العدد 908 صدر بتاريخ 20يناير2025
في قلب الصحراء الشاسعة، حيث يمتزج شموخ الطبيعة بعمق التراث، ينبض مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي كحدث فريد يجمع بين الفن والجذور. هنا، حيث تمتد الرمال بلا نهاية، تصبح الصحراء مسرحاً مفتوحاً يتنفس حياة، وتجتمع ثقافات الدول العربية لتعيد رسم ملامح القصص القديمة بحرفية. يتجاوز المهرجان كونه عروضا فنية، فهو فلسفة تحاكي العلاقة الأزلية بين الإنسان والطبيعة. في خيام واسعة تتناغم مع البساطة المهيبة للصحراء، تُروى حكايات القبائل، وتُعرض مشاهد الصراعات الإنسانية التي طالما شكلت نسيج الحياة البدوية. عروض تأتي من الشارقة وتونس والأردن ومصر وموريتانيا، حاملةً أغاني القبائل وقيمها الروحية ومثلها العليا، لتعيد إحياء التاريخ وتضيء الحاضر برؤية فنية ساحرة. مؤكدة أن المسرح قادر على تجاوز الحدود ليصبح أداة للتواصل الإنساني العميق. وبرعاية شاملة تمتد من التنظيم إلى تقديم كل الخدمات، حيث وفر المهرجان خيام فندقية مجانية للجمهور الذي يأتي من أماكن بعيدة لمشاهدة العروض ومتابعة الفعاليات، بالإضافة لفقرات من الفنون الشعبية الإماراتية، ومسابقات الطهي، حتى أنك تختبر حظك لربما كنت أحد الجمهور سعيد الحظ الذي يحصل على الدرهم الذهبي، بالإضافة لحفلات الشواء اليومية والسمر، وعربات الأيس كريم للأطفال فلم ينساهم المهرجان. فالمهرجان يعيد المهرجان صياغة العلاقة بين المدينة والصحراء، بين الحداثة والأصالة، ليبقى شاهدا على أهمية العودة إلى الجذور، لا كحنين عابر، بل كضرورة إنسانية وفنية.
إن المهرجان ليس مجرد احتفاء بفن المسرح، هنا، في عمق الصحراء، على مدار خمسة أيام، تتحول الصحراء إلى حياة تنبض بالجمال وتشكيلات السينوغرافيا الطبيعية. يقام المهرجان برعاية ودعم من سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ورئيس دائرة الثقافة، ومدير دائرة الثقافة ورئيس المهرجان عبدالله عويس، ومدير إدارة المسرح ومدير المهرجان أحمد بو رحيمة.
المسرح الصحراوي، فضاء ثقافي يعبر عن هوية خاصة بكل مجتمع.
يقول في البداية د. محمد عبدالصمد، المؤلف المسرحي ومؤلف عرض “الزينة”:
تدور ثيمة العرض المسرحي “الزينة” في بيئة بدوية تمزج بين سمات الواحات البحرية المصرية وسيوة، حيث تنشأ قصة حب بين خير الله والزينة. يسعى خير الله للارتباط بالزينة، لكنه يفاجأ بعائق اجتماعي ضمن أحداث المسرحية، يتمثل في عادة “مسك بنت العم”، وهي تقليد متبع في الثقافة الصحراوية يمنع زواج الفتاة طالما يطلبها ابن عمها للزواج، وهي من القضايا الاجتماعية الملحة في مجتمعات الصحراء، التي لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد إلى أماكن وبيئات متعددة. ولهذه العادة أسباب ودوافع ترتبط بالنسق الاقتصادي والبناء الاجتماعي القبلي في هذه المجتمعات. كما يناقش العرض مسألة السلطة وتوزيع القوى في المجتمع، على اعتبار أن العادات والتقاليد والأعراف لها سطوة على الأفراد والجماعات، وتمتد هذه السطوة الزمنية وتتدخل في تفاصيل الحياة اليومية.
وأضاف» عبدالصمد»، بالطبع، فإن التجارب المسرحية التي تخرج عن الإطار التقليدي، وهو مسرح العلبة الإيطالية المروج له، ليست غريبة على المسرح المصري. فمنذ أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات، كانت هناك قراءات دائمة للبحث عن شكل مسرحي تأصيلي يربط المسرح بالثقافة المصرية الأصيلة. لدينا إنتاج غني في هذا المجال، سواء على المستوى النظري، سواء في قالبنا المسرحي توفيق الحكيم، أو نحو مسرح مصري ليوسف إدريس عن مسرح مصري أصل، أو على المستوى العملي من خلال تجارب الكثير من المبدعين. من بين هذه الأسماء البارزة نجد هناء عبد الفتاح، عبد العزيز مخيون، عبد الرحمن الشافعي، صالح سعد، أحمد إسماعيل، وغيرهم من الأسماء التي أثرت هذا المجال، ومنها أيضًا سرور نور وتجربة حسن الجريتلي. جميع هذه الجهود صبت في النهاية انه تم عمل مشروع مسرحي رسمي هو “مسرح الفضاءات المفتوحة والأماكن المفتوحة”، الذي قاده الراحل الكبير بهاء الميرغني. هذا المشروع فقدمت العديد تجارب مسرحية خارج النمط التقليدي لمسرح العلبة الإيطالية.
وتابع “أمين”، رأينا المسرح الذي يُقدّم على ضفاف النهر، أو في ملعب كرة قدم، أو بخلفية مسرحية، بل وشاهدنا أيضًا المسرح الذي يُقام في “الجرن” في احتفال شعبي فلاحي. ومع الأسف، لم يستمر هذا المشروع وتوقف بعد سنوات، رغم أنه كان، في اعتقادي، أنه المشروع القادر على إيصال المسرح إلى مختلف الثقافات، ويوظف ما لديها باعتبار أنني من المؤمنين بأن المسرح ظاهرة إنسانية ترتبط بكل الثقافات التي تنشأ داخله وتُنتج منه. لذلك، لم تكن التجربة التي قدمتها فرقة “استوديو 77” بقيادة المخرج عادل حسان أمراً غريباً، بل جاءت انعكاسا لإرث ثقافي متنوع ومثمر داخل المشهد الثقافي المصري. هذه التجربة بُنيت على محاولات وتجارب سابقة لأجيال سبقتنا.
واسترسل “د.محمد” أود التنويه هنا إلى أنني والصديق عادل حسان قد خضنا عام 2012 من خلال عرض “مدد يا سيدي شيكانارا”، تقديم التجربة المسرحية في فضاء غير تقليدي بساحة مسرح السامر. قمنا بتوظيف كل عناصر المكان لصالح العرض، مبتعدين تمامًا عن الشكل التقليدي لمسرح العلبة الإيطالية وما يرتبط به. كان العرض يحمل خطابًا سياسيًا واضحًا يعكس موقفنا من الأحداث السياسية التي كانت تجري في ذلك الوقت. لذا، فإن تجربتي الثانية مع المخرج عادل حسان تجربة تدخل في خصوصية التعامل مع أماكن غير تقليدية أو غير مروّج لها، متجاوزين الحدود المعتادة لمسرح العلبة الإيطالية.
