قومية الدقهلية حضرت شيطانًا لم ينصرف

قومية الدقهلية حضرت شيطانًا لم ينصرف

العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025

على مسرح قصر ثقافة الزقازيق وفى ختام الجزء الأول من عروض مهرجان إقليم شرق الدلتا الثقافى للعروض المسرحية المنتجة من قبل إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة للموسم المسرحى الحالى 2025م قدمت فرقة الدقهلية القومية العرض المسرحى “الشيطان” وهو من تأليف أحمد حسن البنا الذى كتب هذا النص متأثرًا بحكاية لطيفة من حكايات الموروث الشعبى الطريفة التى يصعب على من يقرأها أو يسمعها مرة أن ينساها وهى تتعلق بعابد جليل أتعب كبير الشياطين، ولم يجد طريقة للنيل منه ولما أعياه العمل عليه استعان بامرأة لكى تفسد عليه العبادة وتخرجه مما هو فيه هذه أحد الروايات التى تحتفظ بها ذاكرتى بشأن ذات القصة التى عولجت فى هذا العرض الذى أخرجه شيخ المخرجين بإقليم شرق الدلتا الثقافى أحمد عبدالجليل، وفى العرض يأتى شيطان أبيض كأنه استعارة مسرحية للسيدة فى الحكاية التراثية ويعرض هذا الأبيض على كبير الشياطين أن يلهى العابد عن عبادته نظير رهان كبير عاهده فيه أن يجعل ذلك العابد الزاهد يصل إلى أقصى مراحل الذنب وأن يكفر بنعم الله وبدلًا من أن يرتكب معصية واحدة سوف يأتى أكبر الكبائر ولم يكن يتخيل الشيطان الكبير أن بوسع أحد من الخلق أن ينجح فى ذلك ولكنه أطلق يد الشيطان الأبيض الذى كان مكره عظيما، ولذلك خطط ودبر وقرر أن يبدأ مع العابد من حيث أحب وكانت نقطة البداية أن يقتحم خلوته من ناحية الدين الذى اعتصم به فكرة لا يفكر بها إلا شيطان رجيم أن يكون مدخله إلى العابد من نافذة العبادة لأنه المسلك الوحيد الذى سمح به العابد الذى لم يكن بوسعه أن يمنع شيطانه من العبادة وما كان من العابد إلا حذر شيطانه الأبيض من صعوبة ما يصنع وأخبره أنه لن يستطيع أن يجاربيه فى التعبد وأنه لن يستطيع عليه صبرا ولكنه شاهد ما أبهره إذ وعده الأبيض أن سيرى منه ما يرضيه وبالفعل أظهر الشيطان إقبالًا كبيرًا على العبادة والصلاة تفوق بها على العابد فى العبادة إلى درجة أن العابد طلب منه أن يتقدمه فى الصلاة وهكذا أصبح الشيطان إمامه وتولى بالفعل قيادته فقاده فى الاتجاه الذى راهن عليه ولقن العابد طلاسم وطقوس يستطيع بها أن يشفى بها من يمرض من الناس بمس من الشيطان الذى بعدما يصيبهم يدلهم على العابد كى يشفيهم بطلاسمه الشيطانية التى علمه إياها الشيطان وتقدمت الأمور حتى وضع الشيطان فى طريق العابد فتاة جميلة افتقدت زوجها الذى سافر لأداء عمل قومى وتأخر فى العودة حتى أصابها الحزن لغيابة فمرضت واحتار فى علاجها الأشقاء الثلاثة فذهبوا بها إلى العابد الذى أوعز له الشيطان أن يبقيها فى خلوته حتى تشفى وفى تلك الخلوة هيأ له أن يغتصبها ويجامعها وكانت نتيجة ذلك أن برأت من مرضها على كارثة الحمل ولما أصابه الزعر والجنون نصحه الشيطان أن يقتلها ويدفنها ويمحى بقتلها خطيئته الوحيدة التى لم يشاهدها أحد بالعالم مؤكدًا أنه سيكون حصنه الحصين ودرعه الواقية ولما تأكد الشيطان أنه قتل وأنه ارتكب بالفعل أكبر الكبائر فتن عليه وأوشى به إلى زوجها الفارس وأشقائها الجنود فذهبوا إليه واقتصوا منه لتكون نهايته الحتمية التى استحقها بعد سقتطه التراجيدية التى لم يسع إليها وإنما هى دبرت له فى امتحان شديد الغلظة قلما نجا منه أحد.
