جولة فى شارع المسرح الأمريكى

جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 910 صدر بتاريخ 3فبراير2025

 يمكن اعتبار مسرحية “جواك” التى تقدمها فرقة “وولى ماموث» المعروضة حاليا وحتى يوم 18 فبراير على أحد مسارح فى واشنطن بعد ان عرضت فى عدة مدن امريكية، يمكن اعتبارها من العروض المتميزة فى شارع المسرح الامريكى التى تستحق القاء الضوء عليها.
المسرحية من مسرحيات الفصل الواحد والممثل الواحد وتقدم على مدى 90 دقيقة متصلة بلافترة راحة مما يعنى انها تحتاج مجهودا بدنيا شاقا من هذا الممثل الواحد.
وهذا الممثل الواحد هو مانويل اوليفر المهاجر من فنزويلا (57 سنة) قبل 21 عاما. وهو ايضا مؤلف المسرحية بالتعاون مع كاتب مسرحى اخر هو جيمس كليمنتس. وهو من اخراج مخرج مسرحى بارز هو مايكل كوتى. وهذا ليس بيت القصيد فى العرض وليس هو السبب الذى يجعل العرض متميزا.

تجربة مؤلمة
السبب أن العرض يتعامل مع تجربة شخصية مؤلمة مر بها كاتبه وبطله مانويل أوليفر وهى مصرع ابنه جواكيم الشهير بجواك -حيث أخذت المسرحية اسمها من اسمه - قبل سبع سنوات. وبعد شهور قليلة من مصرع الابن الذى قتل مع 16 من زملائه فى يوم دام وافق الرابع عشر من فبراير 2014 فى مدرسته بمقاطعة بارك لاند فى فلوريدا .
قرر الأب تحويل المأساة إلى عمل فنى مسرحى يخفف من أحزان أسر ضحايا المجزرة وكل الأسر التى تتعرض لأحداث مؤلمة من هذا القبيل ويبحث فى الأسباب وراء المأساة ويستخلص العبر منها حتى لاتتكرر مع أخرين لأنها قضية مجتمع وليس حالة فردية. وهذا ما أكده بعبارة أخرى عندما يقول أردت أن أفعل شيئا ما للأخرين من خلال مأساتى.
وما يلفت النظر هنا أن العرض انطوى على مشاهد كوميدية رغم فكرته الحزينة. وهذا الامر طبيعى فى عالم الأدب والفن حيث تنطوى المأساة غالبا على مايبعث على الضحك وتنطوى المواقف السعيدة على أمور تبعث على الحزن والبكاء.

رصاصات طائشة
وكما يقول عنها مارك كنيدى أحد كبار نقاد المسرح فى الولايات المتحدة فهى مسرحية مرحة بسيطة تعبر عن مشاعر الفقدان والخسارة والحرمان فتحول الحدث المأساوى الى عمل فنى مفيد على عدة مستويات.
وهذا مافعله مانويل أوليفر بعد أن فقد ابنه فى فى حادث لإطلاق النار لم يكن الابن أصلا طرفا فيه بل نالته رصاصات طائشة داخل مدرسته تبادلها طلبة مراهقون لا علاقة له بهم ولايحق لهم أصلا حمل أسلحة نارية.
وبعبارة أخرى كانت المسرحية احتفالا مرحا بالحياة ودفاعا قويا عنها رغم ما يعانيه من أحزان لا حدود لها. وهاهو قد تحول الى ناشط يدعو عن طريق المسرح الى وضع حد لفوضى حيازة الاسلحة النارية التى يدفع لها الشعب الأمريكى ثمنا غاليا كل يوم من جراء 450 مليون قطعة سلاح يملكها الأمريكيون.
وفى المسرحية يرسم أوليفر صورة نابضة لحياة عاشها ابنه وعاشتها أسرته قبل أن تنتهى فجأة برصاصة طائشة. وهى فى الحقيقة رسالة لكل شخص أحب شخصا ما وفقده وأراد أن يفعل شيئا ما للخروج من محنته. وكان ذلك من خلال زيارة لهذه المأساة فى كل ليلة عرض للمسرحية.

