المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب مساحة مضاءة على خريطة المهرجانات

المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب  مساحة مضاءة على خريطة المهرجانات

العدد 915 صدر بتاريخ 10مارس2025

أزعم أننى من المهتمين والمتابعين للنشاطات والفعاليات المسرحية، ومن الراصدين لها على مدى أكثر من ثلاثين عامًا مضت، خاصة المهرجانات المسرحية والتى تزايدت بشكل لافت خلال السنوات القليلة الأخيرة للدرجة التى لم يعد من السهل حصرها، وبالطبع فإن مثل تلك النشاطات لها الأثر الفاعل والإيجابى على الحياة الثقافية بشكل عام، والمسرحية بشكل خاص، وان كان ذلك لا ينفى وجود ملاحظات وسلبيات كثيرة متكررة، ودائمًا ما يشير إليها الكثيرون من المهتمين والنقاد، ولا مجال لذكرها فى مقالى هذا، والذى سأتوقف فيه أمام واحد من مهرجانات قليلة تستوجب الإشادة وتسليط الضوء عليه بما يستحقه، لما له من دور تنموى وتوعوى حقيقى يقوم به بدرجة امتياز، وما له م أثر ملموس على محيطه المجتمعى، ما يسهم فى خلق حالة من الوعى بشكل عام الجنوب.
المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب؛ الذى تعقد فعاليات دورته الجديدة بمحافظة قنا فى الفترة من 15: 20 أبريل المقبل، ليصل بها لمحطته التاسعة، وليؤكد بانتظام انعقاده بشكل سنوى - واستمرار فعالياته دون توقف على نجاحه، رغم ما يواجهه من تحديات توفير الدعم المادى والرعاية، خاصة فى ظل تزايد الأعباء المترتبة على الارتفاع الأسعار، بما يبرز مدى الجهود التى يبذلها رئيس المهرجان ورئيس اتحاد المسرحيين الأفارقة الكاتب الصحفى والناقد الفنى هيثم الهوارى، من أجل الحفاظ على دوام وجود المهرجان فى المشهد الثقافى وعلى خريطة المهرجانات.
المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب؛ يعقد تحت مظلة وزارة الثقافة، ووزارة الشباب والرياضة العامة لقصور الثقافة، وبدعم لوجيستى من الهيئة العامة لقصور الثقافة وعدد من المؤسسات الرسمية والأهلية، وتحمل دورته - هذا العام - اسم أستاذة الديكور الراحلة الدكتورة عايدة علام، كما يُحتفى فيه بالمسرح الفلسطينى، وهذا إلى جانب فعالياته من عروض مسرحية بالمسابقة الرسمية أو غير الرسمية لفرق مصرية ودولية، ومسابقة التأليف المسرحى، وورش وفعاليات متنوعة.
وخلال دوراته التسع أصدر المهرجان عشرات الإصدارات، توجها فى دورة هذا العام بـ11 كتابًا جديدًا، منها كتيب المهرجان الذى يوثق لفعاليات الدورة التاسعة، وكتاب النصوص المسرحية الفائزة فى مسابقة د. حسن عطية للتأليف المسرحى، وكتاب بعنوان «عايدة علام مسيرة علم حافلة بالعطاء» أعدته الناقدة المسرحية شيماء توفيق، بالإضافة إلى باقى الكتب، وهي؛ “تاريخ المسرح الفلسطيني” للدكتور سيد على، «المسرح المغربى .. تطور وتاريخ» للكاتب المغربى أحمد بلخيرى، «عبدالصمد خانقاه رائد المسرحية الحديثة فى العراق” للدكتور على الربيعى، “المسرح السودانى فى زمن العنف” للناقد المسرحى السودانى أبوطالب محمد، “إدارة خشبة المسرح وإيقاع العرض” للدكتور جمال ياقوت، “موسوعة المسرح الغنائى والاستعراضى فى مصر” للدكتور محمد عبدالمنعم، “الأراجوز بين الروايات الأصلية والروايات المزيفة” الدكتور نبيل بهجت، «10 سنوات من الإنجازات» الكتاب التوثيقى لفعاليات مؤسسة س للثقافة والإبداع».

المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب؛ تشرف على تنظيمه مؤسسة (س) للثقافة والإبداع على مدى عشر سنوات منذ تأسيسها عام 2015، وهو من خلال برنامجه الكبير وتعدد فعالياته واتساع نطاق تنفيذها؛ يُعد حدثًا ضخمًا بالفعل، وبات مهرجانًا له تاريخ، إذ وضعت المؤسسة استراتيجية واضحة له، وحددت أهدافه منذ عامها الأول، فاختارت صعيد مصر، تلك البقعة الغالية من الوطن نطاقًا لها، تقدم له الخدمة الثقافية عبر نشاطاتها، بما يساعد على تحقيق العدالة فى توزيع الخدمة الثقافية، وذلك نظرًا لكونه طالما عانى من فقر الفعاليات الثقافية رغم ما تتسم به بلدانه من خصوصية وثراء تراثى وموروث شعبى، ومن الإنصاف أن يسلط الضوء عليها، فطالما عانى هذا الصعيد من وأهاله من الإرهاب والتعصب، ولقد وجدت المؤسسة فى «التنمية الثقافية» خير سبيل لتحقيق تنمية المجتمع فى الصعيد، فكانت فكرة «المهرجان المسرحى الدولى» لدعم وتنمية المواهب المختلفة من شباب الجنوب، فكرة قادرة على احتواء شباب الصعيد بالشكل الأمثل، لتقدم عبر فعالياته كل الأنشطة المتنوعة التى تستوعب ثقافات المناطق المختلفة لتحدث المثاقفة فيما بينها، بمراعة أن يكون المهرجان نافذة للاطلاع من خلالها على ثقافات، مختلفة سواء ثقافة شمال مصر، أو الثقافات المتباينة لدول عربية وإفريقية وأوروبية، فى ذات الوقت الذى يكون فيه المهرجان نافذة لشباب تلك الدول للاطلاع على تراث وثقافة صعيد مصر.
وحتى لا يكون المقال مجرد “تقرير إنشائى»، نبرز فيما يلى بعض دلائل تميز ميز هذا المهرجان، والتى يتصدرها عدم الانغلاق على محافظة واحدة، متجاوزًا بذلك ما انتهجته كل المهرجانات الأخرى بمصر، بأن راعى إدارته التحرك بفاعلياته فى المحافظات المختلفة، فأقيمت دورتاه الأولى والسادسة بمحافظة الأقصر عامى (2016، 2022)، والدورتان الثانية والثالثة منه بمحافظات أسوان عامى (2017، 2018)، وانتقل بنشاطاته فى الدورتين الرابعة والخامسة إلى محافظة أسيوط عامى (2010، 2021)، ثم فى انتقل فى دوراته الثلاثة الأخيرة إلى محافظة قنا أعوام (23، 24، 2025)، وهذا؛ فى ذات الوقت الذى تتاح المشاركات فى كل منها لجميع شباب المحافظات غير مقتصرة على شباب المحافظة المقام بها، بما يعمل على خلق حالة متجددة تتغلب على سلبيات الاعتياد الروتينى ويكسر رتابة التكرار. وما من شأنه إثراء النشاط الثقافى بالصعيد.
هذا؛ ويميز فعاليات هذا المهرجان أيضًا عدم الاكتفاء بتنفيذ الفعاليات بعواصم المحافظات فقط، بل التنقل بها بين المدن والقرى والمناطق البعيدة والصحراوية منها، وبين المسارح ومراكز الشباب والأماكن المفتوحة والمستشفيات، كما يحرص المهرجان على تقديم فنون متنوعة على التوازى من عروض المهرجان فى ذات التوقيت بأماكن مختلفة، ولا يقصر الاستفادة منها على الشباب فقط، بل ولأطفال الجنوب، بما يسهم فى التبكير من تحقيق حالة الوعى الثقافى لهم.
