فاطمة المعدول .. سيدة مسرح الطفل

فاطمة المعدول .. سيدة مسرح الطفل

العدد 909 صدر بتاريخ 27يناير2025

صاحبة مسيرة كبيرة وبصمة حقيقية في الإبداع للطفل، أحبت الأطفال فأبدعت لهم. إحدى رائدات أدب الطفل، اقتحمت مجال الكتابة للأطفال رغم صعوبته، فصارت إحدى رائداته، وصارت تعزز القيمة الوطنية والاجتماعية لدى الناشئة، من مواليد القاهرة 1949، تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم النقد والأدب المسرحي، واختارت العمل في مسرح الطفل بالثقافة الجماهيرية؛ لتصبح أول سيدة تمارس الإخراج المسرحي في مصر، وخلال مسيرتها العلمية كتبت وأخرجت وأشرفت على عدد كبير من الأفلام القصيرة، إلى جانب عمل ورش لفناني الأقاليم من أجل مسرح الطفل في كل ربوع مصر، قدمت أكثر من ثلاثين عرضا مسرحيا، وعددا كبيرا من المسلسلات الدرامية والأفلام القصيرة للأطفال، كما عملت على تنمية الحس الإبداعي لدى الأطفال الأسوياء وذوي الهمم وأطفال الشوارع، وقدمت لهم ما يقرب من عشرين عرضا مسرحيا أبطالها من البراعم، ومن أعمالها (سندريلا، مغامرات تيكي العجيب، المهرج والأسد، شادي في الفضاء،......الخ)، وألفت عددا كبيرا من الكتب الأدبية للأطفال في كل الأعمار، وقدمت أول مسرح لذوي الاحتياجات الخاصة في مصر.
عملت مديرًا لقصر ثقافة الطفل، ومن ثم مدير إدارة ثقافة الطفل بالثقافة الجماهيرية، ثم مدير عام المسرح القومي للأطفال، وكانت أول امرأة في منصب مدير عام ثقافة الطفل في 1996، وأصبحت رئيس المركز القومي لثقافة الطفل في 1998.
حازت على عدة جوائز أهمها: جائزة اليونسكو (للتسامح) عام 1999، عن كتاب «خطوط ودوائر»، الجائزة الدولية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للطفل عن سيناريو فيلم «عصفور يجد عشه»، تم تكريمها من المجلس العالمي لكتب الأطفال في بولونيا عام 1999 وفي الصين 2006.
وفي هذا العام ( 2025 ) أعلنت وزارة الثقافة اختيار الكاتبة فاطمة المعدول شخصية معرض الكتاب للطفل.
يشرف مجلة مسرحنا أن تقدم آراء وانطباعات وحقائق ومواقف عن الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول شخصية معرض الكتاب للطفل هذا العام....
فريدة وباقية في وجدان مريديها ومحبيها وقرائها
قال عنها د. أشرف قادوس (رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية بدار الكتب والوثائق القومية ):
شخصية معرض كتاب الطفل هذا العام تُعَد من الشخصيات الفريدة والمميزة في مجال أدب وكتاب الطفل لأسبابٍ عدة، منها: كونها كاتبة مبدعة ومخرجة مسرح طفل وصاحبة رؤية في الحياة وفي مجال عملها، وتتحلى بقيم الوطنية والانتماء وحب الوطن، وتنتقد ذاتها قبل نقد الآخر وإن كان مؤسسة؛ إلا أنها تشعر بالغيرة على وطنها وتبتر كل لسانٍ يلتف حوله.
سيدة مصرية أصيلة نشأت وترعرعت بأحد أعرق أحياء القاهرة، فدومًا تفتخر بأنها بنت منطقة السيدة زينب، تحتفظ  بذكرياتها به وهي بين جدتها ووالدها ووالدتها وجيرانها.
أحبت الفنون المسرحية فأحبتها، وأعطت للمسرح فأعطاها، وعندما التحقت بالعمل في معشوقتها الثقافة الجماهيرية رُزِق قصر ثقافة الطفل بها؛ فاكتسبت العديد من الخبرات في مجال العمل بالجهاز الإداري، وصنعت العديد من النجاحات، وقدمت عروضًا لمسرح بشري وعرائس طفل ما زالت عالقة بأذهان مشاهديها.
عند الاقتراب منها، سريعًا ما يخترق حديثها قلبك، والمتأمل في شخصيتها سيكتشف أن أحد أهم أسباب ما حققته من إنجازاتٍ فنية وإدارية، هو إخلاصها للوطن وللفن وللثقافة الجماهيرية ولوزارة الثقافة، وكذلك حبها للناس من حولها، وعطفها على كل محتاج (عمل – وظيفة – مال – تشجيع أو دعم نفسي).
لذا أحبت الناس وأحبها الناس؛ فهي قريبة لفاقد السلطة قبل صاحبها، وصوت مَن لا صوت له، وبخاصة الفقير والضعيف منهم.
وثق في حماسها رؤساؤها؛ فكُلفت بإدارة المركز القومي لثقافة الطفل بجانب عملها كمديرة لقصر ثقافة الطفل، فأبدعت قصصًا وكتبًا للأطفال متميزة، ودفعت بالمركز نحو إنتاج المزيد من بحوث ثقافة الطفل التي تخدم مجال العمل، ووثقت للروَّاد من أدباء الطفل تاريخهم فأصدرت أعدادًا من مجلد ثقافة الطفل حول يعقوب الشاروني، وعبد التواب يوسف، وماما «نعم الباز»، وأصدرت أول مجلة عن المركز تستهدف الأطفال بمرحلة الطفولة المبكرة باسم «تاتا»، ولم تبخل بجهدها لتجوب معارض كتب الطفل الدولية لتقف على أحدث ما أنتجه العالم من حولنا في مجال كتاب وأدب الطفل، لتعود لتنقل الخبرة وتبتكر مستقطبة أمهر الرسامين، والمبدعين من الكُتاب، ومنحت الشباب والمبتدئين العديد من الفرص، لا ينسى فضلها أو يتنكر منه سوى ضعيف النفس والجاحد، فمنذ ربع قرنٍ مضى عملتُ تحت رئاستها، ومن اليوم الأول استدعتني لتدفعني وزميلتي لاستكمال دراساتنا العليا للحصول على درجة الدكتوراه في تخصص الإعلام وثقافة الطفل، غادرتْ منصبها بالمركز القومي لثقافة الطفل التي كانت وما زالت تعتبره بيتها، وظفر قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية برئاستها له؛ فحسَّنت من وضع العاملين به، تركت في كل مكانٍ عملت به بصماتٍ واقعية ومئات البصمات الإنسانية، غادرت الأماكن وبقيت في قلوب العاملين معها الذين هم في نظرها زملاؤها.
قادت لسنواتٍ عديدة ومتتالية لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة كمقررة له، فنسجت في عهدها العديد من علاقات العمل المؤسسي، ولاحقًا استُبدِل باسمها لجنة فنون الطفل واختيرت أيضًا لتكون مقررة لها، فدفعت نحو إعمال العقل للاهتمام بفنون الطفل المطبوعة والمسموعة والمرئية.
جادت فأجادت، وجوَّدت فأحسنت صنعًا، قرأت وكتبت، وشاهدت وعرضت، سمعت ونطقت بلسان الحق دومًا، فريدة هي وباقية في وجدان مريديها ومحبيها وقرائها، وسيظل تاريخ الثقافة المصرية شاهدًا على كونها أول أديبة تحصد جائزة كامل كيلاني في أدب الطفل اعترافًا بإبداعاتها.

