المسرح السوداني.. في اتحاد كتاب مصر

المسرح السوداني..  في اتحاد كتاب مصر

العدد 913 صدر بتاريخ 24فبراير2025

أقامت شعبة الدراما بالنقامة العامة لاتحاد كتاب مصر ندوتها الشهرية يوم الأحد الموافق 23 فبراير 2025، وكانت الندوة عن المسرح السوداني، نشأته وتطوره، وحضرها أساتذة المسرح والدراما، البروفيسور سعد يوسف والبروفيسور زينب عبدالله والأستاذ الدكتور عادل حربي والأستاذ الدكتور شمس الدين يونس، والكاتب والناقد الكبير محمد الروبي، وشارك صوتيًّا الناقد السر السيد، كما شارك الأستاذ الدكتور يوسف عيدابي بورقة قرأتها مقدمة الندوة الكاتبة صفاء البيلي، التي أشارت في تقديمها إلى بعض الملامح عن ظروف نشأة المسرح السوداني، وأوقات الازدهار، والكبوات التي مر بها هذا المسرح، ثم قدمت الناقد والكاتب محمد الروبي الذي بدأ بالحديث عن ذكرياته مع المسرح السوداني، وعلاقته الطيبة بالحضور، ومدى عشقه للسودان وشعبها، وتقديره واحترامه للمسرح السوداني، وأشار إلى فترة الدراسة وذكر صديقهم كمال فضل عثمان الذي عرّفه بدوره على بقية المسرحيين السودانيين، وتوطيد علاقته بهم وبالمسرح هناك لدرجة أنه أطلق عليه «السفير السوداني في مصر»، كما تحدث عن أهم الشخصيات الذين أثروا في المسرح السوداني، وذكر منهم الدكتور عثمان جمال الدين، ثم تحدث عن البروفيسور سعد يوسف والدكتور عادل حربي واجتهاده وجوائزه التي حصل عليها، وذكر أحد المواقف التي أدهشته من تعامل أطفال السودان مع اللهجة المصرية، حينما دعي للبيت السوداني بالسيدة زينب وسمع طفلاً يسأل البروفيسور سعد يوسف، أحد صناع الدراما السودانية: ليش ما تقدموها باللهجة المصرية؟
ومن ثم تحدث عن دور مصر وتأثيرها في المسرح السوداني، حيث ذكر أن المسرح المصري يعتبر الرافد الأهم، وأهميته جاءت عن طريق تبادل الفرق، وعن طريق البعثات العلمية التي جاءت إلى مصر، وأشار إلى أن جيل البعثات، هو الجيل الذي حقق النهضة في المسرح السوداني، وهذه النهضة عقبها نكبة، لكن في 2010 حاول النهوض، فأعاقته الأحداث، وأشار إلى أن هذه الأحداث أثرت حتى على أعداد السودانيين الذين يدرسون في أكاديمية الفنون، كما أكد على أن هناك قصورًا كبيرًا في معرفة المسرح السوداني، حيث إن كل من يبزع نجمه تندهه النداهة، إلى جانب العديد من العوامل التي خلقت حالة التذبذب في هذا المسرح، وأشار إلى أن المسرح السوداني ارتبط ارتباطًا كبيرًا بالتراث السوداني، وهذا حدث في البدايات، حيث إنه تراث غزير إلى حد بعيد، لأن السودان جذع كبير وكثير اللحاءات، ومتعدد الثقافات؛ العربية والغربية والإفريقية، وأكد على أن هذه الميزة كانت إحدى العوائق في معرفة الآخر بالمسرح السوداني، كما تحدث عن مسلسلات سعد يوسف في التليفزيون باللهجة السودانية، وأشار إلى رواد المسرح السوداني الذين نحتوا في الصخور، حيث كان هذا الجيل عصامي التكوين، أما جيلنا (جيله وجيل سعد يوسف) فكان على دراية بالتجريب من خلال تراثه الحضاري، وأنه لن يسقط في فخ التقليد.. ثم شكر الروبي الحضور...
