فاطمة المعدول: أنا مدينة للمسرح بكل ما أنجزته

فاطمة المعدول: أنا مدينة للمسرح بكل ما أنجزته

العدد 909 صدر بتاريخ 27يناير2025

مع اقتراب انطلاق الدورة الـ 56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الحدث الثقافي الأكبر في العالم العربي، نسلط الضوء على شخصية معرض الطفل هذا العام، الكاتبة فاطمة المعدول، التي تمثل نموذجًا للإبداع والتفاني في ثقافة وفنون  الطفل. أسهمت المعدول بكتاباتها وإبداعاتها المسرحية في تشكيل وعي الأجيال الصغيرة، وكانت رائدة في تقديم مسرحيات وأعمال أدبية للأطفال تعزز من قيم التسامح، المساواة، والإبداع.
فاطمة المعدول هي إحدى أبرز رواد أدب الطفل في العالم العربي، عرفت بحبها العميق للأطفال وتفانيها في تثقيفهم وتعليمهم. خلال مسيرتها، كتبت وأخرجت العديد من مسرحيات الأطفال، وألفت أكثر من 50 كتابًا أدبيًا موجهًا لمختلف الأعمار. إلى جانب الكتابة، أخرجت أعمالًا مسرحية وسينمائية قصيرة، وأشرفت على ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة للعاملين في مسرح الطفل وفنون الحكي ومسرح العرائس والمسرح البشري. كما امتد نشاطها ليشمل العمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث قدمت أول مسرح للمعاقين في مصر.
تتميز أعمال فاطمة المعدول بتنوع موضوعاتها وأفكارها التي تراعي احتياجات الطفل النفسية والاجتماعية، ومن أبرز مؤلفاتها: البنت زي الولد، حسن يرى كل شيء، الكنز، ثورة العصافير، هل طارت الفراشات ولن تعود، وظيفة لماما، طيارة الحرية، خضرة وزهرة البنفسج، أريد أن ألعب، البالونة البيضاء، السلطان نبهان يطلب إحسان، أين نبني العش، سلمى تعرف حقوقها، أنا وجدتي، الوردة الزرقاء، عيون بسمة، شادي وهند في السوق، خضرة والسمكة الصغيرة.
حصدت الكاتبة العديد من الجوائز القيمة تقديرًا لإسهاماتها، ومنها جائزة أدب كتب الأطفال من جائزة كامل كيلاني التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وجائزة الثقافة الجماهيرية عن مسرحية آخر العنقود. كما فازت بجائزة اليونسكو للتسامح عام 1999 عن كتاب خطوط ودوائر، وحصلت على جائزة مهرجان الشارقة القرائي للأطفال عن كتاب عيون بسمة. أُدرجت كتبها ضمن لائحة الشرف في المجلس العالمي لكتب الأطفال عام 2006، وكرمت في العديد من المحافل الأدبية والفنية.
إنجازاتها ودورها البارز في تطوير ثقافة الطفل جعلت من اسمها مرادفًا للإبداع والمسؤولية تجاه مستقبل الأطفال. في هذا الحوار الخاص، نستعرض رحلتها المميزة، رؤيتها المستقبلية، وأثر اختياراتها الفكرية والفنية على أدب الطفل في مصر والعالم العربي.

