معز العاشوري: شعرت فى مهرجان القاهرة بإنصاف لم أشعر به من قبل

معز العاشوري: شعرت فى مهرجان القاهرة بإنصاف لم أشعر به من قبل

العدد 952 صدر بتاريخ 24نوفمبر2025

فى لقاء خاص مع المخرج التونسى معز العاشورى صاحب الرؤية الإبداعية وراء مسرحية «روضة العشاق» التى خطفت الأنظار فى الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى.
تحدث العاشورى لجريدة مسرحنا عن رحلته مع هذا العمل الاستثنائى، وعن خصوصية التجربة التى مزجت بين الطقس الصوفى والمسرح الطقوسى، لتصنع لغة مسرحية بصرية وروحانية جديدة، فمن خلال الحوار يكشف المخرج عن تفاصيل لحظة التتويج بجائزة أفضل إخراج،و التحديات التى واجهها رفقة فريقه الفنى والتقنى، ورؤيته لمستقبل المسرح التونسى والعربى.

كيف تلقيت خبر مشاركة «روضة العشاق» فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، وما الذى مثلته لك هذه المشاركة؟
الحقيقة تلقيت هذا الخبر بكل تفاعل، لأن المشاركة بمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى أعتبرها محطة مهمة أساسية، لأنه مهرجان عريق يستقطب جماهير كبيرة ونقاد من العالم، من العالم الغربى والعالم العربى، بالتالى هى فرصة حقيقية لمعرفة المستوى الفنى الذى أنت فيه، فى أى أثر فنى ستشارك به بهذا المهرجان. ولكن أنا لم أذهب للمشاركة وإنما ذهبت للتتويج، لأنه من الأول نعتقد أن المسرحية كان لها رواج فى دول عربية وإسلامية مثل إيران، وتحدث النقاد عن هذه المسرحية بأنها تمثل شكل إبداعى جديد ونمط مختلف عن الأنماط السائدة فى المسرح خاصة المسرح العربى. لذلك نحن كنا نؤمن أنه سيكون هناك تتويج لهذه المسرحية.
هل كنتم تتوقعون منذ البداية أن يصل العرض إلى المنافسة على أهم الجوائز الكبرى بالمهرجان؟
طبعًا كنا نتوقع ذلك، واشتغلنا  شغل كبير على مستوى الدراماتورجيا والحركة والنص وتوجيه الممثل، لأنه المسرح الطقوسى يجب أن تشتغل عليه فى كل مكوناته وتطوره كذلك. فهناك تطوير للمفاهيم فى المسرح الطقوسى نجده فى مسرحية «روضة العشاق». هذا التطور على مستوى الصورة المسرحية، والنقاد الذين أشادوا كثيرا بالعمل المسرحى فى تونس وخارج تونس، يعطيك الأمل أنك ستذهب إلى مهرجان القاهرة الدولى لتتوج وليس للمشاركة فقط.
برأيك.. ما الذى ميّز المشاركة التونسية فى هذه الدورة من المهرجان عن غيرها من المشاركات العربية والأجنبية؟
المشاركة التونسية فى هذه الدورة لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى كانت مميزة فعلًا، ربما لاشتغالها أكثر على الصورة، واشتغالها أكثر على الحركة، أو اشتغالها على أدوات كتابة جديدة تدخل فى إطار المسرح التجريبى. فهناك تجريب للعناصر المسرحية وفى الأدوات الكتابة الركحية أو الخشبية. 
هذا التجريب هو الذى يميز المسرح أو المشاركة فى المهرجان باعتباره أنه خرج عن أسس المسرح الكلاسيكى أو طور  أسس المسرح الكلاسيكى ضمن المختبر الذى جعله يتنافس على الجوائز الكبرى على غرار مسرحية «روضة العشاق».
كيف ولدت فكرة «روضة العشاق» وما الذى أردت إيصاله للجمهور؟
فى البداية يجب أن أقول أن الفكرة ولدت نظريًا فى هذا المبحث الذى نشتغل عليه ضمن مختبر المسرح، وهو المقاربة بين المسرح الطقسى وطرق أو طقوس الطرق الصوفية. هذه المقاربة فى مكونات عديدة بين المسرح الطقسى وطرق أو طقوس الطرق الصوفية، وجدنا أن هناك نقاط ائتلاف وكذلك بحثنا حتى عن نقاط الاختلاف.
بالنسبة لنقاط الائتلاف، بحثنا كثيرا فى الحركة الجماعية والحركة الجسدية التى توصلنا إلى هذا الجذب السحرى، وبحثنا فى الإنشاد الجماعى، بحثنا كذلك فى الصوت الذى يحمل معنى. هذا كله فى إطار المسرح الروحانى، لأن المسرحية تعالج مسائل روحانية، مسائل إنسانية، وبحثنا عن أشكال أو معنى الدراما فى المسرح الطقوسى، كذلك الصراع الدرامى فى هذا المسرح الطقوسى.
انطلاقًا من هذا المبحث، بحثنا عن الخرافة لتجسيد هذا المبحث الحقيقى الذى ذكرت فى المقاربة بين المسرح الطقسى وطقوس الطرق الصوفية. بالطبع نحن بحثنا نظريًا وميدانيًا، ذهبنا وشاركنا فى عديد الطرق الصوفية، وشاركنا فى تقنيات الطرق الصوفية فى الذكر والسماع والخلوة، وكيف علاقة المريد بالشيخ، كيف نولد طاقة حب وعشق فى قلوبنا لنجد أنفسنا فى علاقة مشاركة لمكونات الكون. 
كل هذا جعلنا نبنى خرافة لنجسد هذا المبحث. الخرافة التى بدأت انطلاقًا من تمارين ارتجالية، واشتغلنا على الشخصيات على غرار شخصية مريد الصادق الذى له كتاب «روضة العشاق» وينادى بطريقة محدثة. هذه الطريقة يستعمل فيها أو استعمل فيها المريد الصادق تقنيات مسرحية على غرار القناع الذى نسميه وجه وليس قناع، بالتالى هو الوجه هو الذى يمثل قناع. هذا الوجه أو هذا القناع يمسح كل النفاق وكل الشوائب من الوجه ليجعله فى نقطة الصفر أو نقطة الفراغ، وهى بداية الحب والعشق فى الطريق.
وعن طريق التمارين الارتجالية تطورت اللعبة المسرحية الحقيقة لتتبلور الشخصيات فى ذهننا، ونجد هنا الصراع يتولد ما بين المريد الصادق والمريدين التابعة له والذين يمثلون المنظومة الروحانية، المنظومة الصوفية، فى صراع مع المنظومة الأمنية التى دائمًا فى هوس وخوف باعتبار أنها تهدد نمط عيش للمجتمع، تهدد أسلوب حياة تبنيه السلطة الأمنية، تجد نفسها فى صراع مع سلطة أخرى روحانية، ويتم اعتقال المريد الصادق وأتباعه للتحقيق معهم لدحض أولًا هذه الطريقة وكتاب «روضة العشاق»، ثم يعنى استعمال أساليب عنف معهم لجرهم عن الاستغناء نهائيًا عن هذه الطريقة المحدثة.
والمسألة الأخرى التى نريد أن نوصلها هو أن كل منظومة سياسية أو أمنية، حتى ولو تدعى الديمقراطية، إن وجدت أن هناك حركة هذه الحركة ممكن أن تغير أسلوب حياة كامل للمجتمع أو أن تغير نمط عيش مجتمع، فهى ترى نفسها مهددة فعلًا.
وهنا يتولد صراع بين المنظومتين، سواء المنظومة السياسية أو المنظومة الروحانية. ورأينا عبر التاريخ كل أصحاب الطرق الصوفية والأولياء الصالحون كيف كانت نهايتهم على يد سواء السلطة السياسية أو السلطة الفقهية، وكان موتهم يعنى غير، ليس موت عادى، وإنما بالتعذيب والسم والقتل والبطش والعنف وإلى غير ذلك.
