شهد مسرح السامر تجربة استثنائية مع عرض «7 راكب» للمخرج عمرو حسن، حيث يقف على خشبته أبطال غالبيتهم من المتعافين من الإدمان، ليقدموا عملاً فنياً يمزج بين الدراما والتحذير من تداعيات الإدمان على الفرد والأسرة. فى رحلة تمتد لنحو 70 دقيقة داخل ميكروباص متجه من القاهرة إلى الإسكندرية، تتكشف مواقف إنسانية وصراعات اجتماعية تعكس صورة مصغرة للمجتمع بكل تناقضاته. عن تفاصيل التجربة ورسائلها الإنسانية والفنية التقت مسرحنا بالمخرج عمرو حسن للتعرف أكثر على كواليس التجربة والرحلة مع المتعافين.من أين جاءت فكرة «7 راكب».. وهل كان الهدف منذ البداية أن يكون العمل تجربة فنية أم أداة للتوعية؟الفكرة لم تكن فى الأساس فكرة عرض مسرحى، بقدر ما كانت برنامجًا يقدمه «صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي» تحت عنوان «العلاج بالفن». وكان الهدف منه تمكين المتعافين من مرضى الإدمان، ورفع مهاراتهم، وتمكينهم معرفيًا وثقافيًا، وتنمية مهاراتهم الإبداعية بهدف إعادة دمجهم فى المجتمع بشكل يضمن قبولهم. وبالتالى، لم يكن الهدف رفع المهارات من أجل عرض مسرحى على الإطلاق. ولكن عندما وجدنا أن لديهم مواهب فى التمثيل وكتابة الشعر والقصة، بدأنا نفكر فى استثمار هذه المواهب عبر إنتاج عمل مسرحى، وهكذا كان عرض 7 راكب. والهدف من العرض المسرحى، بعد تدشين البرنامج، هو التوعية، وفى الوقت نفسه أن يُقدَّم فى إطار فنى جذاب. فكرة العرض ككل والهدف منه كانت مستوحاة من شعار حملة «أنت أقوى من المخدرات»، ولكن أضفنا إليه فكرة أن المخدرات لا تؤذيك وحدك أو تضيعك وحدك، بل تضيع كل من حولك، سواء بيئتك المحيطة، أسرتك، دنياك أو أصدقاؤك.كيف جرى التعاون مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والهيئة العامة لقصور الثقافة.. وهل وضع هذا التعاون أى قيود أو فتح فرص جديدة؟التعاون بين الصندوق ووزارة الثقافة جاء فى إطار الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات، والتى كان من أهم مكوناتها المكون الثقافى. بالتالى، كانت هناك شراكة محترمة بين الصندوق ووزارة الثقافة، ممثلة فى الهيئة العامة لقصور الثقافة.ثم تم الاتفاق على أن نقوم نحن بإنتاج العمل بالكامل، وهم يستضيفونه على مسارح وزارة الثقافة. كانت الأمور تسير بشكل لطيف جدًا، وهذا هو التعاون الذى نأمل أن يكون بين كل الوزارات فى مواجهة المشاكل المجتمعية، بحيث تتكاتف جهود الهيئات والوزارات لمواجهة أى مشكلة فى المجتمع.قرارك بالرهان على خمسة متعافين فى أدوار رئيسية كان جريئًا.. ما الذى دفعك إليه؟قرار الاعتماد على خمسة من المتعافين كان فيه نوع من المجازفة الكبيرة، لكن مواهبهم هى التى فرضت على هذا القرار بصراحة. هم شباب موهوبون ولديهم شغف وحب لما يفعلونه ومتقنون له، وهذا ما شجعنى على الاعتماد عليهم فى خمسة أدوار رئيسية.كيف تعاملت مع فترة التدريب التى استغرقت أربعة أشهر؟ وما الصعوبات التى واجهتها أثناء إعدادهم للوقوف على الخشبة؟فترة الإعداد استمرت أربعة أشهر، بالإضافة إلى ثلاثة أشهر من التدريبات. طبعًا، كان هناك الكثير من المخاوف: هل التجربة ستنجح أم لا؟ هل سيستمرون على شغفهم؟ كان أكبر تحدٍّ هو الاستمرارية، وهل ستكون لديهم القدرة على تحمل الضغوط. ورشة المسرح التى حصلوا عليها ضمن ورشة إعداد الممثل علمتهم الوقوف على خشبة المسرح، التعامل مع الضوء، التقمص، الأداء، وفنون الإلقاء. لكن فى النهاية، كانوا يحتاجون إلى الطمأنينة أكثر.