ولم تقصر مؤسسة (س) للثقافة والإبداع نشاطها على المهرجان وفعالياته المتنوعة فقط، بل عملت ووفق توصيات الدورة الأولى على إقامة مشروع مسرحى مواز يهدف الى إقامة ورش تدريبية فى مختلف مجالات المسرح يعمل على اكتشاف وصقل المواهب المختلفة، ولم تكن مجرد توصية بل انتقلت بالفعل فى العام التالى - 2017 - إلى حيز التنفيذ فى سبع من محافظات الصعيد (الفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان)، وأسفرت عن تكوين أربعة فرق مسرحية قدمت عروض مسرحية من انتاج المؤسسة، وساعدت فى توفير أماكن لتقديم عروضهم فيها وشاركت بها فى مهرجانات مختلفة، كذلك ورش التأليف المسرحى والتى أسفرت عن عدد كبير من النصوص المسرحية المهتمة بـالتراث والموروث الشعبى، بل تمت طباعة بعضها فى كتاب تحت عنوان “خراط البنات”.
هذا إلى جانب استعانة المهرجان بالمتخصصين من الفنانين والأكاديميين الكبار من رموز تلك المحافظات ورموز المسرح بمصر فى لجانه المختلفة، لنقل تجاربهم وخبراتهم لشباب الصعيد، وكذلك الحرص على تكريم عدد كبير من رموز الفنانين من مصر سواء من القاهرة أو الصعيد، أمثال نور الشريف، محمود الحدينى، خالد جلال، عصام السيد، سامح حسين، إبراهيم نصر، سناء شافع، هانى كمال، عزة لبيب وغيرهم من العاصمة، ومعهم عدد من رموز فنانى الصعيد المقيمين به، ومنهم؛ فوزى فوزى، درويش الأسيوطى، سعد عبدالرحمن، حمدى طلبة.. وغيرهم، وذلك بالإضافة إلى تكريم المهرجان لبعض الفنانين من خارج مصر من الدول العربية والأجنبية.
وجدير ذكر أن المهرجان لم يتوقف طوال مسيرته، بل إنه فى عام 2020 فترة الهجمة الشرسة لفيرس كورونا التى جمدت نشاطات العالم وأوقفتها، فإن إدارة المهرجان - رغم تأجيلها للدورة الخامسة - أقدمت على فكرة دورة استثنائية من المهرجان على الإنترنت تم تنفيذها «أون لاين» تزامنًا مع مناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمسرح - 27 مارس - شارك فيه عدد كبير من فرق دول العالم بعروض لها، ولم يقتصر البث على العروض فقط بل الندوات التطبيقية لها، وكذلك الورش التدريبية.
وجدير ذكر أن المهرجان يشهد إقبالا دوليا على المشاركة من قبل العديد من دول العالم، منها؛ فرنسا، بولندا، إسبانيا، إيطاليا، نيبال، غانا، السودان، تونس، الجزائر، المغرب، العراق، عمان، ليبيا، فلسطين، والأردن، وغيرها، بما يدعم فكرة الثقافة السياحية، والاستثمار السياحى فى الثقافة، حيث يحقق المهرجان ذلك على مستويين، الأول؛ من خلال ما يقدم عبر عروضه وفعاليات من مادة تراثية وتاريخية وموروثات شعبية وأماكن تنفذ بها، والثانى؛ من خلال الزيارات للمناطق السياحية التى تنظمها إدارة المهرجان للضيوف.
وهذا المقال الذى يأتى بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس مؤسسة (س) للثقافة والإبداع، ليس من قبيل استعراض جميع فعالياته، بل تناول بعضها بغية إبراز حجم تأثيره واتساع قاعدة المستفيدين منه، وإبرازه كنموذج للمهرجانات التى تستحق الرعاية والدعم المادى واللوجيستى كونها تتوجه بالدعم لمستحقيه فعليًا، وتعمل على خلق حالة فنية وثقافية عامة فى المناطق الفقيرة والمحرومة من الخدمة الثقافية، بما من شأنه دعم واستكمال الدور التنموى والتنويرى للمؤسسة الرسمية، ونتمنى للمؤسسات الأهلية أن تحتذى بنهجه.


ناصر العزبي