العدد 926 صدر بتاريخ 26مايو2025
تتبعنا فيما سبق رحلة مسرحية «مضحك السلطان» لفتحى فضل، عندما رُفضت رقابيًا من العرض لصالح المراكز الثقافية بالشرقية، وبعد أسبوعين تم التصريح بتمثيلها لصالح فرقة سوهاج المسرحية بعد أن طالب الرقباء بتعديلات على النص المُقدم من قبل للمراكز الثقافية بالشرقية. وبعد ثلاثة أشهر - وتحديدًا فى سبتمبر 1978 - وجدت أن قصر ثقافة السويس يرغب فى عرضها، وتقدم بالنص للمرة الثالثة! فهل كان النص المُقدم هو النص الأصلى المرفوض أم النص المعدل المقبول؟!
هذا النص أحتفظ به تحت رقم «338» لصالح قصر ثقافة السويس، ويحمل رقم وارد مسرحيات «234» بتاريخ 10/9/1978، ووجدت له تقريرين، الأول كتبه الرقيب «محسن مصيلحي»، الذى لولا تقريره السابق لفرقة سوهاج عن النص ما كان حصل على الموافقة، لذلك فالرقيب التزم بموافقته السابقة، ولكن بعد أن أثبت أن النص المقدم من قصر ثقافة السويس هو النص المُعدل السابق التصريح بتمثيله، قائلًا: «هذا النص المسرحى هو النص المُعدل من المسرحية والذى سبق وأجيز لفرقة سوهاج المسرحية، والذى يعالج موضوع المخدر عندما يتناوله الإنسان أو مضحك السلطان على وجه الخصوص، فيرى الأشياء على غير حقيقتها. إذ يقذف به الحظ عند خياط وزوجته فقررا فجأة التخلى عن البخل فيبالغان فى إكرامه حتى الإغماء ويحملانه إلى الطبيب الجار الذى لا عمل له إلا جمع الأموال من الناس بغير إحساس بالإنسانية والذى يحمله الطبيب بمساعدة جاريته إلى الجار طباخ الشهبندر الذى يسرق كل ليلة من قصر الشهبندر حيث يعثر عليه البوليس بينما كانوا يريدون الطباخ لأمر هام، والذى لا يستطيع أن يبرر وجود المهرج فى منزله وهو شبه ميت. ويحمل الجميع إلى السلطان، حيث يفيق المضحك ويعفى عن الطباخ. وإذ يأخذ السلطان المضحك إلى جولة فى أنحاء بغداد ليريه الوضع الحقيقى للناس وليس كما رآهم وهو فى غيبوبة المخدر يتوعده فى نفس الوقت بالعقاب فالجميع أمام القانون سواء”. ويختتم الرقيب تقريره برأى قال فيه: “أوافق على العرض حيث راعى المؤلف التعديلات التى أجريت على المسرحية من قبل بحيث أصبحت صالحة للعرض العام، والرأى لكم، وشكرًا، [توقيع] الرقيب «محسن مصيلحي» 13/9/1978.
