العدد 916 صدر بتاريخ 17مارس2025
عندما ظهرت حركة المسرح المستقل فى أواخر الثمانينيات كانت تمثل تيارًا مغايرًا وقدمت فرقها عروضًا مهمة وطليعية أفرزت عن اتجاهات مسرحية مغايرة لما كان سائدًا فى تلك الفترة ورغم ما مثلته هذه الفرق من إضافة إلى مسيرة المسرح المصرى.
فقد توارى معظمها الآن وتعثر، ولم يعد موجودًا منها إلا القليل الذى استطاع أن يدبر أحواله بنفسه أو يحصل على دعم من مؤسسات ثقافية أجنبية عاملة بمصر، نفتح هذا الملف مرة أخرى لنتعرف على إجابات لتساؤلات عدة، وهى أين المسرح المستقل فى مصر وماذا يحتاج المسرحيون المستقلون للصمود وإنتاج عروض جديدة أجاب عن تلك التساؤلات أبرز المسرحيون المؤسسون لتلك الحركة كذلك مجموعة من شباب الفرق المستقلة فى الوقت الحالى:
المسرح المستقل كيان مهم يجب أن تتضافر جهود الجميع للنهوض به
قال المخرج والفنان طارق سعيد عن المسرح المستقل: المسرح المستقل هو تيار فنى احترافى موازٍ لبقية التيارات التى يتكون منها المسرح المصرى.
ولكى يأخذ مكانه الذى يستحقه ويحظى بمكانته المرجوة فى خريطة المسرح والثقافة هناك جهود كبيرة لا بد لفنانيه أن يبذلوها.
أولًا.. لكى تحافظ على مكانتك كفنان محترف فأنت ملزم بتطوير إمكانياتك وأدواتك الفنية والبحث عن كل ما هو جديد ومؤثر فى هذه المهنة والبعد عن كل ما هو تقليدى سواء فى الموضوعات الفنية التى تطرحها أو فى طريقة طرحها.
ثانيًا.. لا بد أن تحافظ الفرق المستقلة على تنوعها، وأن يكون لكل فرقة مشروعها الفنى الذى يميزها ويجعلها متفردة ولا تشبه بقية الفرق ولا تقدم ما يماثل ما يقدمه الآخرون.
ثالثًا.. فتح آفاق جديدة ورحبة للوصول لأكبر عدد من الجمهور ويمكن الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعى كوسيلة فعالة للوصول لقاعدة جماهيرية كبيرة.
رابعًا.. المحاولة الدءوبة لإيجاد صيغ إنتاجية مغايرة ومبتكرة عن طريق التعاون مع الجهات الثقافية ذات الاهتمام المشترك دون أن يخل ذلك التعاون باستقلال الفرق ودون أن يؤثر على مشروعها الفنى.
خامسًا.. فتح سبل للتعاون مع الفنون الأخرى كالسينما والموسيقى والفن التشكيلى؛ لأن هذا التعاون سيكون سببًا فى إثراء الأعمال الفنية وإضافة أبعاد جديدة للعمل الفنى تجعله أكثر جذبًا وأعلى قيمة وكذلك تثير اهتمام جمهور هذه الفنون الأخرى مما يزيد من جماهيريتها.
سادسًا.. من المهم جدًا أن تتعاون الفرق المستقلة سويًا على كل المستويات.. فنيًا وإداريًا.. لأن ذلك التعاون سيزيد من قوة الفرق ويخلق حالة من حالات التكامل بينها ويمكن أن يقيموا سويًا فعاليات تساعدهم على تحقيق الكثير من التطور الفنى والوصول إلى الجمهور المستهدف بشكل كبير.. مثل إقامة مهرجانات فنية تجمع العروض الفنية بشكل منتظم فيكون لها جمهور أكبر كثيرًا من العروض المنفردة.. وكذلك إقامة ورش عمل فنية تستفيد فيها الفرق من بعضها البعض ويستفيدون جميعًا من خبرات أساتذة وفنانين من خارج تيار المسرح المستقل.. وكذلك عمل ندوات تناقش فيها العروض الفنية أو حوارات مفتوحة مع فنانين متميزين للاستفادة من خبراتهم.
وأخيرًا.. المسرح المستقل كيان مهم يجب أن تتضافر جهود الجميع للنهوض به.
دعم المسرح المستقل هو بمثابة دعم مختبر مسرحى حقيقى
فيما أوضحت الكاتبة المسرحية رشا عبدالمنعم، قائلة عن نشأة المسرح المستقل: نشأت صيغة المسرح الحر المعاصر فى أواخر الثمانينات بظهور عدد قليل من الفرق، ثم جاء الميلاد الرسمى لهذا التيار فى المهرجان الأول للمسرح الحر 1990، الذى ملأ ثغرة إلغاء مهرجان المسرح التجريبى حينها بعد غزو العراق للكويت، وقد أسست هذه الفرق بواسطة مجموعة من الفنانين الذين لم تستوعبهم حركة المسرح المصرى حينها متمثلة فى مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، سواء لأنهم كانوا حملة رؤى فكرية جريئة (سياسية أو اجتماعية) وأفرز احتياجهم المغاير للإفلات من الرقابة صيغة مغايرة، أو لأنهم فنانون شباب لم يجدوا ثغرة لدخول مؤسستى الدولة والقطاع الخاص نظرًا لهيمنة العاملين عليها وقصر العمل فيهما على أشخاص بعينهم.
وتابعت: لكن نستطيع القول إن المسرح المستقل كان أكثر قطاعات المسرح تأثرًا بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية التى كان لها أثر كبير فى ازدهاره فى وقت وانحساره وفقدان مشروعيته فى وقت آخر، فالمؤسسة الرسمية ووفقًا للظرف السياسى ومناخ الديمقراطية السائد تضيق البراح أوتعطيه لتلك الفرق. والفرق ما بين الرجاء والأمل تتساقط وتتناقص وتعانى من عدم توافر الدعم الملائم وندرة دور العرض المستقلة وتستهلك فى تعقيد الإجراءات الحكومية والموافقات التى تحتاجها حال تقديم عرض مع الرقابة والمصنفات الفنية، أو فى حالة السفر مع العلاقات الثقافية الخارجية.
وأضافت: يحتاج المسرح المستقل إلى أنواع من الدعم المالى واللوجيستى.. كما يحتاج فنانوه إلى برامج مستدامة لبناء القدرات.. ويجب أن يدرك المسئولون عن المسرح أن دعم المسرح المستقل هو بمثابة دعم مختبر مسرحى حقيقى يفرخ ويكتشف وينضج المواهب ذات الحساسيات الجمالية المفارقة مما يتبدى فى طزاجة وحداثة المسرح عمومًا.
الحركة الجديدة ستأتى من أبواب لن نتوقعها
فيما رأى الفنان والمخرج محمد عبدالخالق المسرح المستقل وضرورته فذكر: دائمًا ما سيبحث قطاع من الفنانين عن الاستقلال؛ لأن الاستفلال ضرورة فنية ترتبط بحاجتنا للتغيير.. فالفن يبحث عن المختلف وهى ضرورة فنية.. ضرورة لإنتاج جمالى متطور.. منطلق من رغبة فى التغيير، وعندما ظهر تيار المسرح المستقل نهاية الثمانينات كان تلبية لاحتياج فنى نتيجة الثبات والجمود الذى كانت تعانى منه مكونات الحركة الفنية فى مصر بشكل عام.
وبدأ الاستقلال بالظهور فى المسرح فى شكل فرق وجماعات مسرحية غير متوافقة مع النظرية الجمالية التى كانت تحكم الحالة المسرحية وقتها، وتلاها بعد عدة سنوات بوادر حركة الاستقلال بين السينمائيين.
