العدد 915 صدر بتاريخ 10مارس2025
ماذا يحدث إذا غاب المخرج عن المسرح؟ هل يمكن تقديم عرض مسرحى منظم ويحمل سمات إبداعية او رؤية متميزة أم سيكون العرض مساحة من اللعب الارتجالى والعشوائية بين الممثلين؟ وهل يمكن أن تكون هذه الارتجالية منظمة فعلًا؟ وإذا كان كذلك فماذا يمكن أن تطرح من أفكار أو رؤى أو إبداع دون وجود عقل مدبر ألا وهو المخرج؟ فالمسرح فى هذه الحالة سيكون بعيدًا عن وجود نص مسرحى متماسك يوازن بين الحرية والارتجال وبين البناء والتفكك والنزوح نحو شىء من الفوضى التى قد تكون منظمة أو لا تكون.
فى هذا السياق، يأتى عرض “بلاى» الذى يقدمه مسرح “الغد” التابع للبيت الفنى للمسرح، تأليف سامح مهران، وإخراج محمد الشافعى، ليجرب الموازنة بين حرية الارتجال وضرورة البناء الدرامى.
ينطلق عرض “بلاى» من فكرة البحث عن الحقيقة، حيث يجد الممثلون أنفسهم فى مواجهة مشكلة غياب المخرج، وبالتالى يقعون فى معضلة الفراغ القيادي. هى فكرة ظاهريًا عبثية، لكنها فى حقيقتها تعكس حال المسرح كمؤسسة تعانى من الارتباك فى هويتها بين القولبة والارتجال، وبين الانضباط والانفلات.
تنطلق أحداث العرض من خلال ممثلين فى فرقة مسرحية يبحثون عن مخرج، ويستقر بهم المقام لاختيار اقدمهم (جلال عثمان) لمهمة إخراج المسرحية للحاق بالموسم المسرحى، غير أن الممثلين، الذين اعتادوا تقديم نصوص شكسبيرية، قد اختلفوا حول اختيار النص الشكسبيرى (وهذه هى المعضلة الأولى لغياب المخرج، حيث تغيب الرؤية الفكرية من البداية) يجدون أنفسهم هذه المرة أمام ارتجالية مفتوحة، حيث لا يوجد نص محدد، ويعملون على الارتجال من خلال شخصيات محددة سلفًا (مضاهاة لقوالب الكوميديا ديلارتى)، وهى الاب والام والجد والابن وصديق الابن والجارة الجميلة. وفى المسرحية الممسرحة تتشابك قضايا العرض حيث تمت مناقشة قضايا اجتماعية مختلفة حول الزوج الغنى البخيل وطموح الابن الذى يفوق مستواه الاجتماعى والمطالب المادية المبالغ فيها من الأم لمراضاة أبنائها. يتم تقديم هذه القضايا بأسلوب يمزج بين التهكم والواقعية المسرحية.
ويتم كسر الحالة الدرامية بكسر الحائط الرابع عدة مرات بالخروج من الأحداث أو بالتمثيل فى الصالة بين الجمهور فى المونولوجات، أو بدخول شخصية موظف الامن (على كمالو) بكاراكتر كوميدى متنوع لإيقاف تتابع التمثيل داخل التمثيل، حيث يلعب دورًا جوهريًا فى قطع السياق الدرامى بهذا الظهور المفاجئ فى لحظات مختلفة بأسلوب كوميدى متنوع، ما يضيف للعرض نوعًا من العشوائية المحسوبة. كما يتم كسر الإيهام بالتغير المفاجئ فى الإضاءة بتحولها إلى إنارة للعودة إلى مكان البروفة وهكذا.
كما تم تضفير الحالة التمثيلية ببعض اقتباسات مبعثرة من أعمال شكسبير المختلفة وجمل متناثرة من عدة شخصيات شكسبيرية متنوعة من منطلق تخصص الفرقة المسرحية أصلًا فى طرح مسرحيات شكسبير، وعليه فقد اتفقوا على هذه الارتجالية مع اللجوء لعبارات شكسبير للتعبير عن الحالات المختلفة للشخصيات المؤداة. هذا التفكيك المتعمد للنصوص الكلاسيكية يعكس حالة الارتباك التى تعيشها الفرقة.