كيف كانت بداياتكِ في عالم المسرح وأثر ذلك على مسيرتك الأدبية؟
أنا مدينة للمسرح بكل ما قدمته؛ المسرح هو الذي علمني. حتى الكتب التي أصدرتها جاءت بعد 20 سنة من العمل المسرحي. في الأساس، أنا تياترجية، عملت مع فنانين كبار ونجوم مثل سمية الألفي، فاروق الفيشاوي، ونجاح الموجي. كما قدمت ورشًا للأطفال الأسوياء والمعاقين والمهمشين.
في النهاية، أنا حريصة على تقديم عرض متكامل، وأشعر بالامتنان للمسرح الذي قادني إلى هذا التكريم. أول كتاب لي كان الوردة الزرقاء، وقد صدر بطريقة غير تقليدية؛ حيث كنت أعمل مع المعدّ الفني الذي أعدّ الكتاب ولم أكن أعرف كيف أنسق كتابًا. جلست بجواره ووجهته بطريقة مسرحية: ‘هات الوردة يمين، شمال، دياجونال، في البروسينيوم.’ كنت أتعامل مع كل صفحة كأنها خشبة مسرح.
وتضيف: نشرت أربعة كتب دفعة واحدة، وحصل ثلاثة منها على جوائز. استخدمت صور المسرحية وحولتها إلى كتاب كأنني أقدم مسرح بشري، حيث حركت الصور وكأنها شخصيات مسرحية. كانت هذه أول مرة أقدم فيها كتابًا في حياتي، وكثير من مسرحياتي القصيرة تحولت لاحقًا إلى كتب، مثل مسرحية الوطن، التي قُدمت كمسرحية وفيلم وكتاب.
كما عملت في قصر ثقافة جاردن سيتي منذ عام 1972، وقدمت ورشًا متنوعة، مثل ورش الحكي، وشاركت في إنتاج مسرحيات ومعارض رسوم. ركزت على العمل مع المهمشين والمعاقين بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني. بدأت مسيرتي كطالبة في أكاديمية الفنون عام 1966، ثم انضممت إلى وزارة الثقافة وتدرجت في المناصب حتى أصبحت مديرة لقصر ثقافة الطفل. أنا مدينة للمسرح بكل ما أنجزته في حياتي.
كيف بدأتِ رحلتكِ مع المسرح بعد التخرج من المعهد ؟
لم أدرس مسرح الطفل أو إخراج مسرح الطفل في المعهد، لكن بعد تخرجي بدأت مسيرتي كمساعدة مخرج مع مخرج ألماني اسمه كلاوس اوربين ، الذي كان نائب مدير مسرح الطفل في ألمانيا الديمقراطية. تعلمت منه الكثير وكان لهذا التعاون تأثير كبير على خبرتي العملية.
بعد التخرج، حصلت على منحة لمدة ستة أشهر وسافرت إلى المجر، حيث التحقت بالمسرح القومي للأطفال وتعلمت هناك الأساسيات العملية للمسرح. في البداية، لم أكن أخطط أن أكون ناقدة أو كاتبة؛ كان طموحي دائمًا هو الإخراج، لأن وظيفة المخرج تتطلب الموضوعية، على عكس المؤلف الذي يعمل بناءً على رؤيته الذاتية.
ما هي أولى أعمالكِ المسرحية للأطفال؟
أولى أعمالي كانت إعداد مسرحية سندريلا. بعد ذلك، ألفت مسرحية مغامرات تيك العجيب التي كانت تناقش فكرة العلاقة بين الإنسان والآلة بشكل غير مباشر. المسرحية في النهاية تضمنت طفلا يسأل الانسان الآلي : كيف يا تيك تسرق البنك؟’ فيرد الآلي: أنا آلة، أفعل ما يأمرني به الإنسان.’ قدمت هذا العمل منذ 46 سنة، واليوم تبدو هذه الفكرة أكثر حضورًا مع تطور التكنولوجيا.
كما قدمت مسرحيات مثل الأميرة النائمة وهي تناقش قيمة العمل و الحب، ومسرحية المهرج والأسد تؤكد على قيمة العمل الجماعي في مواجهة الظلم، بينما تناقش مسرحية شادي في الفضاء العلم و تأثيره على الإنسان، كل  هذه الأعمال كانت طويلة وكلاسيكية ومصممة لتكون ممتعة في المقام الأول. شارك فيها فنانون مثل علا رامي، نجاح الموجي، سيد عزمي، فاروق الفيشاوي، وسمية الألفي
ما الذي يميز أعمالكِ المسرحية للأطفال؟
المسرح بالنسبة لي وسيلة ترفيه في الأساس، حتى لو ظهرت بعض القيم في الأعمال، فهي لا تُقدم بشكل مباشر أو مقصود. المسرح ليس وسيلة للوعظ، حتى في مسرح الطفل. أركز على تقديم عرض متكامل وممتع، وهذه المتعة هي التي قد تترك انطباعات أو رسائل بشكل غير واعٍ.

كيف اكتشفت شغفك بالعمل مع الأطفال في المسرح؟
اكتشفت شغفي بالعمل مع الأطفال عندما بدأت تقديم عروض وورش عمل موجهة لهم. وجدت نفسي مستمتعة جدًا بهذا النوع من المسرح، لأنه يحمل تحديًا مختلفًا ويتطلب تفكيرًا مبتكرًا. قدمت ايضا أعمالًا  مسرحية قصيرة مثل مسرحية الوطن، إحنا الدنيا، حقوق الطفل، الدنيا الكبيرة، الأقوى، الأرنب و السلحفاة  واستطعت من خلالها الوصول إلى الأطفال بشكل ممتع وهادف. كما قدمت ورش عمل للكبار والصغار من الإسكندرية إلى أسوان، مما زاد ارتباطي بهذا المجال وجعل المسرح مدخلي الأول والأخير في عملي.