أما التقرير الثانى فكتبه الرقيب «فتحى مصطفى»، الذى راقب النص مرتين سابقتين، تناقض فيهما تناقضًا غريبًا – كما أوضحنا سابقًا - ولكنه هنا كان واضحًا بسبب تعديل النص، حيث قال فى تقريره: اشتهر أبو شرع الخياط ببغداد بالبخل فأراد أن يتخلص من هذه الصفة الذميمة فتظاهر بالكرم. فطرق بابه ليلًا الأحدب مضحك السلطان لينقذه من مخدر كان قد تعاطاه فتناوله أبو شرع وزوجته بالإكرام لينشر بين الناس كرمه عند خروجه من عندها لدرجة أنه ارتمى على الأرض من كثرة الأكل الذى قدماه له حتى ظن أنه قد مات وقطع أبوشرع على نفسه عهدًا إن أنقذه الله من هذه الورطة ليعود إلى بخله مرة أخرى فهداهما تفكيرهما إلى أن ينقلاه إلى بيت جارهما الطبيب لعله يشفيه من مرضه ويذهبان به إلى ذلك الطبيب العجوز الذى ليس له من هم سوى جمع المال ويتركانه عنده فى العيادة ويهربا ويقترب الطبيب من هذا المريض فيتضح له أنه الأحدب مضحك السلطان فيتطوع الطبيب لعلاجه مجانًا عساه أن يعفيه من الزكاة التى كان يدفعها للسلطان وأعطاه شرابًا من محلول الأفيون وما أن عرف منه أن سبب مرضه كان من تعاطيه قطعة من مخدر حتى انتابه الحزن وأدرك أنه بتعاطيه محلول الأفيون ميت لا محالة فتشير عليه جاريته التى تعمل معه أن ينقله إلى بيت جارهما الطباخ الذى يعمل عند شهبندر التجار والذى كان يراقب ليلًا لصًا كان قد سرق منه الدقيق، ونقلاه فعلًا إلى بيت ذلك الطباخ فيخرج الطباخ من غرفته فإذا به أمام جثة هامدة إنها جثة الأحدب فيدرك أنه أمام جريمة فهداه تفكيره إلى أن يسلمه إلى الشرطة التى تتهمه بجريمة قتل مضحك السلطان. وما أن علم السلطان بموت الأحدب حتى طلب رؤيته ليلقى النظرة الأخيرة عليه وما أن رآه الأحدب حتى دبت فى جسمه الحركة وأخذ يتطلع إلى ما حوله ويحكى للسلطان قصته من أولها إلى آخرها فيأمر السلطان بإطلاق سراح ذلك الطباخ الذى كان سيشنق دون ذنب جناه ويأمر كذلك بمعاقبة مضحكه على تعاطيه المخدر الذى كان سببًا فى ذلك كله.
وأنهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: “أرى الموافقة على التصريح بعرض هذه المسرحية التى تبين أن الحق لا بد وأن يظهر يومًا ما. وأن الكل أمام القانون سواء وذلك بعد استبدال كلمة الحشيش فى هذه المسرحية بالمخدر «ص 9، 16»، والحذف فى «ص30». وعندما اطلعت على موضع الحذف فى النص، وجدته حذف قول الطباخ: “يا حمامتى الوديعة، سلطان لاهٍ وشعب معذب”. أما نص التصريح فجاء هكذا: “لا مانع من الترخيص بأداء هذه المسرحية «مضحك السلطان» المعدلة لقصر ثقافة السويس على أن يراعى الآتي: أن تستبدل عبارات وألفاظ الحشيش بالمخدر. وحفظ الآداب العامة فى الأدوار والحركات والملابس. وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها الترخيص بصفة نهائية.. [توقيعات] ثم خاتم الرقابة ترخيص رقم «217» بتاريخ 14/9/1978.
من فات قديمه
مخطوطة مسرحية باسم «من فات قديمه» أحتفظ بها تحت رقم «531» مكتوب عليها الآتي: تأليف فتحى محمد فضل، إخراج شحاتة أحمد شحاتة، لصالح شركة الدلتا للغزل والنسيج، طنطا.. زفتى، نادى مصنع نسيج زفتى، وتحمل رقم وارد مسرحيات «176» بتاريخ 30/7/1978. كتبت ملخصًا لها الرقيبة «نجلاء الكاشف» فى تقريرها، قائلة: يبحث المعلم حسن صاحب مسمط الإنسانية وزوجته حميدة عن فتاة ثرية، لتكون عروسًا لابنهما الوحيد أحمد مدرس التربية البدنية. ويعرض عليهما - خال أحمد - المعلم عبدالشافى الحانوتى فكرة تزويجه من ابنته. لكن أحمد يرفض مخبرًا إياهم