وقامت صفاء البيلي بالحديث عن مهرجان البقعة، كما تحدثت عن السر السيد وربيع الحسن وبقية زملائها، وعن كتاباتها عن المسرح السوداني، وأشارت أنها لا ترى عروض هذا المسرح إلا في المهرجانات الكبيرة، وكأن هذا المسرح يحجم عن تقديم وتعريف نفسه لنا، ثم قامت بتقديم البروفيسور سعد يوسف للحديث عن تاريخ المسرح السوداني، وقد شكر البروفيسور الحضور وأثنى على دور النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ثم تحدث عن دفعته ودورها كبعثة جاءت إلى مصر، وعن الدراسة في أكاديمية الفنون، وعن زملائه وعن أساتذتهم، أمثال سعد أردش وكرم مطاوع وغيرهم، وعن حديثه في السيمنار باللهجة السودانية، واعتراض أحد الأساتذة على ذلك ورد فعل سعد أردش، ثم انتقل للحديث عن الثقافات المتعددة في السودان، وعن المسرح الوافد إلى السودان من الغرب عن طريق العرب، وعن بدايته في القرن التاسع عشر، كما تحدث عن دور الأتراك ومحاولاتهم عمل دولة مدنية، وإدخال لغتهم، وإنشائهم لمدرسة الخرطوم الأميرية، هذه المدرسة التي قدمت أحد العروض عام 1881، في أواخر فترة الأتراك، وكان يشرف على هذه المدرسة رفاعة رافع الطهطاوي، كما قدموا إحدى مقامات الحريري، حيث قدمها اثنان من الطلبة، ثم جاءت فترة المهدية، حيث لم توجد أي إشارة لوجود مسرح، نظرًا للمجاعات، وإن كان د. سيد علي إسماعيل جمع مسرحيات قدمت عن المهدية في هذه الفترة، لكن أنا لا أعتقد أن هذه المسرحيات يمكن أن تكون قد قدمت في السودان، ولكن من الجائز أن تكون ضمن عروض المسرح المصري، أما في السودان فلم يسمع بها أحد، ثم بعد المهدية جاء الاستعمار وقُدّمت مسرحية «التاتو» لتمثيل الحرب التي دارت بينهم وبين أنصار المهدي، والبعض يقول إن هذه المسرحية قدمت مرة واحدة عام 1898، وهناك من يقول إنها قدمت أكثر من مرة، لكن أنا لست ميالاً لهذا الرأي... أما عن أول عرض مسرحي في السودان فكان 1903، قدمه بابكر البدري في مدرسة رفاعة جنوب الخرطوم، والبدري شخصية درامية، كان من المهدية من جيش عبدالرحمن النجومي، الذين فتحوا الخرطوم، وطردوا الأتراك، ثم فكروا بفتح الدول، لكنهم هزموا عند توشكي وقتل النجومي، وأسر بابكر، وبعد خروجه عمل مدرسة وقام بتقديم المسرحية ليصبح الرائد للمسرح والتعليم، ورائد تعليم المرأة في السودان، حيث بنيت أول مدرسة للبنات 1907، ثم تحولت إلى جامعة، وفي 1909، في القطنية جنوب الخرطوم قام عبدالقادر مختار (مصري) مأمور القطنية بعمل مسرحية لحل إشكاليات اجتماعية، وبدلاً من تقديم خطاب مباشر استخدم المسرح لحث الأهالي على بناء جامع القطنية.
 ثم تحدث عن مسرح الجاليات 1905، وقال إن المقصود بها الجاليات التي وجدت في زمن الاستعمار، وكانوا يقدمون مسرحًا خاصًّا بجالياتهم، ما عدا مسرح الجالية المصرية الذي كان يحتوي على إشارات، حيث كان بمثابة فرجة للسودانيين، واستقطبهم للعمل به، ويتضح ذلك من حديث علي عبداللطيف عن المصريين أثناء محاكمته لثورته على الاستعمار، حيث قال إنه يعرف المصريين نتيجة الفرجة على مسرحهم. كما أن صدّيق فريد مثّل مع المصريين في أكثر من مسرحية..
ثم تحدث عن مسرح العشرينيات، وأشار إلى أن أغلب الشخصيات التي كانت بجامعة الأردن عملت في المسرح، كما تحدث عن مسرحية (صلاح الدين الأيوبي) وهي أكثر المسرحيات التي قدمت في هذه الفترة لأنهم لم يتمكنوا من تقديم مسرح صدامي صريح، وهذا العرض يستعرض انتصار صلاح الدين على ريتشارد، وتم تقديمها عام 1921، وعام 1923،  لصالح بناء مدرسة.. حيث كان إيراد المسرح يخصص للمشاريع.. ثم تحدث عن النهضة الثقافية في الثلاثينيات ومجلتي النهضة والفجر، وظهور النقد، كما تناول مسرح الستينيات والسبعينيات والنهضة المسرحية في تلك الفترة، وأهمية هذه النهضة، وظهور أنواع المسرح المختلفة، ومحاولات الخروج على المسرح الغربي، ثم تحدث عن المسرح خلال الحرب، وازدهاره وكم العروض التي قدمت في تلك الأثناء خاصة في عام الحرب 2023، حيث تم تقديم 77 مسرحية في تسعة شهور، في 11 ولاية، وقدمت 13 مسرحية طفل وعرائس، وخمس مسرحيات في دول اللجوء (مصر وقطر وتشاد) ومهرجان مسرحي في النيل الأبيض، وعمل عشرين ورشة مسرحية، وأشار إلى أن المسرح في السودان ارتبط بالتعليم، ولخص المسرح السوداني قائلاً: كان المسرح السوداني عروض أجانب شاهدها أجانب، ثم عروض أجانب شاهدها سودانيون، ثم عروض سودانيين شاهدها سودانيون، ثم عروض سودانيين شاهدها آخرون... ثم شكر الجميع...
