هذه آخر مقالة تتعلق بفتحى فضل المؤلف المسرحى، حيث إننى سأتحدث فيها عن آخر نص مخطوط أحتفظ به تحت رقم «373»، وهو نص مسرحية «بلغنى أيها الملك» من تأليف «فتحى فضل» لصالح الثقافة الجماهيرية، ويحمل رقم وارد مسرحيات «33» بتاريخ 2/2/1988. والمسرحية تُعدّ امتدادًا لمشروع المؤلف الإبداعى، ناقش فيها العلاقة بين الحاكم والوزير والرعية، ومن مسئول عن من؟ ومن الذى يتحمل تبعية القرارات والأحكام؟ كل هذا عن طريق الرمز بجعل الأحداث تدور فى جو أسطورى من حكايات ألف ليلة وليلة وبطلها هارون الرشيد!وهذا النص مرفق به عدة وثائق رقابية، منها تقرير الرقيب «عادل أحمد عيسى»، الذى ذكر فيه ملخصًا للمسرحية، قال فيه: تدور أحداث المسرحية فى بغداد القديمة فى عصر الخليفة هارون الرشيد؛ حيث نزلا ذات يوم ومعه الوزير جعفر البرمكى إلى المدينة لتفقد أحوال الرعية والاطمئنان على أن جميع أهل البلد يعيشون فى أمن وسلام، أم أن هناك فئة تعيش فى تعاسة.. ويتقابل الخليفة والوزير مع نوعيات عديدة من البلد ويحدث أن الكل يشيد بحكم وعدل ونزاهة الخليفة.. ويطمئن أن الكل يعمل عن رضى وحب فى العمل. ويحدث أن يأتى صياد متعب بعد يوم عمل شاق ولكنه لم يرزق بشىء وعليه الكثير من الالتزامات ويقترب منه الخليفة ويفهم ما يحزنه ويخبره بأنه تاجر من الشام ويعرض عليه مائة دينار لكى يرمى بشباكه مرة أخرى والرزق الذى يأتى يكون من نصيب الخليفة.. ويسعد الصياد ويذهب ويرمى شبكته وإذ بها تخرج وبها صندوق كبير ثقيل يحضره الصياد للخليفة معتقدًا أن به كنزًا ويأخذ من الخليفة المبلغ ويذهب.. ويفتح الخليفة الصندوق فيرى بداخله جثة امرأة مفصولة الرأس ومشوهة ويتجمع الأهالى ويخطر رئيس الشرطة، وهنا يكشف الخليفة عن نفسه ويأمر الوزير بضرورة القبض عن الجانى ويمهله ثلاثة أيام، وإذا لم يقبض عن القاتل يشنقه هو.. وتنقضى المهلة ولم يحضر الوزير ويعلن أن سبب تأخيره أنه وجد امرأة كفيفة ضلت طريقها وقام بتوصيلها! ويصعد الوزير حتى يتم تنفيذ الحكم فيه وهنا يحضر القاتل ويقص على الجميع ظروف القتل ويعلن أن القتيلة زوجته المريضة وقتلها بسبب فتنة من عبدلم يتحرى من تصديقها، ولكنه قد علم بالحقيقة بعد قتلها وندم أشد الندم.. ويأمر الخليفة بضرورة إحضار العبدويمهل الوزير ثلاثة أيام أخرى وبعد بحث وتعب شديدين يتمكن الوزير من القبض على العبدالذى وشى بالفتنة وذلك بمساعدة أمه هند. ويسأله القاضى إن كان هو الذى وشى أم لا؟ ويعترف العبدبكذبته ولم يكن يعلم أنها تتطور بذلك المنظر وهنا ينطق القاضى بأن من قتل يقتل، ويرد الخليفة عليه بأن الفتنة أشد من القتل ويسأل من منهما يصعد إلى حبل المشنقة القاتل أم العبدويجيبه القاضى هذا هو السؤال! من منهما يصعد إلى حبل المشنقة؟! وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: “المسرحية تشير إلى نزاهة وعدل الحكم فى عهد الخليفة هارون الرشيد. وبناء على ذلك أرى لا مانع من الترخيص بها علمًا أنها خالية من الموانع الرقابية”.