وحول أهمية المشاركة في المهرجان أشار قائلا: تتمثل أهمية المشاركة في هذا المهرجان في أهميتها بالنسبة لفريق العمل وبالنسبة للثقافة المصرية بشكل عام. فالصورة النمطية السائدة عن المسرح المصري والهوية الثقافية المصرية ترتكز على فكرة أن مسرح العلبة ومايقدمه هو المسرح المصري، وأن ثقافة القاهرة أو الثقافة المركزية هي الثقافة الوحيدة التي تقدم الأعمال الدرامية سواء المسرحية أو السينمائية أو التليفزيونية. بالطبع ثقافة المركز شكل من أشكال الثقافة المصرية أو تنويعة من تنويعاتها لكن لا أعتقد أنها الأكثر ثراءا لأن الأكثر ثراءا التنويعات التي تملأ الخريطة المصرية والمتفاعلة مع ذاتها ومع الغير مقدمة فنونها وثقافتها. ففي مصر نملك - وهذا سر الثقافة المصرية- على الأقل ست تنويعات ثقافية لكل منها سماتها المميزة لها في إطار الثقافة العامة المصرية. من بين هذه التنويعات الثقافية، نجد ثقافة الصحراء أو البادية، سواء في الصحراء الغربية أو الشرقية، إضافة إلى سيناء. ومن المفارقات أن رغم أن الثقافتين صحراويتين وبدويتين، فإن لكل منهما خصائصها الفريدة التي تميزها، فكل واحدة من هذه الثقافات تحمل سمات مختلفة عن الأخرى، بجانب السمات المشتركة، وذلك بسبب اختلاف تفاعلاتها وظروفها وعمليات التثاقف والاستعارات الثقافية التي تمت في كل منها. على سبيل المثال، لدينا ثقافة النوبة وثقافة النهر التي ترتبط بوادي النيل وحضارته العريقة، ثم نصل إلى ثقافة الدلتا وما تمثله من تفاعل مع الحياة الزراعية والاجتماعية. أيضا من بين المميزات البارزة للثقافة المصرية نجد “ثقافة الكوزموبوليتان”، التي تصف الثقافة الساحلية المصرية في البحر المتوسط، واحتكاكها المستمر مع الثقافات الأخرى، وتشكيلها اتنويعة ثقافية متفعلة ومنتجة لثقافة وتنويعة ثقافية شديدة الخصوصية.
وأكد قائلا: مهرجان المسرح الصحراوي، إذا اعتبرناه فضاءً أصيلاً في مجتمعاته، يمكن أن يتواجد في العديد من الأماكن ويأخذ أشكالاً متنوعة، لذلك لا أقول إنه بديل، بل هو فضاء ثقافي يعبر عن هوية خاصة بكل مجتمع. على سبيل المثال، نجد أن مهرجان المسرح الصحراوي في أفيدوس بجنوب تونس قد شهد نحو ست دورات ناجحة، إضافة إلى التجارب المسرحية في موريتانيا وغيرها من الأماكن التي تقدم المسرح في سياقات تختلف عن الشكل التقليدي المتعارف عليه. هذا لا يعد أمرًا غريبًا، بل هو دليل على إمكانية تقديم العديد من الأشكال المسرحية التي تتناغم مع ثقافة المكان، وتاريخ المجتمع، وكذلك القضايا التي يناقشها.
أما عن فكرة التسابق، فالتسابق في هذه النوعية من المهرجانات قد يكون مجحفا بالمشاركين لاختلاف الظروف واختلاف الثقافات المنتجة وكذلك القدرات على تقديم هذا الشكل وتوافره من مكان لآخر، أي أن المعايير التي من الممكن تطبيقها بشكل محكم أعتقد أنها قد تظلم بعض العروض. فكرة التسابق بشكل أساسي قد تدفع فرق العمل للبحث عن جائزة، لكن، بعيدا عن التسابق يكون الهم الفني وفكرة إرضاء الجمهور وتقديم الشكل الثقافي له فتلك تكون أهداف مقدمة على فكرة الجائزة والمسابقة.
ففي المهرجان الصحراوي اللقاء في المسامرات الفكرية أو المحاور التي يتم تحديدها كذلك الندوات التي تعقد مابعد العرض هي فرصة للتعرف على تنويعات ثقافية غير تقليدية بالنسبة لكل واحد منا، فهي مختلفة أو متقاربة، ومعرفة بالآخر وربما تكون بابا لمعرفة الذات؛ لذا قد يكون التسابق ضد هذه الأهداف، فالأهم في هذا الأمر هو هل هذا المسرح يقوم بوظيفة بهدف ودور في سياقه وهل يمكن تعميمه؟
صحراء الشارقة .. حاضنة المغامرة !
فيما يقول المخرج عادل حسان مخرج العرض المسرحي «الزينة»، المشارك ضمن فعاليات المهرجان:
منذ انطلاق المهرجان في دورته الأولي قبل 9 سنوات مضت، وجدتني مهتما كمخرج - يتطلع للمغامرة في تجاربه الإخراجية بشكل عام - بضرورة السعي نحو المشاركة في المهرجان الذي يخرج بفن المسرح إلي طبيعة ساحرة في الصحراء. وهو ما يتطلب تقديم عروض لها سمات خاصة فيما يتعلق بالمحتوي والرؤية البصرية وبما يتسق وثقافات أهل الصحراء.
وأضاف «حسان»، هذا ما دفعني لمشاركة الكاتب د. محمد أمين عبد الصمد في الخروج بنص مسرحي يصل بنا إلي تقديم عرض يتفق وهوية المهرجان الذي تابعته عبر سنوات باهتمام وصولا للمشاركة في دورته الثامنة هذا العام بمسرحية«الزينة».
وتابع، فالمسرحية رحلة تمتد لستين دقيقة نعرف فيها الناس والأمكنة في «سيوة .. الواحة»، صحراء مصر الغربية الغنية بحكاياتها وأسرارها التي يعرفها أهل الواحات.
وليس آخرا، كل التقدير لإدارة المسرح بدائرة الشارقة للثقافة لجهدهم ودورهم في إقامة هذا المهرجان المغاير بما له من أهمية، نعرف من خلاله تراث اجتماعي وثقافي وفني ممتد في دول عدة تلتقي سنويا في صحراء الشارقة التي تستوعب رؤي مغامرة لمبدعين عرب لهم جميعا كل المحبة.
العودة إلى الجذور والانطلاق بعيدا عن المدينة وتعقيدات العصر
وعبر الفنان عزت زين عن رأيه قائلا:
سمعت عن مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقه من قبل، وتثير التسمية تساؤلات كثيرة خاصة وإنها تربط المهرجان بمكان، والمكان هو الصحراء المرتبطه في الأذهان بقسوه الطبيعة والمناخ والحياة البدائية البسيطة، الماء والنار والكلأ، فأي مهرجان ولمن ؟؟
وأضاف« زين»، المهرجان قائم علي فلسفة أظن إنها تتسق مع المجتمع العربي خاصة في الخليج، حيث يمكن أن يخرج المواطن إلي البر “الصحراء” أسبوعياً حيث تكون العوده إلي الجذور، القبيلة، الطبيعة والانطلاق بعيدا عن المدينة والتكنولوجيا وتعقيدات العصر.
وتابع«عزت»، لكل ما سبق يقام المهرجان علي مسافة تتجاوز الأربعين كيلو من حدود مدينة الشارقه، وعلى امتداد الطريق تمتد الإعلانات المضيئة التي تحمل شعار المهرجان حتي الدخول إلي منطقة الفعاليات، والمزوده بكل الخدمات الضرورية حيث أول ما يلفت النظر البرج الذي يحمل شاشات مضيئة من جوانبه الثلاث وتعرض عليه مشاهد متنوعة للفاعليات المختلفة. تمتد الخيام الفندقية على مساحة كبيرة وهي لزوار المهرجان المقيمين خلال مدة إقامة المهرجان، بخلاف المترددين علي المهرجان بسياراتهم لحضور الفعاليات والعودة كل يوم. كما تقام ندوة يومية «مسامرة» على مصطبة مستديرة ترتفع عن الأرض قليلا وهي تجاور وعلى مقربة من أرض منبسطه تقام عليها العروض المسرحية يعلوها تل مرتفع قليلا أمام مقاعد ممتده على مدرج مرتفع بين برجين للإضاءة بجانب إضاءات أخرى جانبية، وتمتد كاميرات التصوير من كافة الزوايا بما يسمح بتصوير العروض المقدمة ونقلها في بث تليفزيوني مباشر.
قدمت العروض المسرحية من الشارقه وتونس والأردن ومصر وموريتانيا، موضوعات تدور في الصحراء وقبائلها، عاداتهم وتقاليدهم، ومشكلاتهم، أغانيهم، وقيمهم الروحية ومثلهم العليا. وجاء العرض المصري للمؤلف محمد أمين عبد الصمد ومخرجه عادل حسان “الزينه “ ناضجا تماما كتابة وتقديما، مبهرا ومبهجا، متفقا تماما مع فلسفة المهرجان . وأخيرا فمهرجان المسرح الصحراوي في دورته الثامنة يؤكد وجوده وأهميته ويتسع تأثيره. كانت ليلة مصرية دافئة بحضور خالد رسلان، محمد مكي، إيمان إمام، خالد حسونة، باسم عادل، سلوي أحمد، وأكرم العوضي.