كيف لا يحبها الناس كل هذا الحب
فيما قال المخرج عصام السيد:
قلائل هم من يجمع الناس على حبهم، أحد هؤلاء القلائل هي الكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول، والحقيقة أن هناك أسبابا متعددة لحب الناس للأستاذة، فهي سند لكل المحيطين بها، تدفع الموهوبين وتدافع عن المظلومين، وتتعامل بإنسانية مع الكل، فتساعد دون افصاح أو منة، وتدعم المحتاجين على كل المستويات المادية والمعنوية، وكثيرا ما كنا نداعبها بأنها فتحت ( وزارة شئون اجتماعية ) لحسابها
تكفى أن تشكو أمامها لأى سبب فتقدم لك ما في جيبها من أموال وما في قلبها من عطف وحنان وما في عقلها من اهتمام ورعاية .
و من حبها لبنى البشر أجمعين كانت الوحيدة فى زمن تخرجها التي تطلب تعيينها في الثقافة الجماهيرية إيمانا منها بالدور التنموي والحيوي لهذا الجهاز، وبالتحديد في قصر ثقافة الطفل لكى تساهم فى بناء مواطن المستقبل، لتصبح أول سيدة تتخصص فى الإخراج لمسرح الطفل ومن أهم كاتباته، وفى عام 1977 سافرت في بعثة للمجر لدراسة مسرح الطفل، وعادت لتعمل مديرًا لقصر ثقافة الطفل في 1978، ومن ثم مديرا لإدارة ثقافة الطفل بالثقافة الجماهيرية في 1980، ثم مدير عام المسرح القومي للأطفال في 1983، وكانت أول سيدة تتولى منصب مدير عام ثقافة الطفل في 1996، وأصبحت رئيس المركز القومي لثقافة الطفل في 1998 ، وتدرجت فى المناصب حتى وصلت إلى منصب رئيس قطاع الانتاج الثقافى .
و خلال تلك الرحلة كتبت وأخرجت العديد من مسرحيات الأطفال، وألفت أكثر من 50 كتاب أدبي للأطفال في كل الأعمار، وأخرجت أعمالا متنوعة مسرحية وسينمائية قصيرة، وأقامت ورش عمل ودورات تدريبية للعاملين في أدب الطفل وفنون الحكي ومكتبات الأطفال ومسرح الطفل (عرائس وبشري) والعديد من الورش المسرحية للأطفال ذوى القدرات الخاصة ، وقدمت أول مسرح لهم في مصر، ولذا حازت على عدة جوائز دولية فى مجال فنون  الطفل، وتم تكريمها فى مصر وفى عدة دول أخرى. ولعل آخر انجازاتها كمقرر للجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة له علاقة بقلة عدد الجوائز، فلقد استطاعت اقناع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة بإنشاء جائزتين سنويتين لكتاب ورسامي كتب الأطفال تماثل فى القيمة المادية جائزة التفوق. فكيف لا يحبها الناس كل هذا الحب.

الملهمة فاطمة المعدول رائدة مسرح الطفل
فيما قال الباحث أحمد عبد العليم: تميّزت فاطمة المعدول كإحدى الشخصيات المبدعة والملهمة في مجال مسرح وأدب الأطفال، في ميدان المسرح، برعت في تقديم مجموعة كبيرة من العروض المسرحية الموجهة للأطفال ومعهم، وقد قدمت هذه العروض من خلال فهم عميق لطبيعة الأطفال وسماتهم النفسية واحتياجاتهم، مما جعلها تحتل مكانة رفيعة في هذا المجال حيث تعد رائدة مسرح الطفل في مصر.
وقد أظهرت في مجال الكتابة للأطفال قدرة رائعة على تقديم موضوعات معقدة بشكل مبسّط ومبتكر، تناولت من خلال أعمالها مفاهيم عميقة مثل الوطنية، الانتماء والتسامح، وهذه مفاهيم من الضروري أن يُعنى بها في كتابة الأطفال، لم يتوقف إبداعها عند هذا الحد، بل تطرقت بكتاباتها لفئات مهمَشة مثل: الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال في وضعية الشارع، بالإضافة إلى اهتمامها الكبير بالطفولة المبكرة هذه المنطقة الصعبة في أدب الطفل والتي تحتاج إلى خبرات وقدرات إبداعية كبيرة.
وفي كل أعمالها، تمكنت فاطمة المعدول من الجمع بين الرؤية المفاهيمية والرؤية البصرية، والأكيد أن دراستها وخبراتها المسرحية كانت العامل الرئيسي في رؤيتها لأدب الأطفال وتطويرها له، وفي كل مرة تقدم فيها كتاباً للأطفال، تستهدف تقديم وحدة إبداعية متكاملة تجمع بين رصانة المحتوى وجاذبية الشكل، بما يلبّي احتياجات المتلقّي وطبيعته.

