العدد 952 صدر بتاريخ 24نوفمبر2025
منذ انطلاقه قبل أربع سنوات، يحاول مهرجان الفضاءات غير التقليدية أن يفتح نافذة مغايرة على المسرح؛ مسرح لا يولد من الخشبة المغلقة بل من الممرات والسلالم والساحات المفتوحة، حيث يصبح المكان جزءًا من العرض، وتتغير قواعد التمثيل كما يتغير إيقاع التلقى. وفى دورته الرابعة، التى تحمل اسم الفنان مجدى كامل، يواصل المهرجان رهانه على هذا النوع المختلف من التجارب التى لا تحتاج إلى ديكورات ضخمة ولا تجهيزات معقدة، بل تعتمد على حساسية الممثل ووعيه بالفضاء وقدرته على التواصل المباشر مع الجمهور.
واقيمت الدورة الرابعة تحت رعاية أكاديمية الفنون برئاسة الدكتورة غادة جبارة، وينظمها المعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة برئاسة عميده الدكتور إسلام النجدّى، وبإدارة فريق شاب يضم الفنان هشام صبرة مديرًا للمهرجان، والفنان عبد الرحمن المغربى رئيسًا لاتحاد الطلاب، والفنان محمد إسناوى مديرًا تنفيذيًا، والفنانة جينا حميد منسقًا عامًا.
ورغم اعتماد المهرجان على إنتاج ذاتى بالكامل، دون ميزانيات مخصصة للعروض، فإن الطلاب المشاركين يواصلون خوض التجربة بحماس واضح، مدفوعين برغبة فى تطوير المسرح واستكشاف العلاقة المعقدة بين الفضاء المفتوح وبين ما يمكن للممثل أن يصنعه داخله.
كما كرمت الدورة عددًا من الرموز المؤثرة فى المشهد المسرحى، بينهم المخرج محمد عبد المعطى والدكتور عبد ربه حسن، والدكتور جلال حافظ والدكتورة سميرة محسن فى تقدير لدورهم فى دعم الأجيال الجديدة وإسهامهم فى تطوير التجربة المسرحية داخل الأكاديمية وخارجها ومن الراحلين الفنان بهاء الخطيب والفنان وائل عبد الفتاح والفنان مصطفى عزت خصصنا تلك المساحة للتعرف على التجارب المختلفة وكذلك للإستماع إلى الأراء النقدية والتحكيم في الدورة الرابعة.
د. إنجي البستاوي: اختيار العروض في الفضاءات غير التقليدية يفتح آفاقًا جديدة للإبداع ويعيد تشكيل علاقة الممثل بالجمهور
أكدت د. إنجي البستاوي، رئيس لجنة تحكيم مهرجان الفضاءات غير التقليدية بدورته الرابعة، أن عملية اختيار العروض المقدمة في المهرجان لها تأثير عميق في تنمية الفكر الإبداعي لدى الممثل وصنّاع العرض على اختلاف عناصره، إلى جانب دورها الفعّال في تعزيز التفكير الإبداعي لدى الجمهور. وأوضحت أن الطبيعة المتجددة للفضاءات التي تُقدَّم فيها العروض تكسر الرتابة وتخلق حالة من الإبداع اليومي، فالجمهور لا يعرف مسبقًا أي فضاء سيتوجه إليه، ما يمنحه تجربة تلقٍّ متغيرة تثير التساؤلات وتفتح باب الجدل البنّاء، خاصة في العروض التي تُحسن اختيار الفضاء الملائم لطبيعة النص وطبيعة العرض.
وأضافت أن قرب المسافة بين الممثل والجمهور في هذه الفضاءات يمنح الأداء بُعدًا مختلفًا، فالممثل الذي يؤدي أمام جمهور على بعد أمتار قليلة فقط يخوض تجربة مغايرة تمامًا، كما أن الجمهور نفسه قد يجد ذاته جزءًا من العرض أو مشاركًا فيه، مما يخلق حالة تفاعلية ثرية تتجاوز حدود المشاهدة التقليدية.