أما الرقيب «كمال سعد طه» فذكر تفاصيل دقيقة وأكثر وضوحًا عن المسرحية فى تقريره، قائلًا: تدور أحداث المسرحية فى بغداد القديمة أثناء عهد الخليفة هارون الرشيد، فذات يوم كان يتجول الخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر البرمكى من أجل تفقد أحوال الرعية ووجود العدل بين الناس، فيشاهد الخليفة شرطيًا يجر رجلًا سكيرًا من أجل سؤاله عن سبب سكره وما بالسكير يعرب عن سبب سكره وهو جمال بنت الوزير عندما شاهدها وهى ترفع الحجاب عن وجهها الجميل، وعندما يسمع الوزير كلام السكير يهم بسبه ولكن هارون الرشيد يغضب من تسرع وزيره ويعرب له بأن العدل يتطلب محاكمته إذا اشتكاه السكير بالسب العلنى حتى إذا كان الوزير، وأثناء ذلك يدخل رجل لديه شكوى من الخليفة ويريد أن يقاضيه فهذا الرجل يسكن دارًا ذات دور واحد ومكان أمام الدار أرض خالية يرى من خلالها جمال الطبيعة فإذا بالخليفة يبنى فيها مسكنًا عاليًا يغطى كل مسكن هذا الرجل وبالتالى يريد الرجل أن يقاضى الخليفة، فيسأل الخليفة وزيره عن هذه المشكلة وكيف يحدث ذلك فلابد أن يتمتع كل فرد بالحرية ومراعاة الجيرة، وأيضًا كان يسير سقا فى الطريق من أجل إشباع ظمأ الناس من الماء ويقدم للخليفة ووزيره بعض الماء دون أن يعرفهم فيقوم الخليفة بإعطائه بعض النقود ولكن السقا يرفض ذلك لأن الخليفة جعل هذه الماء مجانًا حتى لا يرى عطشانًا فى بلاده وأيضًا يدفع بعض المال شهريًا لهذا السقا مقابل القيام بهذا العمل ويفرح الخليفة لذلك! وأيضًا يتقابل الخليفة بأحد الحطابين وهو رجل مسن ويحمل كومة كبيرة من الحطب ويستغرب الخليفة ويسأله عن سبب قيامه بهذا العمل مع أنه رجل مسن ومن حقه أخذ المال من بيت المال فيعرب له الحطاب بأنه يستطيع أخذ المال من بيت المال لكنه يرغب فى الحصول على المال من تعب عرقه حتى يشعر بطعم اللقمة وأن لديه من الصحة ما يساعده على ذلك، فأراد الخليفة شراء الحطب بأربعة دنانير ولكن الحطاب يرفض لأن ثمن الحطب دينار واحد وليس هو بغشاش أو ضلالى، ويشاهد الخليفة أحد الصيادين وهو يطلب إحسانًا من الناس لأنه رمى شبكته طوال اليوم ولم تخرج بشيء وله أطفال وزوجة والكل فى حوجة للطعام فيتفق الخليفة معه على أساس أنه تاجر فيدفع له مبلغًا كبيرًا من المال على شرط أن يرمى الشبكة باسمه وما يخرج بها من نصيبه مقابل هذا المال ويوافق الصياد ويرى الشبكة ويطلع بها صندوق ثقيل وهنا يتعلم الصياد الصبر فى الرزق، ويفتح الصندوق ويفاجئ الجميع بأن فيه قتيلة فيثور الخليفة، ويعطى وزيره مهلة ثلاثة أيام من أجل العثور على القاتل وإلا يقدم نفسه للمشنقة بدلًا من القاتل ويغضب الوزير وبالتالى لا يستطيع التفكير السليم وأخذ الوزير يفكر فى الانتحار أو الهرب وتنتهى مدة المهلة وإذا بالوزير لم يحضر للمشنقة فيضطر الخليفة بالصعود بدلًا منه إلى المشنقة؛ لأنه المسئول بعده ويهم السياف بقطع رقبته وأثناء ذلك يحضر الوزير ويصعد بدلًا من الخليفة من أجل شنقه وأثناء