بأنه قد وجد ضالته المنشودة فى فتاة ثرية تُدعى سوسو ابنة قاضى محكمة الاستئناف الذى يمتلك أموالًا كثيرة وخمسين فدانًا وثلاث عمارات. والحقيقة أن سوسو هذه لم تكن سوى ابنة لرجل عادى يعمل وكيلًا لأعمال قضائية، ويمارس مهنته على منضدة أمام المحكمة. وقد ادعت كذبًا ما سبق حتى توهم أحمد الذى أدعى أيضًا كذبًا بأنه ابن لطبيب أسنان ثرى بثراء والدها، وبذلك تنال من قلبه موضعًا ثم تصارحه بعد زواجها بالحقيقة. ولم يكتفِ الاثنان بذلك، بل استمرا فى نفاقهما مدعيين الثراء، فيقيمان وعائلتهما بفندق عمر الخيام، مبددين بذلك كل ما يملكان من مبالغ كان قد ادخراها للمستقبل. بل ويستعجل الاثنان إتمام إجراءات الزواج، ليحقق كل شخص منهما فى قرارة نفسه أمله فى الاقتران بالأثرياء وبالفعل يتزوجان، وهما لا يعلمان شيئا البتة بالكارثة التى حدثت لوالديهما، فقد أتى المعلم عبد الشافى وأخبر والد سوسو بحقيقة أحمد ووالده صاحب المسمط الذى يدعى كذبًا إنه طبيب، هذا فى الوقت الذى يخبر فيه سليمان الأحنف ابن خالة سوسو الذى كان يتمنى الاقتران بها المعلم حسن بحقيقة سوسو ووالدها القاضى المزيف. وهكذا تتكشف الحقيقة كلها أمام الجميع. وهنا يعرض أحمد الذى أحس بالحرج على سوسو أما الطلاق منه أو مساعدته فى تأسيس حياتهما بالحب من البداية. فتوافق على رأيه الأخير وترحب به وهى سعيدة وبعد أن عرفا أن المال ليس كل شيء فى الحياة وإنما الحب والإخلاص. وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “مسرحية كوميدية اجتماعية، تتحدث عن ضرورة البعد عن النفاق والكذب، والتحلى بالصدق والإخلاص. ولا مانع بعد الترخيص بعرض هذه المسرحية بعد حذف الملاحظات الآتية: «ص 2 فصل أول، ص10، 19 فصل ثانٍ». [توقيع] الرقيبة «نجلاء الكاشف» 2/8/1978. وتوجد تأشيرة من المدير على هذا التقرير، قال فيها: «هذه المسرحية من المسرحيات الكوميدية الأخلاقية، التى تبين ما يجب أن يكون عليه السلوك للشخص من مراعاة التحلى بالصدق والبعد عن الكذب والنفاق، ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية بملاحظات صفحات 2، 9، 20، 29 [توقيع المدير].
أما الرقيبة «لواحظ عبدالمقصود» فكتبت فى تقريرها: تدور أحداث المسرحية حول حياة أسرة مكونة من الزوج حسن صاحب مسمط وزوجته حميدة وابنهما أحمد الذى يعمل مدرسًا ويرغب فى الزواج من فتاة غنية جدًا، يتعرف على سوسو فى الإسكندرية ويوهمها أنه من عائلة كبيرة وغنية وأن والده يعمل دكتور أسنان كما أنها تخدعه بأن تدعى أن والدها من كبار رجال القضاء وكان كل منهما يقصد من وراء ذلك الظهور بمظهر غير مظهره الحقيقى حتى يتم الزواج. يكتشف كل منهما حقيقة الآخر ويقتنعا فى النهاية أن المال والغنى ليس كل شيء فى الحياة ويتم الزواج بينهما. وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “تهدف المسرحية إلى توضيح أنه من الضرورى أن يبنى الزواج على الصدق والتفاهم وليس على الغش والخداع والجرى وراء المظاهر حتى يكون زواجا ناجحا سعيدا. أرى لا مانع من العرض بعد حذف الملاحظات”. أما نص الترخيص فيقول: لا مانع من الترخيص بأداء هذه المسرحية «من فات قديمه» لشركة الدلتا للغزل والنسيج طنطا زفتى. على أن يراعى الآتي: الحذف فى ص 2، 19، 20، 29. وحفظ الآداب العامة فى الأداء والحركات والملابس. وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها الترخيص بصفة نهائية. [توقيع المدير العام] اعتدال ممتاز. خاتم الترخيص برقم «198» بتاريخ 2/8/1978.