كيف ترين دور المسرح في تقديم القيم للأطفال؟
المسرح ليس مسجدًا أو مدرسة، بل هو مساحة للمتعة والإبداع. بالطبع، القيم التربوية على عيني ورأسي، ولكنها لا تُقدم بشكل مباشر. لا يمكن أن نقول بشكل مباشر: ‘لا تسرق’، بل تأتي القيم بالمناسبة ومن خلال السياق. مسرح الطفل هو مسرح حقيقي بنفس معايير مسرح الكبار، ولكنه يختلف في كونه لا يحتوي على التراجيديا أو مشاعر التطهير التي تميز مسرح الكبار. المسرح، سواء للأطفال أو الكبار، يجب أن يكون احترافيًا ومُتقنًا.

ما هي أهم عناصر المسرح التي تحرصين على تقديمها للأطفال؟
مسرحية الطفل هو سحر المسرح و الدهشة والإمتاع و الاكتشاف من خلال العمل.  منذ أول مسرحية كتبتها، كنت حريصة على أن تكون الحبكة متماسكة وخالية من المواعظ. المسرح ليس تعليمات أو تهريجًا، بل عمل فني متكامل يجب أن يُقدَّم بحرفية عالية وإتقان. أثناء الكتابة، كان زوجي لينين الرملي بجواري يقدم لي ملاحظاته وآراءه، مما ساهم في تطوير أعمالي.

ما الحدود التي يمكن أن يصل إليها مسرح أوكتب الطفل في مناقشة الموضوعات المختلفة؟ وهل هناك موضوعات تراها غير مناسبة للأطفال؟
لا أؤمن بوجود حدود صارمة تمنع مسرح الطفل من مناقشة أي موضوع، طالما يتم تقديمه بفن ومتعة وبأسلوب يناسب أعمارهم. مسرح الطفل ليس مكانًا للمواعظ أو التعليمات المباشرة، لكنه وسيلة للتعبير والإلهام. على سبيل المثال، ناقشت في أعمالي سواء المسرحيات أو الكتب موضوعات مثل الموت والديمقراطية والإدمان بطريقة تلائم الأطفال.
في كتاب هل طارت الفراشات ولن تعود تناولت الموت من خلال رمزية الفراشات كأرواح الأطفال، وقدمتها بطريقة حساسة تجعل الطفل يتأمل دون أن يشعر بالخوف. أما موضوع الإدمان، فناقشته بشكل غير مباشر في سياق عائلي، حيث أظهرت الإدمان بأشكاله المختلفة مثل إدمان الهاتف أو التلفزيون، وركزت على إيصال الرسائل بأسلوب بسيط ومرح. المهم هو أن يُقدم المسرح بخفة وإبداع، ليظل وسيلة ترفيهية وتعليمية في الوقت ذاته.

حدثينا عن الجوائز التي حصلت عليها في مجال كتب الأطفال؟
لقد حصلت على العديد من الجوائز تقديرًا لكتاباتي ومسرحياتي للأطفال. من أبرز هذه الجوائز جائزة المجلس المصري لكتب الأطفال، وجائزة اليونسكو في بولونيا عن كتاب خطوط ودوائر. كما فزت بجائزة في الصين وجائزة الشارقة عن كتابي عيون بسمة، الذي يروي قصة طفلة كفيفة. إضافة إلى ذلك، حصلت على جائزة المجلس العالمي لكتب الأطفال (إيبي) عن مسرحيتي السلطان نبهان، التي تناولت موضوع الديمقراطية بطريقة مبسطة للأطفال.
كما أنني حصلت على جوائز من الثقافة الجماهيرية، حيث قدمت مسرحيات لاقت صدى جيدًا، ومن جهاز تنظيم الأسرة عن مسرحية آخر العنقود، التي تناولت موضوع التهميش الذي يعاني منه الطفل الأصغر في الأسرة وكيفية تأثير ذلك عليه. جميع هذه الجوائز تعني لي الكثير، فهي ليست مجرد تقدير لما قدمته، بل تمثل أيضًا تشجيعًا على الاستمرار في طرح قضايا هامة للأطفال بطرق مبسطة ومحترفة.

