العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025
المبدع الاستثنائى متعدد المواهب:
مرت الأيام مسرعة كعادتها ومر عام كامل على رحيل المبدع الاستثنائى متعدد المواهب الصديق الغالى ورفيق الدرب عصام الشماع، فبالأمس القريب نظمت مكتبة الديوان أمسية أدبية وفنية فى ذكرى الأولى لرحيله واحتفالًا بظهور أحدث ابداعاته المسرحية (وهى المسرحية البديعة يوم قام سقراط)، حضرها نخبة من الفنانين (ياسر ماهر وداليا مصطفى)، ونخبة من الكتاب والنقاد (من بينهم: أيمن الحكيم، وسمير شحاته، ومحمد الشماع، ورانا رأفت، وكاتب هذه السطور.
والمبدع متعدد المواهب عصام الشماع (1955- 2024): من مواليد محافظة «القاهرة» فى 29 سبتمبر 1955، وقد درس الطب والجراحة فى جامعة «عين شمس»، وحصل على درجة «البكالوريوس» سنة 1982. وهو مخرج وكاتب مسرحى وسيناريست، وله العديد من ا?عمال الفنية التى تحمل رؤى جديدة. منها المسلسلات التليفزيونية «رجل من زمن العولمة» «نافذة على العالم» و»قمر 14»، كما كتب السيناريو للعديد من ا?فلام المهمة ومنها «الجنتل» و «راندفو». وكانت آخر أعماله السينمائية هو فيلم «الفاجومى» عام 2011، الذى قام بكتابة السيناريو والحوار وأخرجه أيضا والأخراج له، و(هو يتناول قصة حياة الشاعر السياسى أحمد فؤاد نجم)، يذكر انه قد تم انتخاب «عصام الشماع» كنائب رئيس لمجلس إدارة جمعية كتاب ونقاد السينما عام 2011.
وبداية تجدر الإشارة إلى عمق ثقافة وصدق موهبة المبدع عصام الشماع وتعدد مجالات إبداعه بين الكتابة الأدبية والتأليف المسرحى وكتابة السيناريو وأيضا الإخراج السينمائى والتليفزيونى.
عصام الشماع كاتبًا: بخلاف مجموعة من المقالات الصحفية والأدبية التى نشرت بجريدة القاهرة» بعنوان: «العلم يا مولاى»، كتب المؤلف المسرحى عصام الشماع خمس مسرحيات، وهى طبقًا للتتابع الزمنى كما يلى: «شيبوب» (1983)، شفيقة ومتولى، إحنا دافنينو سوا، مسرحية المسرحية، يوم قام سقراط (2023).
كما كتب السيناريو والحوار لعدد (13) فيلمًا، وهى طبقًا للتابع الزمنى، كما يلي: يا طالع النخل (1988)، الأراجوز (1989)، كابوريا (1990) توت توت، مجانينو، كروانة (1993)، الجنتل، رجل مهم جدا (1996)، النمس (2000)، راندفو (2001)، علمنى أحبك (2005)، الفاجومى (2011)، أخلاق العبيد (2017)، كما كتب أيضًا السيناريو والحوار لسبعة مسلسلات (7) وهى طبقًا للتتابع الزمنى كما يلي: عظمة يا ست (1995)، المحاربون (2000)، رجل فى زمن العولمة – جزأين- (2002)، (2003)، أسلحة دمار شامل (2006)، نافذة على العالم (2007)، قمر 14 (2008)، الكبريت الأحمر- جزاين- (2016)، (2017).
