العدد 908 صدر بتاريخ 20يناير2025
شهد مسرح قاعة المنتديات بجامعة الزقازيق في اليوم الثاني من أيام مهرجان جامعة الزقازيق لمسرحيات الفصل الواحد عرضا مسرحياً مدهشا إذ يجمع بين الكوميديا والتراجيديا ويمزج بين الضحك والدموع إنه عرض مسرحي بالغ التمير لذلك انتزع الجائزة الأولي للمهرجان من بين عدد لا بأس به من العروض الجيدة وذلك لأنه ينتصر لمقولة “وليم شكسبير” الخالدة ما الدنيا إلي مسرح كبير ولأنه في تلك الدنيا المسرحية الصغيرة التي قدمها طلبة وطالبات كلية التجارة جامعة الزقازيق بعنوان “طريقي” كانت ملامح التوفيق واضحة من العنوان “طريقي” الذي يعني سبيل الجميع حيث كل الناس يمضون بنفس الطريق كونه طريق الحياة التي نحياها وفيما يتعلق بالصحة والمرض والموت والحياة يلعب كل واحد منا دوره من دون اعتراض، ولذا كانت المسرحية مرآة عاكسة لما يجري من أحداث بالحياة والمشاعر المتنوعة التي نمر بها فيها.
إستطاع “شهاب حسني” مخرج عرض “طريقي” أن يقدم عرضا شبابيا مبشرا وملهما بمساعدة أقرانه الشباب الجامعي الذين يعشقون المسرح من طلاب كلية التجارة أكثر كليات الجامعة إقبالاً علي ممارسة الأنشطة المسرحية كونها كلية جماهيرية تتمتع بوجود عدد كبير جداَ من الطلاب من كل أنحاء المحافظة في مختلف الصفوف والأقسام ومع كثرة العدد يسهل الحصول علي عدد أكبر من المواهب الفنية أكثر من غيرها كما أن طبيعة الدراسة غير الأدبية تجذب غالبا هواة الفنون الذينهم في الغالب ولأسباب غير معلومة يفضلون الاعتماد علي مصادر غير فنية أو أدبية في بناء تكوينهم الثقافي والعلمي فتجد القاعدة العريضة من الفنانين من مرجعيات جامعية لا مسرحية، وفي ظل هذا الزخم الطلابي تجد شباب يتمتع بخبرة فنية وثقافة كبيرة بسبب كثرة وتعدد نوافذ المعرفة أمام الراغبين في المعرفة من أبناء هذا الجيل والتي جعلتهم أكثر قدرة علي التعبير عن أنفسهم وأكثر إتقناً للغة الدراما ممن سبقهم والطريق المعني للعرض هو طريق الشاب البطل الممثل الجيد «يوسف خيري» الذي أدي في هذا المسرحية دور (نور) الفتي الذي فقد والديه فاضطر أخاه الأكبر أن يتحمل مسئولية تربيته والإهتمام به ويبدأ عرض المخرج الشاب «شهاب حسين» باستعراض لمدي جمال العلاقة بين الشابين ومدي تفانيهم لأجل تنفيذ (نور) للوعد الذي وعده لوالده الذي مات مريضاً بالسرطان بأن يصبح طبيباً ويعالج الناس من هذا المرض القاتل ولا يحلم أن يكون مجرد طبيب فقط وإنما يقرر أن يكون طبيب جراح كي ينقذ من كان علي شاكلة والده الذي رحل وتركهم يصارعان ضغوط الحياة وكبر الفتي (نور) وأنهي دراسته النظرية للعلوم الطبية ووصل الي سنة الامتياز التي يتمني أن تبدأ بالجراحة وبالفعل ينسجم مع أقرانه ويتأقلم مع حياة المشفي وتمضي الأمور بطريقة جيدة لولا إصابة (نور) ببعض التشنجات التي حملته إلي إجراء بعض التحليلات التي أسفرت للأسف عن نتيجة واردة ومنتشرة حالياً وغير متوقعة وهي أن الطبيب المرتقب هو نفسه مريض وليس أي مرض وإنما مصاب بالسرطان هكذا هاجمه أهم وأشهر أمراض العصر وقد استهدف المرض منطق المخ مركز الرأس المدبر لكل شيء وهو في حالته تلك بحاجة الي تدخل كميائي سريع وجراحي عاجل، وفي كل الأحوال لن يكون الجراح الذي حلم أن يكونه وسيفقد ذاكرته وتتلف أعصابه ولأنه لم يعد أحد من الجماهير يجهل تلك الأمراض الخبيثة التي غزت أغلب البيوت وهكذا عزف العرض علي أوتار أوجاع وآلام الناس وأصبح المشاهد الذي ارتبط عاطفيا بهذا