ما هي التحديات التي يواجهها مسرح الطفل في الوقت الحالي، وما هي العوامل التي تجعل العرض المسرحي للأطفال مميزًا؟
مسرح الطفل في الوقت الحالي يواجه تحديات عديدة، وأهمها نقص الإمكانيات اللازمة لإنتاج عروض مسرحية تليق بهذا النوع من الفن. فمسرح الطفل يحتاج إلى خشبة مسرح مجهزة بشكل جيد، بالإضافة إلى وجود مخرج قادر على تقديم النصوص بطريقة مبتكرة وجذابة. رغم وجود العديد من النصوص الرائعة من التراث العالمي والعربي التي يمكن تقديمها للأطفال، إلا أن الإعداد المسرحي الجيد هو ما يجعل العرض مميزًا.
المسرح للأطفال يحتاج إلى مخرج يمتلك خيالًا خلاقًا يستطيع أن ينقل الفكرة بشكل مؤثر، ويقدمها بطرق غير تقليدية، مما يجعل العرض ممتعًا للطفل ويُحفّز خياله. وفي هذا يتطلب الأمر توافر كافة عناصر المسرح بشكل متكامل من خشبة وأداء وإخراج.
كيف ترين تأثير التحديات التكنولوجية على مسرح الطفل؟
في ظل التحديات التكنولوجية، يبقى المسرح هو الخشبة واللقاء الحي الذي يقدم تأثيرًا مباشرًا على الجمهور، مهما تطورت التقنيات. المسرح يظل مميزًا بقدرته على الإبهار وإحداث الاتصال المباشر. قدمت في أعمالي العديد من الموضوعات مثل التنمر، وقد تناولت هذه القضايا في كتاب «الله في كل مكان» الذي حاز على جائزة رغم الجدل الذي أثير حوله، حيث دفع الأطفال للتفكير في حب الله بدلاً من تخويفهم. كما كتبت أيضًا كتابًا يحكي عن طفل يحب كلبًا ووردة وأخته، ليكون بمثابة رسالة عن الحب والصداقة مع معالجة قضايا الأطفال بطريقة خفيفة وبسيطة.

هل الجوائز هي الأهم بالنسبة لك أم التفاعل والنجاح مع الأطفال؟
في البداية، الجوائز كانت دافعًا كبيرًا لي، لكن مع مرور الوقت أصبح أكثر ما يسعدني هو التفاعل مع الأطفال. أكثر لحظة تشعرني بالراحة والنجاح هي عندما تتوقف إحدى الأمهات وتخبرني أن أولادها يحبونني ويعشقون كتبي. هذا هو النجاح الحقيقي بالنسبة لي. مثلاً، كتاب “خطوط ودوائر” الذي قدمته كفيلم يتناول الأشكال الهندسية مثل الخط والدائرة والمربع والمثلث، وقد سرق مني هذا الكتاب. النسخة الأصلية من الكتاب كانت بالأبيض والأسود، وقد رسمته الفنانة سحر الأمير. الكتاب الذي سرق مني تم طبعته بالألوان، بينما النسخة الأصلية كانت أكثر بساطة وواقعية. الكتاب يعبر عن فكرة أن هذه الأشكال تتداخل وتندمج معًا لتشكل العديد من الأشكال مثل كلب وقط، وهو عمل جميل أحببته كثيرًا.

في ختام حديثك، تحدثتِ عن زوجك الكاتب الكبير لينين الرملي، كيف أثر عليكِ في مسيرتك؟
لقد تعلمت الكثير من زوجي، الكاتب الكبير لينين الرملي. كان دائمًا يعرض عليَّ ملاحظاته القيمة حول النصوص التي أكتبها. في البداية، كان يشير لي بملاحظات هامة جدًا تساعدني في تحسين العمل. لينين الرملي كان رجل مسرح بحق، وكان يقول دائمًا: “أنا لا أؤلف مسرحية من بيتي، أنا أكتب من الكواليس.” هذا هو الفرق بينه وبين كثير من الكتاب، فقد كان يكتب بشكل حي، مستفيدًا من التفاعل مع الواقع والتجارب المباشرة. أعتبره مثالاً يُحتذى به في الفن والأدب، وكان يوازن بين العمل في القطاعين العام والخاص بطريقة لم يتمكن أي مؤلف مسرحي في مصر من تحقيقها بهذه الطريقة.


عماد علواني