المخرجون لأعماله: يجب التنويه إلى أن إبداعات عصام الشماع إذا كانت قد أتاحت له الفرصة فى أن يضع اسمه بقائمة كبار كتاب الدراما التليفزيونية المتميزين (والتى تضم المبدعين: أسامة أنور عكاشة، محفوظ عبدالرحمن، محمد السيد عيد، محمد جلال عبدالقوى، عاصم توفيق، عبدالرحيم كمال، كرم النجار) فإنها قد نجحت أيضًا فى جذب أعمال نخبة من كبار المخرجين السينمائيين لإخراجها، ومن بينهم المبدعون: عاطف سالم (توت توت)، محمد فاضل (يا طالع النخل)، هانى لاشين (الأراجوز)، على عبدالخالق (راندفو، النمس، الجنتل)، خيرى بشارة (كابوريا)، عبداللطيف زكى (كروانة، دنيا عبدالجبار)، أيمن مكرم (أخلاق العبيد)، كريم ضياء الدين (عظمة يا ست)، كما جذبت أيضًا نخبة من كبار النجوم والنجمات للمشاركة فى بطولتها ومن بينهم النجوم: عمر الشريف، ميرفت أمين، هشام سليم (الأراجوز)، نور الشريف، بوسى (كروانة)، أحمد زكى، رغدة (كابوريا)، نبيلة عبيد، سعيد صالح (توت توت)، محمود عبدالعزيز (النمس، الجنتل، دنيا عبد الجبار)،، صلاح قابيل، إلهام شاهين، وحيد سيف (دنيا عبدالجبار)، فردوس عبدالحميد، صلاح السعدنى، عبدالله محمود، محمد توفيق، عبدالعزيز مخيون (يا طالع النخل)، خالد الصاوى وصلاح عبد الله، جيهان فاضل (الفاجومى)، فاروق الفيشاوى، معالى زايد (راجل مهم جدًا).
عصام الشماع مخرجًا: قام المبدع الفنان عصام الشماع بإخراج أربعة أفلام سينمائية، وهى: مجانينو (1993) بطولة: فيفى عبده، محمود حميدة، سامى العدل، رجل مهم جدًا (1996)، بطولة: فاروق الفيشاوى، معالى زايد، علمنى حبك (2005) بطولة: سوسن بدر، منة فضالى، احمد سعيد عبدالغنى، الفاجومي (2011) بطولة: خالد الصاوى وصلاح عبدالله، جيهان فاضل، كما قام بإخراج ستة مسلسلات وهي: عظمة يا ست (1995) بطولة: معالى زايد، محمود قابيل، إبراهيم يسرى، عماد رشاد،، المحاربون (2000) بطولة: خالد الصاوى، عمرو عبدالجليل، رجل فى زمن العولمة جزأين (2002)، و(003)، بطولة: صلاح السعدنى، هالة صدقى، أسلحة دمار شامل (2006)، بطولة: هالة صدقى، وحسين الإمام، نافذة على العالم (2007)، قمر 14 (2008) بطوالةجيهان فاضل، تامر هجرس، محمود قابيل، صلاح عبدالله، الكبريت الأحمر جزأين (2017)، (2018) بطولة: أحمد صلاح السعدنى، داليا مصطفى، عبدالعزيز مخيون، وذلك بالإضافة إلى إخراجه لعدد من السهرات التليفزيونية، ومن بينها: يا مالك قلبى (2011).
مما سبق يتضح أن المبدع الاستثنائي/ عصام الشماع قد نجح كمخرج فى استقطاب نخبة من كبار النجوم – وذلك بالرغم من عدم دراسته دراسة أكاديمية للإخراج - للمشاركة ببطولة الأعمال التى قام بإخراجها ومن بينهم: صلاح السعدنى (رجل فى زمن العولمة)، توفيق عبدالحميد (اسلحة دمار شامل)، خالد الصاوى (الفاجومي)، فاروق الفيشاوى، معالى زايد، وفاء عامر، (راجل مهم جدًا،)، أحمد صلاح السعدنى داليا مصطفى، وعبدالعزيز مخيون (الكبريت الأحمر)، صلاح عبدالله، محمود قابيل، تامر هجرس، جيهان فاضل (قمر 14).
مسرحية «يوم قام سقراط»
وفق الكاتب عصام الشماع فى أحدث أعماله المسرحية أن يقدم لنا نصا بديعا محكم الصنع يضيف به إلى رصيده الأدبى بصفة عامة ولرصيده المسرحى بصفة خاصة.
ويتميز هذا النص بعدة مزايا مهمة بدءًا من الاختيار الموفق للعنوان الدال فهو وإن كانت أحداثه تدور حول الأيام الأخيرة فى حياة الفليسوفر سقراط بعدما حكم عليه بالموت بتجرع السم إلا أنه رفض أن يعتبر ذلك يوم نهايته كما جاء عنوان نص «الرحبانية» «آخر أيام سقراط»من تأليف منصور رحبانى عام (1998)، وذلك لإيمان المؤلف بأن سقراط قد فضل الموت الجسدى فقط لإيمانه باستمرار وخلود أفكاره ومبادئه، كما يتميز هذا النص بتوفيق المؤلف فى اختيار الشخصية المحورية الرئيسية (سقراط)، التى تتمتع بكل صفات «البطل التراجيدى».
