العدد 908 صدر بتاريخ 20يناير2025
لانكاد نعرف الكثير عن المسرح الفرنسى رغم أن فرنسا تتمتع بحياة مسرحية مزدهرة. وهذه الحركة تتناول أيضا مشاكل المجتمع الفرنسى.
ونتناول اليوم مسرحية «الهستيريون» تم افتتاحها على مسرح بيلفيل فى باريس قبل أيام وحتى الثامن والعشرين من الشهر الحالى. تتعامل المسرحية مع مشكلة يعانيها الشعب الفرنسى وتتفاقم يوما بعد يوم وتبدو وكأنها مستعصية على الحل وهى مشكلة جرائم الاغتصاب .
تقدم المسرحية فرقة تتكون من الهواة بصفة اساسية تحمل اسما يجمع بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية وهو #MeTooThéâtre أو مسرح أنا أيضا كما تقول ترجمتها. وكان الغرض من تأسيس الفرقة فى 2021 تصحيح سلبيات رآها مؤسسوها تطغى على الحياة المسرحية نفسها وتضيع الهدف منها. وتحول هذا الاسم أيضا إلى هاشتاج على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك. وكان ذلك بعد عريضة شهيرة وقعتها أكثر من 1450 من الشخصيات العامة فى فرنسا ونشرتها صحيفة ليبراسيون تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات جادة للتعامل مع المشكلة. والطريف هنا أن الفرقة المسرحية وضعت شرطا لكل ممثل من الرجال الايكون قد سبق اتهامه أو تمت إدانته فى قضية اغتصاب.
أين الحل
ومن المثير أن المسرحية لم تحاول اقتراح حلول للمشكلة أو انتقاد فشل أجهزة الأمن فى التصدى لها أو القوانين الفضفاضة التى تتيح للجناة فى هذه الإفلات من العقاب أو كيف يحمى الجنس اللطيف نفسه أو يبحث فى جذور المشكلة.
تقترح المسرحية أن يتم التعامل مع حالات الاغتصاب بسرية تامة وعدم السعى إلى القاء الأضواء عليها حتى لا يتضرر الطرف المعتدى عليه.
وتبدأ المسرحية بخمس سيدات يقفن على خشبة مسرح مظلمة وأفواههن مفتوحة على مصراعيها، وكأنهن يغنين. ترتدي أربع منهن ملابس رياضية وتقف واحدة على قاعدة ترتدي ملابس خضراء طويلة وقميصًا أبيض.
ويتطرق العرض إلى قصة كل منهن والصراع النفسى الداخلى الذى دار فى داخلها وظنت كل واحدة منهن أن خروج ماساتها إلى العلن سوف يفيدها لكن النتيجة جاءت عكسية. فالمتزوجة منهن مثلا انهارت حياتها الزوجية..وفى الوقت نفسه لم يمكن ادانة الجانى واطلقت الشرطة سراحه بزعم غياب الدليل المادى الذى يدينه.
نقطة خلاف
ويقول ناقد صحيفة ليبراسيون انه يختلف مع النقطة التى اثارتها المسرحية ويرى انها التكتم على جرائم الاغتصاب ليس هو الحل بل لابد من الكشف عنها ومعاقبة المتورطين فيها .
لكنه فى الوقت نفسه يرى أن هذا العمل المسرحى ليس إنجازًا سهلاً، لأن الحركة الاجتماعية من الصعب التقاطها في الوقت الفعلي على خشبة المسرح. وهذا الاحتمال وارد إلى حد كبير في فرنسا، حيث فاز عدد من الرجال المتهمين بالاعتداء على نساء بأحكام بالبراءة .
وسعى العرض المسرحى إلى السخرية من هذا الواقع منذ البداية، فى مشهد وقوف السيدات الخمس مرتديات النظارات الشمسية على خشبة المسرح الصغيرة. وتقول احداهن : “حان الوقت لإظهار وجوه الممثلين الذين يلعبون دورنا”، قبل أن تخلع الممثلات نظاراتهن الشمسية، واحدة تلو الأخرى، وسط هتافات من جمهور ليلة الافتتاح.
النقاد
ويرى ناقد فرانس سوار إنها رواية مؤثرة، لأنه بدلاً من الصورة السلبية التى صورت بها العمل المسرحى صورتهم به بعض وسائل الإعلام الفرنسية، يتقدم أعضاء فريق التمثيل الخمسة إلى الأمام كأفراد يعيشون حياة معقدة، وبدأوا حملتهم لأسباب مختلفة. كانت الأولى، ماري كوكويل شامبل، وجسدت شخصية باحثة مسرحية ناشئة ، ضحية للعنف المنزلي من شريكها السابق، وهو عضو في فرقة كوميدي فرانسيز. . أما الأربع الآخريات - لويز برزيزوفسكا دوديك، وناديج كاثلينو، وسيفورا هايمان، وجولي مينار، فقد كن بارعات فى تصوير احساسهن بالمرارة.
ويرى ناقد لوموند أن البطلات الخمس وباقى الممثلين فى المسرحية اجدن كثيرا فى تجسيد ادوارهن. وساعد على ذلك الديكورات التى سهلت الانتقال بين المشاهد بيسر وسهولة. ويعتقد الناقد أن من اهم اسباب نجاح العرض المسرحى انه قام على قصص واقعية حدثت فعلا فقط مع تغيير اسماء الابطال الحقيقيين وبعض التفاصيل.
كوميديا
اما نوفيل اوبزرفاتور فلفت نظره أن المسرحية كانت تتضمن بعض اللمسات الكوميدية للتخفيف من حدة الطابع الحزين للمسرحية. وساهم فى تخفيف حدة النص الحزين عدد من أغانى الراب. وكانت من بينها الاغنية الطريفة “نحن نفضح الخنازير، وأنت تسمنها”. وتم ذلك على ايدى فريق عمل متمكن استطاع الموازنة بين الجانبين بذكاء على امتداد المسرحية .
أما لوفيجارو فقد اشاد ناقدها المسرحى بأداء احدى الممثلات وهى كوكيل شامبل فى دور واحدة من ضحايا الاغتصاب رغم انها لم تحصل على اى دراسة اكاديمية تساهم فى صقل موهبتها .
تضرب هايمان واحدة من أكثر النغمات المؤلمة في العرض عندما تصف معاناتها كابنة لمهاجرين وفقدان الثقة في نظام العدالة الفرنسي.