ذلك يأتى رجل ويعترف بأنه القاتل الحقيقى ويبدأ التحقيق معه فقد كانت زوجته مريضة وترغب فى بعض التفاح ولا يوجد تفاح فى هذه البلدة فيسافر الزوج إلى البصرة ويذهب إلى البستانى الذى يقوم بقطع ثلاث تفاحات له وأخذهم الزوج ورحل بهم إلى زوجته وأعطاها إياهم، وتركها وذهب إلى عمله وأثناء وجوده بالعمل شاهد عبدًا يقوم باللعب بتفاحة ويستغرب الزوج لمعرفته بعدم وجود تفاح فى بغداد كلها ويسأل الرجل العبدعن كيفية حصوله على هذه التفاحة فيكذب عليه العبدبأنه أخذها من امرأة متزوجة كان يقضى معها بعض الوقت ويشاهد الرجل التفاحة ويتأكد من أنها هى التى حصل عليها من البصرة، وبالتالى ذهب إلى المنزل وقام بقتل زوجته دفاعًا عن الشرف ووضعها فى صندوق ورماها فى مياه دجلة، ثم يعرف من ابنه بعد ذلك بأنه أخذ من أمه تفاحة ونزل بها فى الشارع فكان عبديسير فأخذ التفاحة من الولد بالقوة فيحكى الولد الحكاية للعبدمن أجل استعطافه ولكنه رفض إعطاءه التفاحة، وهنا أعطى الخليفة وزيره مهلة ثلاثة أيام أخرى من أجل البحث عن العبد، ويقوم الوزير باستعراض جميع العبيد وعرضهم على القاتل دون جدوى وقبل انتهاء مدة المهلة إذا بابن الوزير يدخل وفى يده تفاحة قد وجدها تحت شجرة البرتقال، وهنا فكر الوزير ووجد أن عبده هو الوحيد الذى لم يعرض على القاتل، ويتم القبض على العبدويعترف العبدبكل شيء ويقدم للمحاكمة ويستشير الخليفة القاضى من يقدم للمشنقة، فالقاتل لا بد أن يقتل ولكن الفتنة أشد من القتل ويظل السؤال من يقدم للمشنقة القاتل أم العبد؟وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: “تشير هذه المسرحية إلى عدل الحكم أيام هارون الرشيد وكيف تصبح البلد آمنة إذا كان الحاكم عادلا فإذا حدث شىء فلا بد أن يقدم المسئول عن فعلته للمحاكمة حتى ولو كان الخليفة نفسه.. وتشير أيضًا المسرحية إلى بعض التعاليم مثل الحكمة والصبر وعدم الغضب والتفكير السليم. لا مانع من التصريح بتأدية هذه المسرحية بدون ملاحظات رقابية” وبناءً على ذلك نص التصريح الرقابى على الآتي: سبق الترخيص بمسرحية «بلغنى أيها الملك» ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية للثقافة الجماهيرية على أن يراعى الآتى: حفظ الآداب العامة فى الأداء والحركات والملابس، وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها إعطاء الترخيص بصفة نهائية. [خاتم الرقابة] تصريح رقم «58» بتاريخ 18/5/1988.وجدير بالذكر أن هناك نسخة إذاعية لهذه المسرحية مازالت محفوظة فى موقع «البرنامج الثقافي» من إخراج عبدالمجيد شكرى، وبطولة كل من: سميرة عبدالعزيز، محمد شاكر، سعد الغزاوى، المرسى أبوالعباس، عادل بدر الدين، رشاد عثمان، مرسى الحطاب، راجية محسن، أبو ضيف علام، محمد عبدالسلام، همام عبدالمطلب، أحمد حسين، أحمد كمالى، فريد حفنى، إبراهيم البطوطى، إبراهيم نصر الدالى، أحمد حسن، محمد منصور، فاروق ندى.وماذا بعد؟!