نجيب سرور وقولوا لعين الشمس!

نجيب سرور وقولوا لعين الشمس!

العدد 933 صدر بتاريخ 14يوليو2025

مسرحية «قولوا لعين الشمس» لنجيب سرور حصلت على ترخيص رقابى بتمثيلها لصالح المسرح القومى تحت رقم «234» بتاريخ 18/11/1972. لكننى احتفظ بنسختين مخطوطتين برقمى «775 و809» لمسرحية عنوانها «ياسين وبهية فى السويس»، ومكتوب على غلافها: مأساة شعرية فى ثلاثة فصول، وهى الجزء الأخير من ثلاثية «ياسين وبهية» تأليف نجيب سرور، تقدمت بها «فرقة السويس الفنية» إلى الرقابة من أجل التصريح بتمثيلها يوم 12/3/1983. ومكتوب أيضًا: «الزمان» ما بين 1950 و1967، «المكان» ما بين بورسعيد والسويس.
وفى الصفحة الأخيرة من مخطوطة المسرحية وجدت صياغة التصريح مكتوبة بطريقة غريبة غير مألوفة، هذا نصها: “لا مانع من الترخيص بأداء هذه المسرحية على أن يراعى الآتى، وذلك لفرقة السويس الفنية، أولًا: الترخيص باسم «قولوا لعين الشمس» لا اسم «ياسين وبهية فى السويس» فقد سبق الترخيص بها تحت رقم 234 بتاريخ 18/11/1972 للمسرح القومى. ثانيًا: تنفيذ الحذف فى الملاحظات الواردة فى الصفحات 1، 2، 5، 10، 11، 12، 13، 14 من الفصل الأول، وحذف 3، 4، 6، 7، 8، 9، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17 من الفصل الثانى، وحذف 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 12 من الفصل الثالث. ثالثًا: إظهار رجال الشرطة بصورة لائقة. رابعًا: إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية. [توقيع] مدير الرقابة على المسرحيات، تحريرًا فى 19/3/1973. أما مديرة عام الرقابة «اعتدال ممتاز» فقد أشرت على هذا قائلة: «يُعتمد حسب النسخة التى تُعرض بالمسرح القومى وبنفس الملاحظات السابق الترخيص بها”. [توقيع المدير العام فى 24/3/1973]
مما سبق يتضح لنا أن فرقة السويس – بعد حوالى شهرين من عرض المسرحية بالمسرح القومى – أرادت أن تمثلها ولكن ليس باسمها الأصلى «قولوا لعين الشمس»، ولكن باسم «ياسين وبهية فى السويس»! وواضح أن الفرقة لم تكتف بتغيير العنوان، بل قامت ببعض التغييرات جعلت الرقباء يطالبون بحذف ما يقرب من نصف النص! وهذا أمر لا يجوز فنيًا! والحقيقة أننى لا أملك الدليل على أن فرقة السويس عرضت هذه المسرحية أم لا، لأننى أتعامل مع النص المُقدم إلى الرقابة والموجود بين يدى، وهذا أمر ربما يقوم به باحث فى المستقبل! وما يهمنى الآن معرفة أهم الأجزاء التى طالب الرقباء بحذفها، لأنها كثيرة وأغلبها حوارات حول هزيمة 1967 وتشير إلى أسبابها، وتوصف حالة المجتمع المصرى، والحديث عن محاولة اغتيال الملك فاروق لحظة خروجه من مصر بعد اندلاع ثورة 1952.