أما عن إمكانية وجود مثل هذا المهرجان في مصر أشار لدينا مجتمعات نوعية، والفلاحين هما النسبه الأكبر، ثم البدو درجات أعلاها هواره، كما هناك النوبة، بمعنى أننا في حاجة لدفع تلك المجتمعات لإنتاج فنونهم وتحفزيهم وتهيئي المناخ الإبداعي لهم، ويمكن مساعدتهم بورش فنيه متخصصة، لكن فكرة إن أبناء المدينة يقدموا فن لهؤلاء فكرة غير سديدة وقصيرة الأمد.
الصحراوي تجربة فريدة من حيث الفكرة والتناول
واتفقت د. سمر سعيد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية على كون المهرجان تجربة فريدة من حيث الفكرة والتناول، وأكدت قائلا: يعتمد المهرجان على محاكاة الواقع الصحراوي من خلال فكرة العرض وجميع العناصر المصاحبة من فنون أداء وسينوغرافيا، مما يجعلة متميز في نقل حياة البدو في أنحاء الوطن العربي، والوقوف على مدى التشابه والاختلاف في العادات والفنون المختلفة برؤى عصرية لمخرجين مبدعين.
وأضافت«سعيد»، كما يصاحب فعاليات العروض حلقة نقاشية بعد العرض لطرح الرؤى الإبداعية ومناقشة العروض من حيث مدى ارتباطها بالواقع الميداني. حيث يساهم المهرجان في الحفاظ على الموروث الشعبي للحياة البدوية وتوثيقها وأتمنى أن يقام هذا المهرجان في جميع أنحاء الوطن العربي ومصر؛ لأن بها مجتمعات بدوية مختلفة؛ ويرجع ذلك لتعدد القبائل العربية الموجوده فى محافظات مصر المختلفة.
أما بالنسبة لفكرة أن المهرجان احتفائي وليس تنافسي فأتمنى فى المستقبل أن يصبح تنافسيا لأن من خلال ما رأيته من عروض متميزة، تستحق أن ترتب حسب التميز ويكون هناك تميز منفرد للإضاءة وللأداء التمثيلي والإخراج. وأخيرا فتحية تقدير وشكر لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ورئيس دائرة الثقافة ورئيس المهرجان عبدالله عويس، ومدير المهرجان أحمد بو رحيمة، ولكل القائمين على المهرجان.
أكثر المهرجانات تفردا في الشارقة
وأشادت د.داليا همام بالمهرجان قائلة:
من أكثر المهرجانات تميزا واختلافا، ففعالياته التى تجري في الصحراء ذلك الفضاء المتسع الأفق تجعل منه متفردا . في المهرجان يمكن أن تتعرف على ثقافات وهويات الدول العربية المشاركة وذلك من خلال عروضها الصحراوية التى تحاكي موروثها الشعبي التقليدي، مما يؤكد على ذلك الإرث الثقافي الخاص بكل بلد وهو ما يعطيها تفردها. هذا إلى جوار فنون الطهي التقليدية التي تقدمها الدولة المضيفة الشارقة وهو مايكسبه متعة من نوع مغاير تجعل المهرجان في حالة من الترفيه والوعي الثقافي المتكاملة.
وتابعت» همام»، قدم المهرجان مسامرة فكرية تناقش المسرح الصحراوي التجربة والوعي مما يساعد في التنظير للمهرجان ووضع أسس علمية لتجربته، وبوصول المهرجان للدورة الثامنة أصبح له رواد من الشارقة على الرغم من بعد الشارقة عن منطقة العروض في صحراء الكهيف إلا أن الجمهور يتكبد عناء المشوار للاستمتاع بأجواء المهرجان. هذا بالإضافة إلى أن الخيم الفندقية التى تستقطب الجمهور الإماراتى -فقط- بالتبادل في كل ليلة تجعل له زخم محبب يجعل جمهور المهرجان يتسابق على الخيم.
واسترسلت، أن الاهتمام بالعديد من التفاصيل مثل إشراك الجمال والخيول مصاحبة للعروض وتعد جزء منها تحاكي طبيعة الحياة الصحراوية وتعكس صورة صادقة عن من كانوا سكانها. وكذلك اعتماد المهرجان على التكنولوجيا في توظيفها لخدمة العروض المسرحية وماتقدمه من تراث ثقافي يجعل للمهرجان هوية متفردة، ولأجل كل ذلك يعد الشارقة للمسرح الصحراوي من أكثر المهرجانات تفردا في الشارقة.
الإضاءة كانت جزء من نسيج العمل وطبيعة المكان الصحراوية
وقال مصمم الإضاءة عز حلمي:
هذه المشاركة الثانية حيث كانت الأولى منذ عامين مع المخرج ناصر عبدالمنعم، والحقيقة أنني اكتسبت خبرة العمل في فضاء مفتوح مثل هذا، لأن طبيعة العمل به مختلفة عن المسرح التقليدي أو المساحات المحدودة.
وأضاف “حلمي”، العمل في هذه الأحواء أصعب خاصة تغطية تلك المساحة الكبيرة بالإضافة للحظات الإضاءة التي تبني جزء من نسيج العمل، وطبيعة المكان الصحراوية بحيث لاتكون مقحمة عليه أو غير مناسبة.
وتابع” عز”، هذا النوع من المهرجان مهم جدا وينقصنا جميعا كدولة عربية، خاصة وأن الصحراء تسيطر على أغلب أراضينا، بالإضافة إلى أن مصر تحديدا غنية بتعدد اللهجات والثقافات البدوية التي تناسب هذا النوع من العروض، وإن كنا من الأوائل في هذا النوع إذا اعتبرنا أن احتفالا المصريين بموسم الحصاد وغيرها من الاحتفالات فعل مسرحي. والحقيقة سألت نفسي لماذا لا نقدم هذا النوع المهم من العروض أو المهرجانات.
أما عن فكرة التسابق فمن الجيد أنه بدون تسابق ليشجع على العمل بغرض الاستمتاع والإمتاع بعيدا عن الضغط العصبي الذي يسببه التسابق.
وأخيرا، أعبر عن سعادتي بالمشاركة، وأعتقد أننا كفريق مصري تركنا انطباعاً جيدا في المهرجان. وأتوجه بالشكر لإدارة المهرجان لتوفيرها كافة الامكانيات لإنجاح العروض وظهورها بالشكل اللائق.
المهرجان احتفاء بالتراث العربي والهوية الثقافية.
يقول عبدالله الشحي مدير مسرح عجمان:
إن المهرجان حدث ثقافي وفني مميز تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة سنويا، ويعكس الاهتمام الكبير الذي توليه إمارة الشارقة للمسرح وفنونه المتنوعة. ويهدف إلى تقديم المسرح بروح البيئة الصحراوية، حيث تُستوحى العروض من التراث الثقافي العربي والتقاليد المرتبطة بالحياة الصحراوية . وتكمن أهمية المهرجان في تعزيز التراث الثقافي، حيث يعيد إحياء التراث العربي البدوي عبر مزجه مع الفنون المسرحية، مما يسهم في تسليط الضوء على القيم الثقافية التي تعبر عن حياة الصحراء. وكذلك تشجيع الفنون المسرحية حيث يتيح فرصة لتطوير المسرح الصحراوي بوصفه نوعاً جديداً من الفنون المسرحية، يدمج بين الحكايات الشعبية والأداء المسرحي. أيضا يُعتبر منصة للحفاظ على الهوية الثقافية العربية ونقلها إلى الأجيال الجديدة بأسلوب إبداعي ومعاصر. هذا بالإضافة للترويج السياحي حيث يجذب المهتمين بالفن والثقافة، مما يسهم في دعم السياحة الثقافية في دولة الإمارات.
وأضاف «الشحي» من فوائد المهرجان الفنية أنه يوفر بيئة تفاعلية لتبادل الخبرات بين المسرحيين والمبدعين العرب والدوليين، ويُلهم المشاركين لتجريب أساليب جديدة في المسرح مستوحاة من بيئة الصحراء، كما يعزز الوعي بقيم وتقاليد المجتمعات الصحراوية من خلال القصص والعروض التي تُقدَّم في هذا الفضاء المسرح، ويعزز الروابط الاجتماعية من خلال جمع الجمهور من مختلف الخلفيات لمشاهدة العروض والمشاركة في الفعاليات المصاحبة .