 امرأة سلاحها الحب
فيما قال أحمد طوسون (كاتب وروائي):
لا تحب أن تتوارى في الظل وتجلس هادئة تراقب عن بعد، إنها من نخبة أصحاب المواقف والمواجهات والصراع من أجل تحقيق ما يؤمنون به.
فاطمة المعدول ليست مجرد موظفة كبيرة مرت في ردهات وممرات الجهاز الإداري لوزارة الثقافة في زمن ما وينتهي دورها بإحالتها للتقاعد وينساها التاريخ، وليست مجرد كاتبة لأدب الأطفال أو كاتبة ومخرجة لمسرح الطفل كغيرها من المبدعين، إنها من النادرين الذين يتركون بصمة وأثرا أينما حلوا لإيمانها بما تعمل وحبها له، وهو ما يدفعها في لحظات من تاريخها للتقدم باستقالتها إن لم يسمح لها بتنفيذ أفكارها بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة، أو اتخاذ أي قرار أو موقف قد يبدو صادما للأخرين بحساباتهم الضيقة، فهي امرأة لم ترد لنفسها في يوم من الأيام أن تكون مسئولة تقليدية أو مبدعة كغيرها.
في شخصيتها شيء يميزها عن الآخرين، في ظني إنه ثقتها بنفسها وما تؤمن به، فاطمة المعدول بكل التناقضات التي قد يراها من تعامل معها، كانت وما زالت تمتلك سلاحا جعلها تنتصر في كل معاركها التي خاضتها منذ التحقت بالعمل بوزارة الثقافة وأصبحت أول امرأة تتولى منصب مدير عام ثقافة الطفل بهيئة  قصور الثقافة وأول امرأة رئيسا للبيت الفني للفنون والفنون الشعبية والاستعراضية، أو خلال عملها كرئيس للمركز القومي لثقافة الطفل أو أي عمل آخر كلفت به، كان سلاحها الحب، حبها للوطن الذي عبرت عنه في ابداعاتها المختلفة، وحبها لما تعمل وتؤمن به وحاربت من أجله، لا من أجل مصلحة شخصية، وحبها للعمل مع الأطفال ولهم، وحبها لمن يعملون معها أو تحت ادارتها واستمرار علاقتها بهم والدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم حتى بعد أن تركت موقعها بسنوات.
تركيبتها الشخصية المتفردة التي تجمع ما بين شخصية الهانم الارستقراطية، وشخصية بنت البلد المعجونة بمصريتها الشديدة، الجدعة، بنت السيدة زينب والتي لازمتها طوال حياتها، جعلها تترفع عن الصغائر وتستغني عن المكاسب التي يتقاتل عليها غيرها وأن يكون هدفها في رحلتها العطاء بلا انتظار للرد.
لكن امرأة سلاحها الحب والعمل والإخلاص ستربح أكبر جائزة يربحها إنسان وهي جائزة حب من حولها وتلاميذها وأصدقائها عبر أجيال الذي كان سندها في أزمتها الصحية الأخيرة.  
فاطمة المعدول أرادت دوما أن تتفرد بروح طفلة مغامرة في عوالم الطفولة وثقافة الطفل لا تقيدها دواليب وروتين اللوائح والقيود الوظيفية، تسعى للحب والخير والجمال وحياة أفضل لأطفالنا، ونجحت في ذلك.