ماذا أضاف حضورهم الحقيقى كمتعافين إلى العمل مقارنة بممثلين محترفين؟الحمد لله، تقبلوا الورشة وبدأ شغفهم يزيد يومًا بعد يوم، ووصلنا إلى مرحلة العرض الأخير.لم تكن هناك معوقات أكثر من خوفنا على المشروع، وخوفنا عليهم كشباب يعلنون رجوعهم للحياة مرة أخرى بشكل مبتكر ومبدع، وبالتالى تكون الرسالة أكثر تأثيرًا ومصداقية.كيف نسجت التوازن بين الطابع الواقعى (حكاياتهم الشخصية) والبعد الرمزى (التيه فى الصحراء)؟فى العرض، لم أحاول التطرق لقصصهم الواقعية أو حكاياتهم الشخصية على الإطلاق. حاولت أن أعرض ضرر المخدرات على المجموعة: على الطالب، وعلى الطبيب، وعلى أحلام الشباب التى كانت تضيع بسبب شخص واحد مدمن. وبالمناسبة، أصررت أن الذى يؤدى دور المدمن لا يكون أحد الأبطال المتعافين، بل جعلت ممثلًا محترفًا يقوم بالدور، لأننى يهمنى أن أقدمه بشكل مختلف، لا أن يحكى حكايته. لأن الهدف من العرض كان إلقاء الضوء على التأثيرات المدمرة للمخدرات على المجتمع والفرد.لماذا قررت أن تبقى الرسالة التوعوية المباشرة إلى اللحظات الأخيرة من العرض؟كان من المهم أن تكون الرسالة فى آخر العرض ليحدث تعايش مع القصة والحدوتة. لو جاءت الرسالة فى أول العرض أو فى منتصفه، لفقد تأثيره، حيث أن الأزمة فى القصة كانت تتصاعد، بدأت صغيرة ثم تطورت إلى صراعات شخصية ثم صراع بقاء. أردت أن أبين الانتكاسات والانهيارات التى تسببها المخدرات بشكل غير مباشر.كيف اشتغلت على إيقاع العرض لضمان عدم تسلل الملل رغم اعتماد الحكايات الفردية؟لتجنب شعور الملل أو الاعتماد على السرد الفردى، صنعت تنوعًا بين المشاهد الفردية والجماعية، وبين المشاعر الإنسانية واللحظات الكوميدية، وذلك لخلق حالة من الإيقاع السريع والمتلاحق للمشاهد، وبالتالى لن تشعر بملل للحظة.ما مدى تأثير تصميم الإضاءة للفنانة عز حلمى فى دعم رؤيتك؟ وكيف وظفت الفيديوهات والإسقاطات داخل العرض؟مصمم الإضاءة عز حلمى من المبدعين فى مجاله. عندما جلسنا معًا وتحدثت معه فى رؤيتى للإضاءة، من حيث تنوع الألوان واختيار الحالة المزاجية (المود) واستخدام الليزر والدخان وتقنية «الفيديو مابينج»، أضاف بخبرته الكبيرة للمسرح وفى تصميم الإضاءة. لقد عملنا معًا فى أكثر من عمل، حتى أصبحنا فريقًا واحدًا نفهم بعضنا البعض حتى من دون كلام.كيف تعاملت مع الموسيقى والشعر لإبراز الحالة النفسية للشخصيات وربط الجمهور بها؟كلمات طارق على، ومحسن عموشة، وأحمد شربينى كانت فى مكانها، وحافظنا على فكرة عدم المباشرة فى اختيار الكلمات. وطبعًا، ألحان النجم أحمد الناصر صنعت حالة بديعة أكدت المعنى الذى نريد إيصاله ولمست المشاعر، سواء فى أغنية الجنرال أو فى أغنية عبد المنعم وإحساسه بأهمية وجود بيت لابنه.ما الذى مثّله وجود الفنان عبدالمنعم رياض بالنسبة لك كمخرج ولزملائه من المتعافين على الخشبة؟عبدالمنعم رياض يمثل «رمانة الميزان» لهذا العرض، وهو بطله الذى جمه كل الخبرات الصغيرة من حوله وحملهم على كتفيه وصعد بهم على الخشبة. فهو ممثل كبير ومسرحى من الطراز الفريد، وأدعو الله أن يكرمه فى موهبته ويعطيه على قدر تعبه ومجهوده.وفكرة أن تجد ممثلًا مثل عبد المنعم، ممثلًا موهوبًا وفى الوقت نفسه لديه إيمان بالقضية ورسالة يريد إيصالها كفنان. من النادر أن تجد ممثلًا يترك انشغالاته وحياته ويستمر معك لفترة من التدريبات والتحضيرات ليحتضن معك الشباب على خشبة المسرح، بدلًا من أن يقول: «جهزوا الشباب وسآتى أنا لاحقًا». على مدى الثلاثة أشهر، كان عبدالمنعم معى فى كل بروفة، لم يتأخر عن واحدة، ولم يتخل عن أى ورشة عمل. هو بالنسبة لى رمانة ميزان العرض.كيف قرأت تفاعل الجمهور مع العرض، خاصة بعد إعلان أن بعض الأبطال متعافون؟تفاعل الجمهور كان أكثر من رائع، وقد أسعدنى أن هناك أمورًا أصبح الجمهور يلمحها ويفك طلاسمها ويحل ألغازها. هذا الأمر أراحنى، فالرمزيات التى كانت فى العرض عندما وجدت أن الجمهور استوعبها، شعرت بالاطمئنان أن رسالتنا وصلت بشكل جيد. ولكن كان لدينا هنا طبيعة جمهور مختلفة فى أول ليلة عرض، وهم أسر المتعافين. وكم كنت سعيدًا بسعادتهم ودموع الفرح التى كانت فى أعينهم وهم يرون أولادهم يعودون للحياة بشكل مختلف وبشكل يجعلهم يمثلون ويقفون على خشبة مسرح ليقدموا رسالة. هذه الفرحة كانت بالنسبة لى لا توصف، وكانت تعتبر الهدف الأسمى من المشروع على المستوى الإنسانى.الزوجة التى تقف فى ظهر زوجها وتأتى لتصفق له كممثل، الزوجة التى تقف بجانب زوجها وتأتى لتصفق له كشاعر وكمطرب، الأخت التى تأتى لترى أخاها وما يقدمه بعد فترة من المعاناة. فحقًا، كانت هذه لحظات تؤكد لى أننا، الحمد لله، نجحنا.ما الرسالة التى كنت حريصًا على أن تصل للجمهور فى النهاية؟ وهل شعرت أنها وصلت كما أردت؟كانت هناك رسالتان للجمهور: الرسالة الأولى هى أن الإدمان مرض، ومريض الإدمان ليس مجرمًا. يجب علينا جميعًا أن نحتضنه ليعود إلى المجتمع، لأننا لو لم نفعل، سينتكس وسيكون الباب الوحيد المفتوح أمامه هو باب الرجوع إلى عالم المخدرات. الرسالة الثانية، كما قلت، هى أن المخدرات لا تؤذيك وحدك، ولا تضيعك وحدك، ولا تدمرك وحدك. نحن كلنا فى مركب واحد، ومعنى أن هناك مدمنًا معنا، فهذا يعنى أن لدينا مشكلة، وهذه المشكلة ستعود آثارها على البيت، ثم المجتمع، ثم البلد.فى رأيك، هل يمكن أن تكون تجربة «7 راكب» نموذجًا لتجارب مسرحية مستقبلية يشارك فيها متعافون أو فئات مهمشة أخرى؟أتمنى أن تكون تجربة «سبع راكب» كمسرحية ونموذج لتجربة فنية، بداية لمشاركة فئات أخرى فى عروض مسرحية وفنية وغنائية، أو حتى حفلات. أيًا كانت موهبة الفئة، أتمنى أن نراها فى أكثر من محفل وبأكثر من شكل ولفئات مستهدفة متعددة. هذا لن يتحقق بصراحة إلا بدعم وإيمان بأهمية دور الفن، وأننا بالفن نقدر أن نغير.ماذا تقول اليوم عن الشعار «بالفن نقدر نغير» بعد تجربتك مع «7 راكب»؟والله بصراحة، قبل تجربة «سبع راكب» كنا نطمح أننا بالفن نقدر أن نغير، لكن تجربة «سبع راكب» أثبتت أننا بالفن قدرنا أن نغير. قدرنا نغير فكرًا، قدرنا نغير وجهة نظر الناس عن الإدمان والمدمنين، قدرنا نغير فى الجمهور وتأثيره بأن يرى تجربة مختلفة، وأن يشعر من خلال أزمة حقيقية كان هو مشاركًا فيها أنه موجود معنا. فالحمد لله، نحن فعلًا بالفن قدرنا أن نغير.كيف تقيم التجربة بشكل عام من الناحية الفنية؟بصراحة، كانت الحالة متكاملة سواء على عنصر.. لا أستطيع أن أقول متكاملة أو غير متكاملة، فالرأى للجمهور فى الأول والأخير، ولكن إلى حد ما، حاولت أن أجعلها متكاملة كمخرج.