وتابع « عبدالله»، تقام العروض المسرحية في بيئة مفتوحة في الصحراء، حيث يتم تجهيز الفضاء ليتناسب مع الطابع البدوي، والمشاركة الدولية من فرق مسرحية من مختلف الدول، ما يعزز تبادل الثقافات والخبرات. كما تنظيم ندوات وورش عمل لمناقشة تطوير المسرح الصحراوي، فهو احتفاء بالفن والثقافة، ويُظهر مدى انسجام التراث العربي مع أشكال التعبير المسرحي الحديث.
أما عن تطور المهرجان على مدى الدورات السابقة؛ فقد شهد تطوراً ملحوظاً منذ انطلاقه، حيث نجح في تعزيز مكانته كمنصة فريدة تحتفي بالتراث الصحراوي العربي من خلال الفن المسرحي، حيث انطلق المهرجان بهدف دمج الفنون المسرحية مع البيئة الصحراوية، مسلطاً الضوء على التراث والثقافة البدوية، كما أنه على مدار دوراته شهد تزايداً في عدد الفرق المسرحية المشاركة من مختلف الدول العربية، مما أثرى تنوع العروض المقدمة، حيث تطورت العروض لتشمل مزجا بين الحكايات الشعبية والأداء المسرحي الحديث، مع التركيز على القصص المستوحاة من الحياة الصحراوية. أُضيفت أيضا ندوات وورش عمل تهدف إلى مناقشة تطوير المسرح الصحراوي وتبادل الخبرات بين الفنانين والمختصين .
وأشار “عبدالله الشحي” شهد المهرجان هذه الدورة مشاركة واسعة من الإمارات، تونس، الأردن، مصر، وموريتانيا، مما يعكس البعد العربي للمهرجان . قُدمت خمسة عروض مسرحية أنتجتها دائرة الثقافة بالشارقة، عُرضت لأول مرة أمام الجمهور، مثل العرض الإماراتي “الرداء المخضب بالدماء” لفرقة مسرح الشارقة الوطني، من تأليف صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للإتحاد حاكم الشارقة وإخراج محمد العامري. ونُظمت جلسات نقاشية بعنوان “ المسرح الصحراوي .. التجربة والوعي ”، بهدف تسليط الضوء على تأثير المهرجان في المشهد المسرحي العربي. فقد أصبح المهرجان منصة لتجريب وتطوير هذا النوع من المسرح، مما أضاف بعدا جديداً للمسرح العربي، وجعله حدثًا ثقافيًا بارزا يسهم في تعزيز وتطوير المسرح العربي بلمسة صحراوية فريدة .
أما عن المسرح في إمارة الشارقة عموما، فيتمتع بمكانة متميزة، حيث يُعد جزءا أساسياً من رؤية الشارقة الثقافية التي يقودها صاحب السمو حاكم الشارقة الذي يولي المسرح والفنون اهتماماً خاصاً. فهناك حالة ازدهار بفضل الرؤية الثقافية والدعم المتميز، ومع ذلك، يظل تطوير المحتوى وتجديد أساليب العرض عنصرين أساسيين لضمان استمرارية هذا الزخم الفني .
وأحب أن أشير في النهاية أننا في الإمارات انتهينا من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي وبدأ مهرجان الإمارات لمسرح الطفل ثم مهرجان الشارقة للمسرح الكشفي، ثم ننتقل مع الهيئة العربية للمسرح إلى مهرجان المسرحي العربي بعمان،لنعود مرة أخرى لنناقش ونشارك في مهرجان أيام الشارقة المسرحية. فالمسرح لدينا في تطور دائم، فالمهرجان الأساسي في تطوير الحركة المسرحية في الشارقة هو أيام الشارقة المسرحية، وهناك الفجيرة للمونودراما، وكلباء، ودبا الحصن للمسرح الثنائي، ومهرجان الغرفة، والكشفي، ودبي لمسرح الشباب، فمنذ زمن كنا نتمنى مهرجان واحد بينما الآن لدينا العديد من المهرجانات المتنوعة، بالإضافة إلى أن أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية رفدت المسرح الإماراتي بكوادر إماراتية وعربية كثيرة.
المهرجان موجه لعامة الناس وليس النخبة
د.خليفة الهاجري .. الكويت
عندما نريد أن نتحدث عن مهرجان مسرحي ذو طبيعة خاصة كمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي فيجب أن نتحدث عن الشارقة أولا. الشارقة ترعى عدد كبير من المهرجانات التي تعني بأبي الفنون، المسرح، على سبيل المثال لا الحصر نذكر مهرجان أيام الشارقة المسرحية، مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، ومهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، ومهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، ومهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، إذا نحن أمام منظومة من المهرجانات المسرحي في حيز واحد، وتشرف عليه جهة واحدة هي إدار المسرح بهيئة الثقافة بإمارة الشارقة. إذا نحن نتحدث عن إمارة تعج باحتفاليات مسرحية وبيئة صحية لمكامن الإبداع، كل هذا تحت رؤية واحدة لرجل قائد حكيم يؤمن بمكون المسرح كعنصر مهم في بناء الإنسان، وفعل نوعي يساهم في تأسيس ثقافة مغايرة وهو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة.
وأضاف” الهاجري”، وفي حالة تفردية، وعلى غرار المهرجانات الأخرى نشأ مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي الذي يعد من أهم المهرجانات العربية ذو الطبيعة المتفردة والخاصة، ولعل أسباب إقامة هذا المهرجان ببساطة شديدة هو لتلبية رغبات أهالي البادية في صحراء الشارقة أولا، وثانيا، لتأكيد قيم وأصالة أهل البادية والعودة إلى الأصول العربية بكل تفاصيلها الثقافية والأدبية، وصياغتها بإطار مسرحي درامي يأصل تلك العادات والتقاليد من مختلف مدن البادية العربية في فضاء ثابت ونسق سينوغرافي موحد، وهو رمال وثرى صحراء إمارة الشارقة. ولعل مسمى هذا المهرجان جاء لوقوع جميع أحداث الأعمال التي قدمت بالمهرجان في نفس الحيز والفراغ المسرحي الصحراوي، بالإضافة إلى مواضيعه الثرية التي تسلط الضوء على هذا الجانب، نصا وفعلا دراميا وإخراجا وتمثيلا وشكلا ومضمونا.
وتابع” د.خليفة”، أما فيما يخص تطور مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، أرى أن التطور الملموس هو استعياب عدد كبير من المخرجين العرب، فكرة المهرجان وتوظيفها في إطارها الصحيح، دون اللجوء إلى هيمنة العلبة الإيطالية، والتمكن من أدواتهم المسرحية في التعامل مع المساحات الشاسعة، وإدارة المكان المسرحي عبر العمل على عدة مستويات، وهي مقدمة الفضاء المسرحي في الأداء التمثيلي القريب من الجمهور، والمستوى الثاني في تقديم الفكلور الصحراوي ورقصاته وأهازيجه المعروفة، وفي العمق في تقديم الكتل البشرية او استخدام الخيل والإبل والدواب لخلق بعد مهم في الفضاء ضمن تناسق منطقي. كذلك استرعى انتباهي انضباط النصوص الموجهة لهذا النوع من المسرح في النهل من عبر وقصص التراث العربي الغنية بالشعر والحكمة.
وأشار فيما يخص التنافس، فشخصيا أفضل ابتعاد هذا النوع من المسرح من الحالة التنافسية التي تتعلق بالجوائز والتقييم وأرى أن الإنشغال بلجان التحكيم والجوائز قد يشتت المهرجان عن هدفه البسيط، وهو أن المهرجان موجه لعامة الناس وليس للنخبة حتى نضعه في إطار المنافسة، لذلك ابتعاده عن نسق السباقات النوعية يجعله محافظا على طبيعته التي تتوائم مع فطرة الصحراء البسيطة.