نموذج للمرأة المصرية المثابرة
وعلق الكاتب والمفكر كمال زاخر قائلا: الأستاذة فاطمة المعدول نموذج للمرأة المصرية المثابرة المؤمنة بأهمية الالتفات للطفولة في مسارات بناء الوطن، لذلك كان شاغلها الأول الكتابة للأطفال بشكل يتناسب مع استيعابهم في تأكيد وترسيخ منظومة القيم المصرية في مواجهة موجات التسطيح والتصحير التي تستهدفهم، وأبدعت كتابة واخراجاً لمسرح الطفل لتؤسس جيلاً مصرياً عفياً.
وقدر لها أن تعمل في ثقافة الطفل فتفجرت طاقات الابداع بقوة، وتزاملت مع شريك حياتها الفنان المبدع لينين الرملي ليتكامل عطائهما في دوائر التنوير الذى يبدأ فكراً وابداعاً، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يتم اختيارها ضيفة شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 56 للعام 2025، لتقدم نموذجاً مشرفا للمرأة المصرية، وتؤكد موقع مصر الحضاري.
تستحق عن جدارة أن تكون شخصية العام 2025 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
فيما قال  الكاتب المسرحي منتصر ثابت (وكيل وزارة الثقافة الأسبق بالفيوم، عضو اتحاد الكتاب، كاتب أطفال، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الأهرام للتنمية الثقافية): فاطمة المعدول عاشقة الطفل، قدمت من خلال عملها كمدير لقصر ثقافة الطفل نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه مقدم الخدمة للطفل، والذي جعل منها بحق أيقونة لثقافة وفنون الطفل أدبا وفنا وسلوكا وإدارة. أجزم أن هذا يعود لروح الطفل التي بداخلها، إنها تكتب وتخرج وتبدع بروح الطفل، بهذه الروح عشقت فاطمة المعدول الطفل لتقدم له إبداعها في الكتابة والمسرح والعرائس وفنون الحكي وورش الإبداع ومعارض الكتب والفنون المختلفة ودورات التدريب والصقل، ولعل هذا سبب نجاحها المبهر مع عالم الطفل، إنها تعاملت معه بعقل وعيني وخيال طفل فتفاعل واستجاب لها وأحبها.
عندما قدمت فاطمة المعدول أعمالها للطفل كانت تؤمن بقدرة المسرح على التأثير المبهر للطفل، وأنه أهم فن تفاعلي حقيقي ومؤثر عرفته البشرية.
رأت أن الأطفال في مسرح الطفل يعيشون حوادث العرض المسرحي وهم متراصين في مقاعدهم مع الأبطال، فتتولد فيهم مشاعر الحب والشغف والمغامرة والفرح والحزن والدهشة حتي تحدث الانفراجة الأخيرة، ويحدث التوحد الكامل لجموع الاطفال وهم يصيحون من الانفعال والسعادة.
قدمت فاطمة المعدول هذا المسرح الذي آمنت به، المملوء حماسا وفكرا وابداعا وابهارا، كما رأت في مسارح أوربا في أكثر من ثلاثين عرضا مسرحيا منها مسرحية سندريلا ومسرحية مغامرات تيك العجيب والأمير النائم ومسرحية المهرج والأسد ومسرحية شادي في الفضاء وغيرها.
أظلت هذه الروح الشفافة على أعمالها الأدبية فكانت عاشقة للوطن في قصصها فقدمت للأطفال قصصا عن معنى الوطن وتاريخه وحضارته، وكتبت عن العلم والنيل والبيئة بـ(بلدي الجميل، أنا مصري، علم بلادي، الأرض الخضراء، البيت الكبير، السلطان نبهان يطلب احسان، والسلطان نبهان يختفي من سندستان) وهي قصص تقدم بشكل تفاعلي كيف يشارك الأطفال في العطاء وحب الوطن والمشاركة في خدمته بأفضل ما عندهم.
كتبت فاطمة المعدول للفئات الخاصة وبخاصة الضعيفة والمهمشة وقرنت الكتابة بالعمل فكانت أول من ذهب بأنشطتها الثقافية والفنية إلى مناطق المهمشين والأحياء الشعبية، وكانت أول من قدم مسرح المعوقين وورش التدريب الخاصة بهم.
إن مسيرتها الحافلة واسهاماتها المتنوعة وريادتها الفكرية والابداعية والنسائية والاجتماعية  تشهد أنها تستحق عن جدارة أن تكون شخصية العام 2025 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

مسيرة حافلة بحب العطاء
وقال المخرج  ناصر عبد المنعم:
فاطمة المعدول .. مسيرة حافلة بحب العطاء، سر نجاح وتألق فاطمة المعدول ومحبة الناس الكبيرة لها، يتلخص في أنها أحبت ما تعمل وأخلصت له، اختارت عن قصد، بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية في العام 1970 أن تسلك الطريق الأصعب في الحياة الثقافية، وأن تعمل بالثقافة الجماهيرية، وأن تتخصص في أدب وفنون الطفل، فكتبت  وأخرجت عشرات الأعمال المسرحية، وأقامت العديد من الورش الإبداعية والتدريبات والمحاضرات في مجال ثقافة وفنون الطفل، أقول اختارت  الطريق الأصعب لأنه كان بإمكانها العمل في قطاعات تتطلب جهداً أقل وتتمتع بمكانة وأضواء أكثر .. ولكنها اختارت طريقها كعاشقة لوطنها ومخلصة لقناعاتها.
خاضت مجال العمل مع الطفل في وقت لم تكن فنون الطفل تجد الاهتمام والرعاية الكافية، وسعت لتحقيق هذه الرعاية لتصبح رائدة في مجالها.
ومثلما برعت في مجال الإبداع للطفل، برعت وتميزت أيضا - وبصورة لافتة - في مجال إدارة العمل الثقافي كمديرة لقصر ثقافة الطفل ثم رئيساً للمركز القومي لثقافة الطفل ثم قطاع شئون الإنتاج الثقافي ، والحقيقة والشهادة لله أنني عندما توليت في السنوات الماضية رئاسة بعض المؤسسات الثقافية سواء المركز القومي للمسرح أو البيت الفني للمسرح أو قطاع شئون الإنتاج الثقافي  لم يكد يمر يوم، إلا وأسمع من العاملين في هذه المؤسسات، وخاصة البسطاء منهم، كلمات الحب والثناء عليها وكيف أنها أنصفتهم ودعمتهم وعدلت فيما بين العاملين جميعاً، صغيرهم قبل كبيرهم .. كنت أندهش لبقاء سيرتها في ذاكرتهم رغم مرور سنوات ليست بالقليلة على تركها المناصب، لقد وجدت في كل مكان عملت به مظاهرات من المحبة والثناء تدل على كفاءتها الإدارية وحسها الإنساني المرهف .. فاطمة المعدول تربعت في قلوب من عملوا معها وتبوأت المكانة التي تستحقها عن جدارة، وأخبرتها السنوات الطويلة من العطاء، وأخبرتنا، أنها لم تكن تحرث في البحر، وأنه لا شيء صادق يمضي دون أثر مصداقاً لقوله تعالى:
«فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض«.