هذه هى الحلقة الثامنة، التى تتبعت فيها النصوص المخطوطة – وغير المنشورة – التى أحتفظ بها للمؤلف «فتحى فضل»، هذا بالإضافة إلى الوثائق الرقابية التى ليست لها نصوص!! وطوال هذه الحلقات وتتبعى لأعمال فتحى فضل المسرحية من عام 1962 إلى 1988، وأنا أتساءل: لماذا لم يكتب عنه أحد بما يتناسب مع إنتاجه هذا؟! ولماذا كتب عنه «فقط» الدكتور إبراهيم محمد منصور الدراسة الوحيدة اليتيمة عام 1996 – بعد وفاة المؤلف – وكتبها عن مسرحية «عمر الخيام»، التى لم أذكرها فى مقالاتى نهائيًا، لأنها مكتوبة بعد عام 1988، وهو آخر أعوام نصوص الرقابة التى فى حوزتى!وأعيد السؤال بصيغة أخرى، وأقول: لماذا كتب الدكتور إبراهيم دراسته عن مسرحية «عمر الخيام» بعد وفاة المؤلف؟ ولماذا لم يكتب أى شخص عن نصوص هذا الرجل، الذى قيل إنه أشهر كاتب فى الثقافة الجماهيرية؟ ولماذا أجد له هذا الكم الكبير من النصوص المسرحية «المخطوطة» وغير المنشورة، والتى مُثلت عشرات المرات، ورغم ذلك لم يكتب عنه أحد بما يستحق؟! هل لأنه من «الأقاليم»؟! هل لأنه يكتب للثقافة الجماهيرية؟ ولو صح ظنى هذا، فهل أفهم من ذلك أن الكتابات والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراه قاصرة فقط على نصوص مشاهير الكُتّاب المسرحيين فى القاهرة والإسكندرية مثلًا؟!لا أريد أن أخوض فى هذا الأمر كثيرًا، ولكن ما يهمنى الآن – بعد كشف النقاب عن إبداع فتحى فضل المسرحى - هو ظهور باحث جاد يطلع على نصوص «فتحى فضل» المسرحية التى تحدثت عنها، بعد أن أسلمها إلى «جهة مصرية رسمية» لتكون متاحة للباحثين - مع جميع النصوص التى كتبت عنها، والتى سأكتب عنها – ليقوم هذا الباحث بدراستها والكتابة عنها فى رسالة ماجستير أو دكتوراه، من خلال عناوين كثيرة، منها: «توظيف التراث الشعبى فى نصوص فتحى فضل المسرحية»، أو «توظيف ألف ليلة وليلة فى نصوص فتحى فضل»، أو «توظيف التاريخ فى نصوص فتحى فضل»، أو «نصوص فتحى فضل بين التراث والمعاصرة»، أو «الرمز فى مسرح فتحى فضل».. إلخ.وكم أتمنى أن ينجح باحث جاد فيما فشلت فيه، وهو إيجاد أفراد أسرة فتحى فضل، كونه مات سنة 1996، أى منذ ثلاثين سنة تقريبًا، وربما لا يعلمون أن له هذا الكم الكبير من الإبداع المسرحى، أو لا يملكون أية نسخة من هذه المخطوطات المسرحية، ويرغبون فى الحفاظ على إرثه الإبداعى وتجميعه ونشره فى مجلد ضخم يليق بمشروعه الإبداعى، الذى أخلص له طوال ثلاثين سنة والمتمثل فى محاربة أشكال الفساد - على خشبة المسرح - أمام الجمهور فى محاولة لمحاربته وعلاجه! لا سيما وأن الدكتور إبراهيم قال فى بحثه: إن مسرحيتين فقط تم نشرهما معًا بعد وفاته، هما «عمر المختار» و«مضحك السلطان»! مع ملاحظة أن ما لدى - من نصوص - يُمثل ما كتبه فتحى فضل من عام 1962 إلى عام 1988، لكنه مات عام 1996 أى هناك فترة كبيرة بين عام 1988 إلى 1996 وهى فترة ثمانى سنوات! فماذا كتب فيها، وماذا أبدع، وهل كان متمسكًا بمشروعه أم تخلى عنه؟! هذا ما سأتركه للباحثين والأجيال القادمة من أجل استكمال الموضوع!