وأكمل حديثه مؤكداً على إمكانية إقامة المهرجان في أي مكان بالعالم وليس الكويت فقط. موضحا، إذا كانت البيئة الحاضنة له بيئة لها علاقة وطيدة بالعيش بالصحراء، وارتباط الفرد والجماعة بهذا الفراغ عبر سلسلة من العادات والتقاليد التي تحدد هويته الخاصة المرتبطة بالصحراء، والكويت على سبيل المثال تزخر بعدد كبير من القبائل التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالصحراء في فترات ما قبل النفط مثلا.
أما المناقشات الدائرة حول ماهية هذا المهرجان، أرى أننا يجب ألا نحمل هذا المهرجان أكثر مما يحتمل، وألا نعرضه للتأويل والتعقيد، هذا المسرح ببساطة ولد من رحم الطبيعة وهي المولد الأول والوعاء الأصلي لإنطلاق المسرح عند الإغريق، والعودة لهذا الحيز مرة أخرى لن يكون أمرا مستغربا أو غريبا، بل نستطيع أن نقول بأن المسرح عاد إلى أصوله بطريقة مستحدثه لا أكثر.
المهرجان فضاءات مفتوحة تعكس جماليات الأداء وتراث البادية العربية.
المهرجان فتح آفاقاً جديدة للحركة النقدية والبحثية
وقال الكاتب مجدي محفوظ، متحدثا عن المهرجان: المهرجان يتمتع بميزات خاصة تظهر جليا في العروض المقدمة، سواء من حيث جماليات الأداء المسرحي أو الأنماط المسرحية التي يقدمها. لقد ظل المسرحيون لفترة طويلة يبحثون عن فضاءات جديدة للعرض المسرحي، وخصوصاً المسرح العربي، حيث حاولوا دراسة الأبعاد والآليات والتجارب التي يمكن أن تمنح صورة جمالية للعرض المسرحي، والخروج من قوالب العلبة الإيطالية التقليدية إلى فضاءات مفتوحة ومختلفة.
وأضاف “محفوظ”: هناك العديد من التجارب التي اعتمدت على الفضاءات المفتوحة، لكن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي تميز بشكل كبير في هذا الإطار. فعلى مدار ثماني سنوات، شاهدنا العديد من العروض التي قدمتها دول عربية من موريتانيا إلى البحرين وغيرها، مما أتاح للجمهور فرصة التعرف على الثقافة الصحراوية والبادية العربية. ورغم تشابه بعض الأنماط الثقافية الخاصة بها، إلا أن المهرجان أضاف للمشاهد الكثير من المفردات والمكنونات الثقافية الجديدة. هذه التجربة أسهمت في زيادة المحتوى الفكري والثقافي لدى الجمهور، وجعلته يتطلع دومًا إلى هذه التجربة المميزة التي تسعى إدارة الشارقة من خلالها إلى بناء مستقبل للمسرح العربي بعيدًا عن المسرح الأوربي.
وتابع “مجدي” حديثه قائلًا: بدأ مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الأولى عام 2015 برؤية ودعم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي. وخلال هذه الدورات الثماني، قدمت العديد من العروض من مختلف الأقطار العربية التي شكلت الدراما الصحراوية فيها طابعاً مميزاً عن العروض المسرحية الأخرى. فالمسرح في الفضاء المفتوح يمثل تحديا فنياً كبيراً، سواء من حيث التعامل مع الديكور والإضاءة أو من حيث أداء الممثل، الذي يتطلب طاقة وجهدًا كبيرين للتفاعل مع الحوار والأداء، بالإضافة إلى استخدام عناصر أخرى مثل الإبل والخيل التي تُدمج في صلب الحكاية.
كما أكد موضحا، المسرح هنا يعكس رؤى جمالية تعبر عن ثقافة الصحراء، التي قد تكون غير معروفة للكثيرين. ففي مصر، على سبيل المثال، نجد أن التركيز غالبًا يكون على الثقافة الصعيدية أو المدنية، بينما تظل ثقافة البادية الصحراوية بعيدة عن الضوء إلا للباحثين والدارسين. ومن خلال العروض المصرية في المهرجان، تعرفنا على البادية المصرية وثقافتها وفنونها، مما أتاح للجمهور المصري الاطلاع على زوايا جديدة من تراثه. وأشار إلى أن التراث الصحراوي جزء أصيل من الثقافة العربية وهويتها، وهو ما يجعلها قادرة على الزحف عالمياً. فالعروض الصحراوية دائماً ما تحمل قيماً وتجارب تضيف للمشاهد ثقافة جديدة وفهمًا أعمق لموروثاتنا. تجربة الشارقة وارتباطها بالموروث الثقافي عبر المكان وفنونه وتوافد الجماهير للاطلاع، وأيضا الطقوس الأخرى التي تقدم سواء من الفنون الخاصة بعض المناطق مثل الفنون الشعبية الإماراتية أو بعض الدول الأخرى التي ترتبط بالعرض المسرحي.
تميز المهرجان بأنه الوحيد من نوعه في الوطن العربي، بتلك الكيفية” المسرح الصحراوي” حيث بنية الحكاية الصحراوية، معتمداً على حكايات البادية وعاداتها وتقاليدها، وليس مجرد عروض تُقام في الصحراء، بل هو مسرح يحكي عن حياة الصحراء وواقعها.
وختم محفوظ حديثه قائلاً: المهرجان فتح آفاقاً جديدة للحركة النقدية والبحثية، حيث نوقشت العديد من القضايا المتعلقة بالمسرح الصحراوي في الندوات التطبيقية والملتقيات الفكرية المصاحبة له. كما أن هذه الفعالية فتحت المجال الكبير للحركة النقدية المسرحية أو المسرح الصحراوي كما فتحت الباب للباحثين وتقديم أبحاث في كثير من الأماكن بالإضافة للكتب التي صدرت من خلال الملتقى الفكري المصاحب للمهرجان. وقد قدمت أبحاثًا عدة عن فكرة المهرجان، في ملتقى الفنون الصحراوية الأفروآسيوية في أكاديمية الفنون بمصر. فهناك العديد من الفنون الصحراوية التي نشاهدها لكن ليس المسرح بهذه الكيفية والذي ينقلك لطابع عربي أصيل تتمتع به الثقافة والهوية العربية. الدورة الثامنة وعلى مستوى دوراته السابقة شاركت ما يقرب من 14 دولة، أصبح المهرجان علامة فارقة في تعزيز الهوية المسرحية العربية. أتمنى للشارقة دوام التوفيق لما تقدمه من أعمال مسرحية ومهرجانات قادرة على عكس الهوية العربية أو المسرح العربي الأصيل.
المهرجان منصة للتصالح مع الهوية والإرث الثقافي العربي
حافظ خليفة، مخرج تونسي ومدير ومؤسس المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء بتونس، ومخرج عرض “قصرالثرى”:
يأتي هذا المهرجان منحة وتوجه سمو الشيخ سلطان القاسمي على أساس المصالحة مع ارثنا العربي الإسلامي وهويتنا البدوية العربية . شاركت بملحمة “قصر الثرى” وحاولت من خلالها تقديم حكاية بدوية مسرحية صحراوية، تتخللها العديد من المفاجات والإثارة والمظاهر من ناحية الملابس والعادات والتقاليد، ولكن دون السقوط في الجانب الفلكلوري والذي أعتقد أنه لابد للمسرح أن يحتفظ بخاصيته وخصوصيته. كما شاركت كمشرف فني على العرض الموريتاني حكيم الصحراء، وهذه هي المرة الثالثة التي أتشرف بالإشراف بتكليف من إدارة المسرح المهتمة بشكل خاص بالمسرح بتطوير المسرح الموريتاني. قدمنا عرض الختام وهو عرض يتحدث عن شخصية حكيمة وفلفسية وصحراوية من الصحراء الحسانية وبنسائم حسانية موريتانية، وهذ التناغم يثري هذا المهرجان ويجعل منه منارة مهمة وموعد مسرحي متميز ومتفرد في الخارطة المسرحية العربية ولما للعالمية.
