العدد 911 صدر بتاريخ 10فبراير2025
استطاعت الكاتبة والمؤلفة الشابة ياسمين إمام شغف الحصول على المركز الأول بجائزة ساويرس الثقافية في دورتها ال 20 فرع النصوص المسرحية عن نص الباحث عن البهجة، والتي تشكلت لجنة تحكيم المسابقة من المخرجة هدى وصفى مقرر اللجنة، والفنان عزت زين، والمخرج محمود الحسيني، والمخرج أحمد العطار، والمخرج أحمد إسماعيل، التقت جريدة مسرحنا بالكاتبة ياسمين وتحدثت معاها حول تفاصيل كتابة النص وحول فوزها بالجائزة.
ما الذي ألهمكِ لكتابة نص “الباحث عن البهجة”؟ وهل هناك مواقف أو تجارب شخصية ساهمت في تشكيل أفكار النص؟
هناك مشهد في “الباحث عن البهجة” يركب فيه عدد من المواطنين سيارة أجرة، فأدار السائق أغنية “يا خسارة الرحلة” . هذا الموقف هو بذرة النص. أن ترى حولك عددا من الطلبة متوجهين إلى الامتحانات، ويعمل بعضهم على مراجعة بعض النقاط.. ثم فجأة تسمع الأغنية التي “يستمتع” بها السائق وكأنها رسالة عبثية لكل من هو متوجه إلى اختبار أو عمل أو إلى وجهة تهمه قائلة لهم في تشفي: “يا خسارة الرحلة!”
لحظتها بدأت أنتبه لكمية المؤثرات السلبية التي تلقي بعبئها على لا وعينا قبل وعينا.. على إيمان قطاع عريض باللاجدوى.. بالتبلد.. بالسلبية.. بالاستسلام للقدر، فالرحلة خاسرة مقدما قبل أن تبدأها.
هل يمكن أن تحدثينا عن عملية الكتابة لهذا النص؟ كم استغرقتِ من الوقت لإكماله؟ وهل واجهتِ أي تحديات خلال هذه العملية؟
كـتبت النص وأعدت كتابته عددا من المرات على مدار ما يقارب من 15 عاما. ظهر أولا كنص قصير من مشهد واحد في 2010، جربت عرضه على عدد من مخرجي المسرح فقط لقراءته وإعطاء رأي أو ملاحظات، لكن كالمعتاد الجميع يستقبلك بترحاب وذوق، ثم لا رد من أحد. والحلم الأساسي لكل من يبدأ الكتابة هو أن يرى كتابته متجسدة من لحم ودم.. فقلت لنفسي: هذا حال الجميع وأنا فقط أبحث عن من يضع يدي على مدى جودة الكتابة من عدمها، فما بالي إذا بحثت عن من يقدم النص عرضا! وتصادف هذا وقتها مع دعوة مهرجان للمشاركة، كان يقدم للمرة الأولى في 2011 هو مهرجان أبجدية لمسرح الغرفة، فقررت المغامرة وأن أقوم بإخراج هذا النص بنفسي، ليخرج إلى جمهور يشاهده، ويمكنه إعطائي ردودا عن مدى قوة النص من ضعفه.. فالمشاهدة أسهل من القراءة بالنسبة لمعظم الناس، وبالفعل جمعت بعضا من معارفي وزملائي في العمل وقدمنا العرض، وكان حرصي الأساسي وقتها على استقبال ردود الفعل والآراء المختلفة من كل مَن حضر العرض. كان النص/ العرض وقتها أقل من 15 دقيقة.. وبعد إعادة العمل عليه بعد ملاحظات من حضره تطور على عدد من المرات، وظهر في مهرجان آفاق مسرحية في دورته الأولى بعد أن صار ساعة. قدمت العرض عددا من المرات في عدد من الأماكن حتى عام 2013. وكنت أتخبط لفترة طويلة ما بين كتابة القصة القصيرة ومحاولات الكتابة للمسرح ومحاولات الإخراج للمسرح.. وأشعر بالإحباط لأني أبحث عن شيء ما لكني لا أستطيع وضع يدي عليه بالضبط.. وكانت الملاحظات التي أستقبلها تجعلني أعيد عملا على النصوص من جديد، لكن يظل عملا قاصرا غير جذري.