ثم قامت البيلي بتقديم الدكتور شمس يونس، الذي فرق بين الممارسة المسرحية الفرجوية التي تخص الحديث عن المسرح، والنص المسرحي إذا كان الحديث عن الدراما المسرحية، حيث ارتباط الدراما بالنص، ثم تناول قضية التأليف في السودان... وتحدث عن مقال محمد عشري الصديق عن المسرح، وطلبه بضرورة وجود مسرح سوداني لحمًا ودمًا، ثم تناول رحلة الكتابة التي بدأت بالدوبيت وتطوراته، وأكد على أن تطور المسرح مرتبط بتطور الحركة الشعرية، حيث تطور المسرح في السودان من الدوبيت إلى الملحمة، وتحدث عن محاكاة (أبو الروس) لأحمد شوقي في مسرحياته، وأشار إلى أن هذه المحاولة كانت لإيجاد نموذج جديد، ثم تحدث عن حركة التأليف والترجمة، وأشار لمسرحيات تاجر البندقية، ومسرحية صلاح الدين، ومسرحية المفتش والمأمور ورجل الشارع، وأكد على أن الأخيرة هي التي أوقفت النشاط من قبل الاستعمار لإشاراتها وإسقاطاتها، كما أشار إلى العديد من المسرحيات كمسرحية حياة الرجل بين الزوجتين، وتحدث عن استلهام المسرح للتراث الشعري، لظهور مسرح سوداني، كما تحدث عن ظهور الدكتور أحمد الطيب صاحب أول دكتوراة في المسرح العربي، وأحد العباقرة السودانيين، ثم فكيه عبدالرحمن أحد طلابه، وأشار إلى حركة السودنة، كما تحدث عن المسرح الجامعي في الخمسينيات، وذكر ما قاله عبدالله الطيب في تطويعهم ميزان الشعر العربي للأعمال المسرحية، ثم تحدث يونس عن المواسم المسرحية، وعن الاقتباس والترجمة والسودنة، حيث في الستينيات كان هناك 46 مسرحية تأليف سوداني، وسبع مسرحيات سودنة، كما أشار إلى المسرح التطبيقي وظهوره؛ (الشارع- الموقع- الموقع المحدد- التفاعلي- المقهورين)، ثم أشار إلى تراجع الدرامية لحساب الفرجة...
ثم قدمت صفاء البيلي مداخلة الناقد السر السيد، الذي تحدث عن علاقة المسرح السوداني بالمسرح المصري، وأشار إلى أن مسرحية (نكتوت) 1909، بمثابة البداية، ثم تحدث عن الجاليات في فترة العشرينيات، وتجربة مسرحة نادي الخريجين، وأكد على دور المصريين البارز في المسرح السوداني، ثم تحدث عن المسرح التسجيلي، والمسرحية التي قدمت عن ثورة أكتوبر، وأشار إلى العديد من المسرحيات المصرية منها على سبيل المثال مسرحية مسافر ليل، وعن مشاركة الفنانين المصريين وعن الحضور النوعي للنص المصري، وتحدث عن تأثير نهاد صليحة الملموس في المسرح السوداني...
أما البروفيسور زينب عبدالله فتحدثت عن السينوغرافيا والأزياء والزينة في الدراما السودانية، وأكدت على أهمية السينوغرافيا للعرض المسرحي، حيث الديكور والمناظر والأزياء والمكياج والاكسسوار، وأشارت إلى أن هناك جزءًا خاصًا بالخشبة وجزءًا خاصًا بالممثلين، وكلها عناصر مرئية ترتبط بالإضاءة، وهي من أهم العناصر التي تترجم الكثير في النص لتظهر حالة الممثل، والمكياج من الأشياء المهمة حيث يظهر حالة الممثل وعمره ومتطلبات الشخصية، وأشارت إلى أن البدايات في المسرح السوداني كانت مع مسرح الجاليات، وكان الاعتماد في البداية على الطبيعة، ثم تطور للوحات مناظر طبيعية، ثم تحدثت عن صديق فريد وإشرافه على عرض صلاح الدين، وتجهيز بعض الاكسسوارات كالسيوف، ثم فرقة السودان التي أسسها هيثم السراج، التي كانت بمثابة إضافة للمسرح السوداني، ثم تحدثت عن الديكورات المتحركة بعد إنشاء المسرح القومي، وأشارت إلى أن المسرح حينما أنشئ في السودان استعانوا بخريجي الفنون الجميلة للإشراف على الديكورات والاكسسوارات، وتم إرسال البعثات للدراسة في الخارج، وأشارت إلى دور المخرج وتدخله في الأعمال، وذكرت كمال محمد عبدالله، ومحمد شداد، وقالت إنها أول من خرجت في بعثة لإنجلترا في مجال الأزياء، ثم أصبح هناك تخصصات، وتحدثت عن دور الدكتورة عايدة محمد علي في مجال المسرح والتليفزيون، وأشارت إلى اهتمام مسرح الأقاليم بالسينوغرافيا، وتحدثت عن الممثلين وذكرت منهم الفاضل سعيد الذي كان يتقن أداء الأدوار النسائية ويقوم بتغيير شكله، كما أشارت إلى عثمان قمر الأنبيا الذي درس الإضاءة.. وأكدت إلى أن قلة الأعداد في مجال السينوغرافيا يرجع لصعوبته.. وميلهم للديكور أكثر من المكياج...    
