«الثقافة الجماهيرية فى الآداب والفنون».. جائزة مصرية لتكريم المبدعين فى دورتها الأولى

«الثقافة الجماهيرية فى الآداب والفنون»..    جائزة مصرية لتكريم المبدعين فى دورتها الأولى

العدد 946 صدر بتاريخ 13أكتوبر2025

فى خطوة جديدة تؤكد حرص الدولة المصرية على دعم رموز الإبداع والفكر والفن، أعلنت وزارة الثقافة، برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، عن فتح باب التقدم للدورة الأولى من جائزة الثقافة الجماهيرية فى الآداب والفنون، التى تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان. تأتى هذه الجائزة فى إطار استراتيجية الوزارة الرامية إلى تكريم المبدعين الكبار، والاعتراف بعطائهم المتواصل وإسهاماتهم فى إثراء المشهد الثقافى المصرى والعربى، تأكيدًا على مكانة الثقافة الجماهيرية كأحد الأعمدة الراسخة التى تقوم عليها هوية مصر الثقافية والفنية.
تسعى الجائزة إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما إتاحة الفرصة لتكريم كبار المبدعين الأحياء من الأدباء والنقاد والفنانين الذين تركوا بصمة حقيقية فى مجالاتهم، وثانيهما ترسيخ قيمة الثقافة الجماهيرية كفضاء يفتح الباب أمام التنوير والإبداع الحر، ويؤكد أن الثقافة ليست حكرًا على النخبة، بل حق أصيل لكل مواطن. ولهذا اختارت الهيئة أن تكون الدورة الأولى للجائزة مكرسة لرمزين كبيرين فى الثقافة المصرية؛ حيث تحمل جائزة الآداب اسم الناقد الكبير الدكتور عز الدين إسماعيل، فيما تأتى جائزة الفنون تحت اسم الفنان الكبير الدكتور أحمد نوار، تكريمًا لمسيرتهما الحافلة وإسهاماتهما الخالدة فى المشهد الثقافى والفنى المصرى.
تُمنح الجائزة فى فرعين رئيسيين: فرع الآداب وفرع الفنون، حيث يتضمن كل فرع مجالات متعددة تتيح مساحة واسعة للتعبير عن ثراء المشهد الإبداعى فى مصر. ففى مجال الآداب، تشمل الجائزة الأعمال الإبداعية كالشعر (فصحى وعامية)، والقصة القصيرة، والرواية، والنصوص المسرحية، وأدب الرحلات، إضافة إلى فرع النقد والدراسات الأدبية والثقافة الشعبية. أما جائزة الفنون، فتغطى مجالى الفنون البصرية التى تضم السينما والفنون التشكيلية، وفنون الأداء التى تشمل المسرح والفنون الشعبية والموسيقى. وتبلغ قيمة الجائزة 100 ألف جنيه مصرى فى كل فرع من فروعها، وهى قيمة رمزية تعكس تقدير الدولة للمبدعين وتكريمها لعطائهم المتواصل.
ومن أبرز ما يميز هذه الجائزة عن غيرها من الجوائز الثقافية أنها لا تقبل الترشيحات من مؤسسات أو أفراد، بل تعتمد على التقدم الشخصى من قبل المبدع نفسه، فى خطوة تؤكد استقلالية الجائزة وموضوعيتها، وتفتح الباب أمام أصحاب المنجز الحقيقى للتقدم دون وساطات أو ترشيحات شكلية. كما وضعت الهيئة عددًا من الشروط الدقيقة التى تضمن نزاهة التنافس وتكافؤ الفرص، منها ألا يكون المتقدم قد حصل على إحدى جوائز الدولة المكافئة أو الأعلى خلال السنوات العشر الأخيرة، وألا يكون قد فاز بجائزة عربية كبرى خلال نفس المدة، إضافة إلى أن يكون قد مضى على نشر كتابه الأول أو عمله الفنى الأول عشرون عامًا على الأقل، بما يعكس مسيرة متكاملة من العطاء والإبداع.
كما تشترط الجائزة تقديم سيرة ذاتية وافية، إلى جانب خمسة أعمال متميزة تمثل خلاصة التجربة الإبداعية للمتقدم، مع تقديم ثلاث نسخ من كل عمل فى حالة الترشح لفرع الآداب، أو أسطوانة مدمجة تتضمن الأعمال الفنية فى حالة الترشح لفرع الفنون. ويُطلب من المتقدمين كذلك ملء استمارة الترشح وإقرارين رسميين، أحدهما يثبت أصالة الأعمال المقدمة، والثانى يتضمن قبول الجائزة حال الفوز بها، وذلك لضمان الشفافية الكاملة واحترام الإجراءات المؤسسية.
