العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025
فى ظل سعى وزارة الثقافة الدائم لتقديم دماء جديدة وإتاحة الفرص الحقيقية للمواهب الواعدة لمسرح الشباب، تبرز تجربة مديره الجديد المخرج الشاب الواعد تامر كرم، كواحدة من أكثر التجارب طموحًا وصدقًا فى المشهد المسرحى المصرى.
المخرج تامر كرم فنان تشكل وعيه على خشبة المسرح، وتنقل بين الإخراج والتمثيل والدراسة الأكاديمية، يحمل فى قلبه إيمانًا راسخًا بأن المسرح الحقيقى يولد من الإيمان بالمواهب الشابة، ومن الرغبة الصادقة فى التجريب والبحث. فى هذا الحوار، نقترب من رؤيته، مشاريعه، وتطلعاته لمستقبل “مسرح الشباب”.
كيف استقبلت قرار تعيينك مديرًا لمسرح الشباب.. وما المسئوليات التى شعرت بثقلها فور تسلم المنصب؟
استقبلت القرار بشعور عميق بالامتنان، لأنه تكليف قبل أن يكون تشريفًا، مسرح الشباب له مكانة خاصة فى قلبى، فقد كان بوابة دخولى للمسرح، لذا شعرت بمسئولية مضاعفة تجاه الأجيال الجديدة، ولذلك أول ما فكرت فيه هو كيف أخلق مناخًا حقيقيًا يتيح للشباب أن يبدعوا بحرية، وأن يشعروا أن هذا المسرح بيتهم.
ما رؤيتك العامة لتطوير مسرح الشباب.. وما أبرز التحديات التى تراها حاليًا؟
رؤيتى تنطلق من تحويل مسرح الشباب إلى مساحة دائمة للتجريب والتعلم، وتقديم فنانيين جدد للحركة الفنية والمسرحية يقودون المستقبل المسرحى فى مصر فى شتى فروع العروض المسرحية،كما نحتاج لتطوير الورش الفنية المستمرة، والتوسع فى تقديم عروض خارج الجدران، سواء فى الجامعات أو المحافظات. أما التحديات، فهى كثيرة والأهم منها هو جعل مكان مسرح الشباب بمسرح أوبرا ملك جاذبًا للجمهور.
ما الدوافع وراء إطلاق مشروع أول ضوء.. وما الذى يميزه عن المبادرات السابقة فى دعم الشباب؟
“أول ضوء” انطلق من إيمانى بأننا نحتاج أن نمنح الفرصة لمن لم يُمنحها بعد، وأن نثق فى طاقات الشباب قبل أن يكتمل نضجهم الفنى، فالمشروع يختلف لأنه لا يعتمد فقط على الأسماء أو السيرة الذاتية، بل على فكرة قوية ورؤية إخراجية جادة، حيث منحنا الفرصة لمخرجين يقدمون عروضهم الأولى بشكل احترافى على خشبة المسرح، وهى تجربة نادرة.
كيف كانت استجابة الشباب للمشروع حتى الآن.. وهل هناك توجه لتكرار التجربة مستقبلًا؟
كانت الاستجابة مبهرة، الحماس الذى لمسته من المخرجين والفنانين الشباب فاق توقعاتى، كثيرون شعروا بأن هناك أخيرًا من يستمع إليهم ويمنحهم فرصة حقيقية. نعم، هناك توجه لتكرار التجربة بمواسم جديدة.
ما المعايير التى تعتمدون عليها فى اختيار المخرجين المشاركين؟ وهل هناك توجه لاحتضان أصحاب الرؤى الجريئة أو غير التقليدية؟
ننظر أولًا للفكرة، ولقدرة المخرج على التعبير عنها بشكل مسرحى مبتكر. لا نضع قيودًا على الرؤية، بل على العكس، نشجع التجريب. نرحب بكل من يمتلك وجهة نظر فنية حقيقية، حتى لو كانت جريئة أو مختلفة عن السائد. الجرأة شرط من شروط التغيير.
فى رأيك، ما الذى يحتاجه مسرح الشباب اليوم ليكون أكثر تأثيرًا وانتشارًا فى الشارع المصرى؟
نحتاج أن نخرج من الإطار التقليدى، أن نذهب للجمهور بدلًا من أن ننتظره. المسرح يجب أن يتواجد فى المدارس، والجامعات، والساحات المفتوحة. كما أننا بحاجة إلى تعزيز العلاقة بين المسرح والواقع، ليشعر الشباب بأن العروض تمثلهم حقًا.
كيف ترى دور المسرح فى تشكيل وعى الشباب.. وهل تعتقد أن الجمهور الشاب ما زال يحتفظ بعلاقة حقيقية مع المسرح؟
المسرح له قدرة هائلة على تشكيل الوعى، لأنه فن حى وصادق ومباشر. المشكلة ليست فى غياب الجمهور، بل فى كيف نقدم له ما يعبر عنه. الجمهور الشاب موجود، ويبحث عن الفن الحقيقى، والدليل أننا نرى تفاعلًا كبيرًا فى عروضنا حين تكون صادقة ومعبرة.
قدمت عروضًا ناجحة مثل “هنا أنتيجون” و”يوم أن قتلوا الغناء” ما العرض الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟
لكل عرض مكانه فى قلبى، لكن “يوم أن قتلوا الغناء” كان تجربة استثنائية، لأنه خرج من رحم حالة فنية وروحية صادقة. كان يحمل سؤالًا وجوديًا يمس الإنسان فى جوهره، وكان التعاون فيه بين كل عناصر الفريق حالة من التناغم النادر.
