كتاب جديد من العراق.. عن كاتب من مصر

كتاب جديد من العراق.. عن كاتب من مصر

العدد 912 صدر بتاريخ 17فبراير2025

عن دار الرائدية بالقاهرة صدر كتاب :الشخصية الانهزامية في مسرح إبراهيم الحسيني للباحثة ميعاد عبود مانع طبعة 2024 وقد عرض الكتاب خلال معرض القاهرة للكتاب في دورة 2025.
ويستهل الكتاب بتقديم للدكتور أياد كاظم السلامي الذي أشار إلى أن هذا الكتاب هو في الأصل رسالة ماجستير تمت مناقشتها برحاب كلية الفنون ببابل/العراق تحت نفس العنوان.
والكتاب/ الرسالة عبارة عن رد على لا مبالاة في توثيق النص المسرحي العراقي والعربي بمنهجية علمية وأكاديمية،وهناك أسماء لامعة في هذا المجال ومنهم الكاتب المصري قيد الدراسة: إبراهيم الحسيني.
هناك تسع أنماط رئيسية للشخصية  حسب علم النفس:
شخصية إصلاحية.
شخصية منقادة.
شخصية محفزة.
شخصية رومانسية.
شخصية مفكرة.
شخصية شكاكة.
شخصية حماسية.
شخصية قيادية.
شخصية مسالمة.
وبطبيعة الحال تختلف الشخصيات وطرق نقلها»أما عندما يتم نقل الشخصيات الإنسانية بأنماطها وطباعها وأنواعها إلى المسرح فهي تأخذ أغلب الأنماط والطباع لتكون مقنعة للمتلقي»1 شخوصي داخل المتن النصي المسرحي فلسفيا ونصيا. هو إذن كتاب يسد فراغ المكتبة الدرامية العربية التوثيقية فيما يتعلق بالدراسات الفنية والفكرية وكذا التاريخية التوثيقية للكتاب المسرحيين العرب. وسبق أن طالب كاتب هذه السطور في مقالات نقدية عن أعمالا الحسيني بضرورة التوسع في دراستها ومناقشة بناءها وخطابها المسرحي المتنوع والثري في دراسات هكذا.
وأشاد كاتب المقدمة إلى مجهودات الباحثة الواضحة والتي حققت مرماها بتنوع
وبعد إهداء الباحثة ،كتب وعلى سبيل التقديم الدكتور أحمد عادل القضابي مقدمة أخرى حيث شرح فيها أهمية الشخصية في يناء هيكل النص المسرحي وتطوير أحداثه موضحا قيمة الشخصية المركبة التي لا مناص منها «وبدون وجود الشخصية المركبة القائمة بالفعل في النص المسرحي لن يتمكن الكاتب من إيصال أفكاره والي تحمل معانيه إلى الجمهور، لذلك يهتم كتاب المسرح بشخوصهم الفاعلة في نصوصهم، وبصناعة الأبعاد المناسبة لشخوصهم وتعددية سمات الشخوص التي قد تتجاوز التركيب إلى التعقيد.»2
مذيلا استهلاله هذا للكتاب بسؤال محوري وهام: ما هو السبب في تكرار ظهور الشخصية الانهزامية في مسرحيات (الحسيني)،فهل هي انعكاس لواقع اجتماعي منهزم يعيش الكاتب فيه؟أم هي تعبير عن صراع داخلي يعيشه؟أم هي رسائل يريد ايصالها إلى مجتمعه عبر نصوصه.
كما طرح د. القضابي (على سبيل التقديم) تساؤلاته الجدلية حول الشخصية الانهزامية: هل الانهزامية ضعف أم قوة؟أي هل الانهزامية ضعف في الشخصية يدفعها إلى الاستسلام،أم مجرد حالة عرضية تكشف عن مواطن قوة الشخصية عبر تحولها؟أم يحاول الكاتب انتقاد واقعه ومجتمعه؟أم أنه يبحث في النفس البشرية وتحولاتها؟
مختتما بخلاصة لمحتويات البحث الهامة.
وبعدها نطالع فصوله وهي عبارة عن الشكل التالي:
الفصل الأول موسوم ب:الإطار المنهجي للبحث مقسم إلى:
1.مشكلة البحث
2.أهمية البحث والحاجة إليه
3.هدف البحث
4.حدود البحث
5.تحديد المصطلحات
وهو عبارة عن منهج للدراسة التي ستعتمدها الباحثة.
والفصل الثاني عنون ب: الإطار النظري والدراسات السابقة وقسمت مباحثه إلى:
المبحث الأول: الشخصية الانهزامية مفاهيما
المبحث الثاني: الشخصية الانهزامية في النص المسرحي العالمي
المبحث الثالث: المرجعيات الفكرية والفنية للكاتب إبراهيم الحسيني
الدراسات السابقة
المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري.
وهو إطار نظري للدراسة عبر تناول مفهوم الشخصية الانهزامية وتحليل تاريخي لحضورها في النصوص المسرحية ومن بين أقدمها مسرحية الفرس للشاعر أسيخلوس التي أظهرت الشخصية الانهزامية بصورة واضحة وموظفة في دراما النص والتي عالج فيها موضوعا خارج الميثولوجيا، مقدمة بعض النماذج من النصوص المسرحية العربية التي عرفت حضور الشخصية الانهزامية لعل أهمها شخصية (حنظلة) في مسرحية رحلة حنظلة للكاتب السوري (سعد الله ونوس) معبرة عن الانهزامية بصورة واضحة،حيث كان حنظلة بطل المسرحية،والذي عمد الكاتب إطلاق عليه هذا الاسم لما يحمله من معاني الحماقة،والسلبية،والضعف. 3
وكذا سبرت الباحثة أغوار المرجعيات الفكرية والفنية للكاتب موضوع الدراسة. وهو كاتب غزير الإنتاج ومتنوع بشكل دقيق يضيف للمشهد المسرحي ونتاجاته عديدة»أما بخصوص نتاجات الكاتب (إبراهيم الحسيني) المسرحية حيث تبلورت أفكاره بخصوص فكرة الشخصية الانهزامية من خلال فكرة التهكم في مسرحياته جاءت نتيجة لواقع معيشي للشخصية الانهزامية، أو الآثار النفسية التي يورثها القهر والانهزام والانكسار وعدم القدرة على المواجهة. تستعين  الشخصية الانهزامية بسلاح السخرية والتهكم وهي  في صراع مع القوى التي تكبر سلطة وقدرة فعالة وأداء محكم.»4 مذكرة بمراحل مسيرته التي لها حضور واضح على مجمل انتاجه المسرحي: فأشارت لمرحلة سمتها: التلمذة والتعرف على مناهج الدراسة في المدارس وأثرها في تنشيط ذائقته وتقارب إلى الأدب ونصوصه(دارسة نصوص القرآن،ألف ليلة وليلة، السير الشعبية..)ومرحلة الجامعة والتي عرف فيها كاتبنا الحسيني على الأدب والفن وخصوصا لجيل الخمسينات والستينات وما عرفه من تراكم قراءاته لهذا الجيل.ث م أخيرا مرحلة الثورة المصرية لسنة 2011.
وبملاحظة التعريف الاجرائي لأبعاد الشخصية الانهزامية: فالشخصية المسرحية ذات أبعاد وسمات منها الضعف والتشاؤم وضعف الإرادة والعجز وعدم الثقة بالنفس والانعزال وظفها الكاتب في نصوصه المسرحية. استعرضت الكاتبة الفرق بين الشخص والشخصية ودلالتهما الفلسفية والعلمية وكذا أنماط الشخصية كما حددتها نظرية يونج للشخصية وهي من أبرز النظريات التي تناولت أنماط الشخصية،وتستند تفسيرها لأنماط الشخصية على مجموعة من المظاهر التي ترتبط بشخصية الفرد بالشكل التالي:
الاستعداد الفطري، استقلالية الذات وتفرد الشخصية، استعمال التفضيلات، الشخصية ضمن النوع.
كما ذكرت مفهوم الشخصية الانهزامية من منظور نفسي: وهو نوع من اضطراب في الشخصية يتحمل فيه الفرد الإهانة والألم دون أي اعتراف،ويقبل ذلك ويتعامل معه بكل بساطة وسهولة،ويبدأ هذا النوع من الاضطراب مثل باقي الاضطرابات في مرحلة البلوغ المبكر،كما أن الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية المهزومة يذهبون إلى حد التخلي عما يريدون من أجل إرضاء افراد آخرين ويبدلون جهودهم لتحسين حياة الآخرين. ولعل أهم أبعاد الشخصية المسرحية استنادا إلى (هيوبرت هفتر) هي:
البعد البدني الظاهر،البعد الاجتماعي،البعد النفسي والبعد الأخلاقي. وختمت الكاتبة هذا الفصل بلائحة مؤشرات أسفر عنها الإطار النظري (15 مؤشرات).
وبالفصل الثالث المسمى ب: إجراءات البحث فقسم على الشكل الآتي:
مجتمع البحث.
عينة البحث.
منهج البحث.
أداة البحث.
صدق الأداة.
ثبات الأداة.
الوسائل الإحصائية.
تحليل العينة.
وهو فصل إجرائي يحلل نصوص إبراهيم الحسيني ويعيد قراءتها بشكل متعمق ومنهجي دقيق. حيث اختارت الباحثة خمسة نصوص بصورة قصدية من مجتمع البحث أي أعمال الكاتب الخصبة.
كوميديا الأحزان سنة 2011:والذي به شخصية انهزامية (تقرزان) تجسد بشكل مثالي الكوميديا السوداء التي تمتزج بين الضحك والحزن. مقدمة أمثلة تطبيقية عملية
«تقرزان: مش قادر أقف، شكلي اتعودت أمشي مرابعة..
وحتى مع بشائر الثروة وخروج باقي الشخصيات عن صمتهم،يفضل (نقرزان) البقاء في عالمه الخاص مغتربا عن الواقع رافض الخروج حتى اللوحة الثامنة،مؤكدا باستمرار-معتمدا على الحديث الداخلي- لنفسه وبحديث سلبي عن عدم قدرته على إحداث فارق وأنه سيظل على حاله أشبخ بالحيوانات”5
مقام الشيخ الغريب 2016:وهنا نجد مثال والي المدينة المكنسر والانهزامي أمام فتاة أصغر ومدير دار الفتوى سعدون كذلك نمودج للشخصية الانهزامية.(صفوان) مشبع كذلك بالانهزامية الداخلية(حوار سلبي مع الذات) والخارجية.»يؤكد المؤلف(الحسيني) بشكل واضح في هذا الحوار وفي نموذج مثل شخصية(صفوان)وأيضا نماذجه المسرحية اللاحقة لهذا النص،أن قيم المجتمع ومنظومته الأخلاقية نتاج السلطة التي أوكلت لها مهام قيادة المجتمع،فانهزامية الشخصية المسؤولة وهي في قمة الهرم السياسي أو الاجتماعي يعني حتما انهزامية شرائح المجتمع وأخذها قيم السلطة نموذجا لها. لما تحمله السلطة من قدرات في التضليل والاغواء والغرض. ويتدرج منسوب الانهزام من أعلى سلطة(والي المدينة)إلى رجل الجامع والذي لا يختلف عن سلطة(والي المدينة) في انكساره وانهزامه أمام جسد فتاة في العشرين من العمر»6
لعنة موتسارت 2019:وهنا صور الكاتب كما تقول الباحثة شخصية موتسارت الهارب والمنكسر والانهزامي أمام الظروف ومتطلبات الحياة العامة والخاصة.»ومن هنا فإن المؤلف سعى إلى طرح نهاية شخصية (موتسارت)على مسار الحبكة على تدريجها وصولا إلى النهاية(الموت).
صوت كونستانري: لحن عن الموت لابد أن ينشغل بال صاحبه بالتفكير في الموت أكثر مما يمكن أن يفكر في الحياة. نغمات قداس الموت سا بني كانت حارسا للموت في عالم الأحياء.وحارسا للحياة في عالم الأموات. شكلت جسرا بين الحياة والموت. والمؤلف (إبراهيم الحسيني)في نصه هذا ترسم خطوات لطرح ثيمة (الانهزامية)ففي افتتاحيته المسرحية أشار المؤلف وبحوار على لسان الزوجة(كونستارني)إلى الثيمة الرئيسية للنص(الانهزامية)ليينتهي النص عند ذات الثيمة وبمسار يشمل كل شخوص المسرحية»7
تغريبة آدم الليكي 2020: (أمير)يعكس هزيمة نفسية تخص هزيمة نفسية الشباب وما بهم من إحباطاتهم من مجتمع لا يستجيب لتطلعاتهم.
«آدم: ماذا تفعل لو ولدت في بلاد سياستها مرتعشة وقراراتها متخبطة وناسها يعيشون تحت خط الفقر والبؤس. أناس يتمرغون يوميا داخل مستنقع من البلادة والعمى. بلاد أهم إنجازاتها
 تمرير الفساد من دون إظهار فرق واضح للقانون،بلاد ينخر الجهل والمرض عظامها...وصار أعظم عدلها المساواة بين الناس في الجوع والقهر..ماذا تفعل يا سيدي..؟8
قلب المدينة 2022: هنا تتسع سمات وصفات الانهزامية لتطال المؤسسة الأكبر في المجتمع وهي الدولة أو الوطن.وفعل الانهزامية هنا يظهر نفسيا في دواخل الشخوص إثر سقوط وتهاوي مؤسسات الدولة في إطار الانهزامية. فالانهزام يبدأ من أعلى الهرم ليصل إلى قاع المجتمع وشرائحه(طبيب/شخاذ/بائعة ورد/ رجل أمن/ قروي...)ودلالات وأفعال ومخرجات الهزيمة (سياسية/ عسكرية/ إجتماعية/ نفسية)تتضح صريحة على الشخوص. لأن المؤلف قد يوحي بأن هزيمة النخبة تتجدر إلى قاع المجتمع وشرائحه عامة وفي مجمل ظروفها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وقيمها الأخلاقية.»إن رؤية المؤلف (إبراهيم الحسيني) وموقفه اتجاه فكرة كالانهزامية تشع في نصه هذا لتشمل دلالات مثل(اللغة) و(الثقافة)و(الطبقات)، فهي في تجاوز لدلالات الشخصية بمفردها لتكون ظاهرة جماعية،وذلك ما يؤشر إحدى مرجعيات المؤلف (إبراهيم الحسيني) الفكرية والاجتماعية ونظرته إلى حياتنا المعاصرة بكل أزماتها المتوالية.»9
ومنهج بحث الكاتبة وصفي تحليلي كإطار منجي من حيث وصف حكاية النص وقراءة تداعيات الشخصية الانهزامية في بنية المسرحية بوسائل إحصائية تعتمد معادل (كوبر)لقياس درجات صدق التحليل.