من وجهة أخرى يبدو العرض وكأنه تفكيك ساخر لفكرة السلطة فى الفن، فالمفترض أن المخرج هو العقل المدبر، وهنا يتم التشكيك فى مركزيته، ويتم استبداله بالمشاركة الجماعية والفكر الجمعى للممثلين. ولكن هذه التشاركية بالطبع غير مستقرة، لأنها يشوبها شىء من العشوائية حيث يتم اللجوء إلى جلال عثمان كمرجعية بديلة، ويعتبر هذا محاكاة ساخرة لمنظومة السلطة الثقافية التى تعتمد على الأقدمية والتقليد بدلًا من الإبداع الحقيقى. كما ان اختيار أقدم أعضاء الفرقة (جلال عثمان) كمخرج بديل، يؤكد الحنين إلى فكرة النظام فى مواجهة الفوضى أو العشوائية، وذلك يطرح التساؤل: هل الخبرة وحدها تكفى لقيادة العملية الإبداعية؟ بين كل هذه الإشكاليات والأفكار، تحاول المسرحية اللجوء إلى بعض تقنيات الكوميديا ديلارتى، حيث يتم استحضار شخصيات نمطية مجتمعية (محددة سلفا مع اختلاف النماذج) الأب، الأم، الجد، الابن، صديق الابن، والجارة الجميلة، ليكونوا مجرد أقنعة لشخصيات أكثر تعقيدًا.
كما لجأ العرض إلى فكرة كسر الحائط الرابع أكثر من مرة فى شكل ملحمى لكسر الإيهام، سواء عبر خروج الممثلين عن أدوارهم أو دخول الممثل من الصالة أو قيامه بالتمثيل بين مقاعد المتفرجين، ما يعيد إلى الأذهان تقنيات بريخت فى كسر الإيهام المسرحى، لكنه هنا ليس مجرد وسيلة للتنبيه الفكرى، بل أيضًا جزء من الحالة العبثية للعمل. كما كان دخول شخصية موظف الأمن بتحولاته الكوميدية، كنوع من التعبير عن دور السلطة كمفسد أو موازن للفوضى، ولكن الأهم أنه هو نفسه كان جزءًا من هذه الفوضى، وليس قوة لفرض النظام أو التقويم كما يبدو ظاهريًا.
كما يتلاعب العرض بالمفاهيم السائدة للمسرح التقليدى (من منظور ما بعد الحداثة)؛ حيث تتداخل حدود الواقع والخيال بالتداخل بين الجمهور، ما يخلق تأويلات متعددة. فالمسرحية لا تقدم حكاية تقليدية بقدر ما تطرح تساؤلات حول طبيعة المسرح نفسه، مستخدمةً تقنيات متناقضة بين المعاصرة والاقتباس من التراث المسرحى.
أما الديكور الذى صممته دينا زهير فقد تكون من موتيفات بسيطة باللون الأبيض، عبارة عن كراسى ومنضدة الطويلة مقسمة نصفين بطريقة أشبه بالبازل، بحيث تعطى مرونة فى إعادة ترتيبها وتوظيفها بأشكال متعددة، سواء فى قاعة البروفة، ومنزل الأسرة، وفى صالة الديسكو وغيرها. أما الجوانب والجدران فقد اتسمت بطابع تجريدى، وقد طليت بلون أبيض كلون محايد وموتيفات ثابتة، ما أوحى الاقتصاد فى العناصر البصرية لكونهم يجلسون فى بروفة وليس ديكورًا منسقًا لعرض مجهز. إلا أن هذا التبسيط، رغم وجاهته من حيث الفكرة، لم يسهم فى خلق مستويات بصرية غنية أو تشبع بصرى واضح داخل المشاهد، فبدا الديكور وكأنه مجرد إطار متكرر أكثر من كونه عنصرًا فاعلًا فى الرؤية البصرية.
