«المفحمة».. إدانة للطبقة المتسلطة

«المفحمة»..   إدانة للطبقة المتسلطة

العدد 900 صدر بتاريخ 25نوفمبر2024

في إطار الدورة العاشرة من مهرجان آفاق مسرحية العربي) دورة الفنان الراحل نور الشريف)، ومهرجان آفاق يقام على ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى المشاهدة واختيار العروض، والثانية ملتقي المسابقات التي يشارك بها عروض من مختلف فنون العرض المسرحي وتقام على مسرح آفاق وتشارك بها فرق محلية، وقد شارك العرض ضمن العروض القصيرة، والمرحلة الثالثة تقام على مسرح الهناجر من العروض التي فازت من المرحلة الثانية ويضاف إليها عروض مسرحية من الوطن العربي.
 قدمت فرقة كريستيان إيجي العرض المسرحي المفحمة عن النص الدرامي القرد كثيف الشعر للكاتب الأمريكي يوجين أونيل (16 أكتوبر عام 1888م – 27 نوفمبر عام 1953م) والتي قام بكتابتها عام 1922م وقد فازعن العرض فريق مسرح كريستيان إيجي بجائزة أفضل ملابس، وأفضل مكياج فازت به ميرفت سمير.
حصل الكاتب يوجين أونيل على جائزة نوبل للأدب عام 1936م عن نتاجه المسرحي المتميز، فقد احتل دون منازع مكانة مرموقة في المسرح الامريكي والعالمي، فقد كان المسرح الأمريكي قبل أونيل مرتبطاً إلى حد كبير بمصادر الثقافة الأوربية.
يناقش النص الدرامي (المسرحي) للكاتب الأمريكي يوجين أونيل  القرد كثيف الشعر وضع الإنسان في عصر الآلة، ويعتبر النص من ضمن نصوص المدرسة التعبيرية التي تصور أعماق النفس البشرية، وتجسد مكنونات العقل الباطن، ومن خصائص هذه المدرسة أنها تناقش قضية اجتماعية وتوجد شخصية رئيسية تعاني من أزمة نفسية وقد توجد شخصية محورية وباقي الشخصيات شخصيات نمطية، والحبكة فيها تكون مفككة وتعتمد على اللا منطق.

نص العرض
جاء أسم نص العرض المفحمة من خلال الوقادين (العاملين) في مواقد الفحم، وتدور الفكرة الرئيسية للعرض حول الفوارق الطبقية والصراع الطبقي.
تدور الحكاية داخل سفينة ويحدث صراع طبقي بين البشر الموجودين بداخلها، يتمثل في السيد ماركوس (عبدالغني السعيد) صاحب المال الذي يمثل السلطة، والذي يعيش أعلى السفينة والوقادين (العمال) الذين يمثلون الأغلبية وهم المقهورين، ويعيشون أسفل السفينة، في فقر مدقع يظهر في ملابسهم وطعامهم، فهم يعيشون مثل الحيوانات، وعلى الرغم من ذلك نجد صراع بين الطبقة المقهورة على من تكون له الزعامة والكل يأتمر بأمرة فنجد  يانك (جبرا جرجس) هو أكثرهم إثارة للشغب، قائد بين العمال الأخرين، يرى في نفسه سر حركة السفينة، يحتقر كل من حوله معتبراً نفسة أفضل منهم، يجد نفسه متمرداً ضد الطبقة العليا السلطوية التي يشعر أنها لا تقدر عمله الشاق، ورغم أنه يحقد عليهم فهو لا يريد إن يشرب البيرة مثل طبقته فهو يريد أن يشرب الويسكي متشبها بالطبقة العليا، فهو لا يشعر بتدني مستواه المعيشي، وأسفل السفينة نرى العديد من النماذج البشرية.
أعلى السفينة نجد السيد ماركوس واخته ميس دوجلاس (مارينا ثروت)  يدسون السم لقتل كل من تسول له نفسه بالاعتراض على طريقة إدارته للسفينة التي يمتلكها وعدم مطالبة أحد له بحقوق الوقادين، يُقْتَل السيد ماركوس عندما ينزل إلي الوقادين من أعلى السفينة إلى أسفلها بنفس الطريقة التي استخدمها في قتل الأخرين، فيقوم أحد الوقادين بدس السم له في كأس المياه وذلك بالاتفاق مع ابنته ملدرد (دميانه مجدي) التي درست علم الاجتماع وأرادت أن تقف بجوار الوقادين، بعدما شعرت بقهر والدها لهذه الطبقة واشتمت رائحة الموت مثلهم.
بعد موت السيد ماركوس يرتدي يانك ملابسه، ويطلق أحد الوقادين حمامة تعبر عن الخلاص من القهر والحرية والسلام، ونرى يانك أعلى ظهر السفينة، وينتهي العرض بنهاية مفتوحة.  
اختزل كاتب نص عرض المفحمة العديد من الخطوط الدرامية التي كتبها أونيل وركز فقط على الصراع الطبقي، وأوضح لنا مكان وجود الوقادين أثناء راحتهم وشرابهم وطعامهم وملابسهم وأيضا همجيتهم، وكذلك مدى قوة جسد يانك وسيطرته وشعوره القوي بالانتماء للسفينة.

