النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(29) نجيب سرور والكلمات المتقاطعة!

النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(29) نجيب سرور والكلمات المتقاطعة!

العدد 934 صدر بتاريخ 21يوليو2025

تحت رقم «386» توجد مخطوطة مسرحية «الكلمات المتقاطعة»، وعلى غلاف الدوسيه أخضر اللون - المحفوظ بداخلة المخطوطة - مكتوب بخط اليد «منتخب جامعة القاهرة» مسرحية «الكلمات المتقاطعة». ومن الواضح أن غلاف المخطوطة غير موجود، وكذلك مجموعة صفحات متفرقة غير موجودة تبعًا لتسلسل أرقام الصفحات! أما الصفحة رقم «1» فموجودة، وتُعد هى غلاف المخطوطة؛ لأن خاتم جامعة القاهرة موجود عليها، وكذلك توقيع مراقب عام الجامعة وتاريخ تقديم النص إلى الرقابة فى 27/3/1979. كل هذه المعلومات موجودة وموثقة إلا أهم معلومة: من هو مؤلف هذا النص؟! للأسف غير موجود على الدوسيه ولا على الصفحة الأولى، ولا على أية صفحة من صفحات المخطوطة! ولم يبق أمامى إلا التصريح الرقابى فى نهاية المخطوطة!
وللأسف الشديد.. التصريح بتمثيل المسرحية الموجود فى آخر صفحة من المخطوطة كان خاليًا من اسم المؤلف أو الإشارة إليه بأى صورة! وهذا نص التصريح كما جاء: “لا مانع من الترخيص بأداء هذه المسرحية «الكلمات المتقاطعة» لمنتخب جامعة القاهرة على أن يراعى الآتي: “حفظ الآداب العامة مع حذف جميع الألفاظ النابية والألفاظ البذيئة وحفظ الآداب فى الحركات والملابس ص 14، 32، 35، 40، 41، 43، 44، 54، 57، 62، 63، 64. وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها النظر فى الترخيص بصفة نهائية”. ثم توقيع المدير العام وخاتم الرقابة ورقم التصريح «92» بتاريخ 29/3/1979.
مما سبق يتضح لنا أن مخطوطة المسرحية خالية من اسم مؤلفها أو الإشارة إليه، وهذا أمر غريب ولا أظن أن الرقابة تقبله رغم أنها تتعامل مع الفرقة التى ستمثل النص لا مع مؤلفه، إلا أن من الواجب أن تذكر الرقابة اسم المؤلف بأى شكل من الأشكال! ولو أن بعض صفحات المخطوطة مفقودة لقلت إن الأمر مقصود! وسبب شكى فى الأمر أن التوثيق والأختام الخاصة باستقبال النص من الرقابة، والذى يحمل الأختام والتوقيعات الرسمية ورقم وتاريخ ورود النص إلى الرقابة.. كل هذا يكون على صفحة الغلاف التى بها اسم الفرقة والمؤلف وأحيانًا اسم المخرج! لكن للأسف كل هذا تم على الصفحة رقم «1» من المخطوطة والتى بها وصف المسرح، وجاء فيها الآتي:
«مجرد ستارة مرسوم عليها الكاتب المصرى.. الممثلون يدخلون إلى المسرح مع دخول المتفرجين إلى الصالة، ويجلسون على مقاعد مصفوفة فى شبه أقواس تكمل مع صفوف مقاعد الصالة ما يشبه المسرح الدائرى.. إشارة بدء العرض هى مجرد تغيير فى الإضاءة يركز على الدائرة التى يحيط بها الممثلون من جانبى المسرح والصالة ويراعى ما يوحى دائمًا بأن العرض لم يبدأ بعد.. مثل مرور باعة الكازوزة والقهوة ومرور البلاسير من وقت لآخر لمساعدة بعض المتأخرين عن الموعد المفروض للعرض على الجلوس”.
كدت سأسجل هذا النص تحت بند «مجهول المؤلف» لولا وجود بعض التقارير الرقابية المرفقة، وكل تقرير مكتوب فى بياناته: اسم المسرحية، ثم اسم المؤلف، ثم اسم الفرقة، ومن هنا علمت أن النص من تأليف «نجيب سرور»! مما يعنى أن هذا العرض سيتم بعد وفاة مؤلفه بعدة أشهر! فهل اسم «نجيب سرور» يمثل مشكلة للمسرح الجامعى حتى بعد وفاته، لدرجة عدم كتابة اسمه على نص من تأليفه؟! وهل تم عرض النص بالفعل من قبل منتخب جامعة القاهرة، وفى أى مناسبة تم عرضه؟! كل هذا يحتاج إلى باحث يتتبع الأمر ويتحقق منه، ويقارن بين النص المخطوط والنص المنشور لإمكانية وجود اختلافات بينهما، كون النص المخطوط الذى بين أيدينا تاريخه قبل تاريخ النص المنشور بأكثر من عشرين سنة! وبناء على ذلك، يجب أن ننشر ما جاء فى التقارير الرقابية المرفقة بالمخطوطة، كونها التوثيق الوحيد الذى ذكر اسم «نجيب سرور» بوصفه المؤلف، وأيضًا لأن التقارير ذكرت ملخصًا كاملًا للمسرحية، يعالج إشكالية الصفحات المفقودة!
التقرير الأول كتبه الرقيب «محسن مصيلحي» يوم 28/3/1979 – وليس عام 1969 كما جاء فى توقيع التقرير، كونه خطأ كتابيًا بشريًا – قائلًا: «تدور أحداث المسرحية بشكل متقطع فيفترض المؤلف فى البداية أن بداية رفع الستار عن مسرحية الكلمات المتقاطعة قد تأخر والوزير يحضر حفل الافتتاح وعلى ذلك نبدأ فى مشاهدة مناقشات ثنائية بين الحاضرين، وهم أصلًا ممثلو المسرحية. فنرى موقفًا من مناقشة زوجة مثقفة ثقافة سطحية ومعجبة جدًا بسارتر وسيمون دى بوفوار والتى تحب الوجودية وبين زوجها الذى يعترض على معاملته بهذا الشكل أى على أنه غير مثقف بل ويرى أن سارتر ودى بوفوار عليهما أن يكونوا قدوة للوجودية وينتحرا. والموقف الآخر بين اثنين من الممثلين المسرحيين الذين يحسون بالفشل إزاء النجاح التجارى الذى تحققه الراقصات ويطمعا فى تكوين ثنائى فنى بل ويبدأ فى تمثيل أجزاء من هاملت وعطيل. وهما يريدان الربح السريع بل ويرسمان خطة للعمل فى كل المجالات مثل التليفزيون والملاهى الليلية والمسارح والسينما. والموقف الآخر بين اثنين من النقاد أحدهم مدعى ثقافة بل يكتب عن المسرحيات النقد قبل رؤيتها والأجانب عنده هم قمة الثقافة.. وليس المصريين المتعلمين فى الخارج إلا دجالين ونظيره ناقد آخر يحترم كل وجهات النظر ويؤيد المخرجين المصريين بل ويقول إنهم لا يقلون ثقافة عن الأجانب. الموقف الآخر بين منتج لا يعرف شيئًا عن التاريخ أو الثقافة العامة وبين سيناريست يريد قبض العربون – أى عربون – وقد حضرا خصيصًا لرؤية المسرحية ونقلها. والسيناريست يؤلف عادة القصة المصرية التى تقول إن ابنة الباشا تصطدم ببطل الفيلم وفى النهاية يتزوجها. وفى النهاية يحضر بطل العرض ويبدأ فنرى أبو العلاء المعرى وقد أتى إلى القرن العشرين فيقابل أحد أبناء البلد الذى يتحاور معه ولكن الحقيقة أن المسرحية نفسها قد انتهت بالحوار بين المتفرجين”. وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: “أوافق على إتمام عرض هذه المسرحية حيث إنها تشير إلى الكثير من السلبيات الاجتماعية وبين طرفى النقيض تدور الأحداث لكى تكشف عن مدعى الثقافة والذين لا يرون إلا رأيهم، على أن يراعى الحذف فى صفحات 14، 32، 40، 41، 43، 44، 54، 57، 62، 63، 64”.