أحضر عروضا مسرحية فأتحدث بطلاقة عن عيوبها وعيوب الكتابة فيها – ما أسهل هذا! – ثم أعود لكتابتي فأكتشف أني ارتكبت نفس العيوب ولا أجد حلا. لفترة طويلة كنت كمن يتعلم لغة أجنبية، يستطيع فهمها.. يستطيع الإشارة إلى الأخطاء التي يرتكبها غيره، لكنه لا يستطيع التحدث هو نفسه.
بعد آخر عرض لـ “الباحث عن البهجة”، وبعد أن نشر مع نصوص أخرى قصيرة لي، شعرت أني فعلت كل ما أستطيع، وكأني تبرأتُ منه فلا فائدة فعلا و “يا خسارة الرحلة” ! وبعد أن انتهيت من نصي الطويل الثاني “فردة حذاء واحدة تسع الجميع” ونشرته، شعرت بشعور مماثل.. حتى بعد ردود الفعل الجيدة من بعض من قرأوه وبعض الزملاء من الكتاب. وبعد أن فاز “فردة حذاء” في ساويرس 2017 ، لم يشعرني الفوز وقتها بالتحقق والانتصار كما كنت أعتقد، بل زاد من شعوري بالإحباط : فهذه نصوص فيها أفكار لامعة.. هي كتابة البديهة وليست كتابة الحرفة بعد.. فها هي تذخر بالعيوب والمشكلات.
وبالطبع كنت أقرأ عددا من الكتب عن صنعة الكتابة من “فن كتابة المسرحية” ل لاجوس اجري إلى “السيناريو” ل سيد فيلد و “القصة” ل روبرت مكاي و”الطريقة التي لا يجب أن تكتب بها مسرحية” (المترجم إلى : عيوب التأليف المسرحي) ل وولتر كير ، وكتابات د. رشاد رشدي ود. محمد عناني عن الدراما وغيرهم ..
كنت أبتهج بهذا الكتاب أو ذاك فترة، وبالأفكار النيرة الرائعة التي تجعلني أدرك إداراكات جيدة، ثم أجد أنهم أفادوني جدا على مستوى استقبال وتذوق الأعمال .. لا على مستوى الكتابة نفسها. إلا ربما في بعض التفاصيل هنا أو هناك.. لكن ليس على مستوى البناء.
أعتقد أنه لإحباطاتي في الكتابة، كنت أهرب إلى إحباطات الإخراج المسرحي لنصوص كتاب آخرين (فالمخرج يستطيع لوم الآخرين بينما لا يلوم الكاتب إلا نفسه). واستمر هذا حتى طلب مني أحد الشباب أن يقوم بإخراج نص “الباحث عن البهجة”، وظل يعدد في مزاياه وفكرته المختلفة. حاولت إثناؤه عن هذا لأني خير من يعرف أن بالنص عيوب جوهرية في البناء، لكنه أصر، فوافقت متضررة. وحضرت معه بروفة مرة لأجد حماس كل من معه للنص، وكان هذا يزيد من شعوري بالرغبة في الاختباء والشعور بالخجل من مستوى الكتابة.
وقتها وجدتني أفكر أنه عليّ وضع يدي على المشكلات ومحاولة حلها.. وبدلا من الاختباء هكذا، فلتكن نصوصي مصدرا للفخر لا للخجل. وعزمت وقتها على إعادة كتابة النصين من جديد.. لكن بدءا من خارجهما لا داخلهما.. فقررت أن أكرس وقتا لوضع التصور الذي أرتضيه لما يجب أن تكون عليه الكتابة.. والتفاصيل التي يجب أن أتعلمها لأصل إلى تحقيق هذا التصور، قبل البدء في كتابة نص جديد أو إعادة كتابة النصوص القديمة.
وتزامن هذا مع رحلتي إلى أمريكا في منحة “الزائر الدولي: فرع المسرح: المسرح والتغيير الاجتماعي” عام 2018، ومشاهدتي لعدد من المسرحيات هناك. كنت أظن أني سأنبهر بالامكانيات.. لكن المسرحيات التي بهرت بها كان الإبهار على مستوى الكتابة والتمثيل.
وبعدما عدت، كرست عددا من السنوات فقط لمشاهدة العروض المسرحية الميوزيكال تحديدا على النت، وتحميل نصوصها وقرءاتها وكتابة ملاحظاتي عن ما أعجبني منها وتكنيكها..
