العدد 916 صدر بتاريخ 17مارس2025
استقبل مسرح مديرية التربية والتعليم بالشرقية فى الأيام القليلة الماضية عرضا مسرحيا لذوى الاحتياجات البصرية من المكفوفين وضعاف البصر وذلك في إطار مسابقة المسرح المدرسي لعروض مدارس التربية الخاصة التي تقيمها سنويا إدارة الأنشطة الثقافية بوزارة التربية والتعليم، وقد اشتمل هذا العرض الذي شاركت به مدرسة النور للمكفوفين بالزقازيق على مفارقة جديدة ولطيفة وتستحق أن نتوقف عندها ونتأملها بشيء من الدقة في ظل رصدنا المستمر لمستجدات مسرح ذوى الهمم طوال العقدين المنقضيين ولاسيما مسرح مدارس المكفوفين وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي كان مهملاً على مستويات عدة ومستمرة بالمسرح المدرسي الذي يتعامل في كثير من الأحيان مع النشاط المسرحي بالجدية نفسها التي يتعامل بها مع غيره من المواد الدراسية ولذا يجدر بالذكر القول بأن كل محافظة من محافظات مصرنا الحبيبة يكون بها مدرسة واحدة لتعليم المكفوفين لأن أعداد الطلبة من طالبي التعليم العام من المكفوفين في كل محافظة لا يحتاجون إلى أكثر من ذلك لتعليمهم أما باقى المكفوفين فإما أنهم يحرمون بمعرفة ذويهم من العملية التعليمية أو يتم إلحاقهم بالتعليم الأزهرى الذى غالباً ما يجدوا أنفسهم فيه لاعتماده بصفة أساسية علي قدرتهم على التركيز والحفظ لأنهم أي المكفوفين أكثر الناس قدرة علي الحفظ بما يمتلكونً من تركيز بسبب غياب الرؤية التي يترتب عليها قدر من عدم الانتباه والتشتت ولذلك نراهم أقدر الفئات علي حفظ الأشياء وقد تعامل الطلاب هذه المرة مع مسرحية «وجهة نظر» وهي مسرحية شهيرة كتبها للمسرح منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود الكاتب الأشهر في الدراما المسرحية المعاصرة (لينين الرملى) ليعالج فيها موضوع يتعلق بسوء تعامل بعض المؤسسات الأهلية مع ذوى الأحتياجات البصرية من خلال مؤسسة لتأهيل المكفوفين يفترض بها أن توفر لهم العمل المناسب مقابل أجر رمزى ورعاية صحية وغذائية وكل رواد هذه المؤسسة من ذوى الاحتياجات البصرية ممن يفترض أن تبذل المؤسسة جهد كبير للتأكد من أنهم يفتقدون إلى البصر لكي تلحقه بالمؤسسة ويتلقى المركز ذات صباح نزيل جديد محير يدعى «جمعة الشواف» ومن اسمه نتوقع أنه حاد الرؤية لذلك تتردد الإدارة فى قبوله من دون اختبار للتأكد من أنه فاقد البصر خصوصاً وإنه يملك بصيرة حادة يربك بها من يتعامل معه حتي أن أغلب المحيطين به يعتقدون أنه يرى بالفعل لقوة بصيرته وحدة ذكاؤه الذي جعله يفهم كل شيء حول المؤسسة في وقت بسيط وهو كذلك سرعان ما يخطط لثورة داخلية تهدف إلي محاربة الفساد الذي استشري في المؤسسة والنيل منهم ولتحقيق ذلك يحصل «جمعة» بطريقة ما على خطاب وارد إلى المؤسسة ويخفيه هو وزملاؤه من رواد المؤسسة الذين يبحثون بعد ذلك عمن يساعدهم فى قراءة هذه الرسالة أو هذا المستند لكي يقدموا شكوى بالمستندات ولكي يتقدمون فى تحقيق ذلك يستعينون بأحد العمال الذي يتقبل برحابة صدر ما يقدمودن له من رشوة ولكنه لا يستطيع أن يساعدهم في القراءة لأنه أمي و بالرغم أن أغلب وظائف الكون تشترط التعليم في اختيار موظفيها فقد عين هذا العامل من دون أن يكون لديه أى قدر من العلم والمعرفة لأن الأمر على حد تعليق «جمعة الشواف» أن وظائف هذه المؤسسة إشترطت الجهل حتى لا يعلم بأى شيء مما يجرى بها، وقد قام بهذه الأدوار التمثيلية طلبة وطالبات مدرسة النور للمكفوفين بالزقازيق بحب كبير وخفة ظل شديدة ومنهم الطالب «عبدالله