بعيدة كل البعد عن المجاملات
وقالت الفنانة أنوشكا: كلامي عن الأستاذة فاطمة المعدول ليس بالكثير، ولكن رغم عدم عملنا سويا، فهي كانت دائما حريصة بأن تحضر كل العروض التي تقدم على خشبة المسرح، وحضورها كان دائما من حسن حظي، فكانت انتقاداتها دائما في محلها، وتشجيعها كان أكثر من الانتقادات، ورغم صقلها ومكانتها، كنا دائما نحب أن ندلعها، فهي المبهجة والطفلة والبسيطة، حتى وهي تنقد، ودائما أتابع كتاباتها، وأراها دائما شغوفة وهي تشاهد مسرحية،  وهي تشاهد الممثلين، وهي تنتقد الممثلين بكل أمومة، لم يكن نقدها لمجرد النقد، ولكن كان النقد للتشجيع والتحفيز، ولاتخاذ خطوات للأمام، وكأنها من الأسرة، وكنا كفريق عمل في المسرح نحب أن ندعوها لحضور عروضنا، فكانت من أوائل المدعوين في مسرحية «أولاد الغضب والحب» مع كرم النجار، ومسرحية «حلم بكرة» والتي كانت تعرض للأطفال، فكانت حريصة جدا على حضورها، يكفي أنها من الوجوه المبتسمة، التي إن شاهدها الممثل من على خشبة المسرح تعطيه طاقة، كانت بعيدة كل البعد عن المجاملات، الحلو حلو والسيء سيء، ولكن حتى السيء لم تقل عليه سيئا، فهي دائما  تنتقي الألفاظ، على الرغم من فهمنا لما بين السطور، ولكن أغلب الوقت كانت انتقاداتها مشجعة لحبها الكبير للمسرح...

علامة فارقة ومشرفة
فيما قال الفنان والمخرج د. هاني كمال:
الكاتبة الكبيرة الأستاذة المبدعة فاطمة المعدول، واحدة ممن تخصصوا وتميزوا في الكتابة لمسرح الطفل، ولها إبداعات كثيرة ومتنوعة في هذا المجال، وهى التي كانت تنادى بضرورة الاهتمام بمسرح الطفل، فهو الأساس الذى يمكن أن نبنى عليه من أجل تطوير ملف المسرح بشكل عام، فخلق أجيال على دراية ووعى بأهمية المسرح وأهمية دوره في تشكيل الوجدان وتحصين الوعى حيث يعد أحد أهم الأسلحة التي تقاوم الجهل والتطرف والأفكار الهدامة، فكانت تؤمن بأن الأمر لابد وأن يبدأ بالاهتمام بالطفل وإنشاء مسرح خاص به، يناقش قضاياه، فضلاً عن تربيته وتثقيفه على نحو يساهم في بناء المجتمع ويدفعه للأمام .
تشرفت بمعرفة الأستاذة المبدعة فاطمة المعدول مع نهايات عام 1989 عندما كنت أشارك في بطولة العرض المسرحي «بالعربي الفصيح» للكاتب المبدع الراحل الأستاذ لينين الرملي ومن إخراج النجم الفنان محمد صبحى، وكانت الأستاذة فاطمة تعامل كل أفراد الفريق الذين كانوا من الشباب وكأنها أخت كبيرة لهم أو أم حنون، وكنا جميعاً نعتز بها ونتشرف بمعرفتها لقيمتها الكبيرة وعطائها المميز .
وبالنسبة لي، فقد كانت تدعمني دون علمي بذلك، فعندما تقلدت أحد المناصب القيادية الهامة في وزارة الثقافة، علمت أن الأستاذة العظيمة فاطمة المعدول كانت ممن رشحوني بقوة لثقتها في قدراتي.
ستظل دائماً الأستاذة فاطمة المعدول علامة فارقة ومشرفة،  أثرت الحياة الفنية والثقافية بإبداعاتها المتنوعة، خاصةً في ملف أدب الأطفال ومسرح الطفل .
أدعو لها أن يدوم عطاؤها وإبداعها وأن يمنحها الله العافية والسعادة .

