الثقافة الشعبية طريق التنمية الشاملة

الثقافة الشعبية طريق التنمية الشاملة

اخر تحديث في 6/21/2019 6:45:00 PM

 د. شيرين جمال الدين

عندما يهمل شعب ثقافته القومية فإنه يفقد هويته ويصنع نهايته؛ فالثقافة ليست مجرد معارف مكتسبة وخبرات يتراكم بعضها فوق بعض، ولكنها أسلوب للحياة وسلوك إنسانى، ومنهج فى التفكير البشرى صوب الكمال.

والثقافة كمصطلح تدل على الجوانب الرمزية والمكتسبة فى المجتمع الإنسانى، وهى ذلك الكل المركب الذى يتضمن المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعادات وأي قدرات أو عادات يكتسبها الإنسان كعضو فى المجتمع، فثقافة مجتمع من المجتمعات نسق تاريخي المنشأ يضم مخططات الحياة التى تكونت على مدى التاريخ، بما فى ذلك المخططات الصريحة والضمنية والعقلية واللاعقلية، يشترك فيه جميع أفراد المجتمع أو أفراد قطاع معين منها، وهى موجودة فى أى وقت كموجهات لسلوك الناس عند الحاجة.

وعلى هذا تزودنا الثقافة فى كثير من الأحيان بطرق لتفسير وفهم السلوك الإنسانى، وأنساق المعتقدات والقيم والأيدولوجيات، وبعض أنماط الشخصية المميزة لثقافات بعينها؛ لذا يمكننا القول بأن الثقافة بمعناها الواسع الشامل تعني ما يفرزه المجتمع البشري من منجزات مادية ومعنوية بوصفها ثمرة جهد وإبداع العقل الإنساني ونتاج فكر اجتماعي عالمي لاحدود له، كما أنها عملية تأريخية تنمو وتثرى مع تطور المعرفة الإنسانية.

وعلى هذا تلعب الثقافة ومنظوماتها القيمية دورًا محوريًّا في بناء المجتمع لتوليها تنظيم التفاعل الحادث فيه، وكلما كانت الثقافة ومنظومة قيمها أكثر فاعلية في ضبط التفاعل الاجتماعي كلما توقعنا أن يكون المجتمع أكثر استقرارًا .

والثقافة الشعبية جزء هام وفعال من ثقافة المجتمع ككل، لكونها الثقافة التى تُميز الشعب والمجتمع الشعبى عن غيره من المجتمعات، هذا وتخضع الثقافة الشعبية للتراث الشعبى خضوعًا كبيرًا وتتأثر به، وعلى الرغم من طابعها المحافظ بصفة عامة فهى تتعرض للتغيير باستمرار نتيجة للمؤثرات الخارجية، وعلى هذا فالثقافة الشعبية هى ذخيرة الإنسان ومكتسباته خلال مراحل نموه ونظرته إلى العالم من حوله، وهى كل ما تراكم لديه وتحصل عليه من خبرة بشرية يتم من خلالها التعامل مع المجتمع سواء اجتماعيا أو علميًّا.

هنا لابد من الانتباه إلى أن التراث الشعبى الذى تخضع له الثقافة الشعبية هو ذلك الإبداع الشعبي المتراكم والمستمر والمتجدد، إنه نسيج من الرموز والأنماط السلوكية، كما يُمثل عناصر الثقافة الحية التى يتم تناقلها من جيل إلى آخر، وهو مجموعة الفنون المادية المتمثلة فى الحرف التقليدية وما ينتج عنها من منتجات مختلفة، واللامادية المتمثلة فى الأمثال والأغانى والقصص والحكايات المحصورة بمجموعة سكانية معينة في مجتمع من المجتمعات، ويتم نقله من جيل إلى جيل بشكل شفاهى فى الغالب، وقد يقوم كل جيل بإضافة أشياء جديدة إليه أو حذف أشياء منه لتتوافق في النهاية مع واقع حياته التي يعيشها وهذا الإبداع ليس من صنع فرد بعينه ولكنه نتاج الجماعة الإنسانية ككل في المجتمع.

والتراث الشعبى للمجتمع المصرى جزء هام وفعال من ثقافته، وهو ميراث متعدد المستويات، يحمل من مستوى الجذور عناصر حاضرة فى تراثه المُعاش ومعها عناصر من تراث المراحل التى توالت عليه وتفاعلت معه وكونت من كل ذلك مزيجًا فريدًا من تراث الحضارات التى عاشت على أرض مصر، وقد نشأ هذا التراث من خلال تفاعل حى شديد التعقيد بين الإنسان والقوى الطبيعية والاجتماعية، هذا التفاعل هو الذى أسهم فى صياغته وهو الذى يغذيه باستمرار ويمنحه قدرة التجدد المتواصلة. من ثمة فالتراث الشعبى لا يتيح للإنسان التكيف مع بيئته فحسب، إنما يتيح له إمكانية تكييف هذه البيئة لحاجاته ومشروعاته.

ولكل من التراث الشعبى والثقافة الشعبية دور كبير فى عمليات تنمية المجتمع، كونهما يلعبان دورًا هامًّا بالنسبة لسلوك الإنسان وتوجيهه، لذا فلا يخفى دورهما الفعال فى التقدم الاقتصادى والاجتماعى؛ فالتراث والثقافة الشعبية وسيلة بالغة النفاذ لأنها أكثر قدرة على تثبيت التصورات والقيم والرؤى، وترسيخ المرجعيات الفكرية التى تصدر عنها المواقف، إلى جانب قدرتهما على اختراق الحواجز واجتياز الموانع، رغم تشبثها بالقيم الأخلاقية والاجتماعية الثابتة، أى تلك التى دأبت عليها الأجيال وتواترها فى تركيباتها المجتمعية المختلفة.

وعلى هذا يعتبر التراث الشعبى من حيث تناوله بالقراءة والتحليل وعرض موضوعاته الثرية المتعددة مسألة ضرورية لاستيعاب دوره فى الحفاظ على خصوصية المجتمع وهويته الثقافية والاستفادة منه من خلال ما يحمله جانباه (اللامادى والمادى) من منظومات قيمية إيجابية.

فى النهاية يمكننا القول بأن هذا الجانب الثقافى الهام من ثقافة المجتمع يُمثل الثقافة حجر الزاوية فى عمليات التنمية، وله دوره كركيزة من ركائز التنمية الشاملة، وله أهداف تنموية نبيلة لابد من رعايتها وإرساء دعائمها فى المجتمع، أهم تلك الأهداف إعداد الانسان وبناؤه معنويًّا ليكون له دور إيجابى فى تنمية مجتمعه.


محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @