العدد 910 صدر بتاريخ 3فبراير2025
بعض التقديرات أفضل من أهم الجوائز وذلك الوسام الذي حصده عرض (سينما30) الذي قدمته كلية الحقوق في مهرجان مسرحيات الفصل الواحد لجامعة الزقازيق يعني أن هذا الفريق بشكل عام استطاع أن يقدم عرضا مسرحيا شديد التميز لأنه حقق أهم فائدة لممارسة الأنشطة المسرحية بالمؤسسات التعليمية آلا وهي جائزة العمل الجماعي حيث استطاع قائد الفرقة المسرحية المذكورة أعني هنا مخرج العرض “مصطفي سليمان” أن يخلق جو من الألفة والتفاهم والتناغم والسلام بين كافة العناصر البشرية المشاركة في المسرحية ذات المرجعية التراثية المتمثلة في الريف المصري بأجواءه المنقرضة التي افتقدناها حاليا في هذا الزمان بسبب انتشار التكنولوجيا وسرعة الاتصالات التي غيرت الحياة البدائية الفطرية التي بالكاد عاصرنا بعض منها بينما لم يشهدها شباب اليوم من طلبة الجامعات ولذلك احتفظ الدراماتورج بالجانب التراثي للعرض ورسخ لتقديم ذلك في ثياب ريفية تراثية بالغة الإتقان بصيغة جعلتها رقم واحد بين الملابس في كل عروض المهرجان وهي تعكس أجواء القرية المصرية التي تحتضن الأحداث وهي قرية (ضي القمر) التي تمثل الريف المصري في فترة الثلاثينات عندما كان شديد الانغلاق علي الذات الذي لا يفتح إلا بتوجيهات وأوامر عليا وفي أضيق الحدود ومن بين هذه الفتوحات التي مرت بها قريتنا المسرحية أنها تترقب زيارة شخص ذي أهمية كبيرة ولذلك شدد عليهم العمدة بأوامر من المأمور أن يحسنوا استقبال الضيف الكبير الذي جاء وبصحبته شيء غريب آلة جديدة يجهلها القرويين ولا أحد من أهالي القرية بمختلف ثقافتهم وتنوع مشاربهم استطاع أن يعرف كنة هذه الآلة العجيبة وأخذ فلاحي القرية يتبادلون الأسئلة والاستفسارات حول ذلك الشيء العجيب الذي دخل قريتهم ووضع علي مقربة منهم وهم به جاهلين لا يعرفون ما هو وظلوا هكذا يضربون أخماس بأسداس ويتوقعون كل التوقعات الممكنة حول ماهية هذا الشيء هل هو سيارة أم ماكينة أم مارد؟ وكل السكان تقريبا كانوا ينظرون إلي ذلك غير المعلوم ويدلون بدلوهم ويضعون فروضهم في مشهد هو الأقوي والأهم من بين مشاهد هذا العرض الجيد ويظل الوضع كذلك حتي يحضر الضيف بنفسه يصل في الوقت المناسب ومعه مساعديه ويتبين أنه قادم من الخارج بعد أن أنهي دراسته للسينما في أوروبا وجاء إلي أم الدنيا لكي يصنع دراما توثيقية لهذه البيئة الشعبية الفطرية الريفية جاء بحثاً عن صورة سينمائية جديدة تبهر العالم وفور رؤيته لمدي تمسك أهالي القرية بالقيم والتقاليد نصحه مساعدوه بالبحث عن قرية أخري ربما يكون أهلها أكثر مرونه لكي يحقق فيها أحلامه الفنية إلا أنه أكد لهم أن كل القري المصرية تشبه بعضها من حيث الإنغلاق علي نفسها وأن المقاومة التي لقيها في (ضي القمر) سيلقي مثلها في كل القري وبالتالي التعب هنا أوفر للعمال والجهد ومن ثم يطلب المخرج من مساعديه ومديري إنتاجه أن يعرضوا علي من يتعاون من الأهالي بالتمثيل أمام الكاميرا مبلغ ضئيل من المال، وبالفعل مجرد أن يتم عرض النقود المحدودة علي أهالي القرية يتحولون جميعهم بما فيهم عمدة البلد الي ممثلين يؤدون الاختبارات