البطل التراجيدي «سقراط»: يعرف «سقراط» أحيانًا بأنه أكثر الرجال حكمة فى العالم القديم، فبعد ما عمل فى الفن وقتًا قصيرًا، تحول إلى الفلسفة، وثبتت من فوره شهرته كمفكر على جانب كبير من الأصالة والإبداع. وقد ابتدع طريقة للتحقيق والتعليم، وهى عبارة عن سلسلة من الأسئلة تهدف إلى الحصول على تعبير واضح ومتماسك عن شيء يفترض أنه مفهوم ضمنًا من كل البشر.
وكان دائم السعى وراء الحقيقة، والاهتمام بجعل مشاكل الحياة المعقدة أسهل على الفهم، ولتحقيق هذه الغاية كان مضطرًا إلى مناقشة الكثير من المعتقدات والتقاليد المسلم بها. الأمر الذى أكسبه الكثير من العداوات.
وتجدر الإشارة إلى أن «سقراط» كان فى أمان، فى حياة السياسى الكبير «بيريكليس» لأنه كان معجبًا به كثيرًاويعلم قدره، ولكن بعد وفاته شرع أعداء «سقراط» فى الضغط عليه لكى يسحب معظم ما قاله، لكنه لم يقبل بذلك، واستمر بالعمل فى الخط الذى رسمه لنفسه، والدعوة لأفكاره التى يؤمن بها.
والفليسوف «سقراط» من مواليد أثينا اليونانية نحو 470 ق. م، وتُوفِّى نحو 399 ق.م، وهو يُعتبر ومؤسس الفلسفة الغربية. وأحد أوائل الفلاسفة الأخلاقيين، وهو رائد مذهب التفكير الأخلاقي، وهو شخصية غامضة ومثيرة، حيث لم يكتب أى نصوص، ومن المفارقات أنه لم يعرف أساسًا إلا من خلال تلك الكتابات التى كتبت بعد وفاته، (خاصة روايات الكتّاب العصور الكلاسيكية)، والتى عرف من خلالها ، التى كتبت على شكل حوارات - من خلال تلامذته: أفلاطون وزينوفون، - يناقش «سقراط» ومحدثوه كل الموضوعًات بأسلوب السؤال والجواب، مما أدى إلى ظهور النوع الأدبى المعروف بالحوار السقراطى، وتجدر الإشارة إلى إن التناقضات بين الروايات حول «سقراط” تجعل من الصعب جدًا إعادة بناء فلسفته، وهو وضع مثير للجدل ويُعرف بمشكلة سقراط فى المجتمع الأثيني. وللأسف أنه قد اتُهم فى عام 399 ق.م وكانت تهمته الإلحاد وإفساد الشباب. وتم الحُكم عليه بالإعدام بعد محاكمته واستمرت محاكمته ليوم واحد. وقد قضى يومه الأخير فى السجن، رافضًا كل العروض لمساعدته على الهرب.
النص الدرامى محكم الصنع: اختتم الصديق الغالى المبدع عصام الشماع اعماله الإبداعية بنقديم نص بديع محكم الصنع، يضيف كثيرا لرصيده الفنى بصفة عامة، خاصة فى مجال المسرح.
والنص يتكون من فصلين وسبعة مشاهد، حيث يتضمن الفصل الأول ثلاثة مشاهد ومناظر (وهي: مقر الحاكم القانونى، ساحة المحكمة، مرفا أثينا)، فى حين يتضمن الفصل الثانى من أربعة مشاهد وأربعة مناظر (غرفة الجلاد أيسوب، لوحة سقراط (التى رسمها جاك لوى ديفيد،)زنزانة سقراط، رواق خارج الزنزانة، زنزانة سقراط ).
ويمكننى أن أحدد أهمية هذا النص وعناصر تميزه فى النقاط التالية:
- جودة الخطاب الدرامي: وانحيازه إلى قيم الخير والحق والجمال.
- صياغته البليغة باللغة العربية الفصحى بأسلوب يتسم بالسلاسة والوضوح وبجمله التلغرافية القصيرة والمعبرة والدالة والتى تتناسب مع كل شخصية من الشخصيات الدرامية. وتتضمن حوارات النص بعض العبارات البليغة والتى قد تصل غلى مرتبة الحكم والأقوال المأثوؤة ومن بينها على سييل المثال:
()الحاكم القانونيك جميع من ياتى هنا يبالغ فى إلصاق الشرور بالطرف لذى يدعى عليهئن ولكن بعد سماع الطف الآخر تبين أن ما يدعيه من صنع عاطفة الغضبواحيانا من صنع الخيال).