وعلى الرغم من اختلاف الفضاءات والظروف التقنية مقارنة بما هو متاح على خشبة المسرح التقليدية، شددت د.إنجي البستاوي على أن معايير تقييم الأداء التمثيلي والإخراج والفكر الفني تظل واحدة؛ فالتقييم يرتكز على كيفية توظيف الفضاء، واستخدامه بصورة متناغمة مع جميع عناصر العرض، ومدى انسجام هذه العناصر في خلق تجربة فنية متكاملة للمتفرج، بعيدًا عن أي نغمة نشاز قد تخلّ بالعمل.
واختتمت بالتأكيد على أن مهرجان الفضاءات غير التقليدية يُعد من أهم المهرجانات التي يقدمها المعهد العالي للفنون المسرحية، مشيرة إلى أن الفضل يعود في تأسيسه إلى الأستاذ الدكتور مدحت الكاشف، عميد المعهد السابق، الذي أطلق الدورة الأولى عندما كان يتولى عمادة المعهد، وقدم من خلاله مساحة رحبة للمخرجين والشباب للتجريب والابتكار والإبداع، وللتعبير عن ذواتهم وخوض تجارب جديدة تعرّف الجمهور والطلاب على طاقات فنية مغايرة ومبتكرة.
المسرح حين يخرج إلى الحياة: قراءة نقدية في تجارب مهرجان الفضاءات غير التقليدية
قدمت الناقدة أسماء حجازي قراءة نقدية للعروض المختلفة وذلك لمشاركتها كعضو في الندوات المختلفة التي عقدها المهرجان وقالت: يُعدّ مهرجان الفضاءات غير التقليدية واحدًا من أبرز التجارب النوعية التي تُتيح لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية فرصة تجاوز الأطر التقليدية، والانطلاق نحو فضاءات جديدة تحمل طاقة إبداعية متجددة، وتُعيد تشكيل علاقة المسرح بالمكان والمتلقي. ولأن هذا المهرجان من أقرب الفعاليات إلى قلبي، فقد تابعت دوراته السابقة بصفتي عضوًا في لجنة المشاهدة، وشاهدتُ خلالها محاولات واعية لاستثمار فضاءات الأكاديمية: سُلّم المعهد، البرجولة، المرسم، أرض الكافيتريا، الملعب، وسطح المباني، بطريقة تؤكد قدرة الطلاب على تحويل المكان الخام إلى بيئة درامية نابضة بالحياة.
في الدورة الرابعة، واصلت التجارب مسارها الناضج، ومعظمها نصوص مؤلَّفة تحمل بصمة أصحابها، حتى من استند إلى نصوص غربية اكتفى فقط باستلهام الإطار العام ليعيد بناءه وفق همّه الخاص ورؤيته المعاصرة. وقد لفتتني هذا العام عدة تجارب أولى لأصحابها، ورغم أنها تجارب بكر، إلا أنها اتسمت بوعي واضح في طرح الأفكار ومعالجة القضايا.
من أبرز ما شاهدتُ مونودراما “رحلة البحث عن حذاء” تأليفًا وإخراجًا لمحمد السعيد على سطح المبنى. قدّم السعيد تجربة إنسانية صادقة تحمل سؤال الهوية لجيل وجد نفسه في مسارات لم يخترها، بداية من اسمه. وبفضل أدائه الصادق ورسالته الواضحة، إلى جانب ديكور كريم معروف وإضاءة أحمد صبحي، تحوّل السطح إلى فضاء يشبه أحد شوارع المدينة، واستُخدمت تدرجات المبنى بذكاء لتأكيد المعنى الدرامي.
كما شاهدت “قبل طلوع النهار” دراماتورجيا وإخراج لبنى المنسي، المأخوذة بتصرّف عن نص “ليلة سعيدة يا أمي”. لم تعتمد المنسي إعادة إنتاج النص، بل قدّمت ما يمكن وصفه بـ»كتابة على الكتابة»، إذ استلهمت فكرة الانتحار كخلاص من قهر العصر، ولكنها أعادت تشكيل البناء ليصبح همًّا إنسانيًا عامًا، من خلال إلغاء أسماء الشخصيات واستبدال علاقة الأم بابنتها بعلاقة الابنة بأبيها، في معالجة تُعيد ترتيب شكل تلك العلاقة في مجتمعنا. قدّم كل من لبنى وعبدالرحمن الزايدي أداءً متناغمًا مؤثرًا، بينما صنع أبانوب بحر ومحمود الحسيني حالة بصرية شاعرية من خلال الديكور والإضاءة.