تبدأ المسرحية بوقوف بهية وأمها أمام المصنع، فيقترب منهما العسكرى وعطية، ويدور بينهم هذا الحوار المحذوف: “عطية: أنتى مات لك مين يا ست؟ الأم: قوللى يا بنى مين مماتش.. كلهم ماتوا وسابونى. عطية: والبنية تبقى بنتك؟ الأم: أيوه يا بنى. عطية: جوزها واحد م اللى ماتوا؟ الأم: أيوه يا بنى. عطية: ربنا فى عونك وعونها.. بس سامحينى يا خاله.. ما أنا زى ابنك تمام.. وأنتى زى أمى اللى قاعدة.. فى البلد مستنيانى.. من زمان». وحوار آخر تم حذفه، جاء هكذا: «الأم: أنتى كنتى بتحلمي؟ بهية: خفت أقول الحلم لأنى.. ياما أحلام شفتها. الأم: شفتى إيه؟ بهية: ولا حاجة.. كله كدب فى كدب.. كداب يا ودع.. وأنتى يامه كنتى يومها بتكدبى.. حتى قلبى كان بيكدب.. لما صدق.. إنى حافرح (يدخل العساكر). عسكري: الفرح ممنوع يا ست. كورس: الولية وبنتها مش فرحانين.. بس كانوا بيحلموا. عسكري: برضو ممنوع يحلموا.. الأوامر قايلة ممنوع يحلموا.. اللى يحلم يبقى مجرم. كورس: مرة واحدة؟ والله بيحرم على الناس يحلموا.. يبقى زى الناس بيحلم”. وحوار ثالث تم حذفه جاء فيه: “بهية: يا بلد.. آه يا بلد. كورس: ليه بقى.. ما لها البلد؟ بهية: رجالتها كتير يا حسرة.. بس نايمين فى القبور. كورس: لسه فيه رجالة عايشة. بهية: دا كلام. كورس: دى الحقيقة. بهية: هم فين.. حسرتى. الأم: ربنا عنده العوض. كورس: والعوض جالك لحد الباب.. وبرضوا قلتى لا”.
والحوار التالى، رغم ما فيه من تكرار إلا أنه يشير إلى أن النيّة كانت متجهة إلى اغتيال الملك فاروق لحظة خروجه من مصر، لذلك تم حذفه، وها هو نصه: “عطية: كان صباعى ع الزناد.. والبارودة معمرة.. والملك طالع وسبقاه الشنط.. ساعتها سمعت صوت.. صوت غريب جوايا بيوشوش فى صدرى.. بس ضارب للنافوخ.. أيوه.. صوت جاى من بعيد. كورس: شد حيلك يا عطية. عطية: الملك نازل وسبقاه الشنط.. يعنى لازم نكرمه.. على قد ما كان كريم ويا البلد.. أفتكر أفضال جلالته.. لعبة الأحزاب ما بين يحيا ويسقط.. الكورس: الصباع فوق الزناد.. والبارودة معمرة.. والملك قرب يا دوب بينك وبينه. عطية: متر واحد.. نص متر. بهية: شبر واحد يا عطية. كورس: الملك هايعدى منك.. اوعى يفلت.. اوعى اوعى يعدى منك. بهية: اوعى.. اوعى يا عطية. كورس: الصباع فوق الزناد.. والبارودة معمرة. عطية: والمدافع عاملة مولد.. بس مولد صاحبه غايب.. طلقة فى المولد تضيع. بهية: يلا يا عطية. الجميع: يلا يا عطية. عطية: الملك عداك خلاص.. ربع متر.. نصف متر.. متر.. متر ونص.. مترين.. معلهش.. لسه برضوا ما فلتش.. الصباع فوق الزناد.. والبارودة معمرة والرصاصة تقرب الصيد البعيد.. وأنت فى التنشين معلم. الجميع: يلا يا عطية.. اضرب.. اضرب.. اضرب.. اضرب (صوت موتور يخت وصفارة ثم فترة صمت طويلة نسبيًا). كورس: ليه ما دستش ع الزناد. عطية: كان بقيله لسه عمر. كورس: أبدًا.. قول انكتب له.. عمر تانى.. على إيدك». وإن كان الحوار يدور حول دفع عطية لاغتيال الملك، نجد أن الحوار يستمر والكل يسأل عطية: «ليه ما دستش على الزناد»، فنجده يأتى بالتاريخ ويتساءل لماذا لم يضغط على الزناد أحمد عرابى ويتخلص من الخديو؟! وكذلك عمر مكرم.. إلخ.