وأضاف “خليفة”، لقد تحدثنا طويلا عن الصحراء في المسرح أم المسرح الصحراوي وهذا مبحث كبير جدا كيف يمكن أن نتخلص أو نتحرر من قيود العلبة الإيطالية المركزة لفضاء مفتوح يتصالح مع الجمهور العربي، الذي أعتقد أنه غادر مقاعد مسارحنا وهجرنا ربما لنرجسيتنا المفرطة وتصورنا أننا نقوم بالفن لأنفسنا فزادت الهوة بيننا وبين الجمهور. وقد اكتشفت انه ليس هناك فرق بين الصحراء التونسية، والصحراء المصرية، والمشرق العربي الخليجي، باعتبار أنها نفس الأصول واللغة والعادات والتقاليد خاصة هي نتيجة حتمية لقبائل بني هلال فنحن في صحراء تونس كلنا من منتسبي قبائلها ولدينا نفس الموازين الشعرية والعادات والتقاليد.
يُعد المهرجان تجربة مسرحية متفردة بامتياز، لابد من الحفاظ عليها، تتميز بريادتها وجرأتها في لفت الأنظار إلى مخزوننا وإرثنا الثقافي وهويتنا الصحراوية، التي حاولت التجارب المسرحية العربية (ربما دون قصد) نسيانها، سواء فتنةً أو رغبةً في تقليد المسرح الغربي. ورغم محاولات الكاتب التونسي الكبير عز الدين المدني في تعامله مع التراث، والمخرج المغربي الفذ الطيب الصديقي من خلال مسرح الحلقة، وسعد الله ونوس من خلال المسرح الملحمي، وغيرهم من التجارب الخارجة عن السرب للنهل من موروثنا الثقافي العربي، إلا أنها للأسف ظلت تجارب منقوصة ومؤقتة، وتم تجاوزها بجيل انغمس في جلب تقنيات وأساليب درامية غربية. وهكذا ظل المسرح العربي في متاهة البحث عن الهوية في الشكل والمضمون. ويأتي هذا المهرجان مقترحاً بشكل مباشر وداعياً إلى العودة إلى الأصل، إلى الحكايات والأساطير ومضامين مجتمعاتنا التي جاءت من الصحراء، رغم محاولات التنصل المعاصرة. لقد نجح في إثبات أن العمل على تفاصيل الهوية الصحراوية مضمونا، وعلى الفضاء الصحراوي شكلاً، يمكن أن يقدم مادة مختلفة وأكثر قرباً منا ومن ذواتنا وهمومنا. فأصبح هذا المهرجان مرآة تعكس تفاصيلنا، وأداة للمصالحة مع ماضينا، الذي أحياناً لا نعرفه نتيجة لحالة التمدن الجغرافي والفكري الذي نعيشه، وربما بسبب حالة التطبع بنمط الحياة الغربية. ولهذا، تميز هذا المهرجان عن باقي المهرجانات العربية الأخرى، ولا أبالغ إذا قلت العالمية، باعتباره واجهة صادقة لإرث حضاري، وبشكل فرجوي يشبهنا.
وتابع “ حافظ”، ومن خلال متابعتي الشخصية لدورات هذا المهرجان، لاحظت أنه أصبح امتحانًا صعباً وشاقًا للكتّاب والمخرجين في تعاملهم مع الفضاء الصحراوي المفتوح، خاصةً لأولئك الذين تربوا وجربوا ممارسة الإبداع المسرحي في العُلب الإيطالية. فهو يضعنا أمام مواجهة وتحدٍّ لا يُستهان بهما مع الذات، من خلال اختيار المضامين الصحراوية المغروسة فينا (وإن كانت دون وعي)، مع مشقة تقسيم الفضاء والتعامل معه بسلاسة وذوق ورقي. هو تحد للممثلين الذين يجب أن تكون حركاتهم مبالغ فيها للعمل على الفرجة وخلق الفرجة، والتعامل مع الحيوانات الخيول والجمال، وكل العوامل والمظاهر البدوية الموجودة في الصحراء دون المبالغة التي قد تشوه المنظر الصحراوي. لقد ولّد فينا هذا المهرجان رغبة اكتشاف الذات والرجوع إلى البدايات والجذور، وحفّز فينا حب المصالحة مع إرثنا الضارب في القدم، الذي يمثل هويتنا وشخصيتنا الحقيقية في كل ربوع الوطن العربي. كما جعلنا نُراجع أنفسنا أمام ما نعتمده من اقتباسات لنصوص عالمية، رغم أن حكاياتنا وأساطيرنا متاحة دومًا أمام أعيننا. ولا ننسى بالطبع جذب المهرجان لجماهيرية ملحوظة، حيث عاد الجمهور، الذي للأسف تراجع عدده في ارتياد مسارحنا المغلقة بالمدن والعواصم العربية في الآونة الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا. ولعل ذلك يعود إلى المادة التي تقدّمها النخبة المسرحية، والتي باتت لا تشبه المتفرج، فأصبح غريبًا عنها. لقد نجح هذا المهرجان في خلق مصالحة خفية وهامة بين الباث والمتلقي، وجعل منه محط أنظار ومتابعة وتوافد جماهيري. علاوة على ذلك، أصبح محل اهتمام النقاد، خاصةً من يرون أن المسرح فعل متحرك وبحث دائم وتجديد، حتى لو عاد إلى الجذور وعمق الهوية.
وأكد مشيرا، قد يعتقد البعض أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي مجرد مناسبة مسرحية تراثية أو فلكلورية من حيث الشكل والمضمون، ولكن المتابع عن كثب سيكتشف أن هذه التجربة تحمل عمقاً ووعياً استثنائياً في أهدافها ومشروعها. فهي بوابة لتجربة مسرحية جديدة تعتمد على تفاصيل الهوية والذوق العربي، وأنا شخصياً أؤمن أن التفرد والعالمية لا يتحققان إلا بالتصالح مع المحلية. فمن خلال تجربتي الشخصية مع المسرح الإيطالي على مدار خمسة وعشرين عاماً، أدركت أن المسرح الأوروبي وصل إلى العالمية عبر استكشاف ذاته وهويته. بل وأكثر من ذلك، سافر بعض رواده شرقاً للبحث عن القيم الإنسانية والمفاهيم البشرية العميقة، مُستلهمين من سحر الشرق القائم على الحكاية والسرد والخيال، حيث طالما كانت صحراؤنا مصدر إلهام عظيم للأقاصيص الإنسانية الخالدة.
وأكمل حديثه مؤكدا على تفرد المهرجان ضمن خارطة المهرجانات العربية بأسلوبه الفريد وتوجهه الواضح، مما جعله محطة مهمة للدراسة والبحث وحتى لمراجعة النفس لمن يمتلك الجرأة على ذلك. مضيفا، فقد خلق مسارا إبداعياً وخطا فرجوياً خاصاً، وأصبح منصة لكل مبدع يرغب في التجريب بوعي. فالتعامل مع الإرث الثقافي والحضاري الصحراوي يتطلب اجتهاداً ومثابرة لتقديمه بشكل معاصر يتناغم مع أدوات التكنولوجيا الحديثة في العرض والحلول الإخراجية، وحتى مع مفاهيم مسرح ما بعد الدراما. ولعل المرحلة الأهم التي وصل إليها هذا المهرجان تكمن في إلهامه لتظاهرات أخرى، رغم اختلاف أشكالها ومسمياتها، لكنها تشترك في جعل الصحراء وجهة مسرحية وفرجوية بامتياز. وهنا أذكر تجربتنا في تأسيس وإدارة المهرجان الدولي للمسرح بالصحراء في تونس منذ عام 2021. جاءت الفكرة نتيجة إعجابنا ووعينا بأهمية تجربة مهرجان الشارقة بعد مشاركتنا فيه عام 2019. وتطورت هذه الفكرة لتلهم الكثيرين في الجنوب التونسي، حيث نجحنا في تحويل النشاط المسرحي بالصحراء إلى فعل اجتماعي، حضاري، وسياحي.
وأخيرا؛ فمن نتائج هذه التجربة الناجحة، أُقيم “المهرجان الوطني للمسرح الصحراوي” في منطقة الفوار، ومهرجان “مسرح الحدود” بالذهيبة، وهي منطقة تقع على الحدود التونسية الليبية. وختمنا هذه المبادرات بتأسيس الدورة الأولى للمهرجان الدولي للسينما في الصحراء بمنطقة قصر غيلان الصحراوية بالجنوب التونسي.