وغالبا تشير صاحبة الكتاب إلى الحسيني الذي يعتمد تقنية بناء الشخصية عبر خطوات متتابعة في الكشف عن أبعاد الشخصية،إذ تبدأ بالشعور بالاغتراب والانكسار النفسي ليتم استغلالها من قبل الشخصيات المقابلة وكذا ايصالها إلى مرحلة الانهيار الكامل التام.
للانهزامية مستويات تخص تعاطي الذات معها فهي (أي الانهزامية) تبدأ في مشاعر وأفعال بسيطة تنتهي إلى الدفاع بشدة عنها لذا فالمؤلف (الحسيني) يمنح شخوصه في البداية أبعادا نفسية لتنتهي إلى مراحل تخص السياسة والمؤسسات العامة. فالانهزامية تحيط بالذات بكل أشكالها (السياسية، النفسية، الاجتماعية، الأخلاقية..) كونها تتجسد في السلوك والفعل الحياتي.
وقسم الفصل الرابع إلى:
النتائج.
الاستنتاجات.
المقترحات.
التوصيات.
المصادر والمراجع.
وهو فصل ختامي قدمت فيه الكاتبة نتائج بحثها واستنتاجاتها ومقترحاتها وتوصياتها ولائحة بأسماء المصادر والمراجع المعتمدة. وأسرد هنا التوصيات الهامة التي أوصت بها الباحثة:
درج مادة علم الاجتماع في منهج الدراسات الأولية.
توفير النصوص المسرحية التي عالجت ظروف المعارك والحروب والحضارات بهدف قراءة قيم الذات الإنسانية.
دراسات مقارنة بين نصوص الأزمات التي شهدتها المجتمعات الإنسانية.
إقامة مؤتمرات علمية حول ازدياد ظاهرة الانتحار في المجتمع العراقي للحد من الظاهرة. وللإشارة فظاهرة الانتحار غير مقتصرة على قطر عربي فالإقليم التي ينحدر منها كاتب هذه السطور تعرف ارتفاعا مهولا للظاهرة.
وذيلت الكاتبة بحثها بملحق سمته: ثبت الملاحق والمقسم على هذا النحو:
مجتمع البحث.
أسماء السادة الخبراء الحكميين.
الأداة بصبغتها الأولية.
صدق الأداة.
الأداة بصيغتها النهائية.
معامل ثبات الأداة.
ختاما يعتبر هذا المولود النقدي المسرحي الجديد حافزا للنقاد والباحثين العرب للغوص في عوالم المنجزات المسرحية العربية والمغربية التي تحتاج اليوم لكثير من تراكمات مرجعية وأكاديمية تغني المكتبة بالمشهد المسرحي المغربي الذي يعرف صعوبات كبرى في ترويج أو «بيع» الكتاب المسرحي في مجتمع يحتاج الكثير لكي يقرأ بصفة عامة. وبرغم صعوبات مثل هذه الدراسات الرصينة خلال عملية تجميع وتحليل المعطيات و»منهجتها» بشكل علمي يوافق النظريات التحليلية المناسبة فنتائجها تبقى مرجعا مهمها لكل الباحثين لاحقا.
هوامش
1 -  كتاب :الشخصية الانهزامية في مسرح إبراهيم الحسيني للكاتبة ميعاد عبود مانع طبعة 2024، دار الرائدية بالعراق،ص:5
2  - المصدر نفسه،ص:8-9
3   - المصدر نفسه،ص:8
4  - المصدر نفسه،ص:5
5  -  المصدر نفسه،ص:89
6  - المصدر نفسه،ص:115/116
7  -المصدر نفسه،ص:128/129
8 - المصدر نفسه،ص :133
9 - المصدر نفسه:ص:147


عزيز ريان