وهناك حوار طويل استمر أكثر من صفحتين – ص 5 و6 من الفصل الثانى من الصعب نقله كله هنا – قامت الرقابة بشطبه، يدور تصريحًا وتلميحًا حول جبل أسوان والسد العالى والجيش والحرب وهزيمة 1967 وقيادة الدولة فى الأوقات العصيبة. وحوار مماثل فى صفحتى 8 و9 شطبته الرقابة، أنتقى منه هذا الجزء: “الكورس: ما فيش خيانة.. قلبك أبيض.. قول يا باسط.. هو يعنى المال ده مالك؟ خدت إيه؟ إنت مالك.. مشى حالك يمشى حالك.. الحكاية بسيطة خالص.. شكة الدبوس.. وأبسط.. استلمنا واستلمت.. وصرفنا ف يوم تاريخه.. كل شيء مذكور عاليه.. بالعدد والوزن والحجم المناسب.. حط أى رقم تعوزه.. ويحول.. ويرحل.. ويراجع.. ويفنط.. والأشيا معدن.. عطية: ده لا حلم.. ولا علم.. ولا له يا أمينة أى اسم.. أهبش.. أهبش.. أهبر.. أهبر.. عبى.. عبى.. خد وناول.. شيِل وشَيّل.. وإن سرقت أسرق جمل.. والمقاولة بالمقاولة.. ع الجبل.. ع الهرم.. ع البلد.. مش مهم.. المهم تشيل وبس.. أردغانة.. والبلد تخرب ما تعمر.. لينا يعنى فيها إيه.. ولا فاضل فيها إيه.. يبقى خليك زى غيرك.. والحرام إن حللوه.. الحلال بيحرموه.. شهر واحد يا أمينة.. شهر واحد فى المخازن.. اكتشفت إن اللى راح.. على بند سد خانة.. وخلافه.. كان يقوم سد تانى.. سد عالى.... إلخ». وطالبت الرقابة أيضًا بشطب الحوار التالى بين عطية وحمدى هكذا: “حمدي: تصدق قالى إيه.. حاجة ترعب. عطية: إيه؟ حمدي: قاللى شقة فى الزمالك.. تحت أمرك.. فيها واحد من بتوع الفن زيك.. تحت أمرك.. هى غاوية الفرفشة ع الموسيقى والفلوس أغرف وخذ.. تحت أمرك.. بس تتفاهم معانا.. عطية: على إيه؟؟ حمدي: على جمع المعلومات.. معلومات عن أى حاجة.. معلومات عن أى حد.. معلومات عن أى حتة فيها ريحة معلومات.. حتى لو مالهاش أى قيمة.. أنا فين؟ إحنا فين؟ طب تصدق يا عطية.. أنا خايف.. أيوة.. خايف يقتلوني». هذه أمثلة من الحوارات الكثيرة التى حذفتها الرقابة، بالإضافة إلى عبارات كثيرة تشير إلى هزيمة 1967 بصورة أو بأخرى حذفتها الرقابة من النص، مثل: قول الكورس: «حد شاف مركب بتغرق.. نصها غطسان.. ومادة نصها.. نصها التانى تمام زى الغريق؟”. وعبارة: “شوف معايا كام شهادة.. المعاهد بره مصر.. كلها شهدت لى.. إلا هية مصر». وعبارة: «يعنى هاجروا اطفشوا وسيبوا البلد.. أجروها بفرشها.. طب لمين؟؟ للمقاولين الأجانب.. يعنى ينى وشركاه”.