وأضاف: خاض تيار التسعينيات مشوارًا طويلًا، وهو تيار لم يوثق للآن، وحينما طرحت سلوى محمد على ذلك أثناء تكريمها كان البعض يتصور أنه من الممكن أن نجرى لتوثيق الحركة المستقلة للتسعينيات فى كتاب علمًا بأن هذه الحركة كتب عنها عشرات الكتب ودراسات الماجيستير والدكتوراة ومجلدات ومع ذلك أنا أرى أنها لم يوثق بعد.
وتابع: عمومًا خاض المستقلون وقتها مسيرة طويلة حتى تأكد منهج مسرحى بديل وتبلورت نظرية جمالية اكتسحت كل بنى المسرح المصرى وزادت للمنطقة العربية.. حتى جاء اليوم الذى صار كل ما يقدم على خشبات المسرح المصرى «مسرح المؤسسة الرسمية - مسرح الثقافة الجماهيرية - المسرح الجامعى.. وحتى المسرح الخاص أو لنقل التجارى.. كل هؤلاء يبدعون فى سياق جمالى ينتمى لتيار المسرح المستقل الذى كان مرفوضًا بشدة فى البداية.
وهو لم يكن أمرًا اختياريًا أو رغبة لدى من كانوا يشكلون التجمع الكبير لتلك الجماعات والفرق المستقلة.
بل كان صراعًا ضد سائد قوى فى ثباته وسيطرته على المؤسسة المسرحية عمومًا.. وضعيف فى قدرته على التفاعل والحياة بعكس تجارب المستقلين الأولى.. حتى وصلوا للنجاح وساد المسرح المستقل وجمالياته المشهد الفنى.
وأضاف عبدالخالق: بعد سنوات من الصراع الممتد.. تسعى جماليات الإبداع لحالة من الاستقرار، وهو ما حدث فى المسرح والفن المصرى عموما بعد الاحتفال الذى حمل عنوان 25 عامًا من المسرح المستقل.. أعتقد كان فى سنة 2015.
اتجه المسرح بما وصل له لحالة من الاسترخاء قبل أن يعود البحث عن تطور جديد أو استقلال جديد عن ثابت صار قديمًا ومسيطرًا حتى على إبداع التقليديين، فالكل صار يبدع بمنطق يشبه ما كان فى السابق متمردًا ومغايرًا.
وهنا تبدأ الإشكالية التى يظهر بعدها ضرورة ملحة لخروج ابداع مغاير ومختلف جماليًا.. وبالطبع ينطلق من هدم السابق.. والسابق هنا هو تيار التسعينيات.. الذى صار الثابت الآن وعليه فالحركة المستقلة لم تعد هذا الجيل الواعد مطلع التسعينيات، ولا يمكن حتى أن يشارك هذا الجيل فى أطروحات المسرح المستقل الجديد وإن كان من الممكن أن يكتب مثلما أكتب الآن على سبيل التوثيق، أما التيار أو الموجة أو الحركة الجديدة فستأتى من أبواب لن نتوقعها.. فلا نعلم هل ستؤسس بنى وجماعات أم ستبحث على المستوى التنظيرى أم على المستوى السياسى لهذه الحركة تيار التسعينيات بالطبع انطلق من خلفية ثقافية وفكرية وسياسية.. وأيضًا جمالية كانت مختلفة عن السائد وقتها وأطروحات هذا التيار قوبلت برفض شديد من المسرح بمعناه الرسمى.. وعلى العكس لدى الجماعات المستقلة.. أما المنطلقات الآن فهى مختلفة تمامًا.. ولن تكون جذور الثقافة التقليدية السائدة هى المنطلق وأعتقد أن إشكاليات الرقمنة المدهشة الآن ستكون عاملًا جوهريًا فى تلك الحركات أو التيارات هذا إذا نجحت هذه الجمالية الجديدة فى التجمع فى شكل حركى جماعى، وهو أمر صار الآن أصعب عن ذى قبل.
كذلك أعتقد أن حالة الفردية التى تطرحها مفاهيم منصات التواصل الاجتماعى القائمة سيكون لها دخل فى شكل هذه التيارات المرتقبة.. خاصة مع انهيارات لقيم التعلم الأكاديمى والرسمى فى مقابلة سيولة مفرطة فى وسائل المعرفة، كما أننى أعتقد أن طبيعة الجيل.
