فن الضوء والمشهد متابعة صحفية لورشة الإضاءة المسرحية مع المصممة الأمريكية كاثلين ديفولت

فن الضوء والمشهد متابعة صحفية لورشة الإضاءة المسرحية مع المصممة الأمريكية كاثلين ديفولت

العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025

نظّم المعهد العالى للفنون المسرحية ورشة عمل متخصصة فى تصميم الإضاءة المسرحية، قدّمتها المصممة الأمريكية كاثلين ديفولت، وذلك على مدى يومين بمسرح المعهد، بحضور مجموعة كبيرة من طلاب الأقسام المختلفة، إلى جانب عدد من المهتمين بالجانب التقنى من فنون العرض المسرحى.
كاثلين ديفولت هى رئيسة قسم تصميم وإنتاج الترفيه بجامعة أوهايو الشمالية، وتملك خبرة تمتد لأكثر من عقدين فى تصميم الإضاءة والصوت لمئات العروض المسرحية فى الولايات المتحدة، إضافة إلى مشاركات دولية فى مهرجانات وفعاليات كبرى. وقد بدأت الورشة بتقديم نفسها والتعريف بخبرتها ومسيرتها الأكاديمية والمهنية، مشيرة إلى أنها لا تتحدث العربية لكنها بدأت تعلمها مؤخرًا، وتعتمد على الترجمة الإلكترونية، مع التأكيد على أهمية التواصل المباشر أثناء الشرح لتجاوز أى عوائق لغوية.
ركزت الورشة فى يومها الأول على الجانب النظرى من تصميم الإضاءة، حيث تحدثت ديفولت عن تطور الإضاءة المسرحية.
تاريخيًا، منذ استخدام الشموع ولمبات الجاز فى بدايات المسرح، ثم ظهور الأجهزة اليدوية الثقيلة، وصولًا إلى دخول الكمبيوتر فى أواخر السبعينيات فى برودواى، وما تبعه من تطور كبير فى التحكم بالضوء واختفاء دور بعض الفنيين الذين كانت مهمتهم تحريك الأضواء يدويًا.
بعد هذه المقدمة التاريخية، شرحت كاثلين الوظائف الأساسية للإضاءة فى العرض المسرحى، مثل الرؤية الانتقائية، التركيز، المزاج، النمذجة، ودعم الإيقاع، إلى جانب دعم مفهوم العرض وتوصيف الشخصيات. كما شرحت الخصائص التقنية التى يمكن التحكم بها مثل الشدة، اللون، الاتجاه، الحركة، الزاوية، والشكل، وعرضت أمثلة حية من أعمال سابقة لها لتوضيح هذه المفاهيم، وناقشت دلالات الضوء فى كل مشهد.
اتسمت الجلسة بتفاعل جيد من الطلاب، وتم طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بكيفية تطبيق هذه المفاهيم عمليًا داخل عروض المعهد، خاصة فى ظل الإمكانيات المحدودة. وقد مهّد هذا اليوم النظرى لليوم الثانى من الورشة، الذى خصص بالكامل للتدريب العملى داخل مسرح المعهد، وهو ما سيتم تناوله بالتفصيل فى السطور التالية.

اليوم الأول: من التاريخ إلى المفهوم
فى بداية الورشة، تحدّثت ديفولت عن مراحل تطور الإضاءة المسرحية، وكيف بدأت باستخدام عناصر بدائية مثل الشموع ولمبات الجاز، قبل أن تدخل الأجهزة اليدوية الثقيلة التى كانت تتطلب عدة فنيين لتحريك الإضاءة على الخشبة. ثم جاء الكمبيوتر ليغيّر كل شيء. ففى أواخر السبعينات، وبالأخص فى مسارح برودواى، بدأت البرمجة الإلكترونية تُستخدم فى إدارة الإضاءة، ما جعل التحكم فى المشهد يتم بضغطة زر واحدة، لكنه فى المقابل ألغى عمليًا وظائف لثلاثة فنيين كانوا يديرون هذه العملية يدويًا.
هذا التطور لم يكن تقنيًا فقط، بل حمل معه تغيرًا جوهريًا فى وظيفة الإضاءة المسرحية. أوضحت ديفولت أن الضوء لم يعد أداة لرؤية الممثلين فحسب، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من لغة العرض. ومن هنا، شرحت بالتفصيل ما تُعرف بـ وظائف الإضاءة المسرحية:

الرؤية الانتقائية

التركيز الانتقائي

النمذجة أو التكوين البصري

خلق المزاج أو الجو العام

دعم مفهوم العرض المسرحي

توصيف الشخصيات

تحديد الظروف المعطاة فى النص

بناء الإيقاع البصرى للمشاهد

ثم انتقلت للحديث عن الخصائص القابلة للتحكم فى الضوء، وهى العناصر التى يستخدمها المصمم لبناء الشكل البصرى على الخشبة، وهي:

الشدة (السطوع)

الاتجاه والتركيز

اللون

الحركة والإيقاع

الشكل (مثل الجوبو أو الفلاتر التى تغير شكل الضوء)

الزاوية

ولم تكتفِ ديفولت بالشرح النظرى، بل دعّمت حديثها بصور حقيقية من عروض قامت بتصميم إضاءتها، وطلبت من الحضور تحليل دلالات كل صورة، وأجرت معهم نقاشًا تفاعليًا حول فهمهم لوظيفة الضوء فى المشهد.

الصوت فى المسرح: عنصر بصرى بطريقة سمعية
فى جزء آخر من اليوم الأول، فتحت ديفولت موضوعًا لا يقل أهمية عن الضوء، وهو تصميم الصوت المسرحى. أوضحت أن الصوت لا يقتصر على الأغانى أو الموسيقى، بل يمكن أن يشكّل المشهد السمعى الكامل للعمل المسرحى. (Soundscape)

 وتحدثت عن وظائف تصميم الصوت، التى تشبه فى كثير من الجوانب وظائف الإضاءة

المسموعية

الدافع والتركيز

تغيير الصوت واستبداله

خلق الجو والمزاج

تحديد الظروف

كشف الشخصية

دعم تطور الحبكة

بناء الإيقاع السمعي

كما ناقشت كيفية استخدام الصوت لإخفاء أو إبراز عناصر معينة على المسرح، وشرحت كيف يمكن للصوت أن يعمل بموازاة الإضاءة لتقديم تجربة حسّية متكاملة للجمهور.

اليوم الثاني: التطبيق العملى داخل الكنترول
خصص اليوم الثانى من الورشة بالكامل للتدريب العملى داخل غرفة الكنترول بمسرح المعهد. بدأت الجلسة بالتعرف على الأجهزة المتاحة، مثل لوحة الإضاءة ونظام الديمر، وتم الشرح خطوة بخطوة لكيفية:

حفظ المشهد الضوئى (المود)

إنشاء كيوهات وربطها ببعض (Cue Stack)

التحكم فى خصائص الضوء من خلال الكنترول

تجربة الإشارات الضوئية وتغيير شدتها وزاويتها فى الوقت الحقيقي.
شارك الطلاب فى التطبيق العملى، حيث قام كل منهم بتجربة تغيير الإضاءة وحفظ المشاهد، والعمل على تنفيذ انتقالات بين الكيوهات المختلفة. كما تم استخدام مشاهد تمثيلية قصيرة لتجريب الإضاءة عليها عمليًا، ما ساعد فى ترسيخ المفاهيم التى تمت دراستها فى اليوم الأول.

الختام: ورشة تجاوزت التوقعات
اختتمت الورشة بجلسة نقاش وتقييم، عبّر فيها الطلاب عن استفادتهم الكبيرة، لا سيما فى الجانب العملى الذى لم يكن متاحًا دائمًا داخل الدراسة الأكاديمية النظرية. كما أثنوا على طريقة شرح ديفولت، وتفاعلها رغم عائق اللغة، واهتمامها بأن يكون كل طالب مشاركًا فعليًا فى التدريب.
تركت الورشة انطباعًا إيجابيًا عامًا، ليس فقط على المستوى المعرفى، بل على مستوى إدراك أهمية أن يكون المصمم جزءًا أساسيًا من العملية الإبداعية للمسرح، وأن الضوء والصوت ليسا مجرد تقنيات، بل لغتين موازيتين للنص والأداء.


عماد علواني