرقصون عبر إيقاعات مثقلة بالتراجيديا أو بنكهات كوميدية وهذا ما نعيشه فى نصوص سفوكليس ويوربيدس واسخيلوس وارسطوفان.قبل وبعد وأثناء عصر النهضة قدم الكثير من المسرحيات المكتوبة نثرًا إلا أن كتّابها تواصلوا فى التعاطى مع القصيدة بإعتبارها المتن الدرامى مثل راسين -رغم أنه اعتبر المسرح النثرى للمستقبل- وموليير فى فرنسا وشكسبير وبرناردو فى إنجلترا ولم تغب القصيدة من المسرح وخاصة أن كاتبًا (عبثيًا) ومٌهمًا ويملك رصيدا نثريًا تجديديًا فى المسرح وهو يوجين يونسكو رأى بأن المسرحية الشعرية تعتمد على العالم الاسطورى والحلم والتخييل، ومع أهمية هذا الرأى إلا أنه يمكن القول بأن حضور القصيدة أو طقوسها السحرية أو مناخاتها الكتابية فى المسرح تأسس أيضًا بتبنى وقائع يومية وفى المغرب مٌسرِحَ قصائد الشاعر ياسين عدنان، اذ ولّفها درلتورجيًا وسينوغرافيًا المخرجان الفنانة لطيفة أحرار فى مسرحية “كفر ناعوم” والعرض المسرحى «العابر» للمخرج أيوب العياسي. وكلاهما انشغلا بالنص الشعرى، ونقلاه إلى المسرح بحوافز ورؤية ذاتية مختلفة، ويمكن أن نشير إلى عرض مسرحية (ميت مات) كتبها وأخرجها على الزيدى، هذا الأمر بالرغم من قساوة عنوانه ومتنه الكتابى إلا أنه نثر فضاءً من الشفافية والهدوء والذى كان فيه (مصطبتان منفصلتان تجلس على كل واحدة منهما شخصيتا، هو: (1) وهو(2) وكأنهما منحوتتان قادمتان قبل 1000عام، أرضيتهما فراغ بيضاء وخلفهما جداران منفصلان أبيضان، كالكفن بياض الأرضية والجدارين اللذين يفصل بينما شق من السواد من مقال لى) ورغم الحوارات المشحونة بالتوتر والتساؤلات الحارقة فإن المخرج ضبط ايقاعات المشهديات البصرية، بألوانها ومكوناتها الديكورية واضاءاتها وملابسها وطريقة أداء الممثلين بطريقة شاعرية وساحرة، أعتقد أن ما أنجزه المؤلف-المخرج على الزيدى فى مجمل مشاهد هذا العرض يدخل فى سياق تمرير اندفاعات مشاعر وأفكار وهواجس الشخصيات النارية المتضاربة والمتقاتلة والمتوجعة إلى المتلقى عبر نبضات قلب عاشق يتلقى السهام لكنه لا يتوقف عن الخفقان وبل يتواصل فى نثر أغانى ضد الموت وللحياة الهادئة.فى مسيرتها الفنية أكدت مسرحيات أخرى أنها شاعرية الطقوس رغم غياب القصيدة منها أو من أحدائها ومن حوارات شخصياتها وهذا ما نتلقاه فى ثلاثة عروض مسرحية قدمت فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى الأول من مصر “شالي” والثانى “انتيجونا” من ليتوانيا والثالث “أبانيا “ من جورجيا.وباختلاف مضامين العروض الثلاثة فى تناول محنة الانسان واحلامه إلا أنها اشتركت فى بث الحس الجمالى عبر مناخات شاعرية تجسدت عبر الموسيقى والغناء والرقص والأزياء والماكياج والديكور ومن خلال خلفيات الخشبة التى حملت الرسومات الملونة والمتحركة بدلالات درامية والمتموسقة مع الأداء التمثيلى والإيقاع الجمالى.