سقراط: العدل يتحققلالفضيلة وكل فضية هى فعل عادل تحبه الألهة).
سقراط: الجسد هو مصدر كل آلام النفس هو الذى يجوع ويعرى ويمرض ويشتهى حد الرذيلةوالسقوط وحين ئاتى لموت تتحرر من النفس).
النص المرافق: يتضمن النص نصا موازيا (نصا مرافقا) به كثير من الملاحظات ولإرشادات المسرحية المهمة، والتى تصف وتحدد ببدابة كل منظر وكل مشهد مكان الأحداث الدرامية، كما تحدد أيضا وصفا دقيقا للأشخاص الدرامية الرئيسة والثانوية بالأبعاد الثلاث لكل منها (المادية والاجتماعية والنفسية)، كما توضح أيضا ملابسها وحركتها وعلاقتها بباقى الشخصيات التى تشاركها الأحداث.
اعتماده على اللوحة الشهيرة “موت سقراط” فى بناء المشهد الثانى من الفصل الثانى وهى اللوحة التى أبدع فى رسمها الفنان الفرنسي/ جاك لوى ديفيد، وتوضح وهى بالإعدم ببتجرع السم واللحظات الأخيرة من حياته، المشهد حينما بعدما حكمت عليه الحكومة بأن يختار بين الموت بالسم أو النفى، عقابًا له على الدروس التى كان يعطيها ويحرض فيها على احتقار الآلهة.
واختار «سقراط» الموت بالسم، وفى اللوحة يبدو متماسكًا، وهو يمد يده ليشرب السم،وفيها يظهر ئابتا شامخا دون أن يتوقف عن الكلام مع تلامذته، فيما يظهر أيضا تلميذه النجيب أفلاطون، وفى الزاوية البعيدة تظهر زوجته فور خروجها من السجن.
الإيقاع المناسب: الإيقاع المناسب والمنضبط لكل مشهد من المشاهد مع مراعاة تناسبه مع باقى المشاهد والأحداث الدرامية بكل منها.
نقطة الانطلاق: كانت نقطة البداية موفقة جدا حيث وفق الكاتب فى اختبار نقطة الانطلاق التى تسمح بتصاعد الأحداث، وكما يقال أكاديميا أنه بدأ من نقطة البداية التى لا يجوز أن يبدأ قبلها ولا أن يبدأ بعدها. حيث بدأ برصد وإيضاح تلك الإتهامات التى تعرض لها سقراط وكذلك تلك المؤامرات التى تحاك ضده وأبلغ بها الحاكم القانونى والمدعى العام للتحقيق معه.
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أن المبدع عصام الشماع قد بدأ حياته الأدبية بالكتابة للمسرح مونو دراما «شيبوب» عام 1982، كما أنه اختتمها أيضا -بعد ما يقرب من نصف قرن - بالكتابة للمسرح («يوم قام سقراط» عام 2024)، وذلك لإيمانه بمدى أهميته خاصة بتحقيقه بخلاف جميع القنوات الفنية الأخرى بذلك التواصل الحقيقى بين المبدعين والجمهور والذى يعبر على الفور عن رد فعله ومدى إعجابه بالعمل الأدبى والفنى، وذلك بالإضافة إلى تلك الحرية التى يتمتع به الكاتب المسرحى بعيدا عن الاشتراطات الانتاجية وتدخلات بعض النجوم.
وفى النهاية أتوجه لله العلى القدير بأن يرحم ويغفر لهذا المبدع الحقيقى وأن يدخله فسيح جناته جزاء عشقه لوطنه واحتارامه موهبته وأخلاصه فى عمله، وانحيازه للبسطاء والأغلبية الذين انحاز لهم فى جميع أعمالهم، وشعوره الدائم بهمومهم وطموحاتهم وآمالهم، كما أرجو من ابن أخيه الكاتب المتميز محمد الشماع أن يبذل قصارى جهده لإصدار الأعمال الإبداعبة الكاملة لعمه، كما وفق فى طباعة هذه المسرحية وظهورها إلى النور وهو جهد يستحق عليه كل الثناءء والتقدير.