وفى العرض المسرحى تركت مساحة كبيرة للتعبير الحركى والأغانى ذات الكلمات شديدة الحسن بالغة الجمال التى كتبها “مسعود شومان” والتى كانت بحاجة إلى أن يفسر لوجودها مكانا من العرض ولا تترك تكرار لما حدث من دراما تظهرها عبئا على المسرحية فتبدو كما لو كانت فى غير صالح الإيقاع الذى لم يتأثر بشدة بسبب قوة الدراما التى اعتمد عليها العرض من حيث الحبكة والحكاية التى كانت عمود الخيمة الذى ارتكز عليه فى تحقيق ذلك القدر من النجاح، لأنه فيما خلا ذلك كان العرض شديد الوضوح والتميز، لأنه اعتمد على حكاية معروفة كما خضعت التجربة للإعداد والتجهيز من قبل دراماتورج شديد الحساسية بالإيقاع المعاصر هو شريف صلاح الدين الذى وضع رؤيته وفكره فى العرض المقدم، وهو ذكاء من المخرج أحمد عبدالجليل أن يستعين بهذه الطاقة وتلك الخبرة لصالح إنتاج عرض مسرحى مفهوم وواضح لأنه اعتمد على الثقافة الشعبية وقد سمى عرضه المسرحى الشيطان بدلا من الإسم الأصلى للمؤلف وهو الشيطان الأبيض، وفيما يخص التمثيل تفانى أغلب الممثلين فى أداء أدوارهم التى بدت وكأنها تناسبهم تماما فى مناطق معينه من المسرحية، بينما تغير المستوى فى مشاهد أخرى فى أداء يشوبه التباين، حيث كان لكل ممثل لحظات ومواضع ضعف، وقام بعمل الألحان والموسيقى لهذا العرض إيهاب حمدي الذى أصبح أكثر قدرة على قراءة العروض العروض المسرحية وانتاج المعادل الموسيقى للدراما المعروضة فيما “أسامة هاشم” ديكور ثابت لم يتغير على مدار العرض الذى تتعدد مشاهده وهذا الديكور فى مجمله عبارة عن قطعة من الجحيم تتناثر فيها اللهب فى كل مكان من المسرح الذى يسيطر عليه الشيطان الأكبر الذى خلق من النار كما هو معلوم وهو ما جعله العرض شاخصًا أمامنا طوال الوقت ملازم لنا بالعرض كما هو بالحياة وفى هذه الخلفية من الديكور جرت جميع الأحداث التى تعددت ما بين قصر الملك وكهف العابد ووكر الشيطان وغيرها من المناظر التى عبر عنها بقطع رمزية وعلى ذكر الرمز وفى صدر المسرح بدى أحد هذه اللهب وكأنه خارطة فلسطين التى تعيش فى جحيم الأرض وقد كرر نفس الرمز من إسراف على ثياب العابد وكأن عبد الجليل المخرج الذى هو مؤلف العرض أراد أن يؤكد من دون أن ينطق أنه يشعر بما يجرى فى الأرض المحتلة وأنه مهما بعد فى معالجته المسرحية عن القضية فإنها فى قلب المبدع الذى استطاع فى ظل تدهور الأحوال الفنية بالأقاليم وانصراف قداما الممثلين عن أغلب الفرق أن يقدم عرضًا مسرحيا جيدًا يحسب له ولفرقة الدقهلية القومية المسرحية التى حافظت على تقاليدها ومستواها النموذجى فى أغلب عناصر العرض وقدمت ما أسعد الجماهير وحقق النجاح حيث حضرت الشيطان ولم تصرفه لأنه أحكم قبضته على العابد وتمكن من الأمر وسيطر.


محمود كحيلة