واحدة من أهم كاتبات الأطفال في الوطن العربي
وقال الشاعر والكاتب عبده الزراع (رئيس شعبة أدب الأطفال بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر):
«فاطمة المعدول» إحدى الوجوه النيرة في حياتنا الثقافية المصرية، وواحدة من أهم كاتبات الأطفال في الوطن العربي، لما قدمته من منجز أدبي وفني كبير نباهى به الأمم، ولدورها الرائد والكبير في الإدارة الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، فقد تقلدت العديد من المناصب الإدارية بداية من مدير قصر ثقافة الطفل المتخصص بجاردن سيتي، ثم مديرا للإدارة العامة لثقافة الطفل بهيئة قصور الثقافة، ثم مديرا للمسرح القومي للأطفال، ثم رئيسا للمركز القومي لثقافة الطفل، وغيرها من المناصب الأخرى، التي أتاحت لها الفرصة لتحقيق كل أحلامها ورؤاها الخاصة بأدب وثقافة وفنون الطفل، ففي كل مكان تولت فيه الإدارة تركت بصمة لا تمحى، ففي قصر الطفل، أنشأت ورشة لتصنيع العرائس وكتبت وأخرجت مسرحيات للأطفال بأقل التكاليف، بل حولت القصر إلى خلية نحل.. الكل يعمل بحب وتفان، فتجد ورشا للرسم، وندوات وعروضا مسرحية، وفي المركز القومي للطفل، رسخت لنشر منتظم، ونشرت كتبا لكبار الكتاب والشعراء، مثل: عبد التواب يوسف، يعقوب الشاروني، مجدي نجيب، نادر أبو الفتوح، واختارت بعض أشعار صلاح جاهين، وقدمتها للأطفال، واستقطبت كبار الفنانين لرسم هذه الكتب مثل: حلمي التوني، صلاح بيصار، محمود الهندي. ولم تكتف بهذا بل قدمت شباب المبدعين والفنانين، فنشرت قصائد لعماد أبو صالح، ولعبده الزراع في بداية حياتهما الأدبية، ورسمها شباب الرسامين وقتها، مثل: محسن رفعت، ورشا منير، وأسست وأصدرت مجلة (تاتا تاتا) لأطفال ما قبل المدرسة كتجربة رائدة في هذا المجال، واستمرت هذه المجلة بنجاح منقطع النظير إلى أن تركت المركز، كما أصدرت مجلد أدب الطفل بانتظام، وأنتجت أيضا من خلال المركز بعض أفلام التحريك، من تأليفها وإخراج الفنانة عطية خيري، والفنان حسن عبد الغنى، هذا إلى جانب دورها في لجنة ثقافة الطفل التي عملت عضوا بها سنوات طويلة، قبل أن تتولى رئاستها لعدة دورات متتالية، وكنت سعيد الحظ أن عملت معها عن قرب في مجلة « تاتا تاتا»، وأيضا كنت عضوا في لجنة ثقافة الطفل تحت رئاستها، واستفدت الكثير من خبراتها الكبيرة في هذا المجال.
أخلصت المعدول على مدار ما يقرب من نصف قرن لثقافة وفنون الطفل، فكتبت ما يربو على خمسين كتابا، بالإضافة إلى العروض المسرحية التي ألفتها وأخرجتها، وأيضا كانت صاحبة أول عمود صحفي في نقد أدب الطفل في جريدة الوفد، واشتراكها في العديد من لجان التحكيم في المسابقات المصرية والعربية، وفي المهرجانات الدولية، وحصولها على العديد من الجوائز المصرية والعربية.
كان للمعدول ولازال دورا كبيرا ومحوريا ومؤثرا باعتبارها خبيرة في مجال الطفولة، فكون اختيارها هذا العام شخصية معرض الطفل، فهذا تكريم لها من الدولة عن مشوارها الطويل الحافل بالنجاحات، والعطاء المخلص لصالح ثقافة الطفل المصري والعربي.
المعدول تستحق هذا التكريم عن جدارة، ونحن كتاب ورسامي وفناني الأطفال، سعدنا جدا بهذا الاختيار، وفي هذا الصدد نشكر اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ولرئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة المصرية على هذا الاختيار.. وستكون بعون الله دورة ناجحة ومتميزة.

سيدة ثقافة الطفل بلا منازع
وقالت هجرة الصاوي مؤلفة أدب الأطفال: لأنها الأستاذة فاطمة المعدول... سيدة ثقافة الطفل بلا منازع، حفرت اسمها في الحياة الثقافية في مصر بحروف من نور. التقينا كثيرًا في لقاءات وندوات أدب الطفل  منذ دخولي مجال أدب الطفل عام 2000 أولها في حفل توزيع جوائز السيدة سوزان مبارك بنفس العام، حين فزت بها. وبعدها لقاءات كثيرة في قصر ثقافة الطفل حين كانت ترأسه، وفي احتفالات مجلة قطر الندى بأعيادها، وندوات المجلس الأعلى للثقافة ..ولكننا لم نقترب.
حتى ليلة توزيع جوائز ربيع مفتاح لأدب الطفل 2019 م ..التقينا وسلمتني جائزة مسرحية الطفل، ومن يومها اقتربنا.. وكأني اقتربت من قلب ضخم يحتوي الوطن.
 اختارتني لأعمل معها كمدير تحرير كتاب قطر الندى الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، تعلمت منها الكثير عن التحرير وعن فن معاملة الناس؛ لكونها تجيد كذلك فن الإدارة، في كل المناصب التي تولتها كانت عادلة ومنصفة، ترفض العمل غير المناسب للمرحلة السنية بلطف.. وتعدل على العمل المقبول بعد موافقة صاحبه على التحرير، وتنشر العمل المناسب وتثني عليه، تختار الرسام المناسب للقصة، وتعطي الفرصة للكتاب والرسامين الجدد وتعطيهم من خبرتها، تتواصل مع الأطفال بمراحلهم المختلفة، وتحرص على معرفة اهتماماتهم وسماع وجهات نظرهم.
ليست منفصلة عن الواقع أو متمسكة بوجهات نظر مسبقة، توجه وتشير إلى الأفضل بلا عصبية أو تصلب رأي، دومًا تقدم النموذج أينما حلت، نموذج المديرة والقائدة... نموذج المؤلفة للصغار والفتيان.. نموذج المرأة المصرية المثقفة ..الحريصة على بناء الوطن من أول لبناته الصغيرة وهم الأطفال.
لم تترك فرصة لإبداء رأيها وتوصيله للمسئولين إلا وطرقتها، الكل يتابع صفحاتها على مواقع التواصل فنراها تثير قضايا وتطالب بحقوق الطفل في مجالات مختلفة . نادت بحق  الطفل في العدالة بين حضانة أبيه وأمه.. وحقه في قناة أطفال خاصة به تقدم له كل جديد، والاستفادة من البرامج والأفلام التي تختزنها ذاكرة التليفزيون والمسرح المصري. ولازالت الأستاذة تقدم لنا دروسًا في العطاء والتحمل في أزمة معاناتها مع المرض، نراها بوتقة من التفاؤل والأمل. تواجه المرض بقوة ودعم الناس. إن اختيارها شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام هي فرصة لنا، أولًا لنعبر عن حبنا وشكرنا لها ولما قدمته لمصر من عطاء ومثل ونماذج مثلى في كل منصب تقلدته ومكان شرفته.   