محمود» الذي قام بتمثيل دور «الشواف» محاكيا الفنان الكبير ونجم الكوميديا اللامع (محمد صبحى) وقد أستطاع «عبدالله» كذلك فيما يخص الأداء الحركي أن يؤدي كثير من الحركات اللازمة لهذه الشخصية أما الصوت الذي كان يؤدي به «محمد صبحي» فقد تمكن من محاكاته بصيغة جيدة لأنهم كما قلنا يملكون موهبة المحاكاة بدرجة كبيرة بينما تكون مشاكلهم في الأداء الحركي الذي يمثل تحدى كبير عند المكفوفين الذين يجدون معاناة كبيرة في أداء الحركة المسرحية ومع ذلك نراهم يحاولون طوال الوقت بكل ما يمتلكون من صبر وعزيمة لكي يقدموا عروضا مسرحية مرضية، ومن الجدير بالذكر أن ما يبذلونه من جهد لكي يقدموا العرض أضعاف ما يبذله إخوانهم المبصرين وذلك لكي يحاولوا إسعاد جمهور المسرح الذى يكون إسعاده أهم مطلب عند صناع العروض المسرحية والمكفوفين هنا يحاولونا إمتاع مشاهديهم بحركات مسرحية لا يتقنونها ولا يرونها ولا يفيدون منها بأي طريقة من الطرق ورغم ذلك يتعبون أنفسهم لأجل إسعاد الآخرين وذوى الاحتياجات البصرية يرهقون أنفسهم جدا لأجل تعلم الحركة المسرحية وتنفيذها بأكبر قدر من الاجادة لأجل مشاهديهم والمفارقة التي نوهت عنها في مطلع مقالي تتعلق بمستقبل الإبداع التمثيلي عندما يتوفر لدينا ممثلين من ذوي الهمم مثلما في هذه المسرحية التي أغلب ممثليها من المكفوفين هل يفضل أن يكلف المكفوفين بتمثيل أدورهم أم نستعين بالمبصرين لكي يبذلوا جهود كبيرة في الحفاظ علي مظهر العميان بينما المكفوفين هم أنفسهم موجودين، وهو ما أظن أن مثل هذا العرض يفتح المجال أمام الباحثين لدراسة هذه المسألة التي لا ينبغي القطع فيها من دون فحص دقيق، وقد قام بتمثيل دور «صفية» النزيلة ضعيفة البصر التي تعمل بكل إخلاص في انتظار أن تخضع لجراحة قريبة ترد لها بصرها وهو الدور الذي قامت به النجمة المتميزة «عبلة كامل» وفي هذه المدرسة قامت به الطالبة «جاسمين طارق» بخفة ظل كبيرة وروح جميلة أثرت الشخصية وجعلتها تدخل قلوب مشاهديها لفرط الصدق في تكوين عصب الشخصية وهو افتقاد البصر ومعاناة الشخصية من أجل الظهور بمظهر من يمتلك بقايا إبصار وهي صفة لازمة عند كثير من الفتيات ضعيفات البصر والمكفوفات ومن أبرز الطلاب المشاركين أيضا «محمد راضى» الذي قام بدور «مسعود» الرجل الثاني في التكوين الخاص بمقاومة الفساد بالمؤسسة بخفه ظل كبيرة أيضاً فيما شاركت الطالبة «أمنية صلاح» بدور نزيلة أخري بالمؤسسة ولما تفشل محاولة الشواف قراءة الرسالة بواسطة العامل يحاول مع أقرانه مجددا قراءة الخطاب من خلال بصيص البصر الذي عند «صفيه» والتي في إطار كوميدي تقوم بجهد خارق لا تصل منه إلي شيء وعلي صعيد موازي تتجمل المؤسسة وتغطى فسادها أمام وسائل الإعلام وأمام الضيوف الأجانب الذين يدعمون النزلاء من المكفوفين.
وهكذا قدم التلاميذ وجبة مسرحية خفيفة جداً ولطيفة وجدت استجابة قوية من الجمهور الذى استمتع بالمسرحية وبما فيها من كوميديا وكذلك أشاد بها الأساتذة أعضاء لجنة التحكيم المكلفة من وزارة التربية والتعليم بمشاهدة العروض والذين أحسنوا التغاعل والاستجابة مع كافة العروض وقاموا بتشجيع الطلاب المشاركين في المسرحية بشكل تربوى يؤدى كما نعلم إلى مزيد من حب هؤلاء الطلاب للأنشطة المدرسية ذات النزعة الأخلاقية والتربوية وهو ما عزز من تمتع الطلاب بممارسة المسرح المدرسي التي من أهم فوائدها دعم الروح المعنوية وحب هؤلاء الطلاب ذوى القدرات الخاصة للمسرح المدرسى الذي بادلهم حبا بحب وأحبهم المسرح بكل طاقته على العطاء والحب.