رؤية المخرج
كان الديكور (مارو ابراهيم) عبارة عن سفينة مقسمة إلى جزئيين الجزء الأسفل على المستوى صفر، ونجده على شكل فتحات تمثل الفرن الذي يُغَذَى بالفحم حتى تبحر السفينة، وهو المكان الذي يعيش فيه الطبقة المقهورة (الوقادين)، والجزء العلوي يمثل أعلى السفينة هو مكان إعاشة مالك السفينة وأسرته وحارسه الشخصي (مينا وديع)، ويتردد على هذا المكان كل من لدية مشكلة في العمل، أو من يأتي من خارج السفينة مثل الصحفية (مارتينا عزت)،  ويظهر في الجزء العلوي مكتب السيد ماركوس على يمين المسرح، وعلى شمال المسرح يوجد بار تجلس فيه العمة ميس دوجلاس، اخت ماركوس حيث كانت تناديها ابنته ملدرد بالعمة، وتتحرك ملدرد   فوق ظهر السفينة بين مكتب والدها والبار مكان جلوس عمتها، كما نرى ملدر نزلت أسفل السفينة لمرة واحدة.
اما الملابس (فيرنا عطا) فنجد أن الوقادين (عمال المفحمة) من يعيش في الجزء الأسفل من السفينة يرتدون ملابس متسخة ممزقة وبالية نظراً لعملهم في تغذية السفينة بالفحم لتعبير عن فقرهم المدقع، أما من هم في أعلى السفينة من يمثلون الطبقة الثرية نجد ملابسهم من أفخر الثياب إلا أن هذه الملابس تعكس ما بداخلهم، فاستخدم التضاد في الألوان للتعبير عن الخير والشر، فنجد العمة ميس دوجلاس ترتدي فستان أسود في دلاله على سواد القلب وهي لا تمانع في قتل كل من ينطق بكلمة عن حقوق العمال حتى لو كانت زوجة السيد ماركوس وأم ابنته الوحيدة، والتي قتلتها دوجلاس بالسم بناء على تعليمات السيد ماركوس، لمجرد أنها أرادت الدفاع عن حقوق العمال، كما قتلت غيرها بنفس الطريقة، ونرى ملدرد ابنة السيد ماركوس ترتدي الملابس البيضاء والتي تعبر عن الصفاء والنقاء الخارجي قبل الداخلي.  
وبالنسبة للإضاءة (شادي نادر) نجد أنها حققت الحالة الدرامية على مستويين، الاول  أعلى السفينة، والثاني أسفل السفينة، فنجد الإضاءة أعلى السفينة توضح مدى الحقد والكراهية الكامنة والمسيطر على الطبقة العليا، خاصة العمة ميس دوجلاس عندما تضع السم لضحاياها دون أي تردد لدرجة أنها كادت تفكر في قتل ملدرد ابنة السيد ماركوس، وكذلك الإضاءة الحمراء عندما تنتاب السيد ماركوس نفس الحالات الشريرة التي كانت تنتاب العمة ميس دوجلاس، أو الإضاءة الأصفر البرتقالي التي تخلق جوا مريحا هادئا عندما يكون السيد ماركوس جالساً بمفردة أو مع ضيوفه، وفي الاسفل نجد الإضاءة المعتمة إلا من لهب الأفران، ولأول مرة تستخدم ماكينة الدخان في مسارها الصحيح لتحقق الحالة الدرامية فرغم الكثافة الشديدة للدخان إلا أنه مقنع حيث أنه يصدر من الافران التي يحرق فيها الفحم ليصبح وقود للسفينة، ويترك أثراً على أجسادهم وملابسهم، وثانياً حتي تظهر صورة مسرحية توضح مدي الضبابية التي يعيش فيها الوقادين، وفي بعض الأحيان كانت تستخدم الإضاءة الكاملة للمسرح في أوقات راحة الوقادين، والبؤر الضوئية ذات اللون الأحمر عندما يتشاجروا معاً.
