«كارمن».. من الماضى إلى خشبة اليوم.. من الفن الأوروبى التراثى إلى خشبة مسرح الطليعة

«كارمن»..    من الماضى إلى خشبة اليوم.. من الفن الأوروبى التراثى إلى خشبة مسرح الطليعة

العدد 934 صدر بتاريخ 21يوليو2025

تُعد الأوبرا الكلاسيكية «كارمن» من أشهر وأرقى الأعمال الفنية الأوروبية، والتى تعددت معالجتها على مدى أكثر من مائة وخمسين عامًا منذ أن كتبها الكاتب الفرنسى بروسبيرو ميريميه Prosper Merimeeعام 1845.
ولحنها الموسيقى جورج بيزيه George Bizet، وقُدمت لأول مرة على المسرح عام 1875، كما أخرجها للمسرح المصرى أيضًا الفنان محمد صبحى عام 1999 على خشبة مسرح سينما راديو بالقاهرة.
 هذا وإن دل على شىء فيدل على خلود وقوة ورقى هذا النص الأدبى واستمراريته حتى يومنا هذا.
نحن أمام تجربة معاصرة ومعالجة مختلفة «لكارمن» التى عرفناها وأحببناها وتماهينا معها، كارمن تعود مرة أخرى على خشبة مسرح الطليعة التابع للبيت الفنى للمسرح ووزارة الثقافة، فى قاعة زكى طليمات، برؤية الأستاذ المخرج ناصر عبدالمنعم، بطولة الفنانة ريم أحمد والفنان ميدو عبدالقادر.
على مستوى التمثيل فأننا نرى فى أداء ريم أحمد لدور كارمن المهارة الفائقة فى التلون الانفعالى والشعورى، والتأرجح بين الامرأة المشاكسة الحرة والجذابة، استطاعت ريم أحمد آداء هذا التلون على أكمل وجه، بلغة عربية منضبطة ورفيعة نشعر فيها بشيء من السلاسة، كما قدمت الاستعراضات بتجسيد حركى مبهر عكس عروض أخرى يكون الراقصون فيها ليسوا بالمهارة الكافية لأداء الاستعراضات بشكل متقن.
لكن على الرغم من ذلك، أرى أن مستوى الإبهار المرئى قد تعالى على المستوى الشعورى، فدخول كارمن على الخشبة يثير الإبهار والعين أكثر من إثارة مشاعر المتلقى والتفاعل الوجدانى معها.
 أما الضابط خوسيه فقد استطاع ميدو عبدالقادر تحقيق صراعه الداخلى المنقسم بين حبه وانجذابه الشديد لكارمن، وبين محاولته الالتزام بأداء مهامه العسكرية وتحوله المتدرج فى الشخصية من التزام ثم عشق ثم ذنب، فتحول من ضابط لسجين وقاتل وهو ما يأخذنا للنظر فى ثنائية قوه النظام التى تحطمت أمام الحرية والحب.
ومن النقاط المهمة والمميزة هو توظيف الاستعراضات لاستكمال مناطق مهمة فى الحبكة فقام ميدو عبدالقادر بأداء استعراضات: مثل استعراضه مع خصمه لاستيفاء أحداث معينة، مستعينًا بالأداء الحركى، على عكس بعض العروض التى توظف استعراضاتها لمجرد المتعة والصنعة البصرية فقط، فكانت الاستعراضات تلخص أجزاء رئيسية فى البناء الدرامى وتم توظيفها بشكل واعٍ.
ومن الشخصيات المهمة أيضًا مانويلا قارئه التاروت، كانت بمثابة المتنبئ والسارد.
وقد امتعتنا مانويلا بأداء غنائى غايه فى الجمال والرقى.
كما ساهم الديكور فى أكتمال الصورة البصرية الأجمالية للعرض مستغلاً لمساحات خشبة المسرح بشكل ذكى فى أيجاد حلول بسيطة للتنقل بين الأماكن.
فكان جدار ألحانه من الداخل مجزع طوليا وتم صنع عده مستويات لمناطق التمثيل (تم توظيفها من أعلى خشبه المسرح أى أعمق نقطه فى الخشبة إلى أقصى أسفل الخشبة أى اقرب جزء للجمهور) وباستخدام قماشه عالية الشفافية تم خلق مستوى تعبيرى أعمق من مستوى ألحانه.
و بموتيفه ديكور أخرى تم خلق مستوى أمامى للسجن
وتمتع العرض بمهارة عالية فى نقل وتحريك أجزاء الديكور دون أى تشتيت أو إزعاج أو صعوبة.
واختيار الموسيقى هى نفس موسيقى أوبرا كارمن الأصلية فكانت ملاءمة للجو العام للعرض وإضافة مهمة.
كما عبرت الملابس عن المجتمع الإسبانى فى اشبيليه وتلاقت مع سمات الشخصيات مثل ازياء كارمن المتنوعة والتى تمتعت كلها بالألوان الساخنة (بين الأحمر والقرمزى والاحمر الداكن) التى تعبر عن الإغراء والرغبة.
وكانت الإضاءة كذلك معبرة، حيث تأرجحت بين الألوان الساخنة لتعبر عن حالات الحب فى المشاهد الرومانسية، والبنفسجى التى يعطى إحساسا بالسحر والغرابة، والأزرق الذى يعبر عن تجمد المشاعر فى مشاهد الصدمة أو الاضطرابات النفسية. وأن كانت فى أحد المشاهد تم إسقاط كشافيين جانبيين فى لحظه تلاقى كارمن وخوسيه فى طرف خشبه المسرح ما أسقط ظلالًا على وجه كل منهما فى لحظة إبداء مشاعر مهمة كان من الضرورى فيها أن نرى عيونهما وتعبيرات وجههما.
فى النهاية تحية شكر وتقدير للمخرج الفنان ناصر عبدالمنعم وكل القائمين على العمل لإنتاج هذه التوليفة الرائعة الممتعة السلسة الصادقة التى افتقدناها وسط عالم ملىء بالتصنع.


مارينا صفوت بشاى