والذى اعتقد انه لن يقرأ ما نكتبه هنا.. لكنه سيؤثر بقوة فى حركات الفن السائدة، ويذهب إلى مسرح مرتبط بفنون الديجتال والانستليشن وأنماط غريبة ظهرت خلال الفترة القليلة الماضية كالتيك توك والبود كاست كل هذه ستكون منطلقات لمسرح مستقل جديد ينطلق أوسع وأكثر حرية، ولا يمكن أبدًا ان نضعه فى فضاءاتنا القديمة التى كنا نحلم بامتلاكها منذ ثلاثين عامًا.. فأنا أعتقد أنهم سيتحررون من واقع البنى القديمة وسيكون الفضاء المسرحى مستقبلًا هو خليط ما بين المكان بمعنى مادى والفضاء بمعنى افتراضى.
المسرح المستقل كان تيار لديه مشروع فكرى وفنى وثقافي
وطرحت المخرجة عبير على وجهة نظر مختلفة فقالت: لا أعتقد أن الآن يوجد مسرح مستقل، لكن هناك ممثلين ومخرجين وفنانى مسرح يقدمون عروضًا مسرحية، فحركة المسرح المستقل كانت تيارًا، وكانت عبارة عن مجموعة من الفرق تشكل مجموعة التوجهات يعملون مع بعضهم البعض على هذه التوجهات عبر عروض مسرحية تتطور بوجودهم مع بعض كمجموعات عمل وكل مرة يختلف عملهم ويتطور عبر رحلتهم سواء سواء بالاحتكاك مع الجمهور أو بالجدل والنقاش حول تجربتهم تيار المسرح المستقل كان تيار يعمل بآليه مختلفة عن آلية المسرح الرسمى، والقائمون عليه فنانو مسرح محترفون بمعنى أنهم مستمرون فى مهنتهم ويملكون أدواتهم بشكل جيد، وتابعت: ووجهة نظرى أنه لا يوجد الآن مسرح مستقل، ولكن هناك مجموعة فنانين يقدمون تجارب مسرحية هنا وهناك بعضها جيد وبعضها يعتبر نشاط هواة وبعضها يصل لحد من الإحترافية عالى إلى آخر ذلك ولكنها مشاريع متفرقة، وأضافت: حركة المسرح المستقل كانت موجودة منذ تسعينيات القرن الماضى كانت حركة عبارة مشاريع مسرحية لمجموعات من المسرحيين الذين يمتكلون أفكارًا ومشاريع مغايرة سواء على مستوى التقنية أو على مستوى الشكل الإنتاجى أو على مستوى الجمهور المستهدف أو على مستوى العناصر القائمة على المشروع، فكان الأمر مختلفًا، ومن هنا جاء مفهوم الاستقلال أن المسرح المستقل كان تيار لديه مشروع فكرى وفنى وثقافى وتقنى، وفى نفس الوقت كانت هذه المجموعات مستمرة وتنمو وتتطور فكانت تملك مشروعًا واستمرارية، واستطردت، قائلة: معنى كلمة “الاستقلال” يعنى أن طرحها مغاير ولا تهدف للربح بمعنى أنها تقدم فنًا وتفتح شباك تذاكر ولكن لتوفير أجور العاملين بها وليس بغرض تجارب مثل مسرح القطاع الخاص فمسرح القطاع الخاص حتى يرضى الجمهور المتلقى كان يقيم مشروع تجارى يجب أن يحقق أكبر قدر من المبيعات ولكن فى المسرح المستقل كنا نطرح مشروع فكرى وفنى وثقافى ومسرحى نستهدف أن يشاهده أكبر عدد ممكن من الجمهور ولكن سعر التذاكر تكون فى متناول أيدى الجمهور؛ لأننا لا نستهدف سوى أجور العاملين فى المسرح وهذا كان مفهومنا فى تلك الفترة وهذه الفرق كانت تحتاج أن الدولة تكون مدركة أن المخصص المالى للثقافة والمسرح هو مخصص مالى للمسرح كله بكل أنواعه سواء حكوميًا أو أهليًا؛ وبالتالى كان