وبالطبع أهم شيء اشتغلنا كذلك على النص بلغة شعرية مميزة، استلهمنا هذا من شعرية النصوص الصوفية على اعتبار أن الشخصيات الصوفية هم يقولون الشعر، يتكلمون الشعر، يلخصون الجمل فى كلمات والكلمات فى أصوات، وهذا ساهم فى كتابة نص شاعرى يعنى جميل، واعتمدنا على تقنية التناص من الكتب الصوفية الأخرى.
والمسألة الثانية، نحن دائمًا نبحث عن شكل جديد يجعل المتلقى مشارك للعمل الفنى، مشارك للعبة المسرحية، مشارك للفضاء المسرحى وهذا الشكل الجديد اعتمدنا على الصورة المسرحية، بالتالى يدخل فضاء الجمهور ضمن هذه الصورة، فتجده متفاعل معك فى هذه اللعبة، يشاركك بأفكاره، يشاركك بأحاسيسه، يحاول أن يقرأ من زوايا مختلفة حسب ثقافة كل متلقى. 
فهذا هو الشكل الذى نريد حتى يتم به إقناع المتلقى، وهو أفضل شيء لتقنع المتلقى هو أن تجعله مشاركًا فى الخرافة، مشاركًا فى اللعبة المسرحية، لا تسلط عليه شيء من الفوق ولكن أهم ما فى هذا الشغل هو التواضع، بحيث أن الممثل لا يكون عارض، بالعكس هو يكون شخصية تتحدث عن ذاتها، تقوم بطقوسها فى علاقة مع مكونات الكون، يدخل يصبح المتلقى كذلك من موجودات ومن مكونات هذا العالم الذى يشتغل عليه الصوفى. فبالتالى سيجد نفسه المتلقى مشاركًا فى هذه اللعبة الطقوسية.
وبالتالى كان هدفنا هو أن نصل بالمتلقى إلى هذه العلاقة التشاركية، الجذب مع الحركة الجماعية الروحانية، لنصل به إلى أن أهم شيء فى هذه الحياة هو الحب والعشق وليس الصراع، لأن الصوفى لا يريد الصراع، الآخر بالنسبة لى هو الأنا وليس الجحيم، فهو يطلب دائمًا الحب ويطلب دائمًا العشق مع كل موجودات الكون وكل مكونات الكون التى هى التى تمثل الله، وليس لا يريدون الصراع، وإنما يقاومون، تصبح المقاومة هى الأساس للدفاع عن كتاب «روضة العشاق»، عن المبادئ، عن الحب، عن العشق، عن كل هذا. 
فالدراما هنا هى نجدها فى هذه المقاومة، سواء مقاومة عساكر النفس داخل الشخصية الصوفية أو مقاومة أساليب العنف التى تسلط على هؤلاء، ولكن رغم ذلك يبقى الحب والعشق هو الأساس الذى نريد توصيله أو نوصله للجمهور.
ماذا يعنى لك أن يصف النقاد العرض بأنه «تجربة إبداعية»؟
أتكلم عن  «روضة العشاق» كتجربة إبداعية من خلال اشتغالنا على تقنيات الطرق الصوفية وتقريبها من تقنيات المسرح الطقسى. ربما هذا أول شيء، اشتغلنا على الذكر، والذكر مسألة مهمة فى الطريقة الصوفية، كيف يصبح هذا الذكر أو توضع يوضع هذا الذكر فى ضمن وضعيات درامية مختلفة من خلال تمارين ارتجالية؟ كيف يصبح هذا الذكر يمثل إيقاع معين فى ذهن الشخصية وفى قلب الشخصية، يشتغل عليه، تصبح كل حركاته على إيقاع هذا الذكر؟ نفس الشيء بالنسبة للسماع. 
بالتالى هذا يسهم فى بلورة الشخصية الروحانية أو الشخصية الصوفية، وهى شخصية يعنى هى فى حد ذاتها شكلت تساؤل حول مفاهيم فى المسرح، مثلما قلت، هل يوجد الدراما حقيقية فى شخصية الصوفي؟ يعنى هل هناك صراع خارجى أو هناك صراع داخلي؟ ما هو الصراع الدرامى الداخلى بالنسبة لشخصية الصوفي؟ وهو ليس صراع مثلما نجده فى المسرح الغربى، وإنما صراع آخر فى داخل هذا الصوفى، ربما فى علاقته بعساكر نفسه مثلما نقول، أنه يصارع نفسه التى تذهب دائمًا إلى معاكسته، تذهب إلى الشهوات، إلى الماديات، وتخترق الأزمات. فهنا دائمًا فى صراع داخلى لأن الصوفى هدفه أن يضع قدمه فى أول الطريق، هدفه الحب، هدفه العشق، هدفه الالتحام مع مكونات الكون، هدفه أن يصل إلى مستوى المشاهدة والشهود، وهى مصطلحات صوفية بمعنى أنك تقترب كثيرًا من الذات الإلهية وتتجلى عن  كل المكونات المادية. 
ربما هذا يجعل الشخصية الصوفية فى صراع مختلف عن الصراعات التى نراها فى المسرح الذى تعتمد الدراما.
والمسألة الأخرى ،قد يميز هذه المسرحية وهو اشتغالنا على دراماتورجيا مختلفة. نحن اشتغلنا على دراماتورجيا الممثل، والممثل هو الذى قادنا إلى الخرافة، تبلورت الشخصية من خلال عملنا على هذا الممثل. اشتغلنا كذلك على دراماتورجيا بصرية، وهى دراماتورجيا تعطى أهمية للصورة المسرحية، بالتالى كانت الصورة المسرحية فى المقام الأول، وهى تحكى، حيث مثلت الصورة خطاب حقيقى فعلى يمرر للجمهور.
الصورة المسرحية التى تعتمد على الحركة، تعتمد على الإيقاع، تعتمد على الموسيقى، تعتمد على الصوت، تعتمد على الصمت كذلك، وتعتمد على مكونات بصرية وسماعية رأيناها. فالصورة هنا أصبحت  لديها لغة معينة، أدوات لكتابتها جديدة، وهذه نتيجة اشتغالنا على الدراماتورجيا البصرية. اشتغلنا على دراماتورجيا المتفرج الذى جعلناه يقترب أكثر من العمل الفنى، حتى فى اختيارنا للفضاء المسرحى، لذلك اخترنا مسرح الفلكى لأنه وجدناه مناسب لخصوصية عملنا، بالتالى يصبح المتلقى هو مشارك وليس متفرج عادى.
التحديات كانت صعبة كما ذكرت، فما أصعب موقف واجهك أثناء التحضير أو العرض؟ وكيف تجاوزته؟
التحديات كانت كثيرة الحقيقة،  التحدى الأول هو الفضاء،وهو  البحث عن فضاء مناسب فعلًا لخصوصية المسرحية، ليس كل الفضاءات مناسبة لأعمالنا المسرحية، فأنا تمسكت مع إدارة المهرجان بالبحث عن فضاء مناسب للمسرحية، وفى الآخر توافقنا على المسرح الفلكى، وهو فضاء مميز لأنى أشتغل على التفاصيل وعلى الجزئيات، وهذا الفضاء ممكن أن يجعل المتلقى قريب من هذه التفاصيل والجزئيات، وحتى نظرة النظرة ستكون من الفوق إلى الأسفل، لأنه نشتغل كثيرًا على الخشبة وعلى الجزئيات على الخشبة، فى نشتغل كذلك على مستويات متعددة بالنسبة للممثل من الخشبة، من الأسفل إلى الفوق فى مراتب متعددة. هذا الفضاء الذى ميز المسرحية فى عرضها الأول والثانى.