وهكذا فإن الديكور يؤكد فكرة الفوضى المنظمة أو التفكك القابل لإعادة الترتيب، وهو يعكس حالة الفرقة المسرحية التى ليس لديها نص محدد أو مخرج يقودها. من هنا، يبدو الديكور وكأنه يبحث عن ترتيب نهائى، تمامًا كما يبحث الممثلون عن معنى فى تجربتهم العشوائية. إلا أن هذا المنحى الرمزى بدا أحادى الدلالة، واكتفى بكونه استعارة بصرية غير متجددة، ما أدى إلى حالة من الرتابة البصرية بمرور الوقت. أضف إلى ذلك، فإن فكرة البازل بدت أحيانًا زائدة عن الحاجة، خاصة مع اعتماد العرض على بعض عناصر من «الكوميديا ديلارتى” والمسرح الشكسبيرى المفكك، مما جعلها تبدو وكأنها إقحام لأسلوب ما أكثر من كونها ضرورة درامية.
وقد حافظ العرض على العلاقة التقليدية بين الخشبة والصالة من منظور المشاهدة رغم امتداد عدة مقاعد للمتفرجين بحوار منطقة التنثيل للإيحاء بالتكوين الدائرى او البيضاوى - شكل حرف U- كى يعطى انطباعًا بالاحتواء والتفاعل الملحمى مع المتفرج، لكن كان من الواضح أنه مجرد استحابة لضرورات قلة سعة صالة العرض لمقاعد المتفرجين، بغض النظر عن الرؤية الإخراجية. كما عمل المخرج على توظيف عدة ممرات بين المقاعد فى الصالة لاداء المونولوج استكمالا للشكل البريختى، لكنها بدت، وكأنها مجرد تلامس شكلى مع البريختية دون تصعيد للتوتر الدرامى او تكثيفه بشكل فعلى، أو تدعيم الصراع الداخلى للشخصية.
أما الشاشة الخلفية، فقد عُرضت عليها صورة البحر فى أحد المشاهد مصاحبة له دون ضرورة واضحة ما يطرح تساؤلًا حول جدوى هذه الإضافة التقنية إذا لم تكن متسقة مع البنية الجمالية والفكرية للعرض بل إن استخدامها بدا منفصلًا عن باقى التصميم البصرى وكأنه مجرد خيار عابر لإضفاء بعد إضافى دون مبرر درامى حقيقى. هذا التوظيف السطحى للإسقاطات البصرية يطرح مشكلة أوسع فى العرض، حيث تبدو بعض العناصر وكأنها وُضعت لمجرد التواجد الشكلى أو الإشارة الرمزية، دون أن يكون لها تأثير حقيقى على تجربة المشاهد.
وقد وقع الديكور فى فخ التجريد الزائد دون أن يحقق عمقًا دراميًا كافيًا. فبدلًا من أن يكون عنصرًا محفزًا للمشهد المسرحى، بقى مجرد «موتيفات» تفتقر إلى التماسك البصرى، فصار تأثيره محدودًا وأحيانًا مضادًا لغايته الأصلية، وإن كان هذا من وجهة نظر أخرى قد يخدم فكرة البروفة الارتجالية المفاجئة دون ترتيب مسبق.
أما الملابس فقد صممتها دينا زهير عبارة عن موتيفات واقعية للشخصيات يسهل ارتداؤها وخلعها أثناء التمثيل امام المشاهد كسرا للإيهام، إضافة لملابس رجل الأمن التى اتسمت بالتنوع من مشهد لآخر لخلق حالة من حالات من الإضحاك وقد نجح فيها. فنجد أن الملابس بشكل عام قد حافظت على واقعية رمزية تناسب. الشخصيات المسرحية، لكنها انزلقت أحيانًا إلى العبثية المطلقة، على الأخص فى تغييرات ملابس موظف الأمن، التى وإن ساهمت فى الكوميديا، إلا أنها لم تكن دائمًا مبررة دراميًا.