أما تجربة “قبل نهاية العالم بدقيقة” تأليفًا وإخراجًا لماركو نبيل، فقد جاءت شديدة التأثير، إذ قدمت أزمة جندي نجا من مذبحة فصيلته، عبر منظور إنساني مركّز على آثار الصدمة وتحوّل الرفاق إلى مجرد أرقام. قدّم إبانوب بحر أداءً شديد الصدق، فيما نجح محمد صلاح في تحويل أرض الكافيتريا إلى ساحة معركة حقيقية: تبات ترابية، حبال للحركة العمودية، وأشلاء متخيّلة تُغرق المكان في واقعية قاسية. تصميم الملابس الذي قدمته لبنى المنسي عزز صدقية الشخصية، وجاء الإخراج بتكنيك بصري يمكن نقله بسهولة إلى السينما.
ويمتاز المهرجان بخلق علاقة مباشرة بين العرض والجمهور؛ فالمتلقي ليس عنصرًا سلبيًا كما في العروض التقليدية، بل يصبح جزءًا من الحدث، سواء بطريقة الجلوس أو بالاحتكاك المباشر مع الممثلين. ظهر ذلك في عرض “افتحوا الكشافات” تأليفًا وإخراجًا شهاب أشرف، الذي سلّم الجمهور ظرف الوصية وكشافات ضوئية قبل بدء العرض، في صيغة تجعل التفاعل جزءًا من بناء المعنى.
ورغم هذا الازدهار الواضح، إلا أنّ ما ينقص التجارب هو الجرأة في نقد الواقع. فالمسألة ليست مجرد خروج عن المسرح التقليدي إلى فضاء مختلف، بل تتعلق بإكمال فكرة التجريب عبر
مقاربة أعمق وأكثر اكتمالًا للموضوعات المطروحة. ما زلنا نلمس أفكارًا واعدة لكنها بحاجة إلى اكتمال وتطوير حتى تحقق أثرها الكامل.
وبشكل عام، فإن الدورة الرابعة رسّخت مكانة المهرجان كمساحة خصبة للتجريب الحقيقي، وقدمت عروضًا تنبئ بولادة أصوات مسرحية شابة قادرة على صياغة لغتها الخاصة، والتعامل مع الفضاء المفتوح بروح مغامرة تعيد تعريف علاقة المسرح بجمهوره ومكانه
هشام صبرة يكشف ملامح الدورة الأحدث لمهرجان الفضاءات غير التقليدية
أكد المخرج هشام صبرة، مدير دورة هذا العام من مهرجان الفضاءات غير التقليدية، أن تولّيه مسؤولية الإدارة جاء برغبة صادقة في تقديم دورة مختلفة وجديدة وفريدة من نوعها، تفتح آفاقًا أرحب أمام طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية والمهتمين بالمسرح من خارجه، بحيث يتحول المهرجان إلى منصة تعليمية لا يقتصر نشاطها على العروض فقط.
وأوضح صبرة أنه تم تنفيذ 12 ورشة تدريبية في تخصصات متعددة، وهي خطوة تحدث لأول مرة داخل المعهد، حيث شارك فيها 1074 متدربًا من مختلف المحافظات. ووجّه الشكر إلى الدكتورة هنادي عبد الخالق باعتبارها الداعم الأساسي لهذه الخطوة، وإلى الفنانين الذين قدّموا الورش دون أي مقابل دعمًا لرسالة المهرجان.
وأشار إلى أن فريق العمل حرص على تحقيق انتشار أكبر للمهرجان عبر السوشيال ميديا، فتم إنشاء صفحة “مهرجان الفضاءات غير التقليدية” وصفحة “فعاليات المعهد العالي للفنون المسرحية” لتغطية كل فعاليات الدورة، إلى جانب تصميم هوية بصرية للمهرجان لأول مرة، وتنظيم ندوات نقدية ومسابقة لتأليف النصوص الملائمة لطبيعته.
أما عن لجنة المشاهدة، فأوضح صبرة أن اللجنة — المكوّنة من: أ/ حازم القاضي، أ/ محمد فتحي، أ/ شيماء توفيق — عملت على مرحلتين؛ الأولى كانت لقاءات مع صُنّاع التجارب لمناقشة أفكارهم، ومنها تم اختيار الأعمال المؤهلة. وفي المرحلة الثانية شاهدت اللجنة 26 عرضًا مسرحيًا كاملًا داخل فضاءات مختلفة، ثم اختارت الأنسب للمشاركة الرسمية.
واعتمدت اللجنة في اختياراتها على معايير أساسية، أبرزها توافق العرض مع طبيعة المهرجان كونه يُقدَّم في فضاء غير تقليدي، وأصالة الفكرة، وجدّة الطرح، وجودة الأداء التمثيلي والمعالجة الدرامية.
وفي ختام تصريحه، شدّد هشام صبرة على أن هذه الدورة تمثّل خطوة حقيقية نحو تأسيس رؤية جديدة للمسرح خارج الإطار التقليدي، وخلق جيل قادر على الابتكار وتقديم تجارب متفردة في فضاءات بديلة.
الفضاء غير التقليدي بوابة لإعادة اكتشاف المسرح وتحرير الرؤية الإخراجية
أكّدت المخرجة لبنى المنسي، إحدى المبدعات المشاركات في مهرجان الفضاءات غير التقليدية، أن الخروج من إطار مسرح العلبة الإيطالية لم يعد مجرد اتجاه تجريبي، بل ضرورة فنية حقيقية تعيد للمسرح روحه المتجددة. وأوضحت أن هذا القالب ظل مهيمناً لسنوات طويلة في مصر، رغم أن دولًا عديدة—خصوصًا في أوروبا—تجاوزته عبر ابتكار فضاءات عرض جديدة مثل المسارح الدائرية، أو العروض المقدمة من زاويتين وثلاث زوايا، بالإضافة إلى عروض الشارع والمترو والأسطح والمباني المفتوحة. وأضافت المنسي أن نقل العمل إلى فضاء مختلف، سواء كان مرتبطًا بواقعية الحدث أو منفتحًا على بعد رمزي جديد، يمنح المخرج مساحة أوسع للإبداع ويخلق تجربة بصرية ومشاعر أكثر عمقًا لدى الجمهور. وأشارت إلى أن مصر بدأت بالفعل السير في هذا الاتجاه خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الحاجة ما تزال قائمة لمزيد من الجرأة لاكتشاف هذه الفضاءات ودمجها في الحركة المسرحية. وتابعت المنسي حديثها مؤكدة أن تجربتها الأخيرة مع عرض «قبل طلوع النهار»—المأخوذ عن مسرحية ليلة سعيدة للكاتبة مارشا نورمان—جاءت لتعكس هذا التوجه. فقد اختارت تقديم العمل فوق أحد الأسطح، وهو فضاء يحمل طبيعة الحدث ويمتزج مع الحالة النفسية للشخصيات، خصوصًا الأب والابنة اللذين يعيشان صراعًا داخليًا يتصاعد حتى يصل إلى لحظة فاصلة بين الحياة والموت. وأوضحت أن هذا المكان المفتوح منح العرض طبقة إضافية من الصدق والاختناق والحرية في آن واحد، وعزّز من التوتر الدرامي الذي يسيطر على العمل.
واختتمت المنسي تصريحها بالتأكيد على أن الفضاء غير التقليدي لا يغيّر فقط شكل العرض، بل يغيّر فلسفة الإخراج بالكامل، ويمنح المبدع فرصة لتقديم رؤية جديدة تتفاعل مع المكان وتعيد تشكيل العلاقة بين المتفرّج والمشهد المسرحي.
الفضاء غير التقليدي كان الامتداد الطبيعي لفكرة العرض وروحه الإنسانية
أكدت المخرجة إسراء سلام مخرجة عرض «أى مساعدة» أن عرضها المشارك في الدورة الرابعة من مهرجان الفضاءات غير التقليدية ينطلق من سؤال إنساني عميق حول تأثير الوحدة والفقد والحرمان على النفس البشرية، وكيف يمكن لهذه التجارب القاسية أن تدفع الإنسان تدريجيًا نحو العزلة أو المرض النفسي، وعلى رأسه الفُصام، باعتباره إحدى الطرق الدفاعية التي يلجأ إليها العقل لحماية ذاته وإعادة تشكيل ما فُقد داخليًا.
وقالت إن الفقد ليس مرتبطًا بالأشخاص وحدهم، بل يمتد ليشمل اللحظات التي لا تعوّض، والأشياء التي ارتبطت بذكريات لا يمكن استعادتها، مضيفة أن الحرمان لا يأتي دائمًا من نقص مادي، بل كثيرًا ما يكون حرمانًا عاطفيًا ومشاعريًا يترك أثرًا أعمق وأشد قسوة.
وأوضحت سلام أن طبيعة الفكرة التي تقدمها هي التي دفعتها إلى اختيار فضاء غير تقليدي، مشيرة إلى أن الموضوع نفسه “يحتاج مساحة مفتوحة” تسمح بتجسيد هذه الحالات النفسية والانفعالات بعيدًا عن إطار العلبة الإيطالية. وأضافت أن الفضاء البديل لم يكن مجرد اختيار تقني، بل كان عنصرًا متكاملاً مع روح العرض، إذ أتاح لها التعبير عن الانعزال، والبحث عن الذات، والمساحات المفقودة التي يعاني منها أبطال العمل.
واختتمت مؤكدة أن التجربة في هذه الدورة كانت ثرية وممتعة، لأنها سمحت لها بتقديم رؤيتها الفنية كما تخيلتها تمامًا، ولأن الفضاء غير التقليدي كان الامتداد الطبيعي لفكرة العرض ورسالتها الإنسانية.
«رحلة شحاتة بين الباتا والبَانَص… وتجربة فنية تتحدى غياب الإنتاج»
قال المخرج أحمد السعيد مخرج عرض « رحلة البحث عن حذاء « إن تجربة تنفيذ العرض واجهت مجموعة من التحديات، كان أبرزها الجانب الصوتي، خاصة أن المشاركة في المهرجان جاءت دون أي دعم إنتاجي، وكل العناصر تم توفيرها بجهود ذاتية. وأوضح أن توفر معدات إضاءة دون وجود معدات صوت مناسبة وضعه أمام معضلة حقيقية، الأمر الذي اضطره لتقديم العرض دون استخدام ميكروفون، معتمداً بالكامل على قدرته في اختيار فضاء ملائم يساعده على التحكم في الصوت وخلق تواصل واضح مع الجمهور.
وأضاف أن العرض ينطلق من رحلة “شحاته” الذي التصق بلقب “أبو جزمة باتا” نتيجة تمسّكه بحذائه القديم، قبل أن ينجح بعد معاناة طويلة في العثور على حذاء “بانص” أصلي، ليعيش معه يوماً كاملاً يكشف ملامح شخصيته وصراعاته النفسية والجسدية، ويطرح تساؤلاً: هل يستحق خطوة نحو الارتقاء الاجتماعي، أم أن صورته القديمة ما زالت تلازمه وتشبهه؟
لفضاء غير التقليدي كشف صراع الإنسان مع القهر والزمن وقرّب الجمهور من قلب الحدث
أوضح المخرج محمد عيسى مخرج عرض « الثانية عشر « أن رسالته الأساسية من خلال مشاركته في مهرجان الفضاءات غير التقليدية كانت التأكيد على أن المسرح لا تحدّه جدران ولا تُعرّفه خشبة، بل يُقاس بقدرته على الوصول إلى الإنسان، ولمس جوهره في أي مساحة يمكن أن تتحوّل إلى منصة للفن. وقال إن اعتماده على فضاء مفتوح وغير تقليدي جاء بهدف كسر الحاجز بين الممثل والجمهور، وتحويل اللحظة المسرحية إلى تجربة تفاعلية كاملة، يكون فيها المتلقي شريكًا فعليًا في صناعة المشهد، لا مجرد مراقب من الخارج.
وأشار عيسى إلى أن الفكرة الجوهرية للعرض تتمحور حول القهر الإنساني وتحوّر العلاقات تحت ضغط الزمن، الاحتياج، والوحدة، وهو ما وصفه بأنه «اختبار إنساني وجمالي» يضع الممثل والجمهور معًا أمام أسئلة وجودية تختلف تأويلاتها من شخص إلى آخر. وأكد أن هذا التباين في التلقي هو جزء من جماليات التجربة، لأن الفضاء غير التقليدي يمنح كل متفرج زاوية شعورية خاصة تصنع تجربته الفردية.
أما عن تفاعل الجمهور، فقد وصفه بأنه استثنائي وأكثر حيوية مقارنة بالعروض التقليدية، إذ خلق غياب الحاجز المسرحي نوعًا من القرب الجسدي والنفسي جعل المتلقي يشعر بأنه داخل الحدث نفسه. وأوضح أن كثيرين عبّروا بعد العرض عن إحساسهم بأنهم جزء من الصراع، لا مجرد شهود عليه، وهو ما اعتبره دليلًا على قدرة الفضاء البديل على توسيع آفاق التلقي وتعميق الصدق المسرحي.
ويقدَّم العرض برؤية رمزية وتجريبية، حيث يغوص في صراع نفسي محتدم بين زوجين تتحول علاقتهما إلى سجن من القهر والسيطرة، وتدور الأحداث في فضاء مغلق يكشف هشاشة الإنسان تحت ضغط الخوف والانتظار، حتى تدق الساعة الثانية عشرة معلنة لحظة انكشاف الحقيقة. النص من تأليف صادق مكي، ويأتي ضمن عروض الدورة الرابعة لمهرجان الفضاءات غير التقليدية، حيث يسعى العمل إلى تقديم قراءة فنية أكثر جرأة في مواجهة الذات الإنسانية.
“قبل نهاية العالم بدقيقة” يكشف الوجه الإنساني للحرب بعيدًا عن الشعارات بدقيقة”
قال المخرج ماركو نبيل إن عرضه الجديد “قبل نهاية العالم بدقيقة” هو مونودراما من تأليفه وإخراجه، تدور أحداثها حول جندي يجد نفسه الناجي الوحيد من كتيبته بعد سقوطهم جميعًا في فخ قاتل. وأوضح أن الجندي يستيقظ في مساحة فارغة محاصرًا بالخطر، محاولًا التواصل مع قائده، بينما يظهر على الخط قنّاص من جيش العدو يخيره في لعبة قاسية: “قدامك خمس رصاصات… وكل خمس دقايق هضرب رصاصة. اختار تجري ولا تسكت؟” ليظل الجندي بين حصار الزمن والتهديد والخوف.
وأكد نبيل أنه لا يعتمد في عرضه على الرسائل المباشرة، مضيفًا: “أنا مؤمن إن الفن فن ورسالة في ذاته. مش لازم يشرح نفسه ولا يقدم معنى واحد. معظم الأعمال الحربية بتركّز على السلاح والمعارك، لكننا هنا بنقدّم البعد الإنساني… الجندي بيحس بإيه؟ إيه اللي نفسه يرجعله؟ وإيه اللي ضاع منه؟ النظر للقصة من زاوية إنسانية بيدينا عمق أكبر من الظاهر.”
وأشار إلى أن فكرة العرض بدأت منذ عامين بعد استماعه لقصيدة عمرو حسن “الحرب العالمية التالتة” التي تحكي حكاية جندي يكتب لحبيبته، ثم تعززت الرؤية بعد تأثره بقصيدة محمود درويش “لاعب النرد” التي تتناول مصير الجنود الذين يموتون بقرارات لا يعرفون مصدرها.
وعن تفاعل الجمهور، أوضح ماركو نبيل أن المشاهدين تأثروا بقوة بالعرض، سواء من الناحية الشعورية عبر التعاطف مع حالة الجندي وضغط اللحظة التي يعيشها، أو من الناحية العقلية بطرح تساؤلات حول الحرب والمصير والاختيار. وأضاف أن هذا التفاعل يؤكد قدرة الأعمال التي تعتمد على البعد الإنساني على الوصول العميق للجمهور وفتح نقاشات تتجاوز سطحية الحرب وصخبها.