طاقة النور... تملك روح طفل وحكمة راهب
وقالت رضا سلَّام (كاتبة أدب طفل وباحثة ماجستير بالمعهد العالي لفنون الطفل): أحيانا تعجز الكلمات عن وصف مشاعرنا تجاه شخص نحبه ونقدره، لأن الإحساس بداخلنا أكبر من أي كلمات، بل قد يكون الصمت أبلغ وأقوى من أي كلام، الصمت الذي يشع فينا دفئا ومودة وسعادة وسلام وطمأنينة، هذا ما أشعر به دائمًا تجاه الأستاذة فاطمة المعدول.
منذ أكثر من عشرين عامًا كانت الأستاذة فاطمة المعدول بالنسبة لي مجرد مصدر صحفي في” ثقافة الطفل” حيث كنت أعمل في الصحافة بعد تخرجي مباشرة، كان أول اتصال مباشر بها عندما كلفني مسئول صفحة الفن بعمل تحقيق عن مسرح الطفل، فاتصلت بالأستاذة فاطمة باعتبارها علم من أعلام ثقافة الطفل وأول مخرجة مسرحية، لا أتذكر الأسئلة التي توجهت لها بها بالطبع لكني أتذكر ردها على سؤالي: لماذا لا يقدم الأطفال مسرح الطفل؟ ردت باستنكار شديد: ألم تسمعي عن قانون عمالة الأطفال؟! العمل في المسرح عمل مجهد جدا يا بنتي. كيف للطفل أن يحضر العرض كل يوم ويظل وقتا طويلا على المسرح ولديه مدرسته وواجباته المدرسية؟!، من الأفضل أن تحضري مسرحية أو اتنتين على الأقل قبل ما تعملي موضوعك.. المهم انتهت المكالمة وقد تركت الأستاذة فاطمة انطباع لدي بأنها سيدة لا يهمها أي شيء إلا العمل الجاد، ولابد لي من الحذر عند سؤالها مرة أخرى، لكن انفعالها في الدفاع عن الطفل قد لفت انتباهي لأهمية الطفل ودوره في المجتمع وأهمية الفنون المقدمة له.
وتمضى السنوات وأترك العمل بالصحافة وأتجه إلى الكتابة للطفل، وأرسلتُ قصة لسلسلة كتاب قطر الندى التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة كانت الأستاذة فاطمة المعدول هي رئيس التحرير، بعد مرور شهرين تقريبًا فوجئت بالأستاذة فاطمة المعدول تتصل بي بنفسها، كانت المكالمة ثرية جدًا علمتني دروسًا مهمة في كيفية التعامل مع الطفل والكتابة له، بعد انتهاء المكالمة زاد تقديري واحترامي لتلك السيدة وأحسست بصدقها وحبها في عطاء ما لديها من خبرات، وبعد شهور خرجت قصتي للنور حتى أنني لم أتصل بها لأشكرها، وانتهت تجربتي في النشر مع الأستاذة فاطمة بتلك المكالمة الوحيدة.
وبعد سنة تقريبًا من تلك المكالمة، تهوى بي الحياة، وأتعرض لعثرة كبيرة موجعة من شخصية في الوسط، عرفت الأستاذة فاطمة بما حدث، لأتفاجأ باتصال تليفوني منها، تسألني فيه عن أحوالي، وتخبرني ببعض تجاربها في الحياة، تحدثت معي طويلا وبحميمية شديدة كأني شخص يهمها أمره، أحسست بعد مكالمتها براحة شديدة وسعادة كبيرة غير مصدقة أن الأستاذة فاطمة المعدول بنفسها هي التي كانت تحكى معي وكأني ابنتها، وتتوالى مكالمات الأستاذة فاطمة.
بعد كل مكالمة أتعجب من قوة وطيبة تلك السيدة  فهي تملك روح طفل وحكمة راهب خبَّرته الأزمنة وحنَّكته التجارب، هي دائمًا مهمومة بالناس وآلامهم ومعاناتهم،  لقد دعمتني الأستاذة فاطمة حتى في عز مرضها، دائمًا تدهشني بقوتها ودعمها لي، أشعر أني محظوظة جدا بمعرفة الأستاذة فاطمة المعدول الإنسانة الرائعة نادرة الوجود، لن أنسى فضلها ما حييت، فقد كانت طاقة النور في أشد أوقاتي عتمة، بل هي الأم والمعلمة والمثقفة الكبيرة رمز العطاء والكرم دون انتظار أي مقابل، فسلامًا على الذين يزهرون القلوب إذا نزلوا بها، سلاما عليك أستاذة فاطمة ساحرتي الطيبة.