الإضاءة (تصميم وتنفيذ عز حلمى) اعتمدت على الإنارة التقليدية فى مشاهد الفرقة المسرحية على اعتبار أنهم يجلسون فى بروفة، لكنها لجأت إلى لحظات إضاءة خاصة خلال التحولات الدرامية والمونولوجات الشخصية. ومع ذلك، فهى تحتاج إلى أكثر دقة فى التنفيذ، حيث بدت غالبًا، وكأنها تشوهات ظلالية أكثر منها عناصر جمالية ما أثر على وضوح التعبير الدرامى وأضعف الأثر البصرى للحظات الحاسمة فى العرض (ويبقى السؤال الدائم فى معظم مسرحيات العصر الحالي: لماذا يتم إظلام وجوه الممثلين من أجل صنع تشكيلات وظلال ضوئية بلا داعى).
وقد لجأ المخرج إلى بعض مقاطع موسيقية قليلة كخلفيات مصاحبة للأحداث بشكل تقليدى لإضافة تأثير سمعى فى بعض مناطق العرض (بالأخص أثناء المونولوج) دون إضافة حقيقية، فلم تضف بعدًا جديدًا إلى التجربة المسرحية، مما يقلل من قوتها كعنصر درامى فاعل.
تلك كانت مفردات العرض المسرحى «بلاي». لكن علينا النظر إلى ما يطرحه العرض من أنه يستلهم تقنيات “الكوميديا ديلارتى»، وهى مدرسة تعتمد على الارتجال داخل إطار شخصيات ثابتة، لكنه فى الحقيقة يفتقد إلى البنية الدرامية التى تمنح هذا النوع من المسرح شرعيته. فما نشاهده هنا فى عرض بلاى ليس ارتجالًا منظمًا بوعى، بل تداعيات حرة لا ترتكز على حبكة محددة، وبالتالى يصبح الفراغ النصى هو البطل الحقيقى للعرض. إن فكرة “المسرح داخل المسرح” التى يعتمد عليها النص تتيح فرصا كثيرة للعب المسرحى، لكنها تُستنزف بسرعة بسبب عدم وجود تصاعد درامى حقيقى فيتحول التمثيل إلى مجرد استعراض منفصل عن السياق الكلى.
استكمالًا للشكل الملحمى استخدم الممثلون أسماءهم الحقيقية فى مشاهد البروفة قبل الدخول فى التمثيل، وذلك يعزز كسر الحائط الرابع ويدعم التفاعل مع الجمهور، كما يضع الممثل فى حالة متارجحة بين ذاته وبين الشخصية التى يمثلها ما يضفى مزيدًا من حالة اللعب المسرحى المستهدفة (بلاي)، أما سلبيات هذا الأسلوب تكمن فى أنه مستهلك، واستخدم فى عدة مسرحيات سابقة، فأصبح نوعًا من التقليد وليس التجريب، كما أنه قد يؤثر على قدرة الممثل فى التنوع والتعدد فى تقمص الشخصيات التى يؤديها.
الأداء التمثيلى: إن محاولة العرض للتعلق ببعض تقنيات الكوميديا ديلارتى، تتطلب الرؤية من منظور المبالغة فى الأداء والتعبيرات الجسدية الحادة لإيصال المشاعر والأفكار، والأقنعة التى تضخم الانفعالات. واستخدام شخصيات نمطية والمبالغ فيها فى الكوميديا ديلارتى، وهنا نجد ان الأداء التمثيلى فى مسرحية (بلاى) يتذبذب بين الرغبة فى التجديد والافتقار إلى رؤية موحدة.