وبدأت رحلة في قراءات أشعار العامية المصرية بدءا من بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين ونجم وغيرهم.. ومحاولة الكتابة الشعرية .. وعمل بحث حول أسئلة محددة .. تخص البناء الدرامي أو بناء الشخصية.. بدأت بإعادة كتابة “فردة حذاء” ، ثم “الباحث عن البهجة”.
وقمت بعمل جلسات قراءة مسرحية جماعية مع بعض معارفي وزملائي، نقرأ فيها النص مشهدا مشهدا ثم يقدمون ملاحظاتهم لي. والتي كانت ملاحظات قيمة.
في رأيك، ما الذي يميز “الباحث عن البهجة” عن النصوص المسرحية الأخرى التي قمت بكتابتها من قبل ؟
الذي يميزة أنه نص مصري جدا معبر عن الآن وهنا.. سيجد كل شخص فيه نفسه وأقاربه وجيرانه وصراعاته ومشكلاته. وأتصور أنه حتى لو تمت ترجمته إلى لغة أخرى، فسيجد فيه أي إنسان صراعه مع واقعه الذي يحاول دهسه.
كيف استقبلتِ خبر فوزكِ بجائزة ساويرس الثقافية عن نصكِ “الباحث عن البهجة”؟ وما الذي يمثله لكِ هذا الفوز في مسيرتك الأدبية؟
كنت أنتظر خبر فوزي وبالمركز الأول. فهذه المرة أعرف أن النص يستحق أن يكون الخيار الأول لمن يقرأه. وعندما تم الإعلان عن القوائم القصيرة في الجوائز الأخرى، وعن موعد حفل تسليم الجوائز، وظل يقترب هذا الموعد دون أن يتصل أحد بي، فقدت الأمل، وفكرت في أن نصي يستحق بالفعل، وهذا هو “سعيي”: نص جميل أفخر به. لكن الجوائز شأن أخر.. فهي “رزق”، وربما لسبب أو لآخر هو ليس رزقي هذا العام.. ففي البداية والنهاية هناك تنافس لا أعلم عنه شيئا.. فلا أعلم مدى جودة النصوص الأخرى المقدمة، ولا اعتبارات لجنة التحكيم هذا العام .. إلى آخره. وبدأت أفكر بالفعل في إذا ما كنت سأقدم بهذا النص لساويرس العام القادم أم هل هناك جوائز أخرى أقرب للتقديم فيها. لذا، دُهشت مع المكالمة التي تعلن فوزي لأني كنت قد بدأت في تجاوز الأمر بالفعل.
وهذا الفوز يمثل لي “هواء” يمكنني تنشقه بعمق ليساعدني على المضي قدما بشكل أسرع في الطريق الذي عليّ استكماله في كل الأحوال.
إلى أي مدى أثر فوزك بجائزة ساويرس على تطلعاتك المستقبلية في الكتابة؟ وهل هناك مشاريع جديدة تعملين عليها حاليًا؟
الجوائز لا تؤثر على التطلعات للكتابة.. هي فقط تعطي “طاقة” أكبر ودَفعة إيجابية سواء ماديا أو معنويا. وبالذات ماديا.
وبالطبع أعمل حاليا على مشروع إخراج نصي الأول الفائز بساويرس أيضا “فردة حذاء واحدة تسع الجميع” عرضا مسرحيا في منتصف فبراير المقبل، وعلى بعض القصص القصيرة حتى أنتهي من تقديم العرض المسرحي، لأعود إلى كتابة مشروع مسرحي جديد.
برأيك، ما أهمية الجوائز الأدبية مثل جائزة ساويرس في دعم الأدباء الشباب وإبراز مواهبهم في الساحة الثقافية؟
طبعا هي مهمة جدا وخصوصا لفئات “السيناريو” و”النص المسرحي” لأنها تدعو المخرجين والمنتجين إلى الاهتمام بهذه النصوص الفائزة، ومن أهم إسهامات جائزة ساويرس هو ضخ أعمال جيدة إلى الشاشة أو خشبات المسارح. وبالنسبة للفئات الأخرى، فهي تدعو القراء إلى قراءة الأعمال الفائزة. وهذه هي النتائج الأساسية التي يبحث عنها أي مؤلف، ليس فقط أن يتم الاعتراف به وتقديره، لكن أن يصل إلى الجمهور.