يجب أن يكون فى هذه الميزانية جزءًا منها يعلنه سنويًا، ويتم استقبال مشروعات وأن تكون هناك لجان تختار المشروعات المسرحية للفنانين خارج مؤسسة الدولة ويتم إنتاج عروضهم ككيانات ويتم تقديم دعم إنتاجى للمشروعات الفائزة كل عام وتقوم بعناصر الفرقة من الألف للياء بعناصر الفرقة بعيدًا الجاهز الإدارى والإنتاجى للدولة، وكان هذا كان من الممكن أن يتم عن طريق صندوق التنمية الثقافية، وبالفعل أصدر د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، وحدة دعم المسرح المستقل، وبالفعل كانت حلقة الوسيط بين الدولة وبين المجتمع المدنى، وكان من المفترض أن توضع المخصصات المالية فى صندوق التنمية الثقافية وقد قام الفنانون المستقلون آنذاك بعمل لائحه تدير العلاقة بين المؤسسة الرسمية والمسرح الأهلى، وهذه اللائحة راجعها مستشار وزير الثقافة، وكان من المفترض أن تعتمد ولكن توقف كل شىء وكانت وحدة دعم المسرح المستقل بقيادة دكتورة نهاد صليحة وتضم عددًا كبيرًا من الفنانين المستقلين؛ منهم الكاتبة رشا عبدالمنعم والدكتورة مايسة زكى والفنان محمد عبدالخالق والفنانة نورا أمين وفنانون آخرون.
المسرح المستقل.. هل ما زال مستقبلًا؟
فيما تحدث الناقد د. محمود سعيد عن المسرح المستقل فقال: المسرح المستقل أعتقد الكلام عنه يستوجب العودة للأصول أو بدايات الفكرة منذ الريحانى والكسار وفاطمة رشدى فهو على المستوى المحلى كانت فرقًا مستقلة لا علاقة لها بالدولة هى فرق خاصة وعلى المستوى العالمى لدينا عشرات الأمثلة مثل جاك كوبوه ويوجينو باربا وغيرهم أيضًا ينطبق عليهم لعبة الاستقلال.. إن السؤال الأهم ماذا يعنى الاستقلال؟ وما حدوده؟ وهل أنتج المسرح المستقل بمصر اتجاهًا فنيًا؟ خاصة أن معظم التجارب كانت نتاجًا ملموسًا للفرجة الغربية خاصة المسرح البريختى، كما كان الإنتاج المسرحى فى بداية الستينيات ومسرح المائة كرسى وتجارب كرم مطاوع وسعد أردش، أى أننا أمام لعبة دائرية تتكون وتتسع وتتحول وتضيق وتنكمش. إلا أنها موجودة ولا يمكن تجاهلها، فمع اللعب على التغريب والغريب وغير المألوف انطلقت تجارب المسرح المستقل، ذاك المسرح الذى لم يجد من يستوعبه فلجأ إلى لعبة الاستقلال.. فظهرت تجارب عديدة من حسن الجريتلى إلى محمد عبدالخالق إلى عزة الحسينى إلى نورا أمين إلى عبير على.. وربما كان الراحل منصور محمد فى بداية التسعينيات كان يمثل أبرز تلك التجارب، والتى كتبت عنه الراحلة د. نهاد صليحة بعد رحيله أنه حلم تحطم سريعًا.. وأعود لكلمتها تحطم.. وأعود واسأل هل تحطم حلم المسرح المستقل أم ما زال الحلم قائمًا؟ لا يمكن فصل المسرح المستقل عن المسرح الجامعى وخاصة مع نهاية السبعينيات، والتى أنتجت وأفرزت لنا العديد من الأسماء التى سارت بالمسرح المصرى بشكل عام لاتجاه مغاير ومختلف وهذا كان بتوازٍ مع الوضع السياسى القائم، إذ إن المسرح المستقل جاء نتاجا لواقع سياسى واجتماعى واقتصادى فى الثمانينيات كان يشبه الصدمة التى لا بد لها أن تحدث أثرًا متناميًا على كل مفردات اللعبة وقد كان، وللحق أقول إن اللعبة اختلفت على مسرح الدولة والمستقل أيضًا، فالفترة الزمنية هى التى أوجدت مثل هذا المسرح، جاء كرد فعل للواقع المحيط بكل أشكاله.. وبدأ يدخل المسرح المستقل إلى لعبة الاعتراف الرسمى والانكار الرسمى وما بين الاقدام والأحجام دار المسرح المستقل، ودارت المؤتمرات والندوات التى تحاول أن تخلق له كيانا رسميا للاعتراف به، وأعتقد أن اكبر سقطه للمسرح المستقل كانت سعيه بكل قوه نحو الاعتراف الرسمى والدعم الحكومى فإنه لو سار على نفس الوتيرة كان سيصل الى كل الأحلام بشكل أفضل، فمع سعى معظم رواد المسرح المستقل لاقتناص الاعتراف الرسمى بهم بدأت مرحله التشتت والشتات، ليسافر البعض خارج البلاد مثل نورا امين وتحقق نجاحات ملموسة ويلتحق ويلتحم البعض بفرق الدولة أو مرحلة التعاون مع المراكز الثقافية مثل الهناجر والمركز الروسى والمركز الفرنسى ثم بدات مرحلة المهرجان فى دوراته الخمس من 2002 إلى 2006.. وتلك كانت أخطر مرحلة؛ حيث بداية الاختفاء التدريجى على الرغم من زيادة الفرق المستقلة.. وما بين الداخل والخارج سارت وتجولت وتحولت الفرق المستقلة، وتوزعت ما بين المراكز الثقافية فى الداخل والخارج لتؤدى رسالتها، وهى رسالة بكل تأكيد راقية ومميزة.
وأضاف سعيد قائلًا: ولكنى ما زلت أؤكد أن نقطة ضعفها كانت فى الإصرار على الانضمام للدولة بأى شكل.. يا ليتهم ما أصروا واستمروا فى عروض التسعينيات البسيطة المميزة التى لا تنتظر دعمًا إلا بالجهد الحقيقى لكل فرقه.. لهم كل الاحترام والتقدير.
المسرح المستقل بالنسبة لى هو مشروع مسرحى
وطرح المخرج سعيد سليمان وجهة نظر مخالفة لما سبق فقال: يجب أن يحدد مفهوم المسرح المستقل لأن هناك خلطًا بين المسرح المستقل وبين مجموعة من الأفراد يقدمون عرضًا مسرحيًا من الهواة ولا أقصد التقليل منهم أبدًا المسرح المستقل بالنسبة لى هو مشروع مسرحى وليس مجرد فرقة تضم أعضاء وتقدم عروضا مسرحية، فالمسرح المستقل له مشروعه وفلسفته وطموحه الخاص جدًا من فرد أو اثنان يقوموا بتكوين هذا الجانب والعناصر التى تدعم هذا المشروع الطموح الذى يهدف قد يكون تطوير من أساليب الممثل فى اتجاه معين أو تكنيك معين أو تطوير أو تطبيق منهج قد يكون ليس متعارف عليه فى المسرح أو تبنى هذا المنهج من هذه المجموعة أو تجريب على خلط أو الاستفادة من بعض المناهج فى خلط معين أو اختراع وتجريب اتجاه مختلف بناء على ثقافة مختلفة أو بناء على دراسة مختلفة لمشروع أو تكنيك او مدرسة أو منهج، وهو المسرح المستقل من وجهة نظرى وليس مجرد مجموعة يقدمون عرضًا، وبالتالى نشاهد عرضًا مثله مثل العديد من العروض لذلك نجد بعض العروض القليلة جدًا والنادرة لديها بصمة ولديها مشروع وفلسفة من وراء تجمعها واختيارتها؛ إذن بناء على ذلك هذه الفرق حتى وإن كانت قليلة ولديها