تحتفل محافظة أسوان بظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بمعبده الكبير بأبي سمبل، ولنا معلومة عن الظاهرة الفرعونية الفريدة التي جسدها قدماء المصريين منذ آلاف السنين. حيث تتعامد آشعة الشمس على قدس الأقداس بمعبد أبي سمبل مرتين كل عام 22 فبراير و22 أكتوبر. فتخترق آشعة الشمس الممر الأمامي لمدخل معبد رمسيس الثانى بطول 200 متراً حتى تصل إلى قدس الأقداس. ويتكون قدس الأقداس من منصة تضم تمثال الملك رمسيس الثانى جالسا وبجواره تمثال الإلهة رع حور أخته والإله آمون وتمثال رابع للإله بتاح. والطريف أن الشمس لا تتعامد على وجه تمثال "بتاح" الذي كان يعتبره القدماء إله الظلام. وتستغرق ظاهرة تعامد الشمس 20 دقيقة فقط واليومان يتزامنان مع يوم مولد الملك رمسيس الثاني ويوم جلوسه على العرش.
ظاهرة تعامد الشمس كان يُحتفل بها قبل عام 1964 يومي 21 فبراير و21 أكتوبر، ومع نقل المعبد إلى موقعه الجديد، حدث تغيير في توقيت الظاهرة إلى 22 فبراير و22 أكتوبر. وحدث ذلك عقب بناء السد العالى وتعرض معبد "أبو سمبل" للغرق نتيجة تراكم المياه خلف السد وتكون بحيرة ناصر، وبدأت الحملة الدولية لإنقاذ آثار "أبو سمبل" والنوبة ما بين أعوام 1964 و1968، عن طريق منظمة اليونسكو الدولية بالتعاون مع الحكومة المصرية، بتكلفة 40 مليون دولار. ولذلك تم نقل المعبد عن طريق تفكيك أجزاء وتماثيل المعبد مع إعادة تركيبها فى موقعها الجديد على ارتفاع 65 متراً أعلى من مستوى النهر، وتعتبر واحدة من أعظم الأعمال فى الهندسة الأثرية.
معابد أبو سمبل تم اكتشافها في الأول من أغسطس عام 1817، عندما نجح المستكشف الإيطالي جيوفاني بيلونزى، فى العثور عليها ما بين رمال الجنوب. أما ظاهرة تعامد الشمس تم اكتشافها فى عام 1874، عندما رصدت المستكشفة "إميليا إدواردز" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة وتسجيلها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل". أما المعبد الكبير فقد شيده الملك رمسيس الثانى فى أبو سمبل، وشيد بجواره معبداً لمحبوبته زوجته الملكة نفرتارى. ولا تزال ظاهرة تعامد الشمس تحير العلماء فى المجالات المختلفة، وبات سر صناعة هذه الظاهرة الفلكية الإعجازية، التي يحتفل بها السائحون وزوار معبد "أبو سمبل" مرتين كل عام لغزاً كبيراً.
التعامد الأول 22 فبراير:
بهذه المناسبة نظمت وزارة الثقافة المصرية متمثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة الدورة السادسة من مهرجان أسوان الدولي للثقافة والفنون بالتعاون مع محافظة أسوان ووزارة الآثار وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية وهيئة التنشيط السياحى فى الفترة من 15 إلى 22 فبراير 2018، والذي شارك به 250 فنانا من 7 دول أجنبية وهى ”الصين، تايلاند، الهند، اليونان، تونس، أثيوبيا – ضيف شرف المهرجان، إلى جانب مشاركة كينيا بمعرض منتجات تراثية“.
كما شاركت الهيئة بفرق الفنون الشعبية التابعة لها والتى مثلت مختلف الثقافات بالأقاليم على مستوى الجمهورية وهى ”أسوان والإسماعيلية والأقصر وسوهاج والتذوق والوادي الجديد والعريش“ للفنون الشعبية، بالإضافة لفرقتين تلقائيتين وهما ”الشلاتين وتوشكي“.
حيث قدمت الفرق المشاركة عدداً من الفقرات الفنية ببعض قرى محافظة أسوان على مدار أيام المهرجان، وحتى الختام الذى واكب الاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى، قدمت الفرق تابلوهاتها الاستعراضية بساحة السوق بمدينة "أبو سمبل" ليلة التعامد، كما قدمت فنونها أمام ساحة المعبد أثناء تعامد الشمس.
شهدت فعاليات افتتاح المهرجان التي بدأت صباح يوم 17 فبراير ديفليه نهرى للفرق المشاركة، بالإضافة لديفيليه آخر بالسوق السياحى فى الساعة الخامسة مساء، أعقبه توجه الفرق إلى مسرح فوزى فوزى بأسوان لبدء فعاليات حفل الافتتاح الذى افتتحه اللواء مجدى حجازى محافظ أسوان ود. أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، بحضور القيادات الثقافية والتنفيذية والشعبية وأبناء أسوان.
وفي الختام شهدت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، واللواء مجدي حجازي محافظ أسوان، وشى يوه وين المستشار الثقافى الصينى بمصر، والدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والدكتور هشام مراد رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية آنذاك ولفيف من ضيوف مصر والقيادات الثقافية والشعبية بأسوان، حفل ختام الدورة السادسة من مهرجان أسوان الدولى للثقافة والفنون الذي أقامته الهيئة.