ما هي النصائح التي تودين تقديمها للكتاب المسرحيين الطموحين الذين يسعون إلى تحقيق نجاحات مشابهة؟
كل شخص لديه متطلباته وطموحاته و”خلطته” الخاصة، وأسبابه الخاصة كذلك لممارسته المسرح. وعلى كل شخص تحديد أولوياته ومعرفة ما يبحث عنه.. ما الذي يريد تقديمه؟ ما الذي يريد الوصول إليه؟ ما الصورة المثالية التي يراها لنفسه أو لكتاباته؟ إجابات هذه الأسئلة هي ما ترسم الطريق، وليس هناك من نصائح جاهزة. والنجاح الحقيقي هو أن تصل إلى ما خططت للوصول إليه. وليس الوصول لهذه الجائزة أو تلك فحسب.
كيف ترين مستقبل المسرح في مصر، خاصة في ظل التحديات التي تواجهه، وهل تعتقدين أن الكتابة المسرحية يمكن أن تلعب دورًا أكبر في تطوير هذا الفن؟
أرى أن أكبر تحدي للمسرح وللكتاب المصريين في مصر هو الرقابة، خصوصا بالنسبة لفرق الهواة والمستقلين الذي يعتمد عليهم المسرح لتجدده وحيويته. لن أتحدث عن سقف الحرية ولا عن أن هناك بلدان صار دور الرقابة فيها مقتصرا على التصنيف العمري، ولا أنه لم يكن يلزم الفرق الحرة والمستقلة في مصر حتى عشر سنين مضت الذهاب إلى الرقابة من الأساس.
لكن سأتحدث عن إجراء إداري كان مفترضا به حفظ حقوق المؤلف المصري فإذا به يقضي عليه!
وهو اشتراط الرقابة لحضور المؤلف مع مخرج فرقة الهواة ليقوم بكتابة إهداء عن نصه لهذه الفرقة أو تلك!
تخيل أنك كمؤلف لديك متطلباتك الحياتية وعملك أو صرت كبيرا في العمر غير قادر على الحركة، ولن تحصل على أي مقابل مادي مقابل نصك، وتريد فقط أن يقوم مجموعة الشباب هؤلاء بتقديمه يوما أو اثنين، لكن ينبغي عليك تعطيل كل أمورك للذهاب إلى الرقابة في مواعيد بعينها أثناء أوقات العمل الرسمية!
ومطلوب منك كلما أراد هؤلاء الشباب أو غيرهم تقديم نصك أن تفعل هذا من جديد !
هذا ونحن في 2025 ومع كل كلام الدولة عن التحول الرقمي والتسهيل على المواطنين ، ومع ذلك تجد رفضا أمام اقتراحات من نوعية “فيديو كول بين الرقابة و المؤلف” وأن يرسل المؤلف صورة بطاقته أو غيره عبر الواتس آب أو الايميل أو غيرها إلى موظف الرقابة مثلا.. أن يقوم بتوقيع ما يريدونه ويرسله مع المخرج مثلا .. الحلول كثيرة لكن لا أحد ينصت.
لنجد في النهاية من يحذف اسم المؤلف من الأساس ويكتب ببساطة “إعداد وإخراج فلان” ، أو من يبتعد عن “وجع الدماغ” الخاص بالنصوص المصرية، ويقدم عروضا عن نصوص أجنبية، ثم نعود لنتساءل وقت المهرجان القومي للمسرح: لماذا يغلب على الإنتاج المسرحي لهذا العام أو ذلك النصوص المترجمة؟ أين المؤلف المصري؟
في الحقيقة المؤلف المصري هو في النهاية موظف يبحث عن لقمة عيشه، وعن متطلباته الحياتية ومتطلبات أسرته ومشاوير أخرى لا تنتهي ، ولا يريد إضافة العديد من المشاوير إلى الرقابة إليها!
لذا أرجو من المسؤولين الحاليين في الرقابة إعادة النظر في تسهيل هذا الإجراء الخاص بتقديم المؤلف لإهداء لإحدى الفرق الحرة أو الهواة. أن يتم ذلك من خلال وسائل التواصل الحديثة، وربما بإمضاء المؤلف على النص المقدم من قبل الفرقة أو خَتمه بخاتمه الخاص.