هذه المحذوفات المُبالغ فى كميتها من قبل الرقابة، تكاد تصل إلى نصف حجم النص، مما جعل «اعتدال ممتاز» تطالب بأن الفرقة لا تلتزم بالنص المُقدم ولا تنفذ طلبات الرقابة بالحذف، وتلتزم بالنص الأصلى الذى قُدم إلى الرقابة من قبل المسرح القومى منذ ثلاثة أشهر وتم تمثيله! وتبعًا لخبرتى فى قراءة وثائق الرقابة فى هذه الفترة، أقول إن الفرقة - بنسبة كبيرة - صرفت النظر عن تمثيل المسرحية، لأن نص تصريح الرقابة المكتوب فى الصفحة الأخيرة خالٍ من خاتم الرقابة ومن رقم التصريح أو تاريخيه، مما يعنى أن تأشيرة اعتدال ممتاز تم تنفيذها! بمعنى لو أرادت فرقة السويس عرض المسرحية تعرضها باسم «قولوا لعين الشمس» وتمثل النص الذى عرضه المسرح القومى، ولا أظن فرقة السويس كانت تريد ذلك، بل كانت تريد عرض النص الذى قدمته بما فيه من تغييرات وزيادات حذفتها الرقابة! ومن الممكن لباحث - أو معاصر لهذه الفترة فى السويس - أن يخبرنا هل السويس عرضت هذه المسرحية أم لا؟
مخطوطة النص الثالث والأخير لهذه المسرحية محفوظة تحت رقم «242» ومكتوب على صفحتها الأولى الآتي: مسرحية «قولوا لعين الشمس» تأليف نجيب سرور، إخراج سيد شافعى، بتاريخ 15/12/1973 أى بعد تسعة أشهر من النص السابق. وللأسف الشديد لم أجد شيئًا مكتوبًا على الصفحة الأخيرة المخصصة لكتابة التصريح بالتمثيل كما هى العادة! بل ولم أجد أى تقارير رقابية! ولم أجد أى توثيق سوى عبارة غير واضحة ولا تُقرأ إلا بصعوبة بالغة، كونها مكتوبة بالقلم الرصاص، نجحت فى قراءتها وتقول: “أُرسل خطاب بالرفض برقم «172» فى 16/12/1973 مراعاة للصالح العام». ومن يقرأ النص سيكتشف أسباب الرفض دون الحاجة إلى أسباب وأدلة! فكفى أن مقدمة النص تبدأ بصراع بين الشخصيات هل العرض يبدأ بانتصار أكتوبر 1973 أم بهزيمة يونية 1967!
«الجميع على المسرح يتوسط المسرح راديو.. بعد لحظات ينطلق صوت الرئيس السادات فى خطابه يوم 16 أكتوبر بنجاح القوات المصرية باقتحام المانع المائى وعبور القناة وتدمير خط بارليف واحتلاله”، ثم يقول عطية: انتصرنا.. أيوه انتصرنا.. بس ما تنسوش من كام سنة.. مع أنها صعبة وتقيلة.. انهزمنا. بهية: ما يهمنيش أعرف أسباب هزيمة مصر إيه. عطية: لأ.. فى دى بالذات لابد أعرف ونعرف كلنا أسباب هزيمة مصر إيه.. وما يهمنيش أعرف انتصرنا إزاى وليه.. لأن الانتصار من حقنا.. كورس: ستة عشرة إذا كان عجب.. برضه له مليون سبب.. ستة عشرة كان بداية ملحمة.. بعد ست سنين طويلة مؤلمة.. نبتدى من خمسة ستة. مجموعة: نبتدى من خمسة ستة. كورس: يوم ما قال الشعب فى يونية الحزين.. إنه أبدًا لن يهين.. لن يلين.. رغم آلام الهزيمة والسنين».
هذا بالإضافة إلى مواطن حذف كثيرة أشار إليها الرقباء، ومنها على سبيل المثال: “وتمام يا مؤمنين ع الطرمخة.. واللى فوق عمال يغطى ع اللى تحت.. واللى تحت.. ع اللى فوق”. وعبارة: “حد عارف.. أهى شوطة والسلام.. زى ما تكون القيامة قربت.. زى ما يكونوا اليهود هايخشوا مصر.. ولا حتى دخلوها». وعبارة: «الحكومة من هنا.. لا يا خالة من هنا.. لا يا عمة من هنا.. الحكومة فوق وتحت.. حواليكى.. عن يمينك.. عن شمالك.. ووراكى.. وقبالك.. خبطى على أى باب.. يفتحولك تدخلى.. وأبقى قابلينا إن خرجتي”. وختام المسرحية الذى جاء فى شكل عبارة واحدة رددتها كل من: بهية والأم وأمينة والكورس، والعبارة هي: «احذروا من خمسة يونيو»!


سيد علي إسماعيل