مشروع فلسفى وتقنى تريد تحقيقه فيما بعد سيكون الأمر سهلًا، فالذى يتملك مشروعًا لن يتوقف عند فكرة “الدعم» والذى يمتلك الشغف والتجريب والطموح والذى يمتلك روحًا جياشة من خوض عالم مجهول وتجارب مختلفة مبنية على دراسة وعلم سنجده يحاول يطبق مشروعه بأبسط الإمكانيات، وتابع: يسعدنى أننى فنان مستقل وسأظل مستقلًا فى البدايات طبقت فكرة مختلفة وقدمت عروضًا فى غرفة داخل مركز شباب وكان لدى مشروع غير تقليدى بالمرة طبقًا للسائد والمعروف آنذاك، وبالتالى هذه الغرفة لم يكن بها اى شىء اعتمدت على نور الشموع وتعاملنا بالحبال والكراسى دعيت فى هذا العرض مجموعة كبار الأساتذة مثل الدكتور أحمد سخسوخ وأشاد بالعرض موضحًا أننا إذا استمررنا سيعرف العالم ماذا نقدم فى هذه الغرفة؛ لأنه كان يعى بصفته أستاذا أين تتجه الحركة المسرحية العالمية؛ بسبب رحلاته المختلفة إلى برلين وفرنسا وغيرها من العواصم العالمية.
هناك أزمة عالمية
فيما أوضحت منى سليمان مدير وصلة للفنون عن فكرة تراجع المسرح المستقل فقالت: الفرق المستقلة ليست متراجعة ولكن الوضع برمته فى العالم يشهد تراجعًا كبيرًا فهى أزمة عالمية، فهناك مهرجانات فى دول ما كانت تستضيف عروض تتكون من عشرة وخمسة عشر فردًا أصبحوا يطلبون عروضا للمونودراما والديودراما وهى مهرجانات كبيرة للغاية دولية، فاليمين يحكم العالم واليمين اتجاهاته ليست فنية على الإطلاق ويضاف علينا الأزمات التى تحدث من حولنا اقتصاديًا وسياسيًا وآمنيًا ومن المتعارف عليه أن الفنانين المستقلين التى لا تنتج لهم الدولة وأصبح الأمر يضم القطاع الخاص؛ لأنه المسرح ليس به مكسب مالى بمفرده يجب أن تدعمه إحدى الجهات ففكرة أن العروض المسرحية تعود بعائد مادى بمفردها لم تصبح موجودة الآن، لأنه ليس هناك ثمن تذكرة تغطى أجر فنان أو نجم فى القطاع الخاص فى يوم واحد لأن ما يحصل عليه النجم من عائد مادى فى الدراما لن يحصل عليه فى المسرح وحتى يتم استقطاب نجم مشهور يعمل بالمسرح يجب أن يحصل على أجر باهظ وحتى وإن كان ثمن التذكرة كبيرا لن يغطى تكلفة إنتاج العرض، فالمسرح دائما أبدًا يحتاج داعمين سواء دعما من الدولة أو قطاع خاص أو مؤسسات مجتمع مدنى أو مراكز ثقافية وتابعت قائلة: فرص الإنتاج قليلة للغاية فالمؤسسات التى تنتج عروضا مسرحية قليلة للغاية فلن نجد فى مصر جهة تنتج عروضًا للمستقلين سوى واحدة أو اثنتين، ولها علاقة بالمراكز الثقافية الأجنبية، ولكن لا توجد جهة محلية تقدم منحة دعم أو دعوة مفتوحة للإنتاج فعلى سبيل المثال اعمل فى أحد الفعاليات الخاصة بالرقص المعاصر والأزمة التى تواجهنا كل عام من سينتج العرض المصرى ؟ فالمراكز الثقافية تقدم دعما بشرط أن يكون هناك شريك من الدولة ومسارح الدولة لديها أزمة مع المستقلين؛ لأن الميزانية تغطى الفرق المسرحية التابعة لها وفكرة الدعم والشراكات عويصة بشكل كبير والسؤال من هى جهة الإنتاج التى تنتج للمستقلين بمصر.