لا يمكن إنكار أن العرض يعتمد بشكل أساسى على طاقات ممثليه، الذين قدموا مستوى جيدًا من الأداء، مثل جلال عثمان الذى تمكن من إبراز الازدواج فى الأداء بين دوره كمخرج (أو ممثل قديم يقوم بالتوجيه) ودوره كشخصية درامية. كما برزت عبير الطوخى (كعادتها) فى التحول بين الكوميديا وبين أدوارها الجادة ، بينما نجح على كمالو فى توظيف حسه المونيدى وفى الارتجال لصناعة مواقف كوميدية مؤثرة، وقدم تنوعًا متعددًا من الشخصية الكوميدية لرجل الأمن. كما تألق باقى الممثلين فى أدوار جديدة بالنسبة لهم، حيث طوع نائل على وقاره فى تجسيد شخصية الجد، مضفيًا عليها عمقًا وخبرة واضحة. أما أحمد نبيل، فقد أبدع فى دور الابن الطموح، متقنًا أبعاده النفسية كما أضاف أداؤه بلمسات كوميدية عفوية. وتألقت إيمان مسامح فى دور الجارة الفاتنة اللعوب، مستعرضة خفة ظل وحضورًا مناسبًا، كما أجاد وليد الزرقانى بحماسة وطاقته حضوره المميز فى دور صديق الابن، ليكمل نسيج الشخصيات بتوازن وانسجام.
فى المقابل فإن الأداء الكلى كان متذبذبًا بين لحظات تألق فردى وأخرى تبدو أقرب إلى الاستعراض العابر. لكن المشكلة هنا تكمن فى أن هذا التعدد فى الأداء لم يكن مقصودًا لإنتاج دلالة تعبيرية، بل كان نتيجة غياب خط درامى صارم، ما جعل بعض اساليب الأداء تنحرف إلى التهريج بدلًا من التوظيف الدرامى المدروس.
من أبرز الإشكاليات فى العرض توظيفه لنصوص شكسبيرية متناثرة دون أن تندمج عضويًا فى نسيج الأحداث. فاللغة تُستخدم عادة كأداة لتفجير التوتر النفسى وإبراز التناقضات الداخلية، لكن فى «بلاى» جاءت الاقتباسات كمجرد استعراض لغوى لا تخدم سياق العرض، (حتى ولو كانت فى نظر المؤلف والمخرج أنها داعمة للشخصيات والمواقف) بل تبدو منفصلة عنه، ما جعلها عبئًا بدلًا من أن تكون أداة تعبيرية.
نقطة أخيرة تتعلق باسم العرض “بلاى» فبالرغم من أن هذا العرض المسرحى يسعى لمناقشة قضايا المجتمع المحلى والتفاعل مع الجمهور عبر كسر الجدار الرابع والاندماج مع المتلقى، فإن اختيار عنوان أجنبى له (بلاى) يُعد تناقضًا واضحًا. هذا التوجه يتعارض مع الهدف المعلن للتقرب من الجمهور (المصرى بلغته العربية)، حيث قد يشعر المتلقى بالاغتراب بسبب استخدام مصطلح غير مألوف، بلغة مغايرة، ما يضعف من تأثير الرسالة المسرحية ويقلل من تواصلها مع المشاهدين ويبدو كأن العرض يناقض نفسه وفكرته.
فى النهاية، أتساءل: إذا كان الهدف من هذا العمل هو تقديم كوميديا ارتجالية بطريقة جديدة ومختلفة، فلماذا لا تزال معالم هذه الفكرة غير واضحة تمامًا؟ العمل لم يلتزم بشكل كامل بقواعد “الكوميديا ديلارتي” التقليدية، بل اختار أن يستعير منها بعض الشذرات فقط. كما أنه لم ينجح فى تقديم رؤية حديثة تتجاوز هذه القواعد، بل بدا وكأنه عالق فى منطقة وسطى بين التمسك بالتقاليد المسرحية ومحاولة تفكيكها.
كما أن العمل يتأرجح بين الالتزام بقواعد اللعبة المسرحية وبين الانفلات منها، وكأنه يحاول أن يلعب على الحافتين دون أن يقرر أى اتجاه يريد أن يسلك. وهذا يجعل المشاهد يتساءل: هل الفراغ البنيوى الذى نشاهده كان مقصودًا كأداة فنية لتعزيز فكرة معينة أم أنه مجرد نتيجة لعدم وضوح الرؤية؟
وهكذا يقودنا العرض فى مجمله إلى التساؤل: ما المسرح فى النهاية؟ هل هو مجرد مكان للعب والتسلية، أم أنه فضاء لإنتاج المعنى وإثارة الأسئلة العميقة؟