وكما قال الرائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله: علمتنا الصحراء أن نصبر طويلًا حتى ينبت الخير.” كذلك كان مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، إذ نبت خيره وانتشر إبداعه في كل صحارى الوطن العربي، ليُصبح رمزاً للتفرّد والإبداع المتجذّر في الهوية.
المهرجان يشهد تطوراً في الفضاء والإبداع.
وأشار المخرج الموريتاني سُلي عبد الفتاح مؤلف ومخرج عرض «الحكيم « المشارك ضمن فعاليات المهرجان قائلا:
العرض المسرحي “حكيم” هو عمل مسرحي يتناول حياة الحكيم الموريتاني الصحراوي المعروف “ديبول”، الذي عاش في القرن الثامن عشر، في فترة عُرفت بانتشار قطاع الطرق أو ما يُسمى حاليًا “الهنجاجة”. كان ديبول شخصية بارزة بذكائه وحنكته، حيث تمكن من تفادي الكمائن التي كان ينصبها له اللصوص لسلبه. في ذلك الوقت، كانت صحراء موريتانيا تُعرف بصحراء “السائبة”. وتُعد هذه المشاركة الثالثة على التوالي لموريتانيا في المهرجان.
وأضاف”عبدالفتاح”، شهد المهرجان تطوراً كبيراً منذ نسخته الأولى حتى الآن، حيث أصبح التعامل مع الفضاء المسرحي أكثر احترافية، مع زيادة استخدام المؤثرات السينوغرافية والإضاءة بطرق مبتكرة. كما أصبح المخرجون أكثر انسجاما مع هذا الفضاء المفتوح، مما أتاح تقديم ملاحم ذكية ومبهرة وآخاذة. وفي الوقت عينه يُعد هذا المهرجان قاعدة أساسية يمكن اللجوء إليها إذا ما عرضنا الحديث عن مسرح يستند على الأصل العربي والعادات العربية والصحراء العربية التي هي منبته الأول والتي يعشقها حتى الآن رغم المدنية ومشاكلها.
وتابع، إلى جانب العروض المقدمة، يشمل المهرجان فعاليات مصاحبة مثل الندوات، والمسامرات، والجلسات التطبيقية. كما تُقام مسابقات شعبية، وأغانٍ محلية تحفيزية، وفقرات موسيقية تُقدَّم بروح صحراوية خالصة. كل هذه الأنشطة تُضفي بُعداً إضافياً للمهرجان، وتساهم في جعله حدثاً صحراويا مميزاً ومؤثراً.
خالد الرويعي: فكرة رائدة وإرساء لقواعد جديدة لعروض المسرح في الأماكن البديلة.
أشاد خالد الرويعي، رئيس اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج، بأن مهرجان المسرح الصحراوي يعد فكرة رائدة وجميلة انبثقت من رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بهدف جعل المسرح حاضراً في كل مكان، وليس مقتصراً على دور العرض التقليدية. وأشاد بتوجه صاحب السمو واعتبره توجهاً نبيلاً يعزز من انتشار المسرح ويجعله جزءا من مختلف البيئات.
وأضاف «الرويعي»،سعدت برؤية جمهور كبير يحضر هذه الليالي المسرحية، وهو ما أراه نقطة قوة لإدارة المسرح في الشارقة، حيث تكتسب عامًا بعد عام نجاحًا مستمراً ورؤية متجددة من خلال تنظيم مثل هذه المهرجانات النوعية والمميزة. الإصرار على استمرار هذا النوع من المهرجانات يحقق لنا تنوعاً في المسرح بمختلف أشكاله ومستوياته.
وأوضح «خالد»، أن الدورة الحالية من المهرجان حققت نجاحًا مختلفًا عن الدورات السابقة بفضل تزايد جمهور الحضور عاماً بعد عام، ولتأصيل هذه الفكرة. وأعرب عن سعادته بتفاعل الجمهور مع هذه العروض التي تُقام في أجواء مميزة ومتاحة للجميع، مشيراً إلى أن هذه التجربة تكشف عن طموح عالٍ ونوايا صادقة في جعل المسرح حاضراً في مختلف الأماكن.
وتابع الحديث، تكمن ميزة فكرة المسرح الصحراوي تكمن في انفتاحها على جميع المواضيع، فهي ليست مقيدة بالبيئة البدوية فقط. ورغم أن بعض العروض تناولت موضوعات مرتبطة بالصحراء، فإن المهرجان مفتوح على مختلف الأفكار التي تلائم مثل هذه البيئة، سواء من حيث الموضوع أو الشكل الفني أو التصميم العام للعرض فكلها مفتوحة وأضاف: ربما يرى البعض من المشاركين أنه طالما البيئة الصحراوية لنستغلها بموضوعات بدوية، لكنني أرى أن المهرجان يمتلك الإمكانيات لتقديم عروض متنوعة ومختلفة، وهو ما قد يتضح أكثر في الدورات القادمة”.
واختتم الرويعي بالإشادة بالقائمين على المهرجان الذين أرسوا قواعد جديدة لعروض المسرح في الأماكن البديلة، حيث أصبحت الصحراء مكانا بديلاً يتيح تقديم أعمال فنية مبتكرة وجميلة. وأكد أن التجهيزات الخاصة بالمهرجان متقنة للغاية، ولم يترك القائمين على المهرحان أي شاردة أو واردة تنقص من أهمية العروض، مما ساهم في تعزيز جودة التجربة المسرحية في هذا الحدث الفريد.
تطور ملحوظ في آليات الاشتغال والقصص والحكايات.
الفنان عبدالله مسعود.. الإمارات
شاركت كممثل في افتتاح المهرجان من خلال عرض“الرداء المخضب بالدماء”، من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، وإخراج الفنان محمد العامري. بالإضافة إلى إدارة ندوات المسامرة الفكرية للمهرجان على مدار يومين متتالين. شهدت النقاشات وأوراق العمل التي قدمها بعض الأساتذة تأثيراً إيجابياً على الحوار، وأسهمت في إثراء النقاش مع المتداخلين، مما أضفى جوًا جميلاً مبشرا بالخير.
وأضاف”مسعود”، تمحورت الموضوعات حول التأصيل وخصوصية المهرجان ونوعيته، مع محاولة توسيع رقعته أو تطويره بشكل أو بآخر. كما تناولت النقاشات مسألة ما إذا كانت الموضوعات التي يعرضها المهرجان تقتصر على الصحراء، أم إذا كان من الممكن إدراج أفكار وموضوعات أخرى. كان الحضور جميلاً، وشملت المشاركات عروضاً من تونس وموريتانيا ومصر والأردن، بالإضافة إلى العرض الإماراتي. سعدت كثيراً بوجود العديد من الأصدقاء، فهذه هي المهرجانات التي تجمع الأحبة دائمًا في محيط واحد، وتفتح النقاشات والحوارات حول المسرح وآليات العمل الحديثة والمعاصرة، ومن بينها المهرجان الصحراوي.
وأشار”عبدالله”، مع استمرار المهرجان واستمرار هذه النوعية من المهرجانات التي تتسم بخصوصيتها وتقام في بيئة خاصة مثل الصحراء والبحر، وحتى الجبال إذا توفرت فإنها تساهم في تسليط الضوء على مواقف وحكايات معينة. أما مسألة غياب التسابق وتأثيرها على العروض فكل عام تتطور آليات الاشتغال والقصص والحكايات المستخدمة من خلال الشخوص والطرق المبتكرة الراوي وغيره والشخصيات واللوحات الراقصة وغيرها
وتابع حديثه، أما بخصوص إمكانية عرض موضوعات لا تخص الصحراء واستجلابها إلى بيئة الصحراء، فهذا ممكن. هناك العديد من الأسرار والحكايات في الصحراء، وربما ستنضب في يوم من الأيام، رغم أنها لن تنتهي فعليًا. لكن لماذا لا نستجلب قصصا أخرى وتحكي تجربتها في هذا المكان؟ يمكننا تكييف القصص لتناسب البيئة الصحراوية، فمثلاً، كيف يمكن أن نصنع قصة “أوديب ملكا” أو غيرها في بيئة صحراوية؟ كيف ستكون المناطق التي سيتنقل فيها أوديب، مثل قلعة الملك والدير وغيرها؟ كيف يمكن تكييف السكك التي سلكها أوديب والشخصيات الأخرى لتتناسب مع هذا المكان؟ بالإمكان تحويل هذه القصص وتكييف المكان وفقًا للنصوص المطروحة، وأعتقد أن هناك إمكانية لذلك.