والتقرير الآخر – المحفوظ رفق مخطوطة المسرحية – كتبته الرقيبة «شكرية السيد»، وكتبت ملخصًا للمسرحية، جاء مختلفًا فى بعض تفاصيله، ويُعدّ إضافة إلى التقرير السابق فى فهم النص، لا سيما وأن بعض صفحاته مفقودة، هذا بالإضافة إلى وصف الرقيبة للمسرحية بأنها مسرحية «تجريبية»، قائلة: “يدخل جمهور كبير إلى أحد المسارح، يجلسون على مقاعد فى الصالة مصفوفة فى شبه أقواس تمثل ما يشبه المسرح الدائرى، ويبدأ العرض – ليس على المسرح ولكن بين صفوف المتفرجين فى الصالة الذين يمثلون نماذج بشرية مختلفة عن بعضها فى مجتمعنا.. يبدأون فى حوار عن كل شىء وفى كل شىء حتى يتم بدء العرض الحقيقى للمسرحية التجريبية الكوميدية «الكلمات المتقاعدة». وهذا الحوار يجرى أحيانًا بين صحفية وزوجها، وممثل وممثلة، ومؤلف ومنتج، وناقد وزميله، وخنفس وخنفساية، وزوج وزوجته، ووزير ومدير، عن الفن كالتمثيل والأدب والتأليف والاقتباس والسينما والإذاعة والمسرح والتليفزيون.. ثم ينتقل إلى الخيانة الزوجية، والحياة العامة ومعاناة الشعب، وارتفاع الأسعار.. إلخ، وبين الحين والحين يعتذر مدير المسرح عن تأخير رفع الستار لتأخير البطل «قشاط» فى الحضور لوقوع حادث له.. وفى النهاية وبعد الملل الكبير الذى يعترى المتفرجين الذين استنفذوا كل أنواع الحديث، يعلن المدير عن بدأ العرض بين البطل والبطلة.. ويدور حوار الكلمات المتقاطعة أيضًا فى كل شىء وأى شىء.. فى أشياء من واقع الحياة ومعاناة الناس فيها.. وفى اللا معقول.. وتنتهى المسرحية بإسدال الستار واستراحة قصيرة لحين بدء العرض من جديد لنفس المسرحية”. وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “لا مانع من الترخيص بعرض هذه المسرحية عرضًا عامًا وذلك بعد حذف الكلمات بالصفحات بالأرقام الآتية: 3، 5، 6، 7، 8، 9، 13، 14، 16، 20، 21، 22، 25، 26، 32، 34، 37، 40، 41، 43، 44، 46، 61، 62، 63، 64، 65، 71، 72، 73، وإرفاق الصفحات 42، 56؛ لأنها ساقطة من النص ولمراقبتها”.
ومن الغريب أن الرقيبة كتبت نقدًا للنص بعد رأيها السابق، وهو أمر غير معتاد، كون الرقيب يكتب كل ما لديه فى التقرير الذى ينتهى برأى الرقيب عادة بذكر الملاحظات وأرقام الصفحات التى بها عبارات يجب حذفها! أما أن يكتب بعد ذلك رأيًا نقديًا فكان الأمر غير مألوف، رغم أن النقد المكتوب يعكس أمورًا كثيرة فى تطور عمل الرقيب بوصفه ناقدًا مسرحيًا! فقد قالت الرقيبة فى نقدها: “وهذه المسرحية تحمل رموزًا موضوعية فى أشياء كثيرة فى حياتنا العامة وعن جميع أنواع الفنون كما سبق أن ذكرت بعاليه، وهى تركز على أن جميع الناس يمثلون، فالجمهور يمثل وليس الممثلون فقط هم الذين يمثلون، فالممثل جمهور والجمهور ممثل.. والحياة هى كل شىء وأى شىء ولا شىء.. ورموز هذه المسرحية تحمل فى طياتها نقدًا لاذعًا ومضحكًا لحياتنا العامة والخاصة فكل حوار أو حديث أو كلمات هى كلمات متقاطعة فى بعضها البعض”.