الفرق المستقلة تعانى وتعافر
المخرج محمد حافظ مخرج فرقة يوتويبا أشار قائلًا عن المسرح المستقل وتحدياته: المسرح المستقل فى مصر يمر بأزمة شديدة ومنعطف خطير حيث إن التكلفة فوق طاقة أى فرقة مستقلة فأسعار الخامات للديكور على سبيل المثال تضاعفت أكثر من مرة فى أكثر من وقت وباقى العناصر التى تحتاج إلى تكلفة أصبحت فوق قدرة الفرق المستقلة والفرق المستقلة لا تجد من يدعمها ولا تستطيع التشبيك مع المؤسسات المانحة ولا يوجد لها دعم من وزارة الثقافة على سبيل المثال كأحد الجهات المنوط بها تنشيط الحركة الفنية. وتابع: ولنفترض أن الفرقة المستقلة قد دبرت مصاريف الديكور والملابس والبروفات فنجد أنها تقف عاجزة أمام تقديم مجهود الشهور لدفع ايجار ليلة مسرحية على أحد المسارح الخاصة، والتى أصبح إيجار الليلة الواحدة بها بمبالغ يعجز اللسان عن ذكرها، كما أن مصاريف الدعاية لفئات الجمهور المستهدفة كبيرة مقارنة بنوعية الجمهور الذى يذهب إلى المسرح المستقل نجد أن المحصلة عجز رهيب فى الإيراد ولا يساوى حتى تكلفته باختصار الفرق المستقلة تعانى وتعافر من أجل تقديم شىء يحبونه، ولعلنا نعرف أهمية الفن فى حياتنا أنه يستطيع أن يقلل من الجريمة.
المنح البسيطة سواء من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية مهم
قال الممثل والناقد الفنى وليد الزرقانى عن المسرح المستقل: المسرح فى مصر بكل أشكاله موجود وسيظل موجودا، وبالطبع الإنتاج هو عنصر أساسى، لكما كان الإنتاج أكبر سواء فى ميزانية العرض أو مكان عرضه؛ كلما كان هذا مفيد للعملية المسرحية نفسها.
والمسرح المستقل مستقل بإنتاجه، وهو أمر طبيعى لأنه مستقل عن المؤسسات الكبيرة خصوصًا مؤسسات الدولة. واعتقد انه حاليا كل شىء أساسه الإعلام والاعلان، خاصة بعد تطور الإنترنت والسوشيال ميديا، أصبح مهما جدا إلقاء الضوء على المسرحيين المستقلين بمشاكلهم ومتطلباتهم، على سبيل المثال الحديث عنهم مثلما يكتب فى الصحف والجرائد والمجلات، أيضا تسليط الضوء عليهم فى التليفزيون وأيضا الإنترنت.
أنا شخصيا ليا تجارب فى المسرح المستقل، وكانت بفرقتى الخاصة فى بداياتى، وكانت أهم مشاكلى كيف سأعرض وأين سأقدم عرضى ثم ميزانية العرض نفسه، وهو كان آخر ما أفكر به، فكنا مثلا نأجر الملابس، وكنا نصنع الديكور بأنفسنا، وكنا نحصد جوائز رغم ضعف الإنتاج.
وأضاف: اعتقد أن الورش المسرحية مهمة جدا خصوصا للشباب وأصحاب الفرق المستقلة، مثل ورش التمثيل والإخراج والكتابة والإضاءة، ويجب أن تكون متاحة ورخيصة حتى يستفيد بها أكبر عدد ممكن، وفى النهاية المستفيد هو المسرح المصرى، وأيضا المنح البسيطة سواء من المؤسسات الخاصة أو الحكومية مهمة حتى وإن كانت مرة فى العام، حتى وإن كانت الفرق المستقلة تنتج من نفقاتها الشخصية فهى تحتاج إلى دعم مؤسسى.