قنوات اخرى
ويؤكد اوليفر على هذا المعنى فى حديث لصحيفة دالاس مورننج ستار فيقول فكرت وقتها فى العودة الى فنزويلا أو الهجرة إلى إسبانيا ..ولازلت أشعر بالأم لهذه الماساة مثل اسر كل ضحاياها ..لكنى قررت ان افعل شيئا ما بأحزانى وان احاول الحيلولة دون ان يمر اخرون بتلك التجربة المؤلمة.
ويقول اخترت عرض المسرحية فى واشنطن لتتزامن مع تولى الرئيس الامريكى الجديد دونالد ترامب الرئاسة وهو للاسف من من انصار اطلاق حرية حمل السلاح رغم ان 327 امريكيا يصابون باسلحة نارية غير مرخصة يوميا وبعضهم يلقى حتفه ولايتم الوصول الى الفاعل فى معظم الحالات. وحسب الاحصائيات قتل 370 الف امريكى بسبب هذه الفوضى على مدى الخمسين عاما الماضية.
 وعادة ما يدافع اعضاء الحزب الجمهورى وبعض الديمقراطيين فى حملاتهم الانتخابية عن فوضى حيازة السلاح انتظارا لتبرعات سخية من شركات صناعة السلاح .
ويقول أوليفر (مدرس وعازف موسيقى) أنه يلجأ الى قنوات أخرى مثل الصحف والاذاعة والتليفزيون للتعبير عن رايه فى هذه القضية. لكنها جميعا تعطيه دقائق للتعبير فى الإذاعة والتليفزيون ومساحة صغيرة فى الصحف. وهو يشارك فى ندوات ومسيرات واجتماعات. كما أنه شكل جمعية لها فروع فى عدة ولايات للتوعية بأخطار المشكلة وكشف المتواطئين فيها. وفى الانتخابات الاخيرة نشرت الجمعية بيانات على مواقع التواصل باسماء المرشحين الذين قبلوا تبرعات من شركات صناعة الاسلحة النارية .

وسيلة رائعة
 لكن المسرح وسيلة رائعة للتواصل مع الجماهير ويمكن ان تعطيه ساعة او اكثر للتعبير باستفاضة وتوسع. وهذا ما يجعل المتلقى يفكر فى الامر بعمق ولايمر عليه مرور الكرام كما هو الحال مع الاذاعة والتليفزيون.
وعندما يفكر الشخص بعمق يتخذ القرار السليم. وهذا أمر له أهميته حيث أن قطاعات عديدة من المجتمع الأمريكى باتت تقدس السلاح النارى على حد تعبيره.
ويمضى فى الحديث عن رؤيته التى عبر عنها فى المسرحية ...لم أجعلها مسرحية حزينة، بل جعلت الأولوية فيها للسنوات السبعة عشر التى عاش فيها جواك معنا وليس للدقائق الست التى انهت طلقة طائشة حياته فيها.
وهى ليست مجرد قصة عن ابن كان وجوده يبعث على السعادة لدى اسرته وكان جواك صديقا له قبل ان يكون ابنه . انها تحكى كيف جئنا قبل 21 عاما مهاجرين الى هذا البلد من فنزويلا التى تدهورت الاوضاع المعيشية التى ولد فيها جواك وشقيقه . واضاف كنا نبحث عن امان افتقدناه فى بلادنا وبحثا عن مستقبل افضل فوجدنا ان حساباتنا مع الحلم الامريكى كانت خاطئة وها نحن ندفع ثمنها.
وتغلبه دموعه فيتحدث عن ابنه الراحل متذكرا يوم رحيله فيقول ...كان جواك يحب الموسيقى والرياضة ومارس العابا متعددة منها كرة القدم وكرة القدم الأمريكية وكان شاعرا وذكيا وأنيقا وتركنى لشراء زهور لصديقته فى يوم الفالنتين ولم أره بعد ذلك الا ميتا. وكل ذلك تبدد فى ست دقائق بين إصابته ووفاته لتتغير حياة الاسرة بالكامل. ويعود فيقول أننى أريد أن أكون جزءا من حل هذه المأساة التى يعيشها المجتمع الأمريكى عندما انقل هذه المأساة إلى المسرح.


ترجمة هشام عبد الرءوف