التركة
نص مخطوطة مسرحية «التركة» احتفظ به تحت رقم «443» ومكتوب على غلافه: تأليف فتحى فضل، أشعار فؤاد حجاج، ألحان كمال زهران، إخراج محمد الملوانى. لصالح الثقافة الجماهيرية، مديرية الثقافة بالقليوبية، فرقة قها المسرحية. ويحمل رقم وارد مسرحيات «188» بتاريخ 1/7/1979. وكتبت الرقيبة «فادية بغدادي» ملخصًا له فى تقريرها، قالت فيه: تدور أحداث المسرحية فى أحد الأحياء الشعبية.. فى هذا الحى محل بقالة يعمل فيه سيف الذى يبيع بأغلى من التسعيرة ويقبض عليه ويحاكم، وعندما يفرج عنه يعود إلى مخالفته للتسعيرة مرة أخرى. وهناك محل جزارة المعلم مسعد ومحل لإصلاح الأحذية يمتلكه حسن. تبدأ المسرحية بالشحاذ غرباوى الذى يعلم ابنه طريقة التسول، وابنه سيد يحاول أن يقنع والده بأن يعمل فى صنعة يكسب منها بالجهد ولكن والده يسخر منه ويصر على أن يعمل ابنه بالتسول.. وكان سيد يكره التسول ويشعر بالذل ويشعر كيف يكره أهل الحى غرباوى ويتشاءمون من وجهه ويستاءون منه.. وكان أهل الحى يتجمعون فى مقهى المعلم شرف.. وكان يتردد على المقهى الشيخ صقر التربى الأعمى وهو شخص لاذع الكلمة.. كانت تتردد على المقهى عزيزة الفتاة الشريفة المكافحة التى تبيع اليانصيب وترفض العمل كخادمة لدى العزاب رغم ما ستجنيه من نقود ولكنها تفضل الفقر والشرف.. وكانت بين عزيزة وسيد قصة حب ولكنها كانت ترفضه حتى يغير طريقه فى الحياة ويكف عن التسول ويعمل عملا شريفًا.. وتمر الأحداث ويهرب سيد من والده الغرباوى وتأتى أخبار عنه أنه يعمل كبناء فى مدينة السويس ويعرف عزيزة أن تنتظره حتى يعود بالكسب الحلال لكى يتزوجها أما الغرباوى فيحزن على فراق ابنه ويكتشف أن التركة قد سرقت ولكن من يصدق أن الغرباوى المتسول لديه شىء يسرق.
وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “تبين هذه المسرحية كيف يتعاون الأفراد فى الأحياء الشعبية.. وكيف يقفون متكاتفين ومتقاطعين تجاه أى شيء يمرض أو يتعرض لمشكلة.. كما تبين المسرحية موقف الفتاة الفقيرة التى تحافظ على شرفها وتفضل الطريق الشريف عن أى أموال تعرضها للذل.. كما تبين أن التسول مهنة منفرة وأن الإنسان القوى يجب أن يعمل ويكافح ليشعر بلذة الكفاح والكسب. والمسرحية خالية من الملاحظات ولا مانع من التصريح بعرضها مع إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول”. وجاءت تأشيرة المدير العام، تقول: “سبق الترخيص بهذه المسرحية عدة مرات، والمسرحية تبين كيف أن الأهالى الذين يعيشون فى الأحياء الشعبية يتعاونون فى سبيل حياة أفضل بعضهم البعض، ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية”. وهذا نص الترخيص: “لا مانع من أداء هذه المسرحية «التركة» لفريق قها المسرحية بالثقافة الجماهيرية على أن يراعى الآتي: إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها النظر فى الترخيص بصفة نهائية”.
ونفهم من هذا أن نص مسرحية «التركة» الذى بين أيدينا ليس هو الأول، حيث إن التصريح يقول إن المسرحية صُرح بها أكثر من مرة من قبل! لكن موضوع المسرحية لم يخرج عن مشروع المؤلف الإبداعى الرامى إلى إظهار الفساد وأشكاله فى مصر أمام الجمهور من أجل محاربته وإصلاحه.