جولة فى شارع المسرح الروسي

جولة فى شارع المسرح الروسي

العدد 911 صدر بتاريخ 10فبراير2025

منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا فى فبراير 2022 ، هاجر خارج روسيا مئات من الفنانين الروس المعارضين الحرب – بما فيهم المسرحيون - إلى الخارج سواء كانوا ممثلين أو مخرجين أو كتاب مسرح وحتى مصممى الديكور والنقاد. وأحيانا كانت فرق مسرحية بكاملها تهاجر من روسيا. ويخطط معظمهم للبقاء فى دول المنفى إلى اجر غير مسمى حتى تتحسن الاوضاع السياسية والاقتصادية ايضا فى الوطن الام.
 ولم يجلس هؤلاء مكتوفى الايدى فى المنافى أو دول المهجر. قدموا مسرحيات تتناول الاوضاع فى بلادهم بدرجة أو بأخرى أو على الاقل تنقل الثقافة الروسية خارج حدود روسيا بلغات مختلفة.

فى دمية
من هذه المسرحيات مسرحية “امراة تحملق فى دمية” التى تعرض حاليا على احد مسارح العاصمة الجورجية تبليسى. ويرى الناقد والمؤرخ المسرحى الروسى ميخائيل كالوزسكى المقيم فى المنفى ايضا انها اوضح مثال على المسرح الروسى فى المنفى. هذا رغم انها مسرحية للأطفال وتقدمها فرقة مسرحية روسية للعرائس كانت تعرف باسم فرقة بيترسبرج ثم غيرت اسمها إلى فرقة النمس والفئران. ويقدم المسرحية اثنان فقط من الممثلين يرتديان ملابس المهرجين ويضع كل منهما انفا احمر. وكان الممثلان يشركان الاطفال الجالسين فى مقاعد المشاهدين فى العرض بطريقة تثير إعجاب أبائهم. وكان الأطفال مستمتعين بهذه التجربة الفريدة. ومايجعلها فريدة فعلا أمها كانت صامتة بسبب عامل اللغة حيث لا يعرف الممثلان اللغة الجورجية ولايعرف الجورجيون اللغة الروسية.
وأحيانا كانت بعض الفرق تقدم عروضها باللغة الروسية فى دول محيطة بروسيا تنتشر فيها بعض المعرفة باللغة مثل روسيا البيضاء أو تعيش فيها جاليات روسية كبيرة مثل دول البلطيق. هذا مع تقليل الكلام والاعتماد على الحركة قدر الامكان. 
ومن أبرز هذه المسرحيات مسرحية “فانيا لا تزال حية” للكاتبة المسرحية الروسية ناتاليا لوزيركينا. وهذه المسرحية لم تقدم فى روسيا نفسها حتى الان بسبب محظورات رقابية.

مواقع أخرى
ويقول المؤرخ المسرحى الروسى ان تبليسى ليست الموقع الوحيد الذى شهد اعادة توطين فرق مسرحية روسية. فهناك على الاقل اربعة مواقع رئيسة أخرى هى باريس وليون فى فرنسا وريجا (عاصمة لاتفيا) ويريفان (عاصمة ارمينيا). وهناك خمسة فرق فى برلين وحدها. 
وعلى نحو مواز انتقلت ايضا مكتبات ومراكز ثقافية روسية على ايدى المثقفين الروس الفارين من روسيا. 
لكن تظل جورجيا الوجهة الرئيسية للمهاجرين الروس حيث تقدر احصائيات حكومية عددهم بأكثر من 112 الف مهاجر ينوى اكثر من نصفهم الاستقرار فى تلك الدولة القوقازية بشكل نهائى إلى ان تتغير الاوضاع فى روسيا إلى الافضل. هذا رغم ان الاوضاع الاقتصادية والامنية والسياسية فى جورجيا غير مشجعة عكس الاوضاع فى روسيا. الا ان جورجيا لم تفرض اى قيود على نشاط المهاجرين الروس. وجاء ذلك رغم الحدود الطويلة مع روسيا (894 كيلومترا). وكان هذا هو الوضع فى الدول الاخرى. 

مسرح مزدهر
وربما كان وراء ذلك وجود حركة مسرحية مزدهرة فى هذا البلد. وتتجلى هذه الحركة فى مظاهر عديدة منها مهرجان لومبيكوفا المسرحى السنوى الذى يجلب مشاركين من كل قارات العالم. كما اقيم بالفعل فى ظرف السنوات الثلاث منذ بدء الحرب على اوكرانيا قبل ثلاث سنوات مهرجانان للمسرح الناطق بالروسية.
وتقدم حاليا مسرحية اخرى هى “مذكرات متطوع” على مسرح فوليا الشهير فى تبليسى. 
ووصل الامر إلى اقامة ندوات حول بعض المسرحيات تقرأ فيها المسرحية قبل انتاجها وتحويلها إلى عمل مسرحى كامل. وتكون هناك بعض المسرحيات الغنائية التى تقدمها فرق روسية مثل مسرحية المراة المفقودة التى تعزف موسيقاها فرق روسية وتنتجها المنتجة المسرحية الروسية يوليا فالسوفا. 
وهناك فرقة الكسندر كودرياشوف التى قدمت عدة مسرحيات منها “وداعا يا أبى” وهى مسرحية عنصرية كريهة يروى فيها المؤلف قصة ابيه الذى شارك فى حرب الروس الوحشية على الشيشان عندما اعلنت استقلالها عام 1994. وقد قتل ابوه فى هذه الحرب برصاص مجاهدى الشيشان. 
 وبعض هذه المسرحيات تكون عنصرية تتحدث عن الامجاد الروسية وتسخر من الشعوب الاخرى مثل “قوس النصر”لماريا ريمارك. 
وبعضها يكون كوميديا ليس له اى مغزى اخر أو الضحك لمجرد الضحك. ويشارك فى هذه المسرحيات عدد من رواد الكوميديا الروس فى المنفى الاختيارى مثل سينيا اورلوفا الحاصلة على جائزة الكوكب الذهبى. 
ومما يلفت النظر ان هناك مسرحية تتناول تلك الظاهرة وهى مسرحية “المهاجرون “ لسلومير مورزك وهى من بطولة واخراج المخرج والممثل الروسى الشهير بافل ارتيموف.

مشاكل
وهذه الوفرة المسرحية الروسية فى جورجيا يمكن ان تتكرر فى دول اخرى كما يقول المؤرخ المسرحى وتصبح سفيرا للثقافة الروسية لكن من غير المتوقع ان تستمر بسبب حاجتها إلى المزيد من التنظيم. هذا رغم ان المسرحيات الروسية كانت تقدم بلغات عديدة منها العربية – لم يذكر المؤرخ سبب ذلك. 
ويعود المؤرخ المسرحى فيقول أن وراء هذه الهجرة الواسعة الملاحقات التى تعرض لها الفنانون المعارضون لحرب اوكرانيا فى المسرح وغيره ومنهم هو نفسه. فقد قضى شهرا فى مركز اعتقال بسبب نقد كتبه لعرض روسى لمسرحية “الخوف والتعاسة فى عهد الرايخ الثالث” للاديب الالمانى برتولد بريخت (1898- 1956). وكان ذلك رغم انه تم تقديمه على نطاق محدود للغاية فى نفق تحت الارض وفى مسرح بسيط التجهيزات. 


ترجمة هشام عبد الرءوف