تنقلت بين المسرح والدراما والسينما كيف تختلف تجربتك كمخرج مسرحى عن كونك ممثلًا فى أعمال درامية أو سينمائية؟
المسرح بالنسبة لى هو الأصل. الإخراج المسرحى يمنحك سيطرة كاملة على اللحظة، بينما التمثيل فى الدراما أو السينما يخضع لعوامل كثيرة خارج سيطرتك. لكن كل مجال يضيف لى، ويغذى الآخر، سواء فى الحس الإيقاعى أو فهم اللغة البصرية.
درست الفلسفة إلى جانب الإخراج.. هل أثّرت دراستك الفلسفية على أسلوبك الإخراجى أو اختيارك للنصوص؟
بشكل كبير. الفلسفة علمتنى طرح الأسئلة، وعدم الاكتفاء بالإجابات الجاهزة. كثير من أعمالى تحمل هواجس فلسفية، وتطرح قضايا وجودية وإنسانية. هى التى تجعلنى أختار نصوصًا فيها عمق، حتى وإن بدت بسيطة من الخارج.
حصلت على جوائز عديدة محليًا ودوليًا.. إلى أى مدى تلعب الجوائز دورًا فى تحفيز الفنان أو تغيير مساره؟
الجوائز مهمة، لكنها ليست الهدف، هى أشبه بإشارات أنك تسير فى الطريق الصحيح، لكنها لا تصنع الفنان. ما يصنع الفنان هو استمراره فى التطور، ومواجهته لذاته باستمرار.
ما الجائزة التى تعتبرها الأكثر قيمة بالنسبة لك.. ولماذا؟
جائزة الجمهور تظل الأغلى. حين ترى شابًا يخرج من العرض وعيناه تلمعان لأنه رأى نفسه على الخشبة، هذا هو التكريم الحقيقى. أما على المستوى الرسمى، فربما جائزة أفضل عرض مسرحى فى المهرجان القومى للمسرح بمسرحية “يوم أن قتلوا الغناء»، لأنها جاءت عن عمل جماعى.
هل هناك نصوص مسرحية معينة تتمنى تقديمها على خشبة مسرح الشباب؟
كثيرة.. أحلم بتقديم نصوص معاصرة كتبها شباب مصريون ولم تجد فرصة العرض بعد. أؤمن أن النص الجديد الجيد لا يقل أهمية عن النص الكلاسيكى.
هل هناك كاتب مسرحى تحب العودة إلى أعماله باستمرار، سواء مصرى أو عالمى؟
أحب العودة إلى شكسبير وجان أنوى وسوفوكليس، ومن العرب، أعود كثيرًا لصلاح عبدالصبور، لما تحمله أعماله من روح شعرية وفلسفية عميقة، وفى الشباب الحالى محمود جمال حدينى فهو يعبر عن جيل مسرحى كامل.
من هو مثلك الأعلى فى مجال الإخراج المسرحى؟ وكيف أثرت تجربته على مسيرتك الفنية؟
من مصر، أعتبر المخرج الكبير جلال الشرقاوى علامة فارقة، وتعلمت من تاريخه الطويل ولا أنسى فضل أستاذى الدكتور سناء شافع، وكذلك الدكتور أشرف زكى والدكتورة سميرة محسن وكثيرون ساهموا فى تكوينى أدين لهم جميعًا بالفضل، ومن العالم، بيتر بروك كان له تأثير كبير على، خصوصًا فى إيمانه بجوهر المسرح البسيط والعميق.
هل هناك ممثل أو مخرج معين ألهمك فى بداية مشوارك الفنى؟
كثيرون، لكن ربما الفنان الكبير عادل إمام كحالة فنية وكاريزما نادرة الحدوث، والموهبة الفذة الأستاذ أحمد زكى ومن المخرجين العالمين تأثرت كثيرًا بسبيلبرج وميل جيبسون ومن الممثلين راسل كرو.
إلى أى مدى ساهم احتكاكك بالمسرح العالمى (مثل تجربتك فى فرنسا) فى تشكيل رؤيتك الفنية؟
الاحتكاك بالتجارب العالمية منحنى منظورًا أوسع، وجعلنى أُدرك أن المسرح لغة كونية. التجربة الفرنسية تحديدًا علمتنى أهمية الانضباط، والاشتغال على التفاصيل، دون أن أفقد الروح.
ما خططك القادمة لتطوير آليات الإنتاج داخل مسرح الشباب؟ وهل هناك نية لتقديم عروض خارج مصر؟
نعم، نعمل حاليًا على تطوير منظومة الإنتاج عبر التعاون مع مؤسسات تعليمية وثقافية، وفتح الباب للرعاة والشراكات. وهناك خطة فعلية للمشاركة فى مهرجانات عربية ودولية، لأن شبابنا يستحق أن يُعرض إنتاجه فى كل مكان.
كيف ترى مستقبل المسرح المصرى فى ظل التحديات الحالية؟ وما هى رسالتك للشباب الذين يحلمون بدخول هذا المجال؟
رغم التحديات، أنا متفائل. لدينا طاقات عظيمة، وما ينقصنا فقط هو التنظيم والدعم المستدام. رسالتى للشباب: لا تنتظر الفرصة، اصنعها. المسرح سيظل دائمًا فى حاجة إلى من يؤمن به ويمنحه قلبه.