وبالاطلاع على مخطوطة المسرحية والوقوف على نماذج من مواضع الحذف التى حذفتها الرقابة، حوار دار بين الناقد وزميله، بدأ هكذا: “الزميل: والرواية دى.. كان اسمها إيه؟ الناقد: سقوط برج القاهرة. الزميل: وده اسم ده.. دا يسقط الحامل. الناقد: ما هو قطم رقبة الرواية. الزميل: ورقبة المؤلف. الناقد: لا.. رقبته يا أخى جامدة.. إنما مسيرها تنقطم.. أنا إنشاء الله.. اللى ها أقطم رقبته. الزميل: ناوى تكتب عن الرواية؟ الناقد: عدد خاص.. م الافتتاحية.. إحدى الكلمات المتقاطعة.. لازم.. لازم أخلص عليه.. لازم أجيب مناخيره الأرض.. تعرف إنى كتبت لحد دلوقتى ييجى عشرين صفحة فولسكاب.. فيها حوالى ميت مأخذ ع الرواية؟ الزميل: أنت شفتها؟ الناقد: لا.. إنما دى مقدمة.. مقدمة للى ناوى أكتبه.. الزميل: مش جايز يرد؟ الناقد: مش ها يقدر يرد.. ها يخرس.. المرة دى ها يخرس”. بعد ذلك جاء الحوار المحذوف من قبل الرقابة وهو الآتي:
«الزميل: ليه؟ الناقد: لو رد ها يودى نفسه فى داهية. الزميل: هو بيتعاطى السياسة. الناقد: السياسة.. والكونياك. الزميل: طب أفرض ألح ورد. الناقد: يبقى ارتاح وريحنا. الزميل: يا لعبة الأيام. الناقد: الرقابة صابحة.. مفتحة عنيها كويس.. ممكن الرقابة تسمح بحاجات زى دى خصوصًا فى الظروف الحرجة اللى بنجتازها. الزميل: مش ممكن طبعًا. الناقد: أنا بقى محضر له كام مطب.. كل مطب كافى لشنقه.. بلدنا ما عادش فيها للمتفسخين. الزميل: فعلًا. الناقد: وعشان كده هايخرس».
ومن الحوارات التى تم حذف بعض الجمل منها، هذا الحوار: “المؤلف: أراهنك لو عملنا فيلم عن التل الكبير عن طريق الإسكندرية وضرب الإسكندرية.. أراهنك إن ما كان الوزير نفسه هو اللى يسلمك جايزة الدولة التقديرية. المنتج: طب والرقابة. المؤلف: يا جدع الرقابة تابعة للوزير. [صفحة غير موجودة ثم يأتى حذفت القول الآتي].. إلا يوم ما تعرف ولادها وتلم عضمهم.. ولادها كتير بس يا خسارة.. بيموتوا فى بلاد بره.. تمام زى بتوع البعثات.. أعنى.. أمتى المبعوثين دول يرجعوا.. تصدق بالله لو الرقابة رفضت تصرح بفيلم زى ده لأخذ النص وأروح.. ع المنشية [أى إلى منزل الرئيس جمال عبد الناصر] المنتج: مش ها يدخلوك.. هناك كردون عساكر.. وحرس.. ومتاريس. المؤلف: تصدق بالله أشق هدومى.. وأعيط وأصوت وأقول روحوا يا هوه.. لحد الريس ما يقول دخلوا المجنون ده. المنتج: هايدخلوك الخانكة. المؤلف: وماله.. ما هما خرجونى منها. المنتج: أنت كاره نفسك. المؤلف: أبدًا.. بس نفسى أجرب.. اللى يخاف عمره ما يعمل حاجة.. واللى عايز يعمل حاجة عمره ما يخاف.. يا أخى أنا بأدخل الجامع أقابل ربنا موش هاقدر أدخل المنشية وأقابل الريس؟”.


سيد علي إسماعيل