وأخيرا، فأحياناً يتطلب المكان أن تكون هناك حادثة معاصرة قد حدثت في الصحراء، مثل معركة معينة أو سقوط طائرة. فلا يقتصر الأمر على طرح فكرة تراثية قديمة ربما مر عليها الزمن أو استجلابها وتكرارها. فمعظم القصص تتكرر بمرور الوقت، وهذا ما أعتقده. هناك إمكانية لعرض قصص مختلفة وجديدة تتناسب مع بيئة الصحراء، وتضيف بعداً معاصراً وحيوياً للعروض.
التعريف بثقافة صحراوية فريدة خارج الأشكال التقليدية دون الوقوع في الفلكلور
يقول عبدالحي السغروشني سينوغراف ..المغرب.
بداية أود التوجه بالشكر لإدارة المسرح دائرة الثقافة بالشارقة وإدارة المهرجان الصحراوي على دعوتهم واستضافتهم لي خلال الدورة الثامنة، باعتبار أنه أول حضور لي لهذا المهرجان، وإنني أعتبره اكتشافا فريدا من نوعه، ذو صبغة وبصمة خاصة، حيث هو محاولة للخروج من الأشكال المتعارف عليها، متجها بذلك نحو اثبات والتعريف بثقافة متميزة تنبثق من بيئتها «الصحراوية» وتترجم وتعبر عن المجتمعات البدوية من الخليج إلى المحيط.
وأضاف»السغروشني»، وبما أنني كما ذكرت سلفا أنها زيارتي الأولى للمهرجان، لا يمكنني مقارنة هذه الدورة بما سبقها من دورات، ولا يمكنني إلا أن أنوه بهذه الفكرة الأصيلة المنفردة ويتجلى ذلك في اختيار المكان بحد ذاته، والذي يضعنا أمام جهاز مشهدي يعطي الكثير من الإمكانيات من ناحية الأبعاد الفنية والجمالية والتقنية للعرض المسرحي، نظرا لشساعته، عكس مسرح العلبة الذي يبقى محصورا في إطار مقدمة الخشبة، أما هذا المكان الطبيعي فيعطي إمكانية الإشتغال على المستويات من خلال الكتبان الرملية والتعامل مع المنحنيات لتكسير رتابة الفضاء كما يمكن خلق خنادق من أجل عملية إظهار شخصيات أو إكسسوارات وقطع الديكور، ويمكن أيضاً من إقحام عربات أو شاحنات إذا دعت الضرورة الإخراجية، فهذا المكان يعطي إمكانيات عديدة على مستوى السينوغرافيا. أيضا يمكن الإشتغال على الفضاء الصوتي من خلال توزيع المصادر والمؤثرات الصوتية حسب الرغبة، إما من اليمين أو الشمال أو العمق وكذلك خلف الجمهور، كما يمكن تكسير العلاقة التقابلية بين الجمهور والعرض، ومن جهة أخرى ما أثارني خلال العروض التي شاهدتها أنها اشتغلت تقريبا عن نفس التيمة «علاقة الحب» ونفس المقاربة «الثرات والتاريخ» وهذا ما أعطاني إحساسا بالرتابة في بعض الأحيان.
وتابع «عبدالحي»، وفي رأيي الإشتغال على الموروث الثقافي والشعبي مسألة ضرورية ومهمة للأجيال الصاعدة، لكن ربما يجب الإشتغال عليها بأساليب معاصرة، وإعطاءها أبعادا متجددة، لكي لا تكرس تلك الصورة النمطية لمجتمعات البدو ولا يتم السقوط في الجانب الفولكلوري، فالمكان والفضاء يتيح الكثير من الإمكانيات من أجل تحيين قصص وحكايات تراثية، وكذلك الإشتغال على قضايا راهنة يعيشها البدو وسكان الصحراء في وقتنا الحالي.
وأخيرا، ما يسعني إلا التنويه بالجانب التنظيمي الرصين من طرف إدارة المهرجان، كما أشيد بالإمكانيات الفنية والتقنية المرصودة من معدات الإضاءة والصوت والفيديو الذي وفره المهرجان للفرق المشاركة من أجل فرجة مكتملة. وأيضا الفقرات الموازية من رقصات فولكلورية والمؤتمر الفكري، وأيضا حصة الطبخ التي كانت تعرفنا بالثقافة الصحراوية. أتمنى لهذا المهرجان المزيد من الإستمرار والتطور والحفاظ على بصمته الخاصة به.
علي الفلاح: تجربة فريدة.. مع ضرورة تطوير الموضوعات المسرحية وتقنيات العرض
علي الفلاح، كاتب وممثل مسرحي من ليبيا، قال:
“شاهدت التجربة لأول مرة في المهرجان وأعتقد أنها تجربة فريدة ومميزة، وإن كانت بحاجة إلى تراكمات لخلق نوع من الجودة وحل بعض المشاكل بشكل أكبر. فكل جديد يتسم بارتباك المغامرة، وهذا ارتباك صحي. مع مرور الوقت، أعتقد أن مثل هذه التجارب ستخلق فضاءات جديدة ومتسعة للعرض المسرحي. كما آمل أن يتطور المهرجان من حيث الموضوعات المطروحة وحل بعض المشكلات التقنية، وأهمها مشكلة الصوت، إذ لم أستمتع كثيرًا بالتسجيل الصوتي، لأنه في اعتقادي يحد من التواصل المباشر مع الممثل. بشكل عام، هي تجربة فريدة لا تزال في بداياتها، ويمكن استثمارها في دول كثيرة وتطويرها، لأنها تمتلك جمهورها الخاص. وأتمنى أن أرى تطورًا سواء على صعيد الموضوع أو تحسين إمكانيات التواصل أو تقديم العرض.”
وأضاف” الفلاح”، أعتقد أن المكان سيفرض سطوته، فلا أظن أنه من المناسب مناقشة عروض تجري أحداثها في المدن في مثل هذا المكان، لأننا بذلك نكون شاذين عن البيئة الصحراوية التي نوجد فيها. العرض هنا هو رسم سينوغرافي طبيعي بلا شك. لا أعتقد أن المشكلة تكمن في الموضوعات الصحراوية التي يتم اختيارها، لأنني في هذه الدورة لاحظت تشابهًا كبيرًا في الموضوعات، حيث شاهدنا أكثر من عرض ينتهي بحفل زفاف ويعالج موضوع الحب. أتمنى أن تكون هناك موضوعات مختلفة، ولكن تنتمي إلى نفس المكان. فلنتخيل معًا أن الصحراء التي تمتد من العالمين إلى سرت في ليبيا كانت مسرحًا لأحداث الحرب العالمية الثانية، حيث كانت مليئة بالقصص الإنسانية، على الرغم من أنها قصص معاصرة إلى حد ما. هذا ما أتحدث عنه، التطوير في الموضوع نفسه، لكن دون أن يتجاوز الموضوع المكان الصحراوي.
وتابع”المسرحي علي الفلاح حديثه، هناك أزمة أخرى يجب الانتباه لها، وهي أنه علينا التفرقة بين الصحراوي والبدوي. البداوة هي طور من أطوار الحضارة، لكن الصحراوي هو ثقافة أخرى، وتكوين آخر. هذه من الأمور التي تحتاج إلى ندوات مطولة وبحوث تواكب مثل هذه المهرجانات، بحيث يمكن تطوير الفهم حول هذا الموضوع مع التراكم. الصحراء موجودة، لكن التطوير يجب أن يكون داخل الموضوعات نفسها. مع تأكيدي على ضرورة إعادة النظر في مسألة التقنيات، خاصة الصوت عبر الأسلاك، لأنه يخلق هوة كبيرة في التلقي المسرحي. وأخير فالتنظيم مفرح وشكل جميل ومنسجم مع الحدث، حيث يجمع بين الترفيه والثقافة. سعيد بهذه الأجواء الاحتفالية الأقرب للأسرية.