أما على مستوى القواعد العامة، فقد شددت الهيئة على أن الجائزة لا تقبل المناصفة، ولا يجوز التقدم لأكثر من فرع، كما لا يحق للفائز التقدم مرة أخرى فى الدورات القادمة، وهو ما يعزز مبدأ تكريم المبدعين المتنوعين عبر الدورات المتعاقبة. كما أكدت القواعد أنه لا يحق لأعضاء الأمانة العامة أو لجان التحكيم التقدم للجائزة، أو المشاركة فى التحكيم خلال الدورة التى يتولون فيها المسؤولية، حفاظًا على النزاهة والحياد الكامل فى عملية الاختيار. واعتبرت قرارات لجان التحكيم نهائية لا يجوز الطعن عليها، لتأكيد استقلالها وموضوعيتها بعيدًا عن أى اعتبارات خارجية.
يُسلم المتقدمون أعمالهم وسيرهم الذاتية إلى مقر أمانة الجائزة فى قصر ثقافة الجيزة، بالدور السادس، عند تقاطع شارع اليابان مع شارع خاتم المرسلين أمام أكاديمية الفنون، حيث تم تخصيص مكاتب استقبال لكل فرع من فرعى الجائزة. كما يمكن التواصل مع الأمانة العامة عبر أرقام الهواتف المخصصة، لتسهيل عملية الاستفسار والمتابعة، فى إطار نهج جديد تتبعه وزارة الثقافة لتبسيط الإجراءات وضمان وصول الخدمات الثقافية إلى الجميع.
ولا تقتصر أهمية هذه الجائزة على قيمتها المادية أو الرمزية، بل تتجاوزها إلى كونها منصة وطنية لتقدير الإبداع الحقيقى، وإعادة الاعتبار لدور الثقافة الجماهيرية فى اكتشاف وتكريم الرموز الذين أثروا الحياة الثقافية لعقود طويلة. إنها رسالة شكر من الدولة المصرية إلى أبنائها المبدعين الذين حملوا مشعل التنوير وساهموا فى تشكيل وجدان الأمة. وتأتى الدورة الأولى لتفتح بابًا جديدًا أمام منظومة الجوائز المصرية التى تشهد تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، سواء من حيث تنوعها أو شمولها لمختلف المجالات الثقافية والفنية.
وتحمل تسمية الدورة الأولى باسم الدكتور عز الدين إسماعيل دلالة رمزية كبيرة؛ فهو أحد أبرز النقاد الذين رسخوا أسس النقد الأدبى الحديث فى العالم العربى، وصاحب رؤية عميقة حول علاقة الأدب بالحياة والمجتمع. كما أن إطلاق جائزة الفنون باسم الدكتور أحمد نوار يأتى تكريمًا لمسيرة فنية ثرية أسهمت فى تجديد الخطاب التشكيلى المصرى، وإغناء المشهد البصرى المعاصر بإبداعات تجاوزت المحلية إلى العالمية. ومن هنا، يمكن القول إن الجائزة لا تكرم الأحياء فقط، بل تكرم أيضًا إرث الذين مهدوا الطريق للأجيال التالية من المبدعين.
وفى ظل هذا التوجه، تبدو جائزة الثقافة الجماهيرية فى الآداب والفنون بمثابة تأكيد جديد على أن الثقافة المصرية ما زالت قادرة على إنتاج المبادرات التى تكرّس معنى العطاء وتؤمن بأن الإبداع فعل وطنى بالدرجة الأولى. فالإبداع هنا ليس ترفًا أو زينة اجتماعية، بل هو أساس من أسس النهضة، ومصدر من مصادر القوة الناعمة التى تميز مصر فى محيطها العربى والعالمى.
إن تأسيس هذه الجائزة فى هذا التوقيت يعكس رؤية استراتيجية تتبناها وزارة الثقافة لإعادة الاعتبار لدور الهيئة العامة لقصور الثقافة كحاضنة رئيسية للمواهب والمبدعين من مختلف أنحاء البلاد، ولتأكيد أن الثقافة الجماهيرية ليست مجرد نشاط ترفيهى، بل منظومة فكرية وفنية تهدف إلى ترسيخ قيم التنوير، والاحتفاء بالمنجز الوطنى الذى صنعته عقول وسواعد المثقفين والفنانين.
وقد حددت الهيئة آخر موعد للتقديم فى 30 نوفمبر 2025، لتمنح المبدعين وقتًا كافيًا لتحضير ملفاتهم وتقديم أعمالهم بأفضل صورة ممكنة. ومن المنتظر أن تعلن نتائج الدورة الأولى فى احتفال رسمى كبير، يُكرّم فيه الفائزون أمام نخبة من رموز الفكر والأدب والفن، فى حدث ثقافى ينتظر أن يكون علامة فارقة فى سجل الجوائز المصرية.
هكذا، تبدو جائزة الثقافة الجماهيرية فى دورتها الأولى أكثر من مجرد جائزة، إنها دعوة مفتوحة لاستعادة روح التنوير، واستحضار القيم التى طالما شكلت وجدان الأمة المصرية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الثقافة بوصفها مرآة المجتمع وضميره الحى. إنها جائزة تُكرم الماضى وتحتفى بالحاضر وتستشرف المستقبل، فى لحظة تتأكد فيها حاجة الوطن إلى صوت المبدع وفاعلية المثقف ودور الفن فى بناء الوعى الجمعى للأجيال القادمة.
 


حسن عبد الهادي