الشاب الطموح يتمني أن تأتي معجزة من السماء تخرجنا من هذه الأحزان إلا أن (حسن خالد) مؤلف النص متضامناً مع مؤلف العرض أي المخرج أبو أن يمنحوننا هذا المطلب وأن يفتحوا لنا باب الأمل وجعلوا كل قوارب النجاة تتحطم أمام أوجاع الفتي الذي أوقفه المرض بأول الطريق وأصبح حلمه في تطبيب الناس مستحيل أمام مرض لا يفرق بين طبيب ومريض ولذلك كان عليه أن يحاول الوصول إلي أقرب نقطة ممكنة من الطريق الذي رسمه لنفسه النقطة التي تجعله رغم كل شيء يشعر بالسعادة والهناء وظل يتناول العلاج ويقاوم المرض الذي كان لزاماً عليه ألا يعلن عن حقيقة مرضه وإلا أوقفوه فوراً عن العمل الذي يهواه ونقلوه إلي صفوف المرضي ليبدأ طريق العلاج ولكنه أرجأ كل ذلك مقرارا أنه يفضل أن يموت سعيداً بأن يمارس الطب ويعمل حتي آخر لحظة ولذلك ظل يجتهد في العمل إلي أن كلف بأجراء أول جراحة في حياته وأدرك الهدف الذي أحبه وسعي إليه فشعر بالسعادة ثم استسلم وسلم جسده للعلاج، وقد قدم ذلك في قالب سردي ملحمي متعدد المناظر والمشاهد بإيقاع سريع حيث لا يتعدي زمن المشهد في هذا العرض خمس دقائق حيث ننتقل من مشهد ميلودرامي إلي مشهد كوميدي ومن مأساوي إلي مشهد مرح، ومن مدخل المستشفي الي منزل نور ومنه إلي حجرة العمليات إلي مشاهد خيال ظل تعبيرا عن المشاهد العاطفية والتي تم تنفيذها بطريقة جيدة تصب في صالح الدراما وكان لذلك تأثير جيد ومدهش في مناطق بعينها من العرض الذي تكاتفت كافة عناصره من موسيقي وألحان «عمر معجزة» الذي اختار لعرضه أغاني معبرة ذات نغم وإيقاع عصري مع لحن منسجم مع الحالة الدرامية ومع الأشعار الجيدة المعبرة عن الحالة المسرحية والتي كتبها «محمد المنسي» وهذا الهارموني المصوب إلي ذات الهدف أعلي من شأن هذه الدراما المسرحية الجامعية التي غازلت المشاعر وأجدت جسر من المحبة والوئام بين منصة العرض وبين الجمهور الذي تمكنت منه هذه المسرحية وتورط بحبها وحب فريق التمثيل المميزين مثل «صابرين أحمد» التي قامت بدور (جود) الطبيبة الزميلة لنور والقريبة منه وكذلك تفوق «أحمد الزناتي» في أداء اللافت لدور الأب الحزين المكلوم الذي لم يستطيع أن يجد الوقت اللازم للحزن علي ابنه الراحل الذي مات بسبب المرض لأنه إن تخلف عن أداء واجبه الوظيفي كسائق بأجر يومي سيفقد وظيفته ويفقد باقي أفراد أسرته موتا من الجوع لأنه مصدر رزقهم الوحيد، وهذا الابن الراحل قبل موته حاول (نور) بكل الطرق الممكنة أن يمنعه من الموت وكأنه يحاول إنقاذ نفسه مما هو ذاهب إليه إلا أنه لم يستطع ورحل الفتي رغم كل محاولاته وأخبره الطبيب الكبير أن رحيله رحمة من الله لأنه كان سيعيش مريضا بمرض عضال قد لا يقدر أهله علي تحمله وعلي الجانب الرومانسي والعاطفي برعت «فرح عماد» في أداء دورها كفتاة محبة للبطل أدهشها ما مر به من تحول وتغير غير مفهوم إلا في أواخر العرض عندما أكتشفت كل شيء وكذلك لمع (عبدالله سمير) في أداءه لدور الطبيب نادر مدير المستشفي كما لا يجب أن نفوت الإشادة بأداء هؤلاء “معتصم أحمد»، و”مريم عماد»، «كنزي جمعة»، و”كيرلس عادل»، و”محمد حمدي»، و»محمود سلامة»، و”محمد الشيخ»، و»كريستينا عماد»، و”فارس أسامة»، و”شيماء علاء» ممن بفضل جهود الشبابية الصادقة تميز هذا العرض النموذج وتفوق بجميع عناصره عن بقية عروض المهرجان وحقق أحلام هذه الفرقة المسرحية التي نتوقع لها آلا تتوقف عن ذلك القدر من التفوق ولكنها قد تحقق مزيدا من الآلق والنجاح في قادم الأيام