فاطمة المعدول ... الإنسانة والمبدعة
وقالت د. أسماء عمارة:
ربما كان لقائي بها بلا ترتيب، حيث راسلت الهيئة العامة لقصور الثقافة لنشر مجموعة قصص ضمن إصدارات الهيئة، ومر العام ليأتي العام الجديد وتتولى السيدة فاطمة المعدول المنصب، وتقوم بمراجعة الأعمال، ويصلني رد بالموافقة وطلب التواصل، كنت  أتواصل وأنا مترددة فهذا الاسم الكبير في مجال الطفولة له هيبة، وبمجرد أن اتصلت بها ذابت ثلوج من الرهبة، ليحل محلها الحب والانبهار بهذا التفاني والعطاء.
منذ تعرفت عليها اكتشفت أننا أمام إنسانة لا تتكرر، حب العطاء، دعم الآخرين، حب الوطن، دفع المبتدئين والصغار ليصلوا إلى الأضواء، الإنسانية والتفاني وفهم الآخر وتقبل الاختلاف وتقديم يد العون للجميع – دون تمييز- تراها بين الصغار في ورشات الحكي جدة بقلب طفلة، لم يجمع أحد من رواد أدب الطفل بين العمل الجماهيري والمسرح والقصة المصورة والرواية والدراما والصحافة والورش والنقد كما فعلت الأستاذة فاطمة، يمكنك أن تجدها في قلب وعقل كل طفل تتلمذ على يدها في مسارح الطفل وقصور الثقافة.
بدأت بالتعرف عليها من خلال كتاباتها .. تلك القدرة العجيبة على الوصول إلى عقول الصغار بإدراكهم وبلغة بسيطة وتسهيل تلك الأفكار العميقة بسهولة ويسر، لم يغب عن الأستاذة الكتابة بلسان ذوي الهمم والتعبير عنهم بصدق، والوصول إلى عقولهم بمهارة بالغة كما لم يفعل غيرها، الوطن دوماً هو الحاضر في كتابات الأستاذة فاطمة.. الوطن بأحلامه وطموحاته ومشكلاته، التلوث، التطور والمستقبل..  لن تكفي المقالات لشرح وعمل قراءات متأنية في تلك الكتب والإصدارات، لم يغب عنها يوماً أن تتحدث وتعلم محبيها في كل مجالات الحياة: الكرة والفن والثقافة والسياسة... لا أنسى دوماُ تلك النصيحة التي لا تكف عن تقديمها.. على كاتب الأطفال أن يكون ملماً بكل أنواع المعارف والفنون حتى يصل إلى الطفل.
ستبقى فاطمة المعدول الإنسانة نموذجاً فريداً لا يتكرر.. مهما اختلف معها أحد في الآراء حول الكرة أو الفن أو الآراء السياسية أو الدينية، لن يختلف اثنان على إنسانيتها وقلبها المحب للطفل وللإنسان وللوطن.
من أعماق القلب شكراً الاستاذة أنك دوماً هنا .. في القلب .

من أعمدة أدب الطفل في الوطن العربي
وقالت أماني البابا
(رسامة كتب أطفال وفنانة تشكيلية...فلسطين الأردن):
فاطمة المعدول، تلك الشخصية التي تتسم بالتفرد والعطاء، هي أكثر من مجرد كاتبة وأستاذة، هي مرشدة وصديقة ألهمتني في رحلتي الفنية والأدبية. عند التفكير في كتابة شيء عنها،تعجز الكلمات عن نقل ما تحمله هذه الشخصية من تأثير وتقدير في قلبي، فكيف يمكن للكلمات أن توازي عمق شخصيتها التي تجمع بين الحنان والحكمة، بين الإبداع والشغف.
لطالما كنت محظوظة لأنني عملت في مجال الرسم للأطفال، وهنا التقينا على ضفاف الكتب  والفن والانسانية، في هذا العالم الذي من الصعب أن تبقى فيه على شغف الطفولة وحس الدهشة، في رحلتي مع الرسم للأطفال لم تكن فاطمة المعدول مجرد أستاذة، بل كانت نموذجاً يُحتذى به في كيفية التعبير عن كل ما يتعلق بالطفل، من مشاعر وأفكار ورؤى.
ومن التجارب الغنية التي لا يمكن نسيانها كانت عندما تطوعت لتدريب الأطفال الفلسطينيين في القاهرة، وعرضت عليهم فيلماً من إنتاج الأطفال، من نتاج عمل الأستاذة فاطمة المعدول مع الأطفال،  شعرت بمقدار الحب والاهتمام الذي تحمله هذه السيدة للأطفال، وحرصها على أن يتواصل الأطفال مع ثقافتهم وهويتهم.
ومؤلفات فاطمة المعدول تمثل مرجعية غنية في فهم كيف وماذا يقدم الأطفال، فهي تجمع بين البساطة والعمق، وبين المتعة والرسالة. تقدم الوطن والمشاعر الإنسانية في قالب يجعل القارئ ينغمس في أفكارها دون أن يشعر بالملل. في كل نص من نصوصها، هناك حكاية تنبض بالحياة، تلامس القلوب وتعكس رؤى وآمال الأجيال القادمة.
وقد كان لي شرف رسم ثلاثة كتب لها اعتز بهم، الأول: كان بعنوان (طائرة الحرية)، الذي يروي قصة طفل من غزة يحلم بأن طائرته الورقية ستمنحه شعوراً بالحرية، وستعبر به إلى أماكن خلف الأسوار. أما الكتاب الثاني: فكان بعنوان (أكبر حضن)، حيث كانت الأستاذة فاطمة هي بمثابة «الحضن الكبير» الذي منحني الدفء والعناية. وكتاب (حبة الرمان).
 قضينا أوقاتاً ثمينة على الهاتف، حيث كانت كلماتها تفيض بالحنان وتغمرني بإلهام لا ينضب. تحدثنا عن الكتابة، الرسم، والكثير من الحكايات التي تتجسد فيها روح الطفولة وحب الحياة.
تملك الأستاذة فاطمة المعدول فهماً عميقاً لعالم الطفل، وتشع شغفاً نابعاً من صوتها الدافئ الذي يشبه دفء شمس، كانت كل كلمة منها بمثابة دروس ثمينة، احتفظت بها في قلبي وأثرت في طريقة رؤيتي للعالم من حولي. تعلمت منها أن الأدب الموجه للأطفال لا يحتاج فقط إلى الإبداع، بل إلى قلب ينبض بالحب، وعقل مفتوح على آمالهم وتطلعاتهم.
فاطمة المعدول تعد واحدة من أبرز رائدات أدب الأطفال في مصر والعالم العربي. كرّست حياتها للطفولة والأجيال القادمة، وأصبحت نموذجًا يُحتذى به في هذا المجال، من خلال أعمالهاو كتبها التي أثرت المكتبة العربية وساهمت في تشكيل ثقافة الطفل العربي، مما جعلها تُعتبر من أعمدة أدب الطفل في الوطن العربي.


سامية سيد