التمثيلية أمام الكاميرات بكل ما يحمله هذه المشهد من مفارقات كوميدية تضفي علي العرض مسحه من الإثارة والمرح وبعد اختبار جميع سكان القرية تقريباً يختار المخرج النماذج التي سيقدم من خلالها فيلمه السينمائي ولكنهم أصبغوا العرض بمزيداً من الكوميديا والمفارقات عندما طلبوا من (عيشه) إحدي سيدات القرية أن تتبادل مشاعرها العاطفية مع (منصور) زوج قرينتها الذي بدوره مرتبط بسيدة أخري وعبثاً يحاول فريق العمل أن يوضح لهم أن هذا مجرد تمثيل وأنه لا علاقة له بالواقع وأنه لن يؤثر في الواقع وعندما يقنطون من تفهمهم يضعون أزواجهم الحقيقين أمامهم خارج الكادر بحيث يبدو كل منهم أمام الكاميرا كما لو كان يحب زوجه أو زوجته الحقيقة بينما الكاميرا تسجل ما يريده المخرج لا ما يجري في الواقع ووفقاً لرؤيته الدرامية، وبينما المخرج يتقدم في عمله يتبين للمأمور والعمدة أن هناك نوع من الذكاء والفهم وسعة الآفق والتنوير جلبته معها إلي القرية هذه السينما والكاميرا الخاصة بها التي تتجاوز قدرتها كقطعة حديد لأنها تسجل وتري كل شيء وأن وجودها قد يؤدي إلي تغيير كبير بأحوال المجتمع وعبور حالة الانغلاق والسكون التي يريدونها وأنهم كسلطة غاشمة قد يفقدون سيطرتهم علي القرية ومن فيها من قرويين ولذلك يسعي المأمور إلي طرد المخرج وفريق عمله من القرية إلا أنه لا يستطيع ذلك لأن المخرج وفريقه جاؤا إلي القرية بدعم من جهات أهم وأقوي ولذلك وعندما لا يقدر علي المخرج يمارس الضغط علي المتعاونين معه من القرويين وينتج عن ذلك إستهداف شاباً طموحا من أبناء القرية لأن له تطلعات كبيرة تصل إلي السفر إلي القاهرة والعيش فيها في أنوار المدينة ولذلك يقتلون طموحه عندما يمسكونه ويعزبونه كي لا يتعاون مع السينمائين إلا أن الفتي وهو في قمة الأعياء يقرر أن يكمل المسيرة ويستمر في العمل ومطاردة الأمل حتي أخر العمر.
وهذه المسرحية كما ذكرنا من أفضل العروض المعتمدة علي الأداء الجامعي التي قدمت في هذا المهرجات الجامعي حيث انطوت علي كثير من الشجاعة والحماس من قبل فريق عمل متجانس ينشد النجاح والمسرحية من تأليف (محمود حمال الحديني) ومدون ببطاقة العرض أنها إعداد (أحمد عصمت) والإعداد عن نص مسرحي غير مستحب لأن النص الأدبي واحد لم يتغير ولذلك انتمي الي فكرة أنه قام يعمل الدرماتورج كما وصفته سابقا وهو تجهيز النص المسرحي لمواكبة ظروف العرض من حيث ظروف الانتاج وطريقة العرض وزمان ومكان التجربة التي قام باخراجها من الطلاب في هذه التجربة الجامعية (مصطفي سليمان) وبطولة نخبة من الشباب الجامعي المتألق المتحمس الذي أضفي علي العرض حالة من الحب لأنهم قدموا عرضهم بحماس شديد واقتناع فأمتعوا مشاهديهم بأفضل ما لديهم وهذه الكتيبة الفنية المسرحية الجاميعة تستحق أن تدون أسماء كل من شارك في إنجاذها ضمن السجل الخاص بهذا العرض وهم: (محمد كايو، عمرو فايز، وجهاد صقر، ورويدا محمد، وصبرين صبري، ونجلاء محمود، وأحمد حبيب، وأحمد اسماعيل، وهدي حمدي، ونرمين سعد الدين، وعبدالله عبد السلام، وعمر جمال، وعمر الدين أمير) وكل أبطال ذلك الفريق الذي يستحق كل الاحتفال والدعم والتقدير.