ثم تم تقديم الدكتور عادل حربي الذي تحدث عن الأداء والمؤدي وتشكيل الصورة البصرية، وأشار إلى أهمية النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر في بداية كلامه، ثم أكمل حديثه عن التمثيل وفن المسرح وقدرته على الابتلاع، حيث ابتلع السينما والكمبيوتر وكل شيء ظهر، فتركيبه الحياتي يشبه أي شيء يعيشه في أي مكان، فالمسرح يضمر ثم يكبر مرة أخرى بعد أن يعيد تشكيل ذاته... وقال إن فن الممثل مرتبط بالثقافة، والتراكم والخبرات، والمسرح حينما بدأ في السودان لم تكن هناك مناهج معاصرة، والمرحلة الأولى تمثل مرحلة الانتماء، حيث جاء وافدًا وتأثر وأثر، وهذا ترك انعكاساته في الشعب والجمهور والمجتمع، وتحدث عن بابكر البدري حينما قدم عرض المدرسة، حيث كان صاحب العرض، وكان أشبه بأيسخيلوس وسوفكل، ويوربيد، فهو من فكر وكتب بطريقة ليست احترافية، فحينما خرج من مصر ذهب للسودان لعمل المسرحية وكان الموجه، ومحلل الشخصية، ومن هنا تشكلت روح أداء بسيطة لها تأثير كبير على المجتمع، حيث حضور الآباء والأمهات والأبناء، وفكرة الانتماء ربطت التمثيل بالتعليم، التعليم وقضايا الوطن، والهموم الاجتماعية ومواجهة الاستعمار، وكان الأداء يرتبط بالمشاعر الخاصة والاهتمام بالصوت...
وجاءت المرحلة الثانية فترة المؤثرات الوافدة، وتحدث عن عرض صديق فريد، والاعتماد على الصوت والأسلوب الخطابي، ثم تحدث عن تراكم الخبرات لدى المتلقي وتنوع أساليب التمثيل طبقًا لتنوع الجالية، وأشار إلى أن المثقف ارتبط بفن التمثيل، وأن التمثيل كان جسرًا بين السودانيين وبين الجاليات، وأشار إلى أن المرحلة الثالثة كانت مرحلة المواسم المسرحية، وتحدث عن الفرقة القومية للفنون الشعبية.. وعن أحمد عثمان عيسى الذي اكتسب خبرات وأخرج (إبليس) و(نسوان آخر زمن) وكان الإخراج عفويًّا.. ثم تحدث عن حب المجتمع للسينما، والأداء النمطي والشخصيات النمطية، ثم عن البعثات، ودورها وذكر الدكتور يوسف عيدابي والطيب مهدي وغيرهم ممن تركوا أثرًا في المسرح السوداني، كما ترك غيرهم من طلاب البعثات التي أثرت على الحركة الثقافية والفكرية والمسرحية، وأشار إلى الطيب مهدي الذي قام بتدريس ستانسلافسكي، ثم ظاهرة التمرد على الأشكال التقليدية، وظهور اتجاهات جديدة، وظهور المسرح الجامعي ومسرح الشارع، وتغير العديد من المفاهيم، والانفتاح على هولندا وبولندا وتقدم العديد من الورش ليزيد التمرد على الأداء التقليدي وظهور تجارب جديدة من الشباب..
ثم اختتمت الندوة برسالة من الدكتور يوسف عيدابي قرأتها صفاء البيلي، حيث أكد الدكتور عيدابي، بعد أن قدم واجب العزاء في المسرحي هاشم صديق، على أهمية المسرح، والمقاومة من خلاله، وأن المسرح الذي يبني الحياة يخرج للنور، وعلى أهمية الخروج من عباءة الغير لخلق مسرح خاص للوصول للنشيد الخاص والإيقاع الخاص...
 


سعيد شحاته