اما المكياج (ميرفت سمير) فكان يوضح مدي الثراء ونظارة البشرة والشعر المصفوف في الطبقة الغنية ، اما الطبقة الفقيرة وقادي الفحم نرى شعر كل منهم أشعث، ووجوههم متسخة باللون الاسود من (سخام الفحم) رماد الفحم، وشاهدنا فتاة نصف وجهها مشوه نتيجة تعرضها لحرق أثناء ممارسة عملها بتغذية افران السفينة بالفحم، كما نلاحظ خروج قطعة تشبه جزء من اللسان من فم فتاة تدعى سيل (فيرا نبيل) عندما قام السيد ماركوس بقطع لسانها لأنها تتحدث كثيرا عن حقوق الوقادين.
كانت الدراما الحركية (محمد بحيري) عبارة عن تعريف بالوقادين ووظيفتهم على السفينة في المشهد الافتتاحي، وفي نهاية العرض في مشهد يعبر عن انتصار الطبقة المقهورة على السيد ماركوس مالك السفينة والذي قهرتهم وازهق أرواح بعض منهم.
اما الإعداد الموسيقى (ستيفن عماد) في بداية العرض عندما كان يجلس عمال الفحم ونجد وجوهم متجهمة ونسمع صوت كمان حزين حيث أن الحوار يبرز أنهم يشتموا رائحة الموت، كما لحن هادئ حزين يتردد   في ثلاث قصص التي كانت تحكيها ثلاث فتيات من الوقادين فالكل شكواهم واحدة وإن اختلفت طريقة التعبير، وكان تعبيرهم على هيئة منولوج، فالأولى تري الفقر والثانية تنعى شبابها الضائع، والثالثة تري أنه لا أمل من الخروج من كبوة الفقر حيث المال الذي يتحصلون علية ضئيل جداّ ، كما نسمع موسيقى تعبر عن حالة الرعب  باستخدام ثلاث  آلات في العزف (الطبول والكمان والبيانو) عندما تظهر سيل التي كانت تظهر دائما كشبح فكان تشكل حالة الرعب السوداوية وهي تحذرهم من الغدر الذي سيحدث لهم في القريب العاجل يؤدى إلى موت أحدهم
كل الشكر للمخرج الواعد شادي نادر الذي اختار مجموعة متميزة من الممثلين كلاًفي دوره واهتم بكل التفاصيل ليقدم لنا عرض متميز والشكر موصول لكل المشاركين في العرض ومنهم الممثلين الذين تم ذكرهم ومعهم من قام بالأدوار التالية: الطفلة (جونير ملاك)، هنري (كيرلس ماهر)، توني (ارسانيوس نشأت)، توماس (جوزيف فرج الله)، بنت البيرة (يوستينا مجدي)، سيلفيا (مادونا صدقي)، مورين (كاترين خيري)، كارمن (جومانة ملاك)، فروجي (مارو جميل)، العم بادي (مهاب شرقاوي)، ميكرو (ديفرام شنوده)، لونج (إبرام هاني) ، البهلوان (أحمد حمدي).
هيئة الإخراج: مخرج منفذ (أحمد شعبان), مساعد مخرج أول إبرام هاني), مساعد مخرج ثاني (مارينا ثروت), ومدير عام الفريق (أبانوب ثروت).


جمال الفيشاوي