ظهر الفنانون بملابسهم التقليدية المعبرة عن تراثهم المحلى وقدموا نماذج من موروثهم الثقافى لتمتزج فنونهم مع الحضارة الفرعونية وترسم لوحة تؤكد أن الثقافة وسيلة للتواصل بين الشعوب وتناول الحفل قصة معبدى رمسيس الثانى وزوجته الجميلة نفرتارى إلى جانب معارك وانتصارات الفرعون العظيم.
كان المشهد الأكثر جمالا وروعة عندما اجتمعت الفرق المشاركة لتوديع وتحية الجمهور رافعين أعلام بلادهم أمام المعبد وعقب انتهاء الحفل حرصت وزيرة الثقافة ومحافظ أسوان ورئيس الهيئة على زيارة معرض المشغولات اليدوية للأسر المنتجة لأهالي النوبة التابع لمديرية التضامن الاجتماعي وأثنت وزير الثقافة على المعروضات وقامت بشراء بعض المنتجات المعبرة عن البيئة فى جنوب مصر كما تفقدت قصر ثقافة أبو سمبل وثمنت الأنشطة الثقافية المتنوعة التي ينظمها القصر لأطفال وشباب المدينة مشيدة بمواهبهم فى فنون الرسم والغناء.
بعدها تم التوجه إلى السوق التجارية التي تعد من أهم المناطق الحيوية فى مدينة أبو سمبل مع الآلاف من أهالى المدينة لتجد من بينهم النساء والأطفال والشباب وأسر بأكملها يتفاعلون مع العروض الفنية لفرق الدول المشاركة الذين عبروا عن سعادتهم بالتواجد على أرض مصر وتقديم عروضهم فى أماكن تاريخية يشهد لها العالم مؤكدين أن حلمهم تحقق بالوقوف على أرض مهد الحضارة وأشادوا بحفاوة الاستقبال من الجمهور المصري متمنين العودة مجددا في السنوات المقبلة كزائرين مع أسرهم وأصدقائهم. واختتمت الاحتفالات صباح الخميس بمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثانى بمعبد أبو سمبل.
التعامد الثاني 22 أكتوبر:
تسللت آشعة الشمس إلى قدس أقداس المعبد لتضيء وجه الملك رمسيس الثاني، على وقع أنغام وعروض فرق فلكلورية تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، في إطار الظاهرة الفلكية الفريدة التي يشهدها المعبد يوم 22 أكتوبر في كل عام بحضور أكثر من ثلاثة آلاف زائر، وعدد من الوزراء والمسؤولين المصريين وسفراء الأردن والإمارات وبلجيكا وليتوانيا وألمانيا وفنلندا والأرجنتين وأزربيجان وكازاخستان والسويد والمجر والبحرين..
وتزامنت الظاهرة مع احتفالات مصر ومنظمة اليونسكو، بمرور نصف قرن من الزمان، على إنقاذ آثار النوبة وأبوسمبل من الغرق في مياه بحيرة ناصر، بعد إقامة السد العالي.
وأقامت الهيئة حفلاً فنياً في تلك المناسبة، مساء الأحد، عشية تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، احتفالاً بمناسبة مرور 200 عام على اكتشاف معبدي أبو سمبل.
وكانت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، والدكتور/ خالد العنانى وزير الآثار، واللواء/ أحمد إبراهيم محافظ أسوان، والدكتورة/ رانيا المشاط وزيرة السياحة، والدكتورة/ غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعي، قد اصطحبوا عدد 26 من السفراء والدبلوماسيين، ومديري المراكز الأثرية الأجنبية في القاهرة، والذين ينتمون إلى 16 دولة عربية وأوروبية وآسيوية، في جولة بمحيط المعبد وقلب المدينة التاريخية، وانتهت الجولة بالتقاط الصور التذكارية أمام واجهة المعبد المطل على شواطئ بحيرة ناصر.
وتتفرد معابد مصر القديمة، بعدد من الظواهر الفلكية التي ترتبط بالشمس والقمر، مثل معبد أبوسمبل الذي تصدر قائمة العجائب الفلكية السبع لمصر القديمة، ومعبد الكرنك الذي يشهد ما يسمى بظاهرة تعامد القمر الأزرق على قدس أقداس الإله آمون.
ولعب الضوء دوراً مهماً في تحديد التشكيل المعماري لمعابد الفراعنة ومقاصيرهم، حيث يوجد ارتباط وثيق بين علوم الفلك وواجهة كثير من المعابد والمقاصير التي شيدها ملوك وملكات الفراعنة.
وكانت السماء الصافية، والنجوم المتلألئة، سبباً في تشجيع قدماء المصريين على دراسة علوم الفلك وحركة النجوم في السماء، ومنذ حلول الألفية الثالثة قبل الميلاد، نجح قدماء المصريين في معرفة الاتجاهات وقياس الزمن وتحديد مدة الأشهر والسنة.
ولما كانت الشمس ترمز لديهم إلى الإله رع، فقد ربط قدماء المصريين الشمس بمعابدهم ومقصوراتهم الدينية، وجعلوها تتجه نحو الشمس، وربطوا بعض الأحداث الدينية مثل الأعياد، والأحداث التاريخية، مثل تنصيب ملوكهم، وبين ظواهر فلكية فريدة تمثلت في تعامد الشمس على تلك المعابد والمقصورات، في أيام محددة من العام.