والتحدى الثانى ربما كان هو تحدى فى علاقة بالتقنيات، لأنه نحن نعتمد أو اشتغلنا كثيرًا على الصورة المسرحية، والصورة المسرحية تعتمد على كتابة جديدة الحقيقة، وهذه التقنية، الكتابة، تلتزم التكنولوجيا المسرحية المتمثلة فى الإضاءة والـ «مابينج» إلى غير ذلك، فبحثنا عن هذه التقنيات، وكان تحدى كبيرًا أن نوفر كل أهم التقنيات. والحمد لله الحقيقة كنا نتواصل جيدًا مع تقنيى المسرح الفلكى، وتمكنا من توفير كل أدوات الكتابة التقنية للوصول إلى الصورة الجمالية المقترحة.
والتحدى الثالث وهو تمرير الترجمة. النص شاعرى، عميق، صعب، كيف يتم ترجمته وكيف يتم بث هذه الترجمة؟ لم نتمكن فى العرض الأول لكن تمكنا فى العرض الثانى من بث هذه الترجمة، ووجدنا المساعدة اللازمة من إدارة المهرجان، وكانت الترجمة فى مستوى سفلى مختلف عن وبعيد عن الصورة المسرحية، وهذا جعل النقاد الذين لا يعرفون اللغة العربية يفهمون جيدًا معانى ودلالات الموجودة بهذا العرض.
كيف شعرت عند الفوز بجائزة أفضل إخراج؟
الحقيقة كان لدى اطمئنان نسبى بأننا سننال جائزة تكرم هذا العمل وتعطى أحقية لأهمية العمل الفنى، فشعرت باعتزاز وشعرت بإنصاف لم أشعر به قبل. وفى الحقيقة كان لدى دائمًا وجع فيما يتعلق بالجوائز، فكان من الممكن أن هذا العمل يتحصل على جوائز فى أماكن أخرى، وبالرغم أنه هناك عدد كبير من النقاد كتبوا عن هذا العمل إيجابيًا وعدد كبير من القراءات تمحورت عن هذا العمل، ولكن يأتى الإنصاف فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، ليس بالجائزة فقط ولكن بدهشة النقاد والجماهير، بماذا قالوا عن هذا العمل، بحبهم لهذه التحفة الفنية مثلما قالوا. هذا هو المهم والأهم، وكان لدى فرح كبير حينما ترشحت المسرحية للجائزة الكبرى.
هل ترى أن هذه الجائزة تكرس مسارك المسرحى أم هى بداية مرحلة جديدة؟
هى تكرس فعلًا المسار المسرحى، أنا أشتغل فى نفس المسار، و هناك تجارب ممكن بالنسبة للمسرحى أن تكون فى إطار تكوينه ويكون جانب من هذه التجارب تقليد عن أساتذة اشتغلنا معهم، ولكن منذ سنوات أنا أجذر وأمهد طريق خاص بى، خاصة منذ اشتغالى على «مولد النسيان» لمحمود المسعدى، ثم «دون كيشوت تونس» التى جئت بها إلى القاهرة فى مهرجان 2019.
وتأتى الآن مسرحية «روضة العشاق» لتثبت هذا البحث الذى نشتغل عليه منذ سنوات، وتبلور المفاهيم التى نشتغل عليها المتعلقة بدراماتورجيا الممثل ودراماتورجيا البصرية ودراماتورجيا المتفرج، لأنه الآن تطورت المفاهيم، لم يعد للإخراج دورًا كبيرًا وإنما تداخل مفهوم الدراماتورجيا الحديث مع مفهوم الإخراج، وأصبحت المفاهيم أكثر تطور، واللغة، لغة الكتابة المسرحية تطورت بدورها، لم يعد النص لديه دور كبير وإنما النص أو الكلمة هو جزء من أدوات كتابة أخرى تتمثل فى الصوت، فى الإيقاع، فى الصمت كذلك، فى الحركة والجملة الحركية، وفى اللمسة الضوئية وفى اللمسة أو صورة الـ «مابينج» أو اللمسة الرقمية وكذلك الموسيقى.
فى رأيك ما هى العناصر الإخراجية التى صنعت الفارق وجعلت لجنة التحكيم تمنحك هذا التتويج؟
فعلًا العناصر المسرحية التى اشتغلنا عليها كلها تتنزل فى إطار هذه الصورة المسرحية التى اشتغلنا عليها ضمن الدراماتورجيا البصرية. عنصر الـ «مابينج»، العنصر البصرى، العنصر السينوغرافى. والسينوغرافيا هنا حينما أقول سينوغرافيا، فهو ليست مرتبطة بالديكور فقط، وإنما مرتبطة بكل لمسة ضوئية وبكل لمسة رقمية ومرتبطة بكل لمسة لونية فى الملابس. فكل شيء هو موظف لصالح المفهوم الذى نشتغل عليه، لصالح المقترح الجمالى الذى نشتغل عليه. بالتالى ربما الذى ميز الفارق الحقيقى بين مسرحية «روضة العشاق» والمسرحيات الأخرى هو هذا التوظيف الذى كان فى مكانه، لم تكن هناك زينة، وإنما كل شيء كان موظفًا لصالح المعنى الذى نشتغل عليه والذى أردنا  أن يصل إلى الجمهور. وهذا هو الأهم، هو هذا التوظيف فى الكتابة. وظفنا الـ «مابينج»، وظفنا الصورة الرقمية، وظفنا اللمسة الضوئية، وظفنا حركة الديكور وحركة الأشياء، وظفنا حركة الممثل، كل شيء، كل هذه العناصر امتزجت وتناسقت وتشابكت وتضادت لتكشف خطابها ولترسم وتكتب خطابها، خطاب الصورة المسرحية الذى وجدنا كذلك المتلقى مشاركًا فيه، أى المتلقى كذلك هو جزء من هذه الكتابة، من مكونات الصورة المسرحية.
بعد هذا التتويج فى القاهرة.. ما الخطوة التالية لـ روضة العشاق؟ هل هناك نية لجولات أو مشاركات دولية أخرى؟
ستظل موجودة دائمًا لعشاقها، لمريديها، لأنه هناك جمهور أحبها ودائمًا يطلبها. فستكون لدينا عروض أكيد بتونس، ونحاول أن نذهب بها إلى مهرجانات كبرى فى دول عربية ودول غربية، لأنه مهم جدًا أن يشاهد الإنسان والآخر الغربى هذه المسرحية حتى يعرف هويتنا الحقيقية،ويعلم أصولنا الحقيقية. وهذا ما وقع فى مهرجان القاهرة حيث شاهدها أجانب وأحبوا كثيرًا هذه المسرحية وفهموا كثيرًا عن مكونات فى هويتنا نحن كعرب. هم دائمًا يعتقدون أننا لدينا دائمًا مشاكل اجتماعية نتحدث عنها، مشاكل فى الإرهاب نتحدث عنها، لا يعلمون أن أصولنا تبنى على الحب وتبنى على العشق. لذلك أحبذ دائمًا أن يشاهد مسرحية «روضة العشاق» أجانب من دول مختلفة.
ذكرت أن النجاح كان ثمرة جهود جماعية.. كيف تقيم أداء الممثلين الذين «دافعوا عن حظوظهم حتى آخر لقطة»؟
بالتأكيد، كما قلت فى البداية أننا اشتغلنا على دراماتورجيا الممثل، بالتالى الممثل هو الذى يحملك إلى الشخصية، والشخصية هى التى ترسم دروبها، الشخصية هى التى تخترع الشخصيات المتعاطفة والمعارضة، الشخصيات هى التى تصلك إلى فضاءاتها وأزمنتها المختلفة، سواء أزمنة الآن والهنا الواقعية أو الأزمنة الغيبية. فهنا كان الممثل أولًا يجب أن يفهم ماذا يفعل، يجب أن يكون الممثل له إدراك لتفكير الشخصية، له إدراك بمراجع الشخصية وأسس الشخصية، سواء النفسية أو الاجتماعية أو الفيسيولوجية. هنا كان أداء الممثل مهم جدًا، ولا تكتمل هذه الصورة المسرحية التى نتحدث عليها إلا بأداء هذا الممثل لشخصيته التى تتكشف من خلال التفاصيل والجزئيات التى تظهر فى تعامل هذه الشخصية مع الفضاء ومع الأشياء ومع الفضاء السينوغرافى ككل.
ما الدور الذى لعبه الفريق التقنى فى دعم الرؤية الإخراجية وتحقيق هذا النجاح؟
مثلما نقول أى خطأ قد يؤدى إلى معنى مختلف. لذلك التقنى فى الإضاءة خاصة والتقنى فى الصورة الرقمية يجب أن يكون دقيق جدًا لأنه كل شيء اشتغلنا عليه كان بدقة راقية فى تفاصيل معينة. يعنى أى خطأ فى الإضاءة وأى خطأ جزئى وبسيط فى الصورة الرقمية، مثلما أى خطأ بالنسبة لأداء الممثل، قد يخرج بنا إلى معنى آخر وبالتالى يضرب أو ينفى المعنى الحقيقى المقترح. لذلك أنا أشيد كثيرًا بأداء التقنيين وأداء الممثلين فى العرض مسرحية «روضة العشاق».
كيف ترى مستقبل المسرح التونسى فى المهرجانات العربية والدولية بعد هذا الإنجاز؟
الحقيقة أن المسرح التونسى مثل بعض المسارح فى الدول العربية، يترنح بين الإبداع وبين  السقوط فى السطحية. ولكن لدينا محاولات فى المسرح التونسى نظرًا للتنافس الكبير الموجود حاليًا بين الشباب والكهول، هذا التنافس قد يؤدى إلى أعمال جديدة فنية، أشكال فنية جديدة حقيقة.
الحقيقة أن هناك مستقبلا أراه مستقبلا جيدا، وهناك أمل طبعًا شرط أن تكون هناك إرادة سياسية فى تطوير هذا القطاع المسرحى لأنه قطاع مهم ومتجذر فى تاريخ البلاد التونسية، ويجب العمل عليه. كما ألاحظ أن هناك العديد من الدول العربية على غرار مصر، على غرار السعودية ودول الخليج، يشتغلون كثيرًا على القطاع المسرحى والإرادة السياسية تبذل مجهودا كبيرا فى هذا القطاع،  فقد ذهبت إلى السعودية لإقامة ورشة للمحترفين والمبتدئين ولاحظت المجهودات التى تقوم بها وزارة الثقافة فى تطوير هذا القطاع وفى تكوين الشباب المولع بالمسرح وتكوينه على مستوى كبير حتى يصبح المسرح فى دول الخليج ذات أهمية كبرى فى القطاع الثقافى.
أخيراً، ماذا تقول لجمهور المسرح وللشباب الذين يحلمون بخوض تجربة الإخراج المسرحى؟
أعتقد أن العمل هو أهم شيء، العمل باجتهاد. الاجتهاد ضرورى فى العمل المسرحى. طبعًا أنا دائمًا أطلب التكوين، دائمًا على المخرج المسرحى أن يتكون فى مجالات مختلفة وليس مجال واحد، يجب أن يتعلم الكتابة المسرحية بالحركة وبالصوت وليست العمل المسرحى يعتمد على النص فقط، يجب أن يتكون فى جميع العناصر المسرحية، يجب أن يشتغل كثيرًا على الصورة المسرحية وهو مستقبل المسرح العالمى. مع هذا الاجتهاد، يجب أن يتوفر الصدق لدى الفنان، لأنه الاجتهاد لا يكفى وحده ولكن أن يكون الفنان صادق مع نفسه، لا يتوهم، لأن أكبر ما يهدد المخرج أو الفنان المسرحى هو الوهم، هو أن يتوهم أنه يقوم بشيء جيد وهو فى الحقيقة ليس ذلك. لذلك لا نستطيع أن نقاوم هذا الوهم إلا بالانتقاد